|
الدين و تغييب المصريين
مرثا بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 21:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتردد كثيرا علي مسامعنا مقولة ان الشعب المصري شعب متدين ، و الغالبية منا لم تسال أو تفكر لماذا كل هذا التدين ؟ ، و الإجابة علي هذا السؤال تبدو واضحة جلية بين سطور التاريخ المصري ، فمنذ عصور ما قبل التاريخ و الدين هو المكون الرئيسي في الثقافة المصرية و الموجه أو المحرك الأساسي لأفعال و ردود أفعال غالبية المصريين ، و هذا ما استغله فراعين مصر لترسيخ فكرة الحكم الفرعوني الإلهي ، و أصبح الملوك آلهة و أنصاف آلهة ، مما أحاطهم بهالة من القداسة من قِبل شعب ينظر له الحكام علي انه ملكية مطلقة عبيد و إماء يعملون و يكدون من اجل راحة الملك و حاشيته ، و قد اُستغلت الديانات المصرية القديمة أسوء استغلال ، و زاد نفوز رجال الدين حتي أصبح في استطاعتهم إسقاط ملك و تنصيب آخر و إعطاء الشرعية لأحدهم و تأليب الشعب علي آخر ، و لا أدل علي نفوذهم هذا أكثر مما فعلوه مع اخناتون ( أمنحتب الرابع ) حين اسقطوا ديانته الجديدة و حاولوا طمث معالمها بكل ما أتوا من قوة و سلطان فور وفاته ، لقد كان الحاكم يستمد شرعيته من تأييد و تعضيد رجال الدين ، و عندما ضعفت الحضارة المصرية القديمة وبدأت في التلاشي و أصبحت مسرحا لغزوات الشعوب الاخري ، أتي عليها الفرس و الإغريق و من بعدهم الرومان ، و لم تكن وسيلة تقرب هؤلاء الوافدين من المصريين سوي الدين ، من خلال التظاهر بالتعبد للآلهة المصرية ، و عندما تحولت مصر للمسيحية ، تمسك المصريون بمسيحيتهم رغم هول ما عانوه من اضطهاد في العصر الروماني ، و عند غزو العرب لمصر تحول غالبية المصريين للإسلام ، و عند هذا الحد توقف الذوبان و الانصهار بين المصريين ليقفوا عند فريقين ، إما مسيحيين أو مسلمين و شيئا فشيئا تناسي الفريقين هويتهما كمصريين و صارت الهوية بفعل رجال الدين هي هوية الدين و ليس الوطن ، و هذا ما عمق الفرقة بين الفريقين من أبناء الوطن الواحد ، و بالبحث عن اصل المشكلة ، و هي تغييب المصريين بفعل الدين أو بالاحري بفعل استغلال الدين في الوقت الحاضر ، فسنجد انه رغم دعوة المسيحية بشكل قاطع للشك بضرورة المواطنة الايجابية من خلال المشاركة المجتمعية البناءة علي كافة الأصعدة ، إلا ان المسيحيين ظلوا غائبين عن المشهد ، و ذلك نتيجة للإقصاء الممنهج ضدهم من خلال قيادات النظام الحاكم ، و هذا ما دعاهم بالضرورة للاختزال داخل أسوار الكنيسة لتكون حصنهم و ملاذهم من الظلم الواقع عليهم . و علي الجانب الأخر ، فسنجد انه رغم دعوة الإسلام في كثير من الآيات المكية باللجوء للسلم و الدعوة بالموعظة الحسنة ، إلا ان الكثيرين من رجال الدين يستخدمون الآيات المدنية كوقود يشعلون به حماسة البسطاء من المسلمين و يحركونهم لا لخدمة الإسلام كما يوهمونهم ، بل لخدمة مصالحهم ، يقولون بانه لا وساطة في الإسلام بين العبد و ربه و ينصبون أنفسهم اولاياء علي عقول المسلمين و أفكارهم ، و من خالفهم لا في العقيدة بل فقط في الرأي صار كافرا ، ينادون بتطبيق الشريعة و هم اول من يخالفها ، و لا أدل علي ذلك أكثر من موقف المملكة السعودية التي تطبق الشريعة الإسلامية من بن علي رئيس تونس ومبارك رئيس مصر بدلا من ان تنادي بقطع أيديهما لأنهما امتصا دماء شعبيهما سرقة ونهبا ، تحدت الشرق و الغرب لتؤويهما و تكرمهما ، فما أدرانا ان هذا لن يحدث في مصر إذا ما طبقت الشريعة الإسلامية ؟ ، يقولون ان الشرع يصون أخلاق الأمم ، إذا فلماذا يهرب العرب الذين يعيشون تحت ظل الشريعة ليبحثوا عن الفواحش هنا و هناك ؟ يقولون كيف نحكم بقوانين الطواغيت و نترك شرع الله ؟ فليجيبونا اذا لماذا نجحت و تفوقت دولة القوانين و ساوت في العدل بين رئيس الدولة و بين اقل المواطنين شانا فيها ؟ ، يقولون ان الشريعة الإسلامية تصون حق النصارى في ان يحكموا فيما بينهم بما انزل في الإنجيل ، لكن كيف سنحكم بين المسلم و المسيحي ؟ و ما هو موقف البهائي و الشيعي و غيرهم ؟ أليسوا جميعا مصريون و لهم الحق في المساواة الحقوقية و الاجتماعية ؟ و هذا ما لن يتحقق مطلقا بتطبيق الشريعة اي كانت لان مبدأ الأفضلية هو الذي سيسود ، و إلا فلماذا لم يحاكم الكثير من المسلمون بالإعدام عند قتلهم للمسيحيين ؟ يقولون لماذا لا نصير دولة إسلامية كما ان الفاتيكان دولة مسيحية ؟ أؤكد لهم ان المسيحية لا يوجد بها نصا واحدا يدعو لإقامة دولة دينية ، و قيام دولة علي أساس ديني مسيحي يتنافى تماما مع مبادئ المسيحية ، فالمسيح أسس بنشر الحب و السلام بين الناس مملكة في القلوب تتخطي حدود المكان و الزمان ، لذا فالمبدأ الأساسي فيها هو ان الإنسان كلما زاد حبا لله زاد حبا لأخيه الإنسان ، و هذا ما نتمناه جميعا مسلمين و مسيحيين ، أخيرا أتمني لمصرنا الحبيبة ان تكون دولة قانون يتساوى فيها جميع المصريين حتي لا يكون هناك غبن و لا ضغينة ، و أدعو كل إخوتي المسلمين المصريين ، ان يحكموا العقل في كل ما يسمعون و اذكرهم بقول نبي الإسلام ( انتم اعلم بشئون دنياكم ) و بقول المسيح كلمة الله ( كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم ،افعلوا هكذا انتم أيضا بهم ) ، فلنعود لهويتنا المصرية و يظهر كل منا إيمانه بإعماله .
#مرثا_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعبٌ اختل توازنه
-
أَحْلُمُ كَفَتَاةٍ شَرْقِيَّة
-
انا عربي .....انا رسالة
-
هنيئاً للحوار المتمدن للحوار الحر
-
خير امة
-
لست مع البابا و لست مع هؤلاء
-
زيدان و الاديان
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|