افراح لطفي عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 3315 - 2011 / 3 / 24 - 15:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هامش فلسفي على الدكتاتورية والثورة:
إن ما جرى ويجري من تغييرات مفاجئة حولت النظر باتجاه رؤى جديدة حول السياسات والسلطات ومن أهمها إعادة النظر بالشعوب كمصدر للقرارات المصيرية للدول..
وفي ظل التحليلات السياسية حول الأوضاع الجديدة احتل مفهوما الدكتاتورية والثورة وضعا خاصا لتفسير التغييرات ولعل البدء بتعريف تقريبي لهما سيكون مدخلا جيدا لفهم التغييرات الحاصلة على الساحة العربية على الخصوص:
• فالدكتاتورية هي حصيلة تراكم سلبي من الانجازات والوعود والحلول (الايجابية ان وجدت فليس مردودها للشعب بل للسلطة ) وان مصدر سلطة الدكتاتورية يتجسد في ادبياتها التي تدون مآثرها وانجازاتها بنفسها الخاص ما يجعل منها بطولات مقدسة ويسري سلوك التوعية بها بشكل قسري على الاجيال المتلاحقة .
• اما الثورة فهي حدث تطوري غير تراكمي يبدل فيه نموذج سلطوي كليا او جزئيا بنموذج جديد للحكم متعارض معه يهدف الى الايفاء بمتطلبات لم تستطع السلطة القديمة حلها..
• السؤال الآن هو لماذا تحدث الثورة ؟
اذا قلنا ان العلاقة بين الدكتاتورية والشعب تأخذ شكل الاحتقان المتزايد الذي يصل الى ازمة فشرارة قد تكون عرضية او مقصودة وربما خطأ ما تنتهجه الدكتاتورية هي كلها وسائل نحو تعبيد طريق الثورة ..
• لكن كيف تحدث الثورة؟؟ الجواب ياتي من معرفة الطبيعة السايكولوجية للانسان..فرغم ان الاستقرار هو هدف الانسان لكن خاصية عميقة تصرخ داخله تدعو الى التغيير اذا ما تشكل ظرف يستدعيه..
فاذا ما استعرضنا التاريخ في كافة المجالات سنجد ان الانسان لطالما تمرد على السكون والتراكم السلبيين : كوبرنيكوس وغاليلو في الفلك وهارفي وباستور في الطب ,لوثر في الدين , دارون , ماركس على صعيد الفكر ..الخ ..
اما في مجال الحياة العادية فكون الانسان منشغل بقوته اليومي وسبل عيشه فان ارادة التغيير القابعة في داخله سرعان ما تنشط اذا ما مورست ضغوط تمس انسانيته . وارادة التغيير هذه قادمة من ان الانسان قد فهم منذ ان وعى بانه طرف مهم في مجتمع طرفه الآخر الدولة سواء كانت ممثلة بفرد واحد او مجموعة افراد وجدت لخدمته والمحافظة على حقوقه ,وهو ايضا قد فهم انه الى جانب كونه يعي اهمية المحافظة على مصالح مجتمعه فانه يعي ان له حقوق يجب ان لا تمس واذا حدث العكس فانه يعني انتهاكا لحقوقه والتعرض لانسانيته بسوء وهو ما يمهد لتحفيز قد يصل الى حد التمرد .
• وقد عبر الماركسيون عن هذا بان تناقضا داخليا في المجتمع يتفاقم بحيث لا تستطيع الطبقة المسيطرة فعل شيء حياله حيث تتفجر قوى التغيير الخلاقة للجماهير نحو هدف تحويل المجتمع الى شكل آخر جديد غير معروف مسبقا ..
وهذا ان عنى شيئا فانه يعني ان المجتمعات التي تدخل في ازمة وطنية عامة تكون مرشحة لحدوث ثورة ....يعني ان (الازمة هي شرط اولي للثورة )....
• ويبدو ان الكثيرين قد تنبهوا الى اهمية الازمة لصنع الثورة فلو ذهبنا الى فلسفة العلم سنجد ان توماس كون قد قدم تفصيلات مهمة حول دور الازمة لصنع الاحداث يقول وهو في معرض مقارنته الازمة السياسية بالازمة العلمية : تتشكل الازمة مع تصاعد الاحساس الذي يكون غالبا قاصرا على قطاع من المجتمع السياسي بان المؤسسات القديمة لم تعد تفي على نحو ملائم بحل المشكلات التي تفرضها بيئة كانت تلك المؤسسات طرفا في خلقها والاحساس بسوء الأداء يؤدي الى بوادر ازمة من هنا يبدأ هدف ما يرتسم سائرا نحو تغيير المؤسسات السياسية باساليب تحظرها هذه المؤسسات ذاتها..
ولعل تصاعد الازمة بهذا الشكل يشير الى صورة نضوج العامل الموضوعي للثورة وفقا للمفهوم الماركسي فوفقا لهذا المفهوم (أي الماركسي) طريق الثورة يلزمه عاملان موضوعي وذاتي ..
• الموضوعي يتمثل بتفاقم الحرمان والبؤس بين الطبقات المضطهدة الى اقصى حد ما يؤدي الى ازمة تمس كلا المستغلين والمستغلين فالطبقات الحاكمة من جهة لا تستطيع ان تحكم بالطريقة القديمة والطبقات المضطهدة المتذمرة من جهة اخرى لا تريد العيش بالطريقة القديمة ..
ولو راجعنا أحداث اغلب البلدان التي حدثت فيها انتفاضات واحتجاجات سنرى كيفية تجسد العامل الموضوعي فظروف الفقر والقمع والبطالة كانت تمهيدا لنضوجه وسوء الأداء وسوء ادارة المؤسسات وسوء تقديم الحلول قد انضجه لحد القطاف ,فوصول البلاد الى ازمة يعني ان الاحتجاجات قد خلخلت الرؤى حيث تبدا رؤية الطبقات الحاكمة لاوضاع بلدانها من جهة تنحو نحوا يختلف عن رؤيتها السابقة والدليل اعلان الاصلاحات ومحاولات ترميم الاخطاء وبالمقابل تبدأ رؤية الشعوب تتجه نحو نموذج جديد لحل متطلباتها بعد ان تعذر الحل مع المؤسسات القديمة وهذه اجواء تعلن عن نضج العامل الموضوعي فاصبح الوضع مهيأ لخلق امكانية معينة لثورة ناجحة ومفردة (امكانية ) هنا تقودنا الى ان الثورة محتملة وليست يقينية ذلك ان حدوث الثورة بنسبة عالية يعني ان عاملا اخر يجب ان ينضج وهو العامل الذاتي..
• ونضوج العامل الذاتي يستدعي وجود طبقة واعية تمتلك الاستعداد والقدرة على أداء العمل الثوري ومع الثورات التي عاصرناها شهدنا هذا الوعي الذي كان الفيسبوك احد عوامل تجسده وبهذه المناسبة يمكن القول ان كنا على صواب ان هذه التقنية قريبة الى ما قصده جاك دريدا من الدعوة الى اممية جديدة المختلفة عن الاممية الشيوعية كونها لا تخضع لحزب او كيان سياسي كون المكان السياسي يفقد مركزيته أي يتفكك , يتمزق مع التقنية الحديثة وهذه الاممية اسماها اممية التضامن كونها تعالج مشاكل تعانيها مختلف الشعوب ك ( البطالة والإقصاء والمنفيين والحروب الاقتصادية وتهريب الاسلحة والنزعة الاثنية وسلطة الدولة والشبح والمافيا والمخدرات) واعتبرها الطريق الامثل للنضال السياسي..القصد اذن ان العامل الذاتي ينضج بوجود طبقة تشخص المشاكل وتعي صعوبة حلها مع نموذج السلطة القديم من جهة ومن جهة اخرى فان لديها الوسائل لتجسيد هذا الوعي وكان الفيسبوك هو احد اهم هذه الوسائل ,فمع نضوج هذا العامل اضافة الى العامل الموضوعي تكون الثورة قادمة اذن..
• واخيرا ووفقا لما شهدناه من ثورات وانتفاضات فان سؤالا يفرض نفسه وهو اذا كانت مسببات الثورات تقريبا متشابهة فهل هذا يعني ان حدوث الثورات التطبيقي متشابه ايضا ؟؟؟ نقول ان الثورات التي حدثت كان واقع حدوثها مختلف لسببين :
الأول: طبيعة المجتمع الدينية والاثنية والثقافية وطبيعة مشكلاته وخلفيات أزماته مع الدولة .
الثاني : مستوى الدكتاتورية, حيث اتضح مما شهدنا ان للدكتاتورية مستويات فهنالك مستوى يتمثل بتسلط فرد, مستقل عن الشعب, يعيش في عالم ارستقراطي, متعالي على هموم الناس,من أهم أهدافه إثراء نفسه وتأسيس حاشية تتمركز حوله كحزام واقي وان أعطى للشعب نوع من الانفتاح لكنه انفتاح خادع .
وهنالك مستوى للدكتاتورية آخر يكون فاشي فهو إضافة لما طرح في المستوى الأول فانه يخترق المجتمع بعسكرته ( أي عسكرة المجتمع ) فيجند ميليشيات من الشعب ضد الشعب هي عيون له ما يؤدي في حال إزالتها الى دم كثير ومشاكل جديدة لاسيما وإنها تعمل بالدرجة الأولى على شق الشعب الى موال وغير موالي...
وربما هنالك مستويات أخرى للكتاتورية قد تتشكل صورتها في الأيام القادمة الحبلى بالأحداث المتسارعة...
د.أفراح لطفي عبد الله
#افراح_لطفي_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟