تجليات الذات وقناع المديح

علي متعب جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3315 - 2011 / 3 / 24 - 01:36
المحور: الادب والفن
    

ينتمي هذا النص الى مرحلة متاخرة من حياة المتنبي وهو مؤشر الى ان الشاعر في هذه الفترة _ وبعد ان عاصر وعايش مجموعة من الملوك والامراء والولاة ورجع من دون تحقيق طموحه _ الى انه غير من فلسفته في الحياة وتخلى عن جزء من تطلعاته الشخصية . ها انه يحط بالكوفة مرة اخرى تثقله التجارب حلوها ومرها ، وكلاهما يخلفان في نفسه الما ممضا .
الملاحظة الثانية .
على عمق التجربة في هذا النص واتساعها ، الا اننا لايمكن اتيانه الا بالذاكرة التقليدية للشعر واعني ان النص ينتمي بنائيا الى العمود الشعري اذ يتهيكل في مفاصل "المقدمة ومنها الى حسن التخلص ثم المضمون الرئيس وانتهاء بالخاتمة " . الا ان هذه المفاصل خضعت لتصور واحد وجو نفسي واحد وتعاضدت مع بعضها "بايحاءات رمزية " لتكون نصا متالفا موحدا .
الملاحظة الثالثة .
هذا النص ياتي فاتحة عهد جديد مع سيف الدولة الحمداني بعد الازمة التي حدثت بينهما وهي معروف ، اذ يروى ان سيف الدولة بعث رسوله "ويقال ابنه الى المتنبي مع هدية " وطلب اليه العودة الى حلب . الا ان المتنبي رفض ويبدو ان رفضه تلبية لانكساراته المتوالية من جهة ومن جهة اخرى للتغير الذي حدث في رؤيته كما اشرنا قبل اسطر .
الملاحظة الرابعة .
مدخل النص .
اول ما تدهمنا به المقدمة لهذا النص انها خصصت للغزل شان مقدمات قصائد المديح العربية الا انها احتوت على بعدين اساسين يجدر الانتباه اليهما .
الاول . الطول الواضح فيها . واذا تعودنا مثل هذه المقدمات عند المتنبي في بعض قصائده الا انها لم تكن في قصائد مديح سيف الدولة ،وان كانت فان الشاعر يعمد في الابيات الاولى الاشارة الى الممدوح وان تكن اشارة رمزية كما في قصيدته "على قدر اهل العزم " التي يشير فيها الى الممدوح في البيت الثالث . في هذه القصيدة طول يستغرق اكثر من الثلث من دون ان يشير الى الممدوح الا في البيت ذي الرقم "17" طبعا نستبعد ان يكون هذا تقليلا من الممدوح كما فعل مع كافور في قصيدة "كفى بك داء " ويمكن تفسيره بانشغال المتنبي في مقدمته بما هو اهم ولاسيما التنفيس عن خوالجه الداخلية ثم ان القصيدة تاتي بعد فترة انقطاع عن الشعر . وهذا الامر سبق للشاعر ان تعامل به ، أي انه يستحص المقدمة لهمومه الشخصية ولا سيما اذا كان واقعا تحت ضغوطا نفسية شديدة .
الثاني . ان المعاني التي انتظمت هذه المقدمة على غير العادة تصب كلها في معاني الشوق والبعد والوسيط الخائن . ان تامل بنية المعنى التي عكستها المقدمة تنبئ بالاتي :
1. هناك معادلة يقيمها الشاعر بين طرفين حقيقي ومزيف .
المهم في الامر ان اكتشاف المزيف لم يتم من قبل المحبوبة مع انه مكشوف للطرف الاول . "والشوق حيث النحول " .
2. يخص الشاعر جزءا من مقدمته الى اظهار الورع والزهد في الدنيا "زودينا من حسن ..." وهي مايقصدها في البيت "سترتك الحجال ..." وليس كما جاء في شرح الديوان .وتتجلى في ابهى صورها في هذه الصورة التي استثمرت في بنيتها التشبيه التمثيلي "
"ان تريني ادمت بعد بياض فحميد من القناة الذبول "
هذان الامران في المقدمة يرتبطان عضويا في بنية القصيدة ومقصدية الشاعر ما يمكن القول برمزيتها . أي ان الشاعر يرمي في هذه المقدمة الى ما يعضد تجربة نصه كاملة ، فما لم يكن له ان يقوله في المضمون ،قاله في المقدمة . فهي تتضمن عتابا شفيفا الى سيف الدولة الذي لم يحسن التمييز بين الحقيقي والمزيف ويشير بشفراته الى ما كان قد حدث بينه وبين سيف الدولة وما كان من امر الوسطاء . لاننهي الكلام في المقدمة ما لم نشر الى التناسب البنائي الذي اورده الشاعر في مفاصل نصه وهو تناسب نوعي وكمي على حد سواء .
يرتبط بنائيا بالمقدمة مفصل مهم من مفاصل القصيدة العربية وهو ما يطلق عليه " حسن التخلص " . يشير ابن رشيق في عمدته الى ان المتنبي من اكثر الشعراء واحسنهم حسن تخلص . وهذا يعني ان المتنبي مدرك الى اهمية هذا المفصل البنائي ليوليه هذه الاهمية .
ينتمي "حسن التخلص "الى المقدمة والى الغرض او المضمون الرئيس "على حد سواء ، وهذا يعني انها تتوافق وسياقين بنائيين .
جاء حسن التخلص ممتدا على مسافة افقية تستغرق ثلاثة ابيات واتجه نصيا من خلال بنية المفارقة المتمثلة ب.
1. لااقمنا على.... المكان الطيب ____ الرحيل وعدم الاقامة "كسر التوقع .
2. كلما رحبت ... المكان الجديد ____ القصد"النية "حلب وهنا تتمثل الحركة العكسية أي السير شرقا بحسب القصد الفعلي والاتجاه غربا بحسب تداعيات الذات .
3. فيك مرعى "المكان الجديد"____ "الايماء الى حلب " قصد النية

ياتي المضمون دائرا في المعاني التقليدية "الشجاعة والبطولة وشيئا من الاعتذار الرمزي " وتحذيرا لسيف الدولة من الروم والبويهيين في بغداد فضلا عن افراد مجموعة من الابيات لخيل سيف الدولة . المتنبي يؤسطر هذه الخيول . انه يقدمها بصور اخاذة :
دهمته تطاير الزرد المح كم عنه كمايطير النسيل
تقنص الخيل خيله قنص الوح ش ويستاسر الخميس الرعيل
ويثير الانتباه في هذا النص اربع قضايا اسلوبية :
الاولى . التعبير عن المطلق والكلي
"كلنا جو ، انت طول الحياة ، ليس الاك ، قعد الناس ، واذا صح عنه ، الذي زلت عنه ،"
الثانية . بنية الشرط .
الثالثة . التقديم والتاخير
الرابعة . بنية التدوير

#علي_متعب_جاسم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات