|
فضاءات السيرة
علي متعب جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 07:50
المحور:
الادب والفن
فضاءات السيرة واحتمالات القول السردي قراءة في رواية خميلة الاجنة للدكتور علي عبد الامير صالح د. علي متعب جاسم جامعة /ديالى
اولا : في بنية العنوان لم يعد من الممكن التغاضي عن القراء ة النقدية لعنونة النصوص الابداعية ايا كان جنسها او شكلها .بوصف العنوان موجها دلاليا واجناسيا على حد سواء .وبوصفه ايضا عتبة تفضي الى الموجه المهم لقراء ة النص او استكمال الرؤية القرائية له . لاسيما وقد بدا الاهتمام واضحا بعنونة النصوص من قبل المبدعين أمرا ذا بال . حتى استفزت أقلام بعض النقاد والباحثين ليدرسوا شعرية العنونة "1" "بوصفها موجها قرائيا "2" . وشان معظم عناوين القصص والروايات ينبني عنوان رواية "خميلة الاجنة" تركيبيا من جملة اسمية تتمثل بالمبتدأ المحذوف ثم الخبر المضاف الى اسم اخر ,وهي قراءة نحوية تحيل الى اخرى فتختلف الدلالة بين التركيبين ,اذ يمكن ان يقدر المبتدأ المحذوف "هي خميلة الاجنة "وفقا للقراءة الثانية بالخبر المحذوف فيكون العنوان "خميلة الاجنة هذه "ئ فسحة تقدير المحذوف واملاء الفراغ بحسب مايستنتجه من قراءته . واذا كانت القراءة التركيبية لاتشعر بالنمط الاجناسي للنص _علما ان وجه الغلاف يخلو من المؤشر الاجناسي "رواية _قصة _شعر "فان هذا . ومن المهم الإشارة إلى البعد الرمزي المتجسد ببنية التركيب الاستعاري للعنوان الذي يواشج بين دلالة الخميلة وماتحيل إليه من نضارة وحياة والمضافة اصلا إلى الأجنة "جمع جنين "وما يمكن ان تعكسه من تداعيات الحياة لتأتي المفارقة كاسرة افق انتظار القارئ في الصفحات الاخيرة اذ تبدو هذه الخميلة "خميلة التماثيل البرونزية المهزومة من الحياة إلى الموت أو شاهد على قسوة ما بعدها قسوة . +ما يلاحظ في رمزية العنوان ان من عزلته الحياة تحت ظروف قاهرة في بناية متهالكة ,مجموعة من الشخصيات لاروابط مهمة بينها سوى انهم خميلة "دلالة التنوع " تتوق لفعل الحياة او لممارسة دورها في الحياة التي أجبروا على الخروج منها أحياء . وبالمجمل تتطابق الرؤية الدلالية للعنوان مع مجمل ما صورته الرواية من انهيارات متوالية لنفسية الشعب العراقي إزاء ما عاصره من مؤثرات خارجية جعلت منه جنينا يابسا خارج رحمه متفجرا داخله .
ثانيا :من السيرة الروائية إلى رواية السيرة
لاشك ان إسهامات الروائيين العراقيين وإضافاتهم تعددت وتنوعت في استحداث تقانات القص واختيار الرؤى البنائية لنصوصهم تأثرا بالكتاب العالميين والعرب , الا أن وتطابقا مع توجهات النصوص بانفتاحها الاجناسي على بعضها بدأنا نقرا نصوصا تجمع أكثر من جنس أدبي ضمن محتواها وبنائها مع ملاحظة بقاء المهيمن الاجناسي واضحا .ورواية خميلة الأجنة تنتمي إلى نسق الروايات المستثمرة ضمن آليات بنائها جنسا سرديا هو السيرة الموضوعية أو الغيرية , وفي هذا التشخيص تنضوي دلالات عديدة منها التقارب أو التطابق بين شخصيتي الراوي والكاتب والتمازج بين الواقعي والمتخيل والبناء التتابعي للأحداث والاعتماد على الذاكرة في سرد الأحداث او فلسفتها وفقا للرؤية الحاضرة وغير ذلك .يقول "البسته ربطة عنق زرقاء مزودة بشريط مطاط كان ذاك هو اليوم الوحيد في حياته الذي ارتدى فيه ربطة عنق كان يشمئز من ربطات العنق دوما ولايعرف ماهو سبب نفوره منها حتى هذه اللحظة ..... ربما تذكره بحبال المشانق او بانعدام الحدبات"81. فالربط بين ربطة العنق وحبل المشانق تحليل رؤيوي واستنتاج معاصر للحظة الكتابة وليس للحظة الفعل المتحقق في الزمن الماضي اذ غالبا ما يستعيد المرأ ذكرياته لاكما عاشها وإنما وفقا لما يدركه بوعي منها فهو يحلل ويربط ويفسر تماشيا مع معطيات الحاضر . يتداخل الكاتب مع الراوي في مواضع عدة من الرواية لاسيما في إيراد وقائع ذات صلة عميقة بما جرى من أحداث فهو يحقق فعلا تاريخيا ممتزجا بالرؤية السردسة "ينظر207 من الرواية " في حديثه عن الحرب وآثارها او عن الحرب الاهلية في لبنان أو عن الجنود الذين باعوا بنادقهم برغيف خبز ,ويتعلق بهذا الأمر شيء يمكن تسميته بالاستطرادات التي تتشكل احيانا بوازع التداعي الذهني أو التداعي اللفظي كحديثه عن الغجر الذي استغرق صفحات متوالية "199 _ 207 " تحدث عن دورهم الاستعراضي ودعمهم لصناع الحروب وان كنا نستشف البعد الرمزي المتمثل بهشاشة السلطة أومن يمثلها بالاتكاء على الدور الاستعراضي للغجر _ أو حديثه عن مرارة ما مر به العراقيون متخذا من حدبة سوادي حافزا على الحديث عن حدب /جراح العراقيين واستغرق اسطرا طويلة بشكل استطرادي او حين يبرز احدى شخصياته غير المؤثرة في مستويات القص بشكل مباشر مثل الحديث عن "ريسان " وهي شخصية صديقة للبطل اذ ياتي الحديث عنه بشكل ساخر "ومؤخرا سمع من احد زملائه الجنود انه أصبح وزيرا للطماطة التي تذبذبت أسعارها بشكل مذهل في السنوات الأخيرة ...... ارتفعت أثمانها مضاعفة بشكل لم تجد له وزارة الطماطة تفسيرا ولاتبريرا .....".
ثالثا. السيرة العنقودية
إن أهم ما يلاحظ في الهيكلية البنائية لهذه الرواية /السيرة أنها تتوالد عنها سير لشخصيات كثيرة فضلا عن سيرة الفضاء المكاني الذي تركت من الأحداث /مدينة الكوت , ما أمكن تسميتها ب"السيرة العنقودية " . لانتوي طبعا اجتراح مصطلح يضاف إلى أطنان المصطلحات التي تلوكها الأقلام في مدونة نقدنا العربي الحديث إلا إننا وجدناه مناسبا لتوالد السير المتعلقة بالشخصية الرئيسة .إن الأحداث تتكشف من خلال ملاحقة شخصية البطل سوادي , كما أن الشخصيات كلها تتوالى في الظهور تبعا لمراحل تطور شخصية البطل ,ابتداء من شخصية الجدة /فضة التي كان لها دور كبير في رسم طموحات سوادي وحياته مرورا بمجموعة من الشخصيات "أصدقاء سوادي في الشباب ,وحواء الخادمة ,وزرياب وتوينتي وعقيل ,الخ ..." طبعا لم تكن علاقة سوادي بشخصيات الرواية كلها على مستوى واحد ومن المهم الإشارة إلى أن تعامل الكاتب مع تلك الشخصيات لم تكن بمستوى واحد ولم يكن تعامله وفقا لمنطق الأهمية أو الدور الذي تلعبه الشخصية وإنما وفقا للمنطق الزمني وتوالي ظهورها في الحدث بعض هذه الشخصيات لاتنمي الحدث ولاتكشف عن عمق في التجربة ومع هذا يكون حضورها واضحا كما في شخصية الدكتور عباس الذي يلتقيه سوادي عرضا في الطريق بعد أن تتعطل عربة السيرك الذي يعمل فيه الأخير فيصطحبه الطبيب إلى بيته ليقص عليه مغامراته الجنسية مع النساء القرويات "158 . وبالمقابل هناك شخصيات تؤثر تأثيرا واضحا في مجريات الأحداث من خلال تأثيرها على شخصية البطل مثل "حواء الخادمة " التي كانت نافذة سوادي على العالم او شخصية زرياب التي بقي أثرها واضحا إلى نهاية الرواية . إن تعالق الشخصيات ببعضها وتناسلها ,افرز نمطا بنائيا امتاز بشدة النسج "اذا استثنينا طبعا بعض الشخصيات غير المفعلة للحدث كما أسلفنا" .
رابعا: الثيمة
تطرح هذه الرواية ضمن متنها الحكائي متواليات الأحداث التي مر بها المجتمع العراقي بعد خوضه معركة طويلة إبان الثمانينيات ومعاناته حصارا ظالما وقاهرا في التسعينيات ,وانعكاسات ذلك على نفسية الفرد العراقي وتخلخل القيم الاجتماعية وتصدع الطموحات الشخصية وانهيارها. فهي ذات بعد اجتماعي وسياسي في آن واحد . إن سلسلة الأحداث التي مر بها البطل سوادي هي ما يمكن أن يقع لأي شخص عراقي إبان الفترة نفسها ,والظروف التي احالنه إلى روح مغتربة عن لعالم تنزوي ضمن بناية عتيقة بصحبة مجموعة من الشخصيات ,هي ما آلت له مصائر ثلة من العراقيين لم يكن من الممكن إن تعيش حياتها بشكل سوي إذ تحولت بفعل الانهيارات النفسية المتوالية وكبت الحريات الى مجرد تماثيل برونزية شاخصة . كان سوادي يدرك جيدا "ان لاجدوى من إراقة الدماء في عالم يعج بالأشباح والكلاب المسعورة "157 كما يدرك جيدا انه شاهد على عصر الانهيارات "القدر يبقي شاهدا واحدا في الأقل على كل كارثة أو مجزرة ليقول الحقيقة "277 . ولكن كيف ؟ ان البديل الذي يطرح لتغيير العالم وليقول الحقيقة من وجهة نظر الكاتب هو "الكتابة " "لاخير في كتابة لاتحرك فينا المخيلة أو تثير فينا الشكوك والهواجس أو تزعزع في دواخلنا القناعات الثابته لمطلقة "291 ويكون مشروع البطل في نهاية الرواية "كما يتخيل " أن يلقي "خطبته الأخيرة التي أجرى عليها كثيرا من التعديلات وأضاف إليها جملا موحية ومليئة بالدلالات "326 .
خامسا : البعد الرمزي لايخلو عمل سردي او قل أدبي عام من أبعاد رمزية يوحي من خلاله المبدع الى ثيمات مختلفة ,يبقى للقارئ دوره في استكشاف تلك الأبعاد وربطها بالانساق الفكرية المراد التعبير عنها وهو أمر مفروغ من . ونسجل ضمن قراءتنا مجموعة من الابعاد الرمزية التي تتخلل العمل وهي: 1ـ المفتاح والحبال السرية .2ـ الهارمونيكا "الالة الموسيقية" 3ـ الجنس . ترد في أول صفحة من الرواية "سوف يبقى يحلم في ذلك المفتاح زمنا طويلا "9 " هل فكرت جدته أن هوس الحبال السرية سيظل يلازمه ابد الدهر "9 . هذه الانبثاقة الأولى أو الإشارة الاولى التي سيطرت على فكر سوادي الى نهاية الرواية اذ نقرا على لسانه "اني الن ادعو المحاكم الدولية إلى استرداد حبالنا السرية واعادتها إلى أصحابها مواليد هذا القرن المليء بالدموع فالحبال ..ملكنا وحدنا وليس من حق احد في العالم أن يتصرف بها على وفق مايشاء "319 . ويبدو لي ان المفتاح كان مفتاحا لشخصية سوادي فهو دلالة الكشف والطموح الذي كان يستفزه ويبعث فيه الأمل في الحياة مذ كان طفلا وفيه إشارات على كثرة التقلبات التي ستواجهها هذه الشخصية على مدار حياتها . المفتاح مفاتيح كل مرحلة من مراحل حياة سوادي مهووسة بالكشف ومليئة بالمفاجئات . اما الحبال السرية فقد استخدمها الكاتب معادلا الى الحريات الشخصية التي افتقدها جيل سوادي وليس هو فحسب . لقد مارست القابلة اول انتهاك لحرية الإنسان حين أضاعت حبله السري "ذلك الحبل الذي يغذيه بالحياة فاقتادت الناس من بعدها وتواصلوا في مصادراتهم للحبال السرية .لاشك أن هذه الدلالات تصب في الهدف العام للرواية لاسيما وهي تطرح فكرة الحياة والموت على عدة مستويات وتعضدها في ذلك دلالات الرموز الاخرى ,فالهارمونيكا ,الة العزف التي تركها زرياب عند سوادي وذهب اسيرا ماهي الا شضفة الحياة التي تركها عند صديقه لتمارس هامش الحياة عند ضفة الموت "يتسلى سوادي مع هارمونيكا زرياب يطبق شفتيه على ثقوبها وينفخ كل الاوجاع التي كابدها وكل الحرمانات التي هصرت قلبه وكل الافكار التي اعتملت في ذهنه وكل المشاعر التي اجتاحته طيلة سنوات عمره المنحوس "277 .الا انها لم تعد تعزف في نهاية المطاف على الرغم من محاولات سوادي اليائسة وهي اشارة واضحة الى التشبث بالحياة على الرغم من لاجدواها .وان المعادلة التي طرحها على مسار الرواية "معادلة الحياة والموت " لايتغلب احدها على الاخر على الرغم من طغيان احدهما على الاخر في اوقات مختلفة كما اشار الى ذلك اشارة واضحة قائلا "جدته في الاعلى تجرالاطفال الى العالم ابوهفي الاسفل يهيء لهمالنعوش "25 .
اما رمز الجنس على مختلف المشاهد والصور التي ورد فيها في الرواية فلم يكن الكاتب مبتكرا له من حيث الماهية .فقلما يخلو عمل سردي عربي منه حاملافي ذاته دلالات رمزية مختلفة . ففي قاهرة نجيب محفوظ الجديدة تاتي مشاهد الجنس تعبيرا عن التفكك الاجتماعي الذي احاط بالقاهرة منتصف الاربعينيات في حين كانت المشاهد الجنسية عند التكرلي ....... وجاءت عند الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال ذات طابع فكري يجسد الصراع الحضاري العربي الاوربي على وفق مستويات عدة "ينظر سمير 172 وما بعدها الا ان من المهم الالتفات الى قضية مهمة تلك هي ان مشاهد الجنس في الرواية العربية صورت في الاغلب العلاقات غير الشرعية واحياناالشاذة أي الجانب السلبي منه وهي مسالة تحتاج الى وقفة طويلة ليس هنا مكانها . وهو مايصدق في رواي خميلة الاجنة . يمكن تقسيم مشاهد الجنس في الرواية الى المراحل الاتية وفقا لقراءتنا : المرحلة الاولى : لقاء سوادي وهوشاب مع الخادمة حواء واغوائها اياه في علاقة استمرت فترة محدودة .والواقع كانت هذه المرحلة كانت متزامنة مع مرحلة الهوس بالمفاتيح اذ كان يعمل في محل بيعها وتصليحها فالمشهد يحتملهنا دلالة التخطي والاكتشاف . ان علاقة حواء بسوادي تمثل الانتقال الى الوجه الثاني من الحياة المعبر عن التفاعل وعن حيازة الخطيئة والحكمة بالوقت ذاته . مايعيد انتباهنا الى خطيئة ادم الاولى مع حواء وانتقالهما الى حياة اخرى " النساء ..... هن الاتي يرشدننا الى الثمار المحرمة "190 وتكرر هذا المشهد بالايحاء عن اغواء "عذراء "لابيه وزواجه منها وهو ما يشكل استرجاعا لعلاقة انكيدو في ملحمة كلكامش مع المومس التي خاطبته بعد ستة ايام وسبع ليالي بقولها "صرت تحوز الحكمة يا انكيدو وصبحت مثل اله "الملحمة 84 . ما يؤكد الطابع الانساني الذي تحول اليه انكيدو بحيازته الحكمة /الاكتشاف وهو مامربه سوادي في الرواية . المرحلة الثانية : ويمثلها هروب الجنود من معسكراتهم "وبضمنهم سوادي ورفيقه زرياب الى الماخور . انهم يمارسون ملاذهم لامن اجل الحصول على اللذة فحسب وانما ليحققوا من خلالها فعل الحياة المتضاد مع فعل الموت المتجسد في المعسكرات . وبذلك تصب هذه المشاهد في معادلة " الحياة ـ الموت " " لم يكن ثمة ملاذ اخر ياوون اليه ,هم الهاربون من الثكنة العسكرية غير ذلك الماخور.... وكان يذهل سوادي وربما يذهل الجميع ان تلك الفتيات احتفظن بجمالهن وسحرهن وانوثتهن على الرغم من اهوال الحرب وفظاعتها , كانو يحسون حين ينتزعون اجسادهم من بين الاسلاك الشائكة انهم يفرون من تنين يزحف ببصء وراءهم ويحاول ابتلاعهم . فطالما سمعو حكايات عن حنود تركوا مخابئهم او قل خنادقهم التي غدت بعد دقائق من هربهم مقابر جماعية " 138. لم تفلح محاولات سوادي ورفيقه بالبحث عن عشبة الحياة اذ " قبضوا سوادي خارجا من الماخور "143 ليلقى بعد ذلك مصيره عاملا في السيرك ورفيقه واقعا في الاسر . المرحلة الثالثة: ونرصدها بحكايات د. عباس الشخصية العرضية في الرواية والمثقفة القيادية في المجتمع ! تنحدر الى ممارسات غير مقبولة في مثل مجتمعاتنا العراقية . يقص د. عباس علاقاته مع نساء الاهوار المهووسات بالجنس على حد قول السارد ومغامراته معهن او مغامراتهن معه كما اراد ان يوحي السارد وهنا يتجسد البعد الاجتماعي المتمثل بمى الانهيار الذي وصل اليه المجتمع بفعل الحرب . فمعظم النساء اللواتي غامرن باجسادهن كن من ذوي الرجال الذين اكلتهم الحرب او لفظتهم على حافات الحياة . "فالنساء ضحايا "وحيداتوالرجال رحلوا الى العالم الاخر او ذهبواالى الحرب منذ زمن طويل "170 في حين ان هناك شابا وسيما كان له الفضل "في اسكات الضوضاء المعتملة في امخاخهن واطفاء نار اجسادهن "174 "بعظهم يقول انني ساهمت في افسادهن .... لكنني اسديت لهن معروفا لانني جعلتهن يستمتعن بابتكاراتي الجنسية " 175 . المرحلة الرابعة : جاءت مشاهد الجنس فيها متساوقة مع تشبث سوادي بلحياة ومحاولته الابقاء على خيوطها من غير اثر فاعل , وهي الفكرة التي التي تعيدنا الى ما ذكرناه سابقا عن الملجا ومحاولة ساكنيه تحقيق فعل الحياة التي عزلوا منها . ان فكرة بعث الحياة تعيد نفسها في هذه المشاهد وتؤطر الثيمة الرئيسة في هذه الرواية . ففي اثناء مكوث سوادي في المستشفى كانت الممرضات ومنهن "منة الله " "لاترى غضاضة في ان يقبل جندي مسكين مثل سوادي اصابعخا "195 او يغازلها او حين يتعاطفن معه ويلبين طلباته الصغيرة "كان يسرحن شعره المجعد او يلقن ذقنه ...." فتنقله هذه اللمسات " متذكرا مغامراته الحزينة في الماخور اخذه اليه زرياب " 195 وهذا الحال يتتكرر بموقف مختلف مع ساكني الملجا وبصحبتهم غرنوقة التي تستمع الى النكات الجنسية وتستمتع .... في حين يسترقون النظر الى جسدها المتفتح 302 . نستنتج ان هذه المواقف والمشاهد حملت دلالات تتساوق والافكار الرئيسة التي عبرت عنها الرواية والتحولات التي رافقت تحولات شخصية البطل سوادي . سادسا ـ ملاحظات اخرى قبل ان ننهي قراءتنا تولدت لدينا مجموعة من الملاحظات التي تستكمل وجهة القراءة وتكشف عن بعض اجه الرواية . الملاحظة الاولى : تنوعت شخصيات الرواية وتعددت وتباينت مستوياتها الفكرية واتجاهاتها فهناك الشخصيات البصيطة التفكير مثل شخصية بائع النكات وهناك الشخصيات الاعمق تفكيرا "الشخصية المثقفة " مثل شخصية عقيل علي وتونتي ... زمن الملاحظ ان الشخصيات المثقفة عانت اضطهادا سياسا او تعاني فراغا اجتماعيا اجبرها على التخلي عن بعض قيمها او الانزواء خارج حلبة الحياة الفاعلة , فشخصية >. عباس تنحدر اخلاقيا لانها تعاني من فراغ اجتماعي وشخصية عقيل علي الشاعر تضطر الى التخلي عن حصتها في الحياة لانها اضطهدت سياسا . من جانب اخر مايلاحظ على تعامل السارد مع شخصياته ان اغرق في وصفها خارجيا وكشف عن ابعادها التاريخية الا انه يكاد يغفل مناطق لاوعيه المجهولة . نعم ان الراوي العليم يعرف عنها اكثرمما تعرف عن نفسها , الا انه يتخلى عن دوره هنا ولم يوظف المنلوجات الداخلية للكشف عنااسرارها . الملاحظة الثانية . يرد في الرواية موقفان يحتاجان الى وقفة يسيرة . الموقف الاول حديثه عن "زهرة كسار " الطفلة الفارسية الاصل ,العراقية تبنيا , اذ تبناها تاجر عراقي لم تنجب زوجته له اطفالا ,وفي زمن السرد اصبحت الطفلة شابة جميلة جدا ومؤهلة للزواج الا انها تعاني من الوحدة في قصر ابيها الجديد لانه يمنعها من الخروج . واما الموقف الثاني ,فهو حديثه في الصفحات الاخيرة عن " زرياب الذي لن ياتي من الاسر . "ربما تزوج هناك وانصهر في المجتمع الفارسي " على حد قوله . هذان الموقفان يثيران تساؤلا عن العلاقات العراقية الإيرانية على المستوى المجتمعي "بعيدا عن المواقف الرسمية طبعا." هل كان السارد يعني ان هناك تقاربا تاريخيا بين المجتمعين ولا سيما بين مجتمعات المدن المتاخمة للحدود ؟طبعا لاشك في ذلك ,وبخاصة ان السارد يطرح هذه الرؤية بالضد من الرؤية السوداوية للحرب ,فهناك معادلة تطرح الوجهة العكسية. البندقية لا تساوي علاقة النسب والانصهار " لاجدوى من إراقة الدم " والثانية تتأصل وتنمو مع انه يتردد في استكمال الرؤية إذ لم يخبرنا بزواج فعلي كدلالة على الاستمرار. الملاحظة الثالثة التناص بات من الممكن القول من دون تردد "أن لاوجود لنص يتوالد من ذاته " فكل نص مرهون بجذور تمتد وتتفرع من نصوص ومتون أخرى قد ينتمي اليها في جنسه او لا . تتشح هذه الرواية بتضمنها متونا سردية أخذت طابعا شعبيا "حكايات يومية في الأغلب تحدث في أسرنا العراقية استطاع المؤلف انتقائها وزجها ضمن بنية روايته مفعلا من خلالها أحداثه ومازجا متنه السردي بتلويناتها . فضلا عن ورود إشارات كثيرة لمواقف "إحداث "أو شخصيات أدبية معروفة أو شخصيات عالمية "مفكرين او شعراء وغيرهم " . ما يشكل قراءة جديدة لنص او لنصوص مغيبة عن بنيتها الأصلية لتؤدي دورا آخر ,ليس من الحكمة ان نحكم على نجاحه او عدمه فيها في هذه اللحظة او في هذه القراءة . ولنختر هذه النصوص : "وكان يسمع موزة المولعة بالقيل والقال فضلا عن التبولة تروي لامه حكايات شديدة الغرابة ,قصص حب وكره وغير وطلاق قصص اجهاض وخيانة ولواط واغتصاب ...." هذا النص يقودنا الى نصوص لم تتشكل ضمن البنية الروائية إلا قصة زهرة كسار التي ترويها "موزة " أما باقي النصوص المسرودة أو المنوه عنها فلم يكن دورها إلا في نقل المشهد الحياة المجتمعي الذي يتكرر في اماكن تجمعات النساء "مجالس القبول أو الحمامات النسائية الشعبية " وفي مشهد آخر تتسرب الى ذهن السارد صورة "ساعي البريد سعدون الذي كان يوزع الرسائل والبطاقات البريدية التي يبعث بها الجنود الى أهاليهم ,وكان يوزع أيضا "هدايا الحروب التي تصل دوما في موعدها المحدد من دون ورق تغليف صقيل ومن دون شريط لامع معقود بهيئة فراشة .بلاغات الموت "177 . ثم ينقل لنا انفعالات الناس كما كنا نسمعها فعلا . فحين يرون ساعي البريد "المبلغ" "يستقبلونه بوجوه معبسة تنم عن الكراهية والحقد والألم ويقذفون بوجهه الشتائم ..... لاهلا ولامرحبا انت ثانية .... نحبل بهم وونرضعهم ونكبرهم ثم تاخذهم منا هذه ال... النتنة الحرب يبووه يبووه...." 178 . هي صورة مصغرة لما حدث فعلا في كل مدن العراق واريافه عشناها ولمسناها وظفها الكاتب على لسان سارده ناقلا من خلالها الاجواء والأحاسيس التي ربما تناساها الناس .
في الضرب الثاني من التناص يطلعنا السارد على نصوص مقتضب أو ممتصة مغيبة عن المتن السردي من مثل إشاراته لقصة ادم مع حواء أو ملحمة كلكامش وقد ورد الحديث عنها في البعد الرمزي كما ترد اشارات لشخصيات واقعية من مثل "حرفيش نجيب محفوظ وطاعون البير كامو وابله دستوفسكي ورجع فؤاد التكرلي البعيد وموسيقا لطفي الدليمي الصوفية " . ابعد من ذلك حين تحضر في الرواية شخصية "توينتي" اوشخصية عقيل علي
فضاءات السيرة واحتمالات القول السردي قراءة في رواية خميلة الاجنة للدكتور علي عبد الامير صالح د. علي متعب جاسم جامعة /ديالى
اولا : في بنية العنوان لم يعد من الممكن التغاضي عن القراء ة النقدية لعنونة النصوص الابداعية ايا كان جنسها او شكلها .بوصف العنوان موجها دلاليا واجناسيا على حد سواء .وبوصفه ايضا عتبة تفضي الى الموجه المهم لقراء ة النص او استكمال الرؤية القرائية له . لاسيما وقد بدا الاهتمام واضحا بعنونة النصوص من قبل المبدعين أمرا ذا بال . حتى استفزت أقلام بعض النقاد والباحثين ليدرسوا شعرية العنونة "1" "بوصفها موجها قرائيا "2" . وشان معظم عناوين القصص والروايات ينبني عنوان رواية "خميلة الاجنة" تركيبيا من جملة اسمية تتمثل بالمبتدأ المحذوف ثم الخبر المضاف الى اسم اخر ,وهي قراءة نحوية تحيل الى اخرى فتختلف الدلالة بين التركيبين ,اذ يمكن ان يقدر المبتدأ المحذوف "هي خميلة الاجنة "وفقا للقراءة الثانية بالخبر المحذوف فيكون العنوان "خميلة الاجنة هذه "ئ فسحة تقدير المحذوف واملاء الفراغ بحسب مايستنتجه من قراءته . واذا كانت القراءة التركيبية لاتشعر بالنمط الاجناسي للنص _علما ان وجه الغلاف يخلو من المؤشر الاجناسي "رواية _قصة _شعر "فان هذا . ومن المهم الإشارة إلى البعد الرمزي المتجسد ببنية التركيب الاستعاري للعنوان الذي يواشج بين دلالة الخميلة وماتحيل إليه من نضارة وحياة والمضافة اصلا إلى الأجنة "جمع جنين "وما يمكن ان تعكسه من تداعيات الحياة لتأتي المفارقة كاسرة افق انتظار القارئ في الصفحات الاخيرة اذ تبدو هذه الخميلة "خميلة التماثيل البرونزية المهزومة من الحياة إلى الموت أو شاهد على قسوة ما بعدها قسوة . +ما يلاحظ في رمزية العنوان ان من عزلته الحياة تحت ظروف قاهرة في بناية متهالكة ,مجموعة من الشخصيات لاروابط مهمة بينها سوى انهم خميلة "دلالة التنوع " تتوق لفعل الحياة او لممارسة دورها في الحياة التي أجبروا على الخروج منها أحياء . وبالمجمل تتطابق الرؤية الدلالية للعنوان مع مجمل ما صورته الرواية من انهيارات متوالية لنفسية الشعب العراقي إزاء ما عاصره من مؤثرات خارجية جعلت منه جنينا يابسا خارج رحمه متفجرا داخله .
ثانيا :من السيرة الروائية إلى رواية السيرة
لاشك ان إسهامات الروائيين العراقيين وإضافاتهم تعددت وتنوعت في استحداث تقانات القص واختيار الرؤى البنائية لنصوصهم تأثرا بالكتاب العالميين والعرب , الا أن وتطابقا مع توجهات النصوص بانفتاحها الاجناسي على بعضها بدأنا نقرا نصوصا تجمع أكثر من جنس أدبي ضمن محتواها وبنائها مع ملاحظة بقاء المهيمن الاجناسي واضحا .ورواية خميلة الأجنة تنتمي إلى نسق الروايات المستثمرة ضمن آليات بنائها جنسا سرديا هو السيرة الموضوعية أو الغيرية , وفي هذا التشخيص تنضوي دلالات عديدة منها التقارب أو التطابق بين شخصيتي الراوي والكاتب والتمازج بين الواقعي والمتخيل والبناء التتابعي للأحداث والاعتماد على الذاكرة في سرد الأحداث او فلسفتها وفقا للرؤية الحاضرة وغير ذلك .يقول "البسته ربطة عنق زرقاء مزودة بشريط مطاط كان ذاك هو اليوم الوحيد في حياته الذي ارتدى فيه ربطة عنق كان يشمئز من ربطات العنق دوما ولايعرف ماهو سبب نفوره منها حتى هذه اللحظة ..... ربما تذكره بحبال المشانق او بانعدام الحدبات"81. فالربط بين ربطة العنق وحبل المشانق تحليل رؤيوي واستنتاج معاصر للحظة الكتابة وليس للحظة الفعل المتحقق في الزمن الماضي اذ غالبا ما يستعيد المرأ ذكرياته لاكما عاشها وإنما وفقا لما يدركه بوعي منها فهو يحلل ويربط ويفسر تماشيا مع معطيات الحاضر . يتداخل الكاتب مع الراوي في مواضع عدة من الرواية لاسيما في إيراد وقائع ذات صلة عميقة بما جرى من أحداث فهو يحقق فعلا تاريخيا ممتزجا بالرؤية السردسة "ينظر207 من الرواية " في حديثه عن الحرب وآثارها او عن الحرب الاهلية في لبنان أو عن الجنود الذين باعوا بنادقهم برغيف خبز ,ويتعلق بهذا الأمر شيء يمكن تسميته بالاستطرادات التي تتشكل احيانا بوازع التداعي الذهني أو التداعي اللفظي كحديثه عن الغجر الذي استغرق صفحات متوالية "199 _ 207 " تحدث عن دورهم الاستعراضي ودعمهم لصناع الحروب وان كنا نستشف البعد الرمزي المتمثل بهشاشة السلطة أومن يمثلها بالاتكاء على الدور الاستعراضي للغجر _ أو حديثه عن مرارة ما مر به العراقيون متخذا من حدبة سوادي حافزا على الحديث عن حدب /جراح العراقيين واستغرق اسطرا طويلة بشكل استطرادي او حين يبرز احدى شخصياته غير المؤثرة في مستويات القص بشكل مباشر مثل الحديث عن "ريسان " وهي شخصية صديقة للبطل اذ ياتي الحديث عنه بشكل ساخر "ومؤخرا سمع من احد زملائه الجنود انه أصبح وزيرا للطماطة التي تذبذبت أسعارها بشكل مذهل في السنوات الأخيرة ...... ارتفعت أثمانها مضاعفة بشكل لم تجد له وزارة الطماطة تفسيرا ولاتبريرا .....".
ثالثا. السيرة العنقودية
إن أهم ما يلاحظ في الهيكلية البنائية لهذه الرواية /السيرة أنها تتوالد عنها سير لشخصيات كثيرة فضلا عن سيرة الفضاء المكاني الذي تركت من الأحداث /مدينة الكوت , ما أمكن تسميتها ب"السيرة العنقودية " . لانتوي طبعا اجتراح مصطلح يضاف إلى أطنان المصطلحات التي تلوكها الأقلام في مدونة نقدنا العربي الحديث إلا إننا وجدناه مناسبا لتوالد السير المتعلقة بالشخصية الرئيسة .إن الأحداث تتكشف من خلال ملاحقة شخصية البطل سوادي , كما أن الشخصيات كلها تتوالى في الظهور تبعا لمراحل تطور شخصية البطل ,ابتداء من شخصية الجدة /فضة التي كان لها دور كبير في رسم طموحات سوادي وحياته مرورا بمجموعة من الشخصيات "أصدقاء سوادي في الشباب ,وحواء الخادمة ,وزرياب وتوينتي وعقيل ,الخ ..." طبعا لم تكن علاقة سوادي بشخصيات الرواية كلها على مستوى واحد ومن المهم الإشارة إلى أن تعامل الكاتب مع تلك الشخصيات لم تكن بمستوى واحد ولم يكن تعامله وفقا لمنطق الأهمية أو الدور الذي تلعبه الشخصية وإنما وفقا للمنطق الزمني وتوالي ظهورها في الحدث بعض هذه الشخصيات لاتنمي الحدث ولاتكشف عن عمق في التجربة ومع هذا يكون حضورها واضحا كما في شخصية الدكتور عباس الذي يلتقيه سوادي عرضا في الطريق بعد أن تتعطل عربة السيرك الذي يعمل فيه الأخير فيصطحبه الطبيب إلى بيته ليقص عليه مغامراته الجنسية مع النساء القرويات "158 . وبالمقابل هناك شخصيات تؤثر تأثيرا واضحا في مجريات الأحداث من خلال تأثيرها على شخصية البطل مثل "حواء الخادمة " التي كانت نافذة سوادي على العالم او شخصية زرياب التي بقي أثرها واضحا إلى نهاية الرواية . إن تعالق الشخصيات ببعضها وتناسلها ,افرز نمطا بنائيا امتاز بشدة النسج "اذا استثنينا طبعا بعض الشخصيات غير المفعلة للحدث كما أسلفنا" .
رابعا: الثيمة
تطرح هذه الرواية ضمن متنها الحكائي متواليات الأحداث التي مر بها المجتمع العراقي بعد خوضه معركة طويلة إبان الثمانينيات ومعاناته حصارا ظالما وقاهرا في التسعينيات ,وانعكاسات ذلك على نفسية الفرد العراقي وتخلخل القيم الاجتماعية وتصدع الطموحات الشخصية وانهيارها. فهي ذات بعد اجتماعي وسياسي في آن واحد . إن سلسلة الأحداث التي مر بها البطل سوادي هي ما يمكن أن يقع لأي شخص عراقي إبان الفترة نفسها ,والظروف التي احالنه إلى روح مغتربة عن لعالم تنزوي ضمن بناية عتيقة بصحبة مجموعة من الشخصيات ,هي ما آلت له مصائر ثلة من العراقيين لم يكن من الممكن إن تعيش حياتها بشكل سوي إذ تحولت بفعل الانهيارات النفسية المتوالية وكبت الحريات الى مجرد تماثيل برونزية شاخصة . كان سوادي يدرك جيدا "ان لاجدوى من إراقة الدماء في عالم يعج بالأشباح والكلاب المسعورة "157 كما يدرك جيدا انه شاهد على عصر الانهيارات "القدر يبقي شاهدا واحدا في الأقل على كل كارثة أو مجزرة ليقول الحقيقة "277 . ولكن كيف ؟ ان البديل الذي يطرح لتغيير العالم وليقول الحقيقة من وجهة نظر الكاتب هو "الكتابة " "لاخير في كتابة لاتحرك فينا المخيلة أو تثير فينا الشكوك والهواجس أو تزعزع في دواخلنا القناعات الثابته لمطلقة "291 ويكون مشروع البطل في نهاية الرواية "كما يتخيل " أن يلقي "خطبته الأخيرة التي أجرى عليها كثيرا من التعديلات وأضاف إليها جملا موحية ومليئة بالدلالات "326 .
خامسا : البعد الرمزي لايخلو عمل سردي او قل أدبي عام من أبعاد رمزية يوحي من خلاله المبدع الى ثيمات مختلفة ,يبقى للقارئ دوره في استكشاف تلك الأبعاد وربطها بالانساق الفكرية المراد التعبير عنها وهو أمر مفروغ من . ونسجل ضمن قراءتنا مجموعة من الابعاد الرمزية التي تتخلل العمل وهي: 1ـ المفتاح والحبال السرية .2ـ الهارمونيكا "الالة الموسيقية" 3ـ الجنس . ترد في أول صفحة من الرواية "سوف يبقى يحلم في ذلك المفتاح زمنا طويلا "9 " هل فكرت جدته أن هوس الحبال السرية سيظل يلازمه ابد الدهر "9 . هذه الانبثاقة الأولى أو الإشارة الاولى التي سيطرت على فكر سوادي الى نهاية الرواية اذ نقرا على لسانه "اني الن ادعو المحاكم الدولية إلى استرداد حبالنا السرية واعادتها إلى أصحابها مواليد هذا القرن المليء بالدموع فالحبال ..ملكنا وحدنا وليس من حق احد في العالم أن يتصرف بها على وفق مايشاء "319 . ويبدو لي ان المفتاح كان مفتاحا لشخصية سوادي فهو دلالة الكشف والطموح الذي كان يستفزه ويبعث فيه الأمل في الحياة مذ كان طفلا وفيه إشارات على كثرة التقلبات التي ستواجهها هذه الشخصية على مدار حياتها . المفتاح مفاتيح كل مرحلة من مراحل حياة سوادي مهووسة بالكشف ومليئة بالمفاجئات . اما الحبال السرية فقد استخدمها الكاتب معادلا الى الحريات الشخصية التي افتقدها جيل سوادي وليس هو فحسب . لقد مارست القابلة اول انتهاك لحرية الإنسان حين أضاعت حبله السري "ذلك الحبل الذي يغذيه بالحياة فاقتادت الناس من بعدها وتواصلوا في مصادراتهم للحبال السرية .لاشك أن هذه الدلالات تصب في الهدف العام للرواية لاسيما وهي تطرح فكرة الحياة والموت على عدة مستويات وتعضدها في ذلك دلالات الرموز الاخرى ,فالهارمونيكا ,الة العزف التي تركها زرياب عند سوادي وذهب اسيرا ماهي الا شضفة الحياة التي تركها عند صديقه لتمارس هامش الحياة عند ضفة الموت "يتسلى سوادي مع هارمونيكا زرياب يطبق شفتيه على ثقوبها وينفخ كل الاوجاع التي كابدها وكل الحرمانات التي هصرت قلبه وكل الافكار التي اعتملت في ذهنه وكل المشاعر التي اجتاحته طيلة سنوات عمره المنحوس "277 .الا انها لم تعد تعزف في نهاية المطاف على الرغم من محاولات سوادي اليائسة وهي اشارة واضحة الى التشبث بالحياة على الرغم من لاجدواها .وان المعادلة التي طرحها على مسار الرواية "معادلة الحياة والموت " لايتغلب احدها على الاخر على الرغم من طغيان احدهما على الاخر في اوقات مختلفة كما اشار الى ذلك اشارة واضحة قائلا "جدته في الاعلى تجرالاطفال الى العالم ابوهفي الاسفل يهيء لهمالنعوش "25 .
اما رمز الجنس على مختلف المشاهد والصور التي ورد فيها في الرواية فلم يكن الكاتب مبتكرا له من حيث الماهية .فقلما يخلو عمل سردي عربي منه حاملافي ذاته دلالات رمزية مختلفة . ففي قاهرة نجيب محفوظ الجديدة تاتي مشاهد الجنس تعبيرا عن التفكك الاجتماعي الذي احاط بالقاهرة منتصف الاربعينيات في حين كانت المشاهد الجنسية عند التكرلي ....... وجاءت عند الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال ذات طابع فكري يجسد الصراع الحضاري العربي الاوربي على وفق مستويات عدة "ينظر سمير 172 وما بعدها الا ان من المهم الالتفات الى قضية مهمة تلك هي ان مشاهد الجنس في الرواية العربية صورت في الاغلب العلاقات غير الشرعية واحياناالشاذة أي الجانب السلبي منه وهي مسالة تحتاج الى وقفة طويلة ليس هنا مكانها . وهو مايصدق في رواي خميلة الاجنة . يمكن تقسيم مشاهد الجنس في الرواية الى المراحل الاتية وفقا لقراءتنا : المرحلة الاولى : لقاء سوادي وهوشاب مع الخادمة حواء واغوائها اياه في علاقة استمرت فترة محدودة .والواقع كانت هذه المرحلة كانت متزامنة مع مرحلة الهوس بالمفاتيح اذ كان يعمل في محل بيعها وتصليحها فالمشهد يحتملهنا دلالة التخطي والاكتشاف . ان علاقة حواء بسوادي تمثل الانتقال الى الوجه الثاني من الحياة المعبر عن التفاعل وعن حيازة الخطيئة والحكمة بالوقت ذاته . مايعيد انتباهنا الى خطيئة ادم الاولى مع حواء وانتقالهما الى حياة اخرى " النساء ..... هن الاتي يرشدننا الى الثمار المحرمة "190 وتكرر هذا المشهد بالايحاء عن اغواء "عذراء "لابيه وزواجه منها وهو ما يشكل استرجاعا لعلاقة انكيدو في ملحمة كلكامش مع المومس التي خاطبته بعد ستة ايام وسبع ليالي بقولها "صرت تحوز الحكمة يا انكيدو وصبحت مثل اله "الملحمة 84 . ما يؤكد الطابع الانساني الذي تحول اليه انكيدو بحيازته الحكمة /الاكتشاف وهو مامربه سوادي في الرواية . المرحلة الثانية : ويمثلها هروب الجنود من معسكراتهم "وبضمنهم سوادي ورفيقه زرياب الى الماخور . انهم يمارسون ملاذهم لامن اجل الحصول على اللذة فحسب وانما ليحققوا من خلالها فعل الحياة المتضاد مع فعل الموت المتجسد في المعسكرات . وبذلك تصب هذه المشاهد في معادلة " الحياة ـ الموت " " لم يكن ثمة ملاذ اخر ياوون اليه ,هم الهاربون من الثكنة العسكرية غير ذلك الماخور.... وكان يذهل سوادي وربما يذهل الجميع ان تلك الفتيات احتفظن بجمالهن وسحرهن وانوثتهن على الرغم من اهوال الحرب وفظاعتها , كانو يحسون حين ينتزعون اجسادهم من بين الاسلاك الشائكة انهم يفرون من تنين يزحف ببصء وراءهم ويحاول ابتلاعهم . فطالما سمعو حكايات عن حنود تركوا مخابئهم او قل خنادقهم التي غدت بعد دقائق من هربهم مقابر جماعية " 138. لم تفلح محاولات سوادي ورفيقه بالبحث عن عشبة الحياة اذ " قبضوا سوادي خارجا من الماخور "143 ليلقى بعد ذلك مصيره عاملا في السيرك ورفيقه واقعا في الاسر . المرحلة الثالثة: ونرصدها بحكايات د. عباس الشخصية العرضية في الرواية والمثقفة القيادية في المجتمع ! تنحدر الى ممارسات غير مقبولة في مثل مجتمعاتنا العراقية . يقص د. عباس علاقاته مع نساء الاهوار المهووسات بالجنس على حد قول السارد ومغامراته معهن او مغامراتهن معه كما اراد ان يوحي السارد وهنا يتجسد البعد الاجتماعي المتمثل بمى الانهيار الذي وصل اليه المجتمع بفعل الحرب . فمعظم النساء اللواتي غامرن باجسادهن كن من ذوي الرجال الذين اكلتهم الحرب او لفظتهم على حافات الحياة . "فالنساء ضحايا "وحيداتوالرجال رحلوا الى العالم الاخر او ذهبواالى الحرب منذ زمن طويل "170 في حين ان هناك شابا وسيما كان له الفضل "في اسكات الضوضاء المعتملة في امخاخهن واطفاء نار اجسادهن "174 "بعظهم يقول انني ساهمت في افسادهن .... لكنني اسديت لهن معروفا لانني جعلتهن يستمتعن بابتكاراتي الجنسية " 175 . المرحلة الرابعة : جاءت مشاهد الجنس فيها متساوقة مع تشبث سوادي بلحياة ومحاولته الابقاء على خيوطها من غير اثر فاعل , وهي الفكرة التي التي تعيدنا الى ما ذكرناه سابقا عن الملجا ومحاولة ساكنيه تحقيق فعل الحياة التي عزلوا منها . ان فكرة بعث الحياة تعيد نفسها في هذه المشاهد وتؤطر الثيمة الرئيسة في هذه الرواية . ففي اثناء مكوث سوادي في المستشفى كانت الممرضات ومنهن "منة الله " "لاترى غضاضة في ان يقبل جندي مسكين مثل سوادي اصابعخا "195 او يغازلها او حين يتعاطفن معه ويلبين طلباته الصغيرة "كان يسرحن شعره المجعد او يلقن ذقنه ...." فتنقله هذه اللمسات " متذكرا مغامراته الحزينة في الماخور اخذه اليه زرياب " 195 وهذا الحال يتتكرر بموقف مختلف مع ساكني الملجا وبصحبتهم غرنوقة التي تستمع الى النكات الجنسية وتستمتع .... في حين يسترقون النظر الى جسدها المتفتح 302 . نستنتج ان هذه المواقف والمشاهد حملت دلالات تتساوق والافكار الرئيسة التي عبرت عنها الرواية والتحولات التي رافقت تحولات شخصية البطل سوادي . سادسا ـ ملاحظات اخرى قبل ان ننهي قراءتنا تولدت لدينا مجموعة من الملاحظات التي تستكمل وجهة القراءة وتكشف عن بعض اجه الرواية . الملاحظة الاولى : تنوعت شخصيات الرواية وتعددت وتباينت مستوياتها الفكرية واتجاهاتها فهناك الشخصيات البصيطة التفكير مثل شخصية بائع النكات وهناك الشخصيات الاعمق تفكيرا "الشخصية المثقفة " مثل شخصية عقيل علي وتونتي ... زمن الملاحظ ان الشخصيات المثقفة عانت اضطهادا سياسا او تعاني فراغا اجتماعيا اجبرها على التخلي عن بعض قيمها او الانزواء خارج حلبة الحياة الفاعلة , فشخصية >. عباس تنحدر اخلاقيا لانها تعاني من فراغ اجتماعي وشخصية عقيل علي الشاعر تضطر الى التخلي عن حصتها في الحياة لانها اضطهدت سياسا . من جانب اخر مايلاحظ على تعامل السارد مع شخصياته ان اغرق في وصفها خارجيا وكشف عن ابعادها التاريخية الا انه يكاد يغفل مناطق لاوعيه المجهولة . نعم ان الراوي العليم يعرف عنها اكثرمما تعرف عن نفسها , الا انه يتخلى عن دوره هنا ولم يوظف المنلوجات الداخلية للكشف عنااسرارها . الملاحظة الثانية . يرد في الرواية موقفان يحتاجان الى وقفة يسيرة . الموقف الاول حديثه عن "زهرة كسار " الطفلة الفارسية الاصل ,العراقية تبنيا , اذ تبناها تاجر عراقي لم تنجب زوجته له اطفالا ,وفي زمن السرد اصبحت الطفلة شابة جميلة جدا ومؤهلة للزواج الا انها تعاني من الوحدة في قصر ابيها الجديد لانه يمنعها من الخروج . واما الموقف الثاني ,فهو حديثه في الصفحات الاخيرة عن " زرياب الذي لن ياتي من الاسر . "ربما تزوج هناك وانصهر في المجتمع الفارسي " على حد قوله . هذان الموقفان يثيران تساؤلا عن العلاقات العراقية الإيرانية على المستوى المجتمعي "بعيدا عن المواقف الرسمية طبعا." هل كان السارد يعني ان هناك تقاربا تاريخيا بين المجتمعين ولا سيما بين مجتمعات المدن المتاخمة للحدود ؟طبعا لاشك في ذلك ,وبخاصة ان السارد يطرح هذه الرؤية بالضد من الرؤية السوداوية للحرب ,فهناك معادلة تطرح الوجهة العكسية. البندقية لا تساوي علاقة النسب والانصهار " لاجدوى من إراقة الدم " والثانية تتأصل وتنمو مع انه يتردد في استكمال الرؤية إذ لم يخبرنا بزواج فعلي كدلالة على الاستمرار. الملاحظة الثالثة التناص بات من الممكن القول من دون تردد "أن لاوجود لنص يتوالد من ذاته " فكل نص مرهون بجذور تمتد وتتفرع من نصوص ومتون أخرى قد ينتمي اليها في جنسه او لا . تتشح هذه الرواية بتضمنها متونا سردية أخذت طابعا شعبيا "حكايات يومية في الأغلب تحدث في أسرنا العراقية استطاع المؤلف انتقائها وزجها ضمن بنية روايته مفعلا من خلالها أحداثه ومازجا متنه السردي بتلويناتها . فضلا عن ورود إشارات كثيرة لمواقف "إحداث "أو شخصيات أدبية معروفة أو شخصيات عالمية "مفكرين او شعراء وغيرهم " . ما يشكل قراءة جديدة لنص او لنصوص مغيبة عن بنيتها الأصلية لتؤدي دورا آخر ,ليس من الحكمة ان نحكم على نجاحه او عدمه فيها في هذه اللحظة او في هذه القراءة . ولنختر هذه النصوص : "وكان يسمع موزة المولعة بالقيل والقال فضلا عن التبولة تروي لامه حكايات شديدة الغرابة ,قصص حب وكره وغير وطلاق قصص اجهاض وخيانة ولواط واغتصاب ...." هذا النص يقودنا الى نصوص لم تتشكل ضمن البنية الروائية إلا قصة زهرة كسار التي ترويها "موزة " أما باقي النصوص المسرودة أو المنوه عنها فلم يكن دورها إلا في نقل المشهد الحياة المجتمعي الذي يتكرر في اماكن تجمعات النساء "مجالس القبول أو الحمامات النسائية الشعبية " وفي مشهد آخر تتسرب الى ذهن السارد صورة "ساعي البريد سعدون الذي كان يوزع الرسائل والبطاقات البريدية التي يبعث بها الجنود الى أهاليهم ,وكان يوزع أيضا "هدايا الحروب التي تصل دوما في موعدها المحدد من دون ورق تغليف صقيل ومن دون شريط لامع معقود بهيئة فراشة .بلاغات الموت "177 . ثم ينقل لنا انفعالات الناس كما كنا نسمعها فعلا . فحين يرون ساعي البريد "المبلغ" "يستقبلونه بوجوه معبسة تنم عن الكراهية والحقد والألم ويقذفون بوجهه الشتائم ..... لاهلا ولامرحبا انت ثانية .... نحبل بهم وونرضعهم ونكبرهم ثم تاخذهم منا هذه ال... النتنة الحرب يبووه يبووه...." 178 . هي صورة مصغرة لما حدث فعلا في كل مدن العراق واريافه عشناها ولمسناها وظفها الكاتب على لسان سارده ناقلا من خلالها الاجواء والأحاسيس التي ربما تناساها الناس .
في الضرب الثاني من التناص يطلعنا السارد على نصوص مقتضب أو ممتصة مغيبة عن المتن السردي من مثل إشاراته لقصة ادم مع حواء أو ملحمة كلكامش وقد ورد الحديث عنها في البعد الرمزي كما ترد اشارات لشخصيات واقعية من مثل "حرفيش نجيب محفوظ وطاعون البير كامو وابله دستوفسكي ورجع فؤاد التكرلي البعيد وموسيقا لطفي الدليمي الصوفية " . ابعد من ذلك حين تحضر في الرواية شخصية "توينتي" اوشخصية عقيل علي
اولا : في بنية العنوان لم يعد من الممكن التغاضي عن القراء ة النقدية لعنونة النصوص الابداعية ايا كان جنسها او شكلها .بوصف العنوان موجها دلاليا واجناسيا على حد سواء .وبوصفه ايضا عتبة تفضي الى الموجه المهم لقراء ة النص او استكمال الرؤية القرائية له . لاسيما وقد بدا الاهتمام واضحا بعنونة النصوص من قبل المبدعين أمرا ذا بال . حتى استفزت أقلام بعض النقاد والباحثين ليدرسوا شعرية العنونة "1" "بوصفها موجها قرائيا "2" . وشان معظم عناوين القصص والروايات ينبني عنوان رواية "خميلة الاجنة" تركيبيا من جملة اسمية تتمثل بالمبتدأ المحذوف ثم الخبر المضاف الى اسم اخر ,وهي قراءة نحوية تحيل الى اخرى فتختلف الدلالة بين التركيبين ,اذ يمكن ان يقدر المبتدأ المحذوف "هي خميلة الاجنة "وفقا للقراءة الثانية بالخبر المحذوف فيكون العنوان "خميلة الاجنة هذه "ئ فسحة تقدير المحذوف واملاء الفراغ بحسب مايستنتجه من قراءته . واذا كانت القراءة التركيبية لاتشعر بالنمط الاجناسي للنص _علما ان وجه الغلاف يخلو من المؤشر الاجناسي "رواية _قصة _شعر "فان هذا . ومن المهم الإشارة إلى البعد الرمزي المتجسد ببنية التركيب الاستعاري للعنوان الذي يواشج بين دلالة الخميلة وماتحيل إليه من نضارة وحياة والمضافة اصلا إلى الأجنة "جمع جنين "وما يمكن ان تعكسه من تداعيات الحياة لتأتي المفارقة كاسرة افق انتظار القارئ في الصفحات الاخيرة اذ تبدو هذه الخميلة "خميلة التماثيل البرونزية المهزومة من الحياة إلى الموت أو شاهد على قسوة ما بعدها قسوة . +ما يلاحظ في رمزية العنوان ان من عزلته الحياة تحت ظروف قاهرة في بناية متهالكة ,مجموعة من الشخصيات لاروابط مهمة بينها سوى انهم خميلة "دلالة التنوع " تتوق لفعل الحياة او لممارسة دورها في الحياة التي أجبروا على الخروج منها أحياء . وبالمجمل تتطابق الرؤية الدلالية للعنوان مع مجمل ما صورته الرواية من انهيارات متوالية لنفسية الشعب العراقي إزاء ما عاصره من مؤثرات خارجية جعلت منه جنينا يابسا خارج رحمه متفجرا داخله .
ثانيا :من السيرة الروائية إلى رواية السيرة
لاشك ان إسهامات الروائيين العراقيين وإضافاتهم تعددت وتنوعت في استحداث تقانات القص واختيار الرؤى البنائية لنصوصهم تأثرا بالكتاب العالميين والعرب , الا أن وتطابقا مع توجهات النصوص بانفتاحها الاجناسي على بعضها بدأنا نقرا نصوصا تجمع أكثر من جنس أدبي ضمن محتواها وبنائها مع ملاحظة بقاء المهيمن الاجناسي واضحا .ورواية خميلة الأجنة تنتمي إلى نسق الروايات المستثمرة ضمن آليات بنائها جنسا سرديا هو السيرة الموضوعية أو الغيرية , وفي هذا التشخيص تنضوي دلالات عديدة منها التقارب أو التطابق بين شخصيتي الراوي والكاتب والتمازج بين الواقعي والمتخيل والبناء التتابعي للأحداث والاعتماد على الذاكرة في سرد الأحداث او فلسفتها وفقا للرؤية الحاضرة وغير ذلك .يقول "البسته ربطة عنق زرقاء مزودة بشريط مطاط كان ذاك هو اليوم الوحيد في حياته الذي ارتدى فيه ربطة عنق كان يشمئز من ربطات العنق دوما ولايعرف ماهو سبب نفوره منها حتى هذه اللحظة ..... ربما تذكره بحبال المشانق او بانعدام الحدبات"81. فالربط بين ربطة العنق وحبل المشانق تحليل رؤيوي واستنتاج معاصر للحظة الكتابة وليس للحظة الفعل المتحقق في الزمن الماضي اذ غالبا ما يستعيد المرأ ذكرياته لاكما عاشها وإنما وفقا لما يدركه بوعي منها فهو يحلل ويربط ويفسر تماشيا مع معطيات الحاضر . يتداخل الكاتب مع الراوي في مواضع عدة من الرواية لاسيما في إيراد وقائع ذات صلة عميقة بما جرى من أحداث فهو يحقق فعلا تاريخيا ممتزجا بالرؤية السردسة "ينظر207 من الرواية " في حديثه عن الحرب وآثارها او عن الحرب الاهلية في لبنان أو عن الجنود الذين باعوا بنادقهم برغيف خبز ,ويتعلق بهذا الأمر شيء يمكن تسميته بالاستطرادات التي تتشكل احيانا بوازع التداعي الذهني أو التداعي اللفظي كحديثه عن الغجر الذي استغرق صفحات متوالية "199 _ 207 " تحدث عن دورهم الاستعراضي ودعمهم لصناع الحروب وان كنا نستشف البعد الرمزي المتمثل بهشاشة السلطة أومن يمثلها بالاتكاء على الدور الاستعراضي للغجر _ أو حديثه عن مرارة ما مر به العراقيون متخذا من حدبة سوادي حافزا على الحديث عن حدب /جراح العراقيين واستغرق اسطرا طويلة بشكل استطرادي او حين يبرز احدى شخصياته غير المؤثرة في مستويات القص بشكل مباشر مثل الحديث عن "ريسان " وهي شخصية صديقة للبطل اذ ياتي الحديث عنه بشكل ساخر "ومؤخرا سمع من احد زملائه الجنود انه أصبح وزيرا للطماطة التي تذبذبت أسعارها بشكل مذهل في السنوات الأخيرة ...... ارتفعت أثمانها مضاعفة بشكل لم تجد له وزارة الطماطة تفسيرا ولاتبريرا .....".
ثالثا. السيرة العنقودية
إن أهم ما يلاحظ في الهيكلية البنائية لهذه الرواية /السيرة أنها تتوالد عنها سير لشخصيات كثيرة فضلا عن سيرة الفضاء المكاني الذي تركت من الأحداث /مدينة الكوت , ما أمكن تسميتها ب"السيرة العنقودية " . لانتوي طبعا اجتراح مصطلح يضاف إلى أطنان المصطلحات التي تلوكها الأقلام في مدونة نقدنا العربي الحديث إلا إننا وجدناه مناسبا لتوالد السير المتعلقة بالشخصية الرئيسة .إن الأحداث تتكشف من خلال ملاحقة شخصية البطل سوادي , كما أن الشخصيات كلها تتوالى في الظهور تبعا لمراحل تطور شخصية البطل ,ابتداء من شخصية الجدة /فضة التي كان لها دور كبير في رسم طموحات سوادي وحياته مرورا بمجموعة من الشخصيات "أصدقاء سوادي في الشباب ,وحواء الخادمة ,وزرياب وتوينتي وعقيل ,الخ ..." طبعا لم تكن علاقة سوادي بشخصيات الرواية كلها على مستوى واحد ومن المهم الإشارة إلى أن تعامل الكاتب مع تلك الشخصيات لم تكن بمستوى واحد ولم يكن تعامله وفقا لمنطق الأهمية أو الدور الذي تلعبه الشخصية وإنما وفقا للمنطق الزمني وتوالي ظهورها في الحدث بعض هذه الشخصيات لاتنمي الحدث ولاتكشف عن عمق في التجربة ومع هذا يكون حضورها واضحا كما في شخصية الدكتور عباس الذي يلتقيه سوادي عرضا في الطريق بعد أن تتعطل عربة السيرك الذي يعمل فيه الأخير فيصطحبه الطبيب إلى بيته ليقص عليه مغامراته الجنسية مع النساء القرويات "158 . وبالمقابل هناك شخصيات تؤثر تأثيرا واضحا في مجريات الأحداث من خلال تأثيرها على شخصية البطل مثل "حواء الخادمة " التي كانت نافذة سوادي على العالم او شخصية زرياب التي بقي أثرها واضحا إلى نهاية الرواية . إن تعالق الشخصيات ببعضها وتناسلها ,افرز نمطا بنائيا امتاز بشدة النسج "اذا استثنينا طبعا بعض الشخصيات غير المفعلة للحدث كما أسلفنا" .
رابعا: الثيمة
تطرح هذه الرواية ضمن متنها الحكائي متواليات الأحداث التي مر بها المجتمع العراقي بعد خوضه معركة طويلة إبان الثمانينيات ومعاناته حصارا ظالما وقاهرا في التسعينيات ,وانعكاسات ذلك على نفسية الفرد العراقي وتخلخل القيم الاجتماعية وتصدع الطموحات الشخصية وانهيارها. فهي ذات بعد اجتماعي وسياسي في آن واحد . إن سلسلة الأحداث التي مر بها البطل سوادي هي ما يمكن أن يقع لأي شخص عراقي إبان الفترة نفسها ,والظروف التي احالنه إلى روح مغتربة عن لعالم تنزوي ضمن بناية عتيقة بصحبة مجموعة من الشخصيات ,هي ما آلت له مصائر ثلة من العراقيين لم يكن من الممكن إن تعيش حياتها بشكل سوي إذ تحولت بفعل الانهيارات النفسية المتوالية وكبت الحريات الى مجرد تماثيل برونزية شاخصة . كان سوادي يدرك جيدا "ان لاجدوى من إراقة الدماء في عالم يعج بالأشباح والكلاب المسعورة "157 كما يدرك جيدا انه شاهد على عصر الانهيارات "القدر يبقي شاهدا واحدا في الأقل على كل كارثة أو مجزرة ليقول الحقيقة "277 . ولكن كيف ؟ ان البديل الذي يطرح لتغيير العالم وليقول الحقيقة من وجهة نظر الكاتب هو "الكتابة " "لاخير في كتابة لاتحرك فينا المخيلة أو تثير فينا الشكوك والهواجس أو تزعزع في دواخلنا القناعات الثابته لمطلقة "291 ويكون مشروع البطل في نهاية الرواية "كما يتخيل " أن يلقي "خطبته الأخيرة التي أجرى عليها كثيرا من التعديلات وأضاف إليها جملا موحية ومليئة بالدلالات "326 .
خامسا : البعد الرمزي لايخلو عمل سردي او قل أدبي عام من أبعاد رمزية يوحي من خلاله المبدع الى ثيمات مختلفة ,يبقى للقارئ دوره في استكشاف تلك الأبعاد وربطها بالانساق الفكرية المراد التعبير عنها وهو أمر مفروغ من . ونسجل ضمن قراءتنا مجموعة من الابعاد الرمزية التي تتخلل العمل وهي: 1ـ المفتاح والحبال السرية .2ـ الهارمونيكا "الالة الموسيقية" 3ـ الجنس . ترد في أول صفحة من الرواية "سوف يبقى يحلم في ذلك المفتاح زمنا طويلا "9 " هل فكرت جدته أن هوس الحبال السرية سيظل يلازمه ابد الدهر "9 . هذه الانبثاقة الأولى أو الإشارة الاولى التي سيطرت على فكر سوادي الى نهاية الرواية اذ نقرا على لسانه "اني الن ادعو المحاكم الدولية إلى استرداد حبالنا السرية واعادتها إلى أصحابها مواليد هذا القرن المليء بالدموع فالحبال ..ملكنا وحدنا وليس من حق احد في العالم أن يتصرف بها على وفق مايشاء "319 . ويبدو لي ان المفتاح كان مفتاحا لشخصية سوادي فهو دلالة الكشف والطموح الذي كان يستفزه ويبعث فيه الأمل في الحياة مذ كان طفلا وفيه إشارات على كثرة التقلبات التي ستواجهها هذه الشخصية على مدار حياتها . المفتاح مفاتيح كل مرحلة من مراحل حياة سوادي مهووسة بالكشف ومليئة بالمفاجئات . اما الحبال السرية فقد استخدمها الكاتب معادلا الى الحريات الشخصية التي افتقدها جيل سوادي وليس هو فحسب . لقد مارست القابلة اول انتهاك لحرية الإنسان حين أضاعت حبله السري "ذلك الحبل الذي يغذيه بالحياة فاقتادت الناس من بعدها وتواصلوا في مصادراتهم للحبال السرية .لاشك أن هذه الدلالات تصب في الهدف العام للرواية لاسيما وهي تطرح فكرة الحياة والموت على عدة مستويات وتعضدها في ذلك دلالات الرموز الاخرى ,فالهارمونيكا ,الة العزف التي تركها زرياب عند سوادي وذهب اسيرا ماهي الا شضفة الحياة التي تركها عند صديقه لتمارس هامش الحياة عند ضفة الموت "يتسلى سوادي مع هارمونيكا زرياب يطبق شفتيه على ثقوبها وينفخ كل الاوجاع التي كابدها وكل الحرمانات التي هصرت قلبه وكل الافكار التي اعتملت في ذهنه وكل المشاعر التي اجتاحته طيلة سنوات عمره المنحوس "277 .الا انها لم تعد تعزف في نهاية المطاف على الرغم من محاولات سوادي اليائسة وهي اشارة واضحة الى التشبث بالحياة على الرغم من لاجدواها .وان المعادلة التي طرحها على مسار الرواية "معادلة الحياة والموت " لايتغلب احدها على الاخر على الرغم من طغيان احدهما على الاخر في اوقات مختلفة كما اشار الى ذلك اشارة واضحة قائلا "جدته في الاعلى تجرالاطفال الى العالم ابوهفي الاسفل يهيء لهمالنعوش "25 .
اما رمز الجنس على مختلف المشاهد والصور التي ورد فيها في الرواية فلم يكن الكاتب مبتكرا له من حيث الماهية .فقلما يخلو عمل سردي عربي منه حاملافي ذاته دلالات رمزية مختلفة . ففي قاهرة نجيب محفوظ الجديدة تاتي مشاهد الجنس تعبيرا عن التفكك الاجتماعي الذي احاط بالقاهرة منتصف الاربعينيات في حين كانت المشاهد الجنسية عند التكرلي ....... وجاءت عند الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال ذات طابع فكري يجسد الصراع الحضاري العربي الاوربي على وفق مستويات عدة "ينظر سمير 172 وما بعدها الا ان من المهم الالتفات الى قضية مهمة تلك هي ان مشاهد الجنس في الرواية العربية صورت في الاغلب العلاقات غير الشرعية واحياناالشاذة أي الجانب السلبي منه وهي مسالة تحتاج الى وقفة طويلة ليس هنا مكانها . وهو مايصدق في رواي خميلة الاجنة . يمكن تقسيم مشاهد الجنس في الرواية الى المراحل الاتية وفقا لقراءتنا : المرحلة الاولى : لقاء سوادي وهوشاب مع الخادمة حواء واغوائها اياه في علاقة استمرت فترة محدودة .والواقع كانت هذه المرحلة كانت متزامنة مع مرحلة الهوس بالمفاتيح اذ كان يعمل في محل بيعها وتصليحها فالمشهد يحتملهنا دلالة التخطي والاكتشاف . ان علاقة حواء بسوادي تمثل الانتقال الى الوجه الثاني من الحياة المعبر عن التفاعل وعن حيازة الخطيئة والحكمة بالوقت ذاته . مايعيد انتباهنا الى خطيئة ادم الاولى مع حواء وانتقالهما الى حياة اخرى " النساء ..... هن الاتي يرشدننا الى الثمار المحرمة "190 وتكرر هذا المشهد بالايحاء عن اغواء "عذراء "لابيه وزواجه منها وهو ما يشكل استرجاعا لعلاقة انكيدو في ملحمة كلكامش مع المومس التي خاطبته بعد ستة ايام وسبع ليالي بقولها "صرت تحوز الحكمة يا انكيدو وصبحت مثل اله "الملحمة 84 . ما يؤكد الطابع الانساني الذي تحول اليه انكيدو بحيازته الحكمة /الاكتشاف وهو مامربه سوادي في الرواية . المرحلة الثانية : ويمثلها هروب الجنود من معسكراتهم "وبضمنهم سوادي ورفيقه زرياب الى الماخور . انهم يمارسون ملاذهم لامن اجل الحصول على اللذة فحسب وانما ليحققوا من خلالها فعل الحياة المتضاد مع فعل الموت المتجسد في المعسكرات . وبذلك تصب هذه المشاهد في معادلة " الحياة ـ الموت " " لم يكن ثمة ملاذ اخر ياوون اليه ,هم الهاربون من الثكنة العسكرية غير ذلك الماخور.... وكان يذهل سوادي وربما يذهل الجميع ان تلك الفتيات احتفظن بجمالهن وسحرهن وانوثتهن على الرغم من اهوال الحرب وفظاعتها , كانو يحسون حين ينتزعون اجسادهم من بين الاسلاك الشائكة انهم يفرون من تنين يزحف ببصء وراءهم ويحاول ابتلاعهم . فطالما سمعو حكايات عن حنود تركوا مخابئهم او قل خنادقهم التي غدت بعد دقائق من هربهم مقابر جماعية " 138. لم تفلح محاولات سوادي ورفيقه بالبحث عن عشبة الحياة اذ " قبضوا سوادي خارجا من الماخور "143 ليلقى بعد ذلك مصيره عاملا في السيرك ورفيقه واقعا في الاسر . المرحلة الثالثة: ونرصدها بحكايات د. عباس الشخصية العرضية في الرواية والمثقفة القيادية في المجتمع ! تنحدر الى ممارسات غير مقبولة في مثل مجتمعاتنا العراقية . يقص د. عباس علاقاته مع نساء الاهوار المهووسات بالجنس على حد قول السارد ومغامراته معهن او مغامراتهن معه كما اراد ان يوحي السارد وهنا يتجسد البعد الاجتماعي المتمثل بمى الانهيار الذي وصل اليه المجتمع بفعل الحرب . فمعظم النساء اللواتي غامرن باجسادهن كن من ذوي الرجال الذين اكلتهم الحرب او لفظتهم على حافات الحياة . "فالنساء ضحايا "وحيداتوالرجال رحلوا الى العالم الاخر او ذهبواالى الحرب منذ زمن طويل "170 في حين ان هناك شابا وسيما كان له الفضل "في اسكات الضوضاء المعتملة في امخاخهن واطفاء نار اجسادهن "174 "بعظهم يقول انني ساهمت في افسادهن .... لكنني اسديت لهن معروفا لانني جعلتهن يستمتعن بابتكاراتي الجنسية " 175 . المرحلة الرابعة : جاءت مشاهد الجنس فيها متساوقة مع تشبث سوادي بلحياة ومحاولته الابقاء على خيوطها من غير اثر فاعل , وهي الفكرة التي التي تعيدنا الى ما ذكرناه سابقا عن الملجا ومحاولة ساكنيه تحقيق فعل الحياة التي عزلوا منها . ان فكرة بعث الحياة تعيد نفسها في هذه المشاهد وتؤطر الثيمة الرئيسة في هذه الرواية . ففي اثناء مكوث سوادي في المستشفى كانت الممرضات ومنهن "منة الله " "لاترى غضاضة في ان يقبل جندي مسكين مثل سوادي اصابعخا "195 او يغازلها او حين يتعاطفن معه ويلبين طلباته الصغيرة "كان يسرحن شعره المجعد او يلقن ذقنه ...." فتنقله هذه اللمسات " متذكرا مغامراته الحزينة في الماخور اخذه اليه زرياب " 195 وهذا الحال يتتكرر بموقف مختلف مع ساكني الملجا وبصحبتهم غرنوقة التي تستمع الى النكات الجنسية وتستمتع .... في حين يسترقون النظر الى جسدها المتفتح 302 . نستنتج ان هذه المواقف والمشاهد حملت دلالات تتساوق والافكار الرئيسة التي عبرت عنها الرواية والتحولات التي رافقت تحولات شخصية البطل سوادي . سادسا ـ ملاحظات اخرى قبل ان ننهي قراءتنا تولدت لدينا مجموعة من الملاحظات التي تستكمل وجهة القراءة وتكشف عن بعض اجه الرواية . الملاحظة الاولى : تنوعت شخصيات الرواية وتعددت وتباينت مستوياتها الفكرية واتجاهاتها فهناك الشخصيات البصيطة التفكير مثل شخصية بائع النكات وهناك الشخصيات الاعمق تفكيرا "الشخصية المثقفة " مثل شخصية عقيل علي وتونتي ... زمن الملاحظ ان الشخصيات المثقفة عانت اضطهادا سياسا او تعاني فراغا اجتماعيا اجبرها على التخلي عن بعض قيمها او الانزواء خارج حلبة الحياة الفاعلة , فشخصية >. عباس تنحدر اخلاقيا لانها تعاني من فراغ اجتماعي وشخصية عقيل علي الشاعر تضطر الى التخلي عن حصتها في الحياة لانها اضطهدت سياسا . من جانب اخر مايلاحظ على تعامل السارد مع شخصياته ان اغرق في وصفها خارجيا وكشف عن ابعادها التاريخية الا انه يكاد يغفل مناطق لاوعيه المجهولة . نعم ان الراوي العليم يعرف عنها اكثرمما تعرف عن نفسها , الا انه يتخلى عن دوره هنا ولم يوظف المنلوجات الداخلية للكشف عنااسرارها . الملاحظة الثانية . يرد في الرواية موقفان يحتاجان الى وقفة يسيرة . الموقف الاول حديثه عن "زهرة كسار " الطفلة الفارسية الاصل ,العراقية تبنيا , اذ تبناها تاجر عراقي لم تنجب زوجته له اطفالا ,وفي زمن السرد اصبحت الطفلة شابة جميلة جدا ومؤهلة للزواج الا انها تعاني من الوحدة في قصر ابيها الجديد لانه يمنعها من الخروج . واما الموقف الثاني ,فهو حديثه في الصفحات الاخيرة عن " زرياب الذي لن ياتي من الاسر . "ربما تزوج هناك وانصهر في المجتمع الفارسي " على حد قوله . هذان الموقفان يثيران تساؤلا عن العلاقات العراقية الإيرانية على المستوى المجتمعي "بعيدا عن المواقف الرسمية طبعا." هل كان السارد يعني ان هناك تقاربا تاريخيا بين المجتمعين ولا سيما بين مجتمعات المدن المتاخمة للحدود ؟طبعا لاشك في ذلك ,وبخاصة ان السارد يطرح هذه الرؤية بالضد من الرؤية السوداوية للحرب ,فهناك معادلة تطرح الوجهة العكسية. البندقية لا تساوي علاقة النسب والانصهار " لاجدوى من إراقة الدم " والثانية تتأصل وتنمو مع انه يتردد في استكمال الرؤية إذ لم يخبرنا بزواج فعلي كدلالة على الاستمرار. الملاحظة الثالثة التناص بات من الممكن القول من دون تردد "أن لاوجود لنص يتوالد من ذاته " فكل نص مرهون بجذور تمتد وتتفرع من نصوص ومتون أخرى قد ينتمي اليها في جنسه او لا . تتشح هذه الرواية بتضمنها متونا سردية أخذت طابعا شعبيا "حكايات يومية في الأغلب تحدث في أسرنا العراقية استطاع المؤلف انتقائها وزجها ضمن بنية روايته مفعلا من خلالها أحداثه ومازجا متنه السردي بتلويناتها . فضلا عن ورود إشارات كثيرة لمواقف "إحداث "أو شخصيات أدبية معروفة أو شخصيات عالمية "مفكرين او شعراء وغيرهم " . ما يشكل قراءة جديدة لنص او لنصوص مغيبة عن بنيتها الأصلية لتؤدي دورا آخر ,ليس من الحكمة ان نحكم على نجاحه او عدمه فيها في هذه اللحظة او في هذه القراءة . ولنختر هذه النصوص : "وكان يسمع موزة المولعة بالقيل والقال فضلا عن التبولة تروي لامه حكايات شديدة الغرابة ,قصص حب وكره وغير وطلاق قصص اجهاض وخيانة ولواط واغتصاب ...." هذا النص يقودنا الى نصوص لم تتشكل ضمن البنية الروائية إلا قصة زهرة كسار التي ترويها "موزة " أما باقي النصوص المسرودة أو المنوه عنها فلم يكن دورها إلا في نقل المشهد الحياة المجتمعي الذي يتكرر في اماكن تجمعات النساء "مجالس القبول أو الحمامات النسائية الشعبية " وفي مشهد آخر تتسرب الى ذهن السارد صورة "ساعي البريد سعدون الذي كان يوزع الرسائل والبطاقات البريدية التي يبعث بها الجنود الى أهاليهم ,وكان يوزع أيضا "هدايا الحروب التي تصل دوما في موعدها المحدد من دون ورق تغليف صقيل ومن دون شريط لامع معقود بهيئة فراشة .بلاغات الموت "177 . ثم ينقل لنا انفعالات الناس كما كنا نسمعها فعلا . فحين يرون ساعي البريد "المبلغ" "يستقبلونه بوجوه معبسة تنم عن الكراهية والحقد والألم ويقذفون بوجهه الشتائم ..... لاهلا ولامرحبا انت ثانية .... نحبل بهم وونرضعهم ونكبرهم ثم تاخذهم منا هذه ال... النتنة الحرب يبووه يبووه...." 178 . هي صورة مصغرة لما حدث فعلا في كل مدن العراق واريافه عشناها ولمسناها وظفها الكاتب على لسان سارده ناقلا من خلالها الاجواء والأحاسيس التي ربما تناساها الناس .
في الضرب الثاني من التناص يطلعنا السارد على نصوص مقتضب أو ممتصة مغيبة عن المتن السردي من مثل إشاراته لقصة ادم مع حواء أو ملحمة كلكامش وقد ورد الحديث عنها في البعد الرمزي كما ترد اشارات لشخصيات واقعية من مثل "حرفيش نجيب محفوظ وطاعون البير كامو وابله دستوفسكي ورجع فؤاد التكرلي البعيد وموسيقا لطفي الدليمي الصوفية " . ابعد من ذلك حين تحضر في الرواية شخصية "توينتي" اوشخصية عقيل علي
لم يعد من الممكن التغاضي عن القراء ة النقدية لعنونة النصوص الابداعية ايا كان جنسها او شكلها .بوصف العنوان موجها دلاليا واجناسيا على حد سواء .وبوصفه ايضا عتبة تفضي الى الموجه المهم لقراء ة النص او استكمال الرؤية القرائية له . لاسيما وقد بدا الاهتمام واضحا بعنونة النصوص من قبل المبدعين أمرا ذا بال . حتى استفزت أقلام بعض النقاد والباحثين ليدرسوا شعرية العنونة "1" "بوصفها موجها قرائيا "2" . وشان معظم عناوين القصص والروايات ينبني عنوان رواية "خميلة الاجنة" تركيبيا من جملة اسمية تتمثل بالمبتدأ المحذوف ثم الخبر المضاف الى اسم اخر ,وهي قراءة نحوية تحيل الى اخرى فتختلف الدلالة بين التركيبين ,اذ يمكن ان يقدر المبتدأ المحذوف "هي خميلة الاجنة "وفقا للقراءة الثانية بالخبر المحذوف فيكون العنوان "خميلة الاجنة هذه "ئ فسحة تقدير المحذوف واملاء الفراغ بحسب مايستنتجه من قراءته . واذا كانت القراءة التركيبية لاتشعر بالنمط الاجناسي للنص _علما ان وجه الغلاف يخلو من المؤشر الاجناسي "رواية _قصة _شعر "فان هذا . ومن المهم الإشارة إلى البعد الرمزي المتجسد ببنية التركيب الاستعاري للعنوان الذي يواشج بين دلالة الخميلة وماتحيل إليه من نضارة وحياة والمضافة اصلا إلى الأجنة "جمع جنين "وما يمكن ان تعكسه من تداعيات الحياة لتأتي المفارقة كاسرة افق انتظار القارئ في الصفحات الاخيرة اذ تبدو هذه الخميلة "خميلة التماثيل البرونزية المهزومة من الحياة إلى الموت أو شاهد على قسوة ما بعدها قسوة . +ما يلاحظ في رمزية العنوان ان من عزلته الحياة تحت ظروف قاهرة في بناية متهالكة ,مجموعة من الشخصيات لاروابط مهمة بينها سوى انهم خميلة "دلالة التنوع " تتوق لفعل الحياة او لممارسة دورها في الحياة التي أجبروا على الخروج منها أحياء . وبالمجمل تتطابق الرؤية الدلالية للعنوان مع مجمل ما صورته الرواية من انهيارات متوالية لنفسية الشعب العراقي إزاء ما عاصره من مؤثرات خارجية جعلت منه جنينا يابسا خارج رحمه متفجرا داخله .
ثانيا :من السيرة الروائية إلى رواية السيرة
لاشك ان إسهامات الروائيين العراقيين وإضافاتهم تعددت وتنوعت في استحداث تقانات القص واختيار الرؤى البنائية لنصوصهم تأثرا بالكتاب العالميين والعرب , الا أن وتطابقا مع توجهات النصوص بانفتاحها الاجناسي على بعضها بدأنا نقرا نصوصا تجمع أكثر من جنس أدبي ضمن محتواها وبنائها مع ملاحظة بقاء المهيمن الاجناسي واضحا .ورواية خميلة الأجنة تنتمي إلى نسق الروايات المستثمرة ضمن آليات بنائها جنسا سرديا هو السيرة الموضوعية أو الغيرية , وفي هذا التشخيص تنضوي دلالات عديدة منها التقارب أو التطابق بين شخصيتي الراوي والكاتب والتمازج بين الواقعي والمتخيل والبناء التتابعي للأحداث والاعتماد على الذاكرة في سرد الأحداث او فلسفتها وفقا للرؤية الحاضرة وغير ذلك .يقول "البسته ربطة عنق زرقاء مزودة بشريط مطاط كان ذاك هو اليوم الوحيد في حياته الذي ارتدى فيه ربطة عنق كان يشمئز من ربطات العنق دوما ولايعرف ماهو سبب نفوره منها حتى هذه اللحظة ..... ربما تذكره بحبال المشانق او بانعدام الحدبات"81. فالربط بين ربطة العنق وحبل المشانق تحليل رؤيوي واستنتاج معاصر للحظة الكتابة وليس للحظة الفعل المتحقق في الزمن الماضي اذ غالبا ما يستعيد المرأ ذكرياته لاكما عاشها وإنما وفقا لما يدركه بوعي منها فهو يحلل ويربط ويفسر تماشيا مع معطيات الحاضر . يتداخل الكاتب مع الراوي في مواضع عدة من الرواية لاسيما في إيراد وقائع ذات صلة عميقة بما جرى من أحداث فهو يحقق فعلا تاريخيا ممتزجا بالرؤية السردسة "ينظر207 من الرواية " في حديثه عن الحرب وآثارها او عن الحرب الاهلية في لبنان أو عن الجنود الذين باعوا بنادقهم برغيف خبز ,ويتعلق بهذا الأمر شيء يمكن تسميته بالاستطرادات التي تتشكل احيانا بوازع التداعي الذهني أو التداعي اللفظي كحديثه عن الغجر الذي استغرق صفحات متوالية "199 _ 207 " تحدث عن دورهم الاستعراضي ودعمهم لصناع الحروب وان كنا نستشف البعد الرمزي المتمثل بهشاشة السلطة أومن يمثلها بالاتكاء على الدور الاستعراضي للغجر _ أو حديثه عن مرارة ما مر به العراقيون متخذا من حدبة سوادي حافزا على الحديث عن حدب /جراح العراقيين واستغرق اسطرا طويلة بشكل استطرادي او حين يبرز احدى شخصياته غير المؤثرة في مستويات القص بشكل مباشر مثل الحديث عن "ريسان " وهي شخصية صديقة للبطل اذ ياتي الحديث عنه بشكل ساخر "ومؤخرا سمع من احد زملائه الجنود انه أصبح وزيرا للطماطة التي تذبذبت أسعارها بشكل مذهل في السنوات الأخيرة ...... ارتفعت أثمانها مضاعفة بشكل لم تجد له وزارة الطماطة تفسيرا ولاتبريرا .....".
ثالثا. السيرة العنقودية
إن أهم ما يلاحظ في الهيكلية البنائية لهذه الرواية /السيرة أنها تتوالد عنها سير لشخصيات كثيرة فضلا عن سيرة الفضاء المكاني الذي تركت من الأحداث /مدينة الكوت , ما أمكن تسميتها ب"السيرة العنقودية " . لانتوي طبعا اجتراح مصطلح يضاف إلى أطنان المصطلحات التي تلوكها الأقلام في مدونة نقدنا العربي الحديث إلا إننا وجدناه مناسبا لتوالد السير المتعلقة بالشخصية الرئيسة .إن الأحداث تتكشف من خلال ملاحقة شخصية البطل سوادي , كما أن الشخصيات كلها تتوالى في الظهور تبعا لمراحل تطور شخصية البطل ,ابتداء من شخصية الجدة /فضة التي كان لها دور كبير في رسم طموحات سوادي وحياته مرورا بمجموعة من الشخصيات "أصدقاء سوادي في الشباب ,وحواء الخادمة ,وزرياب وتوينتي وعقيل ,الخ ..." طبعا لم تكن علاقة سوادي بشخصيات الرواية كلها على مستوى واحد ومن المهم الإشارة إلى أن تعامل الكاتب مع تلك الشخصيات لم تكن بمستوى واحد ولم يكن تعامله وفقا لمنطق الأهمية أو الدور الذي تلعبه الشخصية وإنما وفقا للمنطق الزمني وتوالي ظهورها في الحدث بعض هذه الشخصيات لاتنمي الحدث ولاتكشف عن عمق في التجربة ومع هذا يكون حضورها واضحا كما في شخصية الدكتور عباس الذي يلتقيه سوادي عرضا في الطريق بعد أن تتعطل عربة السيرك الذي يعمل فيه الأخير فيصطحبه الطبيب إلى بيته ليقص عليه مغامراته الجنسية مع النساء القرويات "158 . وبالمقابل هناك شخصيات تؤثر تأثيرا واضحا في مجريات الأحداث من خلال تأثيرها على شخصية البطل مثل "حواء الخادمة " التي كانت نافذة سوادي على العالم او شخصية زرياب التي بقي أثرها واضحا إلى نهاية الرواية . إن تعالق الشخصيات ببعضها وتناسلها ,افرز نمطا بنائيا امتاز بشدة النسج "اذا استثنينا طبعا بعض الشخصيات غير المفعلة للحدث كما أسلفنا" .
رابعا: الثيمة
تطرح هذه الرواية ضمن متنها الحكائي متواليات الأحداث التي مر بها المجتمع العراقي بعد خوضه معركة طويلة إبان الثمانينيات ومعاناته حصارا ظالما وقاهرا في التسعينيات ,وانعكاسات ذلك على نفسية الفرد العراقي وتخلخل القيم الاجتماعية وتصدع الطموحات الشخصية وانهيارها. فهي ذات بعد اجتماعي وسياسي في آن واحد . إن سلسلة الأحداث التي مر بها البطل سوادي هي ما يمكن أن يقع لأي شخص عراقي إبان الفترة نفسها ,والظروف التي احالنه إلى روح مغتربة عن لعالم تنزوي ضمن بناية عتيقة بصحبة مجموعة من الشخصيات ,هي ما آلت له مصائر ثلة من العراقيين لم يكن من الممكن إن تعيش حياتها بشكل سوي إذ تحولت بفعل الانهيارات النفسية المتوالية وكبت الحريات الى مجرد تماثيل برونزية شاخصة . كان سوادي يدرك جيدا "ان لاجدوى من إراقة الدماء في عالم يعج بالأشباح والكلاب المسعورة "157 كما يدرك جيدا انه شاهد على عصر الانهيارات "القدر يبقي شاهدا واحدا في الأقل على كل كارثة أو مجزرة ليقول الحقيقة "277 . ولكن كيف ؟ ان البديل الذي يطرح لتغيير العالم وليقول الحقيقة من وجهة نظر الكاتب هو "الكتابة " "لاخير في كتابة لاتحرك فينا المخيلة أو تثير فينا الشكوك والهواجس أو تزعزع في دواخلنا القناعات الثابته لمطلقة "291 ويكون مشروع البطل في نهاية الرواية "كما يتخيل " أن يلقي "خطبته الأخيرة التي أجرى عليها كثيرا من التعديلات وأضاف إليها جملا موحية ومليئة بالدلالات "326 .
خامسا : البعد الرمزي لايخلو عمل سردي او قل أدبي عام من أبعاد رمزية يوحي من خلاله المبدع الى ثيمات مختلفة ,يبقى للقارئ دوره في استكشاف تلك الأبعاد وربطها بالانساق الفكرية المراد التعبير عنها وهو أمر مفروغ من . ونسجل ضمن قراءتنا مجموعة من الابعاد الرمزية التي تتخلل العمل وهي: 1ـ المفتاح والحبال السرية .2ـ الهارمونيكا "الالة الموسيقية" 3ـ الجنس . ترد في أول صفحة من الرواية "سوف يبقى يحلم في ذلك المفتاح زمنا طويلا "9 " هل فكرت جدته أن هوس الحبال السرية سيظل يلازمه ابد الدهر "9 .هذه الانبثاقة الأولى أو الإشارة الاولى التي سيطرت على فكر سوادي الى نهاية الرواية اذ نقرا على لسانه "اني الن ادعو المحاكم الدولية إلى استرداد حبالنا السرية واعادتها إلى أصحابها مواليد هذا القرن المليء بالدموع فالحبال ..ملكنا وحدنا وليس من حق احد في العالم أن يتصرف بها على وفق مايشاء "319 . ويبدو لي ان المفتاح كان مفتاحا لشخصية سوادي فهو دلالة الكشف والطموح الذي كان يستفزه ويبعث فيه الأمل في الحياة مذ كان طفلا وفيه إشارات على كثرة التقلبات التي ستواجهها هذه الشخصية على مدار حياتها .المفتاح مفاتيح كل مرحلة من مراحل حياة سوادي مهووسة بالكشف ومليئة بالمفاجئات . اما الحبال السرية فقد استخدمها الكاتب معادلا الى الحريات الشخصية التي افتقدها جيل سوادي وليس هو فحسب . لقد مارست القابلة اول انتهاك لحرية الإنسان حين أضاعت حبله السري "ذلك الحبل الذي يغذيه بالحياة فاقتادت الناس من بعدها وتواصلوا في مصادراتهم للحبال السرية .لاشك أن هذه الدلالات تصب في الهدف العام للرواية لاسيما وهي تطرح فكرة الحياة والموت على عدة مستويات وتعضدها في ذلك دلالات الرموز الاخرى ,فالهارمونيكا ,الة العزف التي تركها زرياب عند سوادي وذهب اسيرا ماهي الا شضفة الحياة التي تركها عند صديقه لتمارس هامش الحياة عند ضفة الموت "يتسلى سوادي مع هارمونيكا زرياب يطبق شفتيه على ثقوبها وينفخ كل الاوجاع التي كابدها وكل الحرمانات التي هصرت قلبه وكل الافكار التي اعتملت في ذهنه وكل المشاعر التي اجتاحته طيلة سنوات عمره المنحوس "277 .الا انها لم تعد تعزف في نهاية المطاف على الرغم من محاولات سوادي اليائسة وهي اشارة واضحة الى التشبث بالحياة على الرغم من لاجدواها .وان المعادلة التي طرحها على مسار الرواية "معادلة الحياة والموت " لايتغلب احدها على الاخر على الرغم من طغيان احدهما على الاخر في اوقات مختلفة كما اشار الى ذلك اشارة واضحة قائلا "جدته في الاعلى تجرالاطفال الى العالم ابوهفي الاسفل يهيء لهمالنعوش "25 .اما رمز الجنس على مختلف المشاهد والصور التي ورد فيها في الرواية فلم يكن الكاتب مبتكرا له من حيث الماهية .فقلما يخلو عمل سردي عربي منه حاملافي ذاته دلالات رمزية مختلفة . ففي قاهرة نجيب محفوظ الجديدة تاتي مشاهد الجنس تعبيرا عن التفكك الاجتماعي الذي احاط بالقاهرة منتصف الاربعينيات في حين كانت المشاهد الجنسية عند التكرلي ....... وجاءت عند الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال ذات طابع فكري يجسد الصراع الحضاري العربي الاوربي على وفق مستويات عدة "ينظر سمير 172 وما بعدها الا ان من المهم الالتفات الى قضية مهمة تلك هي ان مشاهد الجنس في الرواية العربية صورت في الاغلب العلاقات غير الشرعية واحياناالشاذة أي الجانب السلبي منه وهي مسالة تحتاج الى وقفة طويلة ليس هنا مكانها . وهو مايصدق في رواي خميلة الاجنة . يمكن تقسيم مشاهد الجنس في الرواية الى المراحل الاتية وفقا لقراءتنا : المرحلة الاولى : لقاء سوادي وهوشاب مع الخادمة حواء واغوائها اياه في علاقة استمرت فترة محدودة .والواقع كانت هذه المرحلة كانت متزامنة مع مرحلة الهوس بالمفاتيح اذ كان يعمل في محل بيعها وتصليحها فالمشهد يحتملهنا دلالة التخطي والاكتشاف . ان علاقة حواء بسوادي تمثل الانتقال الى الوجه الثاني من الحياة المعبر عن التفاعل وعن حيازة الخطيئة والحكمة بالوقت ذاته . مايعيد انتباهنا الى خطيئة ادم الاولى مع حواء وانتقالهما الى حياة اخرى " النساء ..... هن الاتي يرشدننا الى الثمار المحرمة "190 وتكرر هذا المشهد بالايحاء عن اغواء "عذراء "لابيه وزواجه منها وهو ما يشكل استرجاعا لعلاقة انكيدو في ملحمة كلكامش مع المومس التي خاطبته بعد ستة ايام وسبع ليالي بقولها "صرت تحوز الحكمة يا انكيدو وصبحت مثل اله "الملحمة 84 . ما يؤكد الطابع الانساني الذي تحول اليه انكيدو بحيازته الحكمة /الاكتشاف وهو مامربه سوادي في الرواية . المرحلة الثانية : ويمثلها هروب الجنود من معسكراتهم "وبضمنهم سوادي ورفيقه زرياب الى الماخور . انهم يمارسون ملاذهم لامن اجل الحصول على اللذة فحسب وانما ليحققوا من خلالها فعل الحياة المتضاد مع فعل الموت المتجسد في المعسكرات . وبذلك تصب هذه المشاهد في معادلة " الحياة ـ الموت " " لم يكن ثمة ملاذ اخر ياوون اليه ,هم الهاربون من الثكنة العسكرية غير ذلك الماخور.... وكان يذهل سوادي وربما يذهل الجميع ان تلك الفتيات احتفظن بجمالهن وسحرهن وانوثتهن على الرغم من اهوال الحرب وفظاعتها , كانو يحسون حين ينتزعون اجسادهم من بين الاسلاك الشائكة انهم يفرون من تنين يزحف ببصء وراءهم ويحاول ابتلاعهم . فطالما سمعو حكايات عن حنود تركوا مخابئهم او قل خنادقهم التي غدت بعد دقائق من هربهم مقابر جماعية " 138. لم تفلح محاولات سوادي ورفيقه بالبحث عن عشبة الحياة اذ " قبضوا سوادي خارجا من الماخور "143 ليلقى بعد ذلك مصيره عاملا في السيرك ورفيقه واقعا في الاسر . المرحلة الثالثة: ونرصدها بحكايات د. عباس الشخصية العرضية في الرواية والمثقفة القيادية في المجتمع ! تنحدر الى ممارسات غير مقبولة في مثل مجتمعاتنا العراقية . يقص د. عباس علاقاته مع نساء الاهوار المهووسات بالجنس على حد قول السارد ومغامراته معهن او مغامراتهن معه كما اراد ان يوحي السارد وهنا يتجسد البعد الاجتماعي المتمثل بمى الانهيار الذي وصل اليه المجتمع بفعل الحرب . فمعظم النساء اللواتي غامرن باجسادهن كن من ذوي الرجال الذين اكلتهم الحرب او لفظتهم على حافات الحياة . "فالنساء ضحايا "وحيداتوالرجال رحلوا الى العالم الاخر او ذهبواالى الحرب منذ زمن طويل "170 في حين ان هناك شابا وسيما كان له الفضل "في اسكات الضوضاء المعتملة في امخاخهن واطفاء نار اجسادهن "174 "بعظهم يقول انني ساهمت في افسادهن .... لكنني اسديت لهن معروفا لانني جعلتهن يستمتعن بابتكاراتي الجنسية " 175 . المرحلة الرابعة : جاءت مشاهد الجنس فيها متساوقة مع تشبث سوادي بلحياة ومحاولته الابقاء على خيوطها من غير اثر فاعل , وهي الفكرة التي التي تعيدنا الى ما ذكرناه سابقا عن الملجا ومحاولة ساكنيه تحقيق فعل الحياة التي عزلوا منها . ان فكرة بعث الحياة تعيد نفسها في هذه المشاهد وتؤطر الثيمة الرئيسة في هذه الرواية . ففي اثناء مكوث سوادي في المستشفى كانت الممرضات ومنهن "منة الله " "لاترى غضاضة في ان يقبل جندي مسكين مثل سوادي اصابعخا "195 او يغازلها او حين يتعاطفن معه ويلبين طلباته الصغيرة "كان يسرحن شعره المجعد او يلقن ذقنه ...." فتنقله هذه اللمسات " متذكرا مغامراته الحزينة في الماخور اخذه اليه زرياب " 195 وهذا الحال يتتكرر بموقف مختلف مع ساكني الملجا وبصحبتهم غرنوقة التي تستمع الى النكات الجنسية وتستمتع .... في حين يسترقون النظر الى جسدها المتفتح 302 . نستنتج ان هذه المواقف والمشاهد حملت دلالات تتساوق والافكار الرئيسة التي عبرت عنها الرواية والتحولات التي رافقت تحولات شخصية البطل سوادي . سادسا ـ ملاحظات اخرى قبل ان ننهي قراءتنا تولدت لدينا مجموعة من الملاحظات التي تستكمل وجهة القراءة وتكشف عن بعض اجه الرواية . الملاحظة الاولى : تنوعت شخصيات الرواية وتعددت وتباينت مستوياتها الفكرية واتجاهاتها فهناك الشخصيات البصيطة التفكير مثل شخصية بائع النكات وهناك الشخصيات الاعمق تفكيرا "الشخصية المثقفة " مثل شخصية عقيل علي وتونتي ... زمن الملاحظ ان الشخصيات المثقفة عانت اضطهادا سياسا او تعاني فراغا اجتماعيا اجبرها على التخلي عن بعض قيمها او الانزواء خارج حلبة الحياة الفاعلة , فشخصية >. عباس تنحدر اخلاقيا لانها تعاني من فراغ اجتماعي وشخصية عقيل علي الشاعر تضطر الى التخلي عن حصتها في الحياة لانها اضطهدت سياسا . من جانب اخر مايلاحظ على تعامل السارد مع شخصياته ان اغرق في وصفها خارجيا وكشف عن ابعادها التاريخية الا انه يكاد يغفل مناطق لاوعيه المجهولة . نعم ان الراوي العليم يعرف عنها اكثرمما تعرف عن نفسها , الا انه يتخلى عن دوره هنا ولم يوظف المنلوجات الداخلية للكشف عنااسرارها . الملاحظة الثانية . يرد في الرواية موقفان يحتاجان الى وقفة يسيرة . الموقف الاول حديثه عن "زهرة كسار " الطفلة الفارسية الاصل ,العراقية تبنيا , اذ تبناها تاجر عراقي لم تنجب زوجته له اطفالا ,وفي زمن السرد اصبحت الطفلة شابة جميلة جدا ومؤهلة للزواج الا انها تعاني من الوحدة في قصر ابيها الجديد لانه يمنعها من الخروج . واما الموقف الثاني ,فهو حديثه في الصفحات الاخيرة عن " زرياب الذي لن ياتي من الاسر . "ربما تزوج هناك وانصهر في المجتمع الفارسي " على حد قوله . هذان الموقفان يثيران تساؤلا عن العلاقات العراقية الإيرانية على المستوى المجتمعي "بعيدا عن المواقف الرسمية طبعا." هل كان السارد يعني ان هناك تقاربا تاريخيا بين المجتمعين ولا سيما بين مجتمعات المدن المتاخمة للحدود ؟طبعا لاشك في ذلك ,وبخاصة ان السارد يطرح هذه الرؤية بالضد من الرؤية السوداوية للحرب ,فهناك معادلة تطرح الوجهة العكسية. البندقية لا تساوي علاقة النسب والانصهار " لاجدوى من إراقة الدم " والثانية تتأصل وتنمو مع انه يتردد في استكمال الرؤية إذ لم يخبرنا بزواج فعلي كدلالة على الاستمرار. الملاحظة الثالثة التناص بات من الممكن القول من دون تردد "أن لاوجود لنص يتوالد من ذاته " فكل نص مرهون بجذور تمتد وتتفرع من نصوص ومتون أخرى قد ينتمي اليها في جنسه او لا . تتشح هذه الرواية بتضمنها متونا سردية أخذت طابعا شعبيا "حكايات يومية في الأغلب تحدث في أسرنا العراقية استطاع المؤلف انتقائها وزجها ضمن بنية روايته مفعلا من خلالها أحداثه ومازجا متنه السردي بتلويناتها . فضلا عن ورود إشارات كثيرة لمواقف "إحداث "أو شخصيات أدبية معروفة أو شخصيات عالمية "مفكرين او شعراء وغيرهم " . ما يشكل قراءة جديدة لنص او لنصوص مغيبة عن بنيتها الأصلية لتؤدي دورا آخر ,ليس من الحكمة ان نحكم على نجاحه او عدمه فيها في هذه اللحظة او في هذه القراءة . ولنختر هذه النصوص : "وكان يسمع موزة المولعة بالقيل والقال فضلا عن التبولة تروي لامه حكايات شديدة الغرابة ,قصص حب وكره وغير وطلاق قصص اجهاض وخيانة ولواط واغتصاب ...." هذا النص يقودنا الى نصوص لم تتشكل ضمن البنية الروائية إلا قصة زهرة كسار التي ترويها "موزة " أما باقي النصوص المسرودة أو المنوه عنها فلم يكن دورها إلا في نقل المشهد الحياة المجتمعي الذي يتكرر في اماكن تجمعات النساء "مجالس القبول أو الحمامات النسائية الشعبية " وفي مشهد آخر تتسرب الى ذهن السارد صورة "ساعي البريد سعدون الذي كان يوزع الرسائل والبطاقات البريدية التي يبعث بها الجنود الى أهاليهم ,وكان يوزع أيضا "هدايا الحروب التي تصل دوما في موعدها المحدد من دون ورق تغليف صقيل ومن دون شريط لامع معقود بهيئة فراشة .بلاغات الموت "177 . ثم ينقل لنا انفعالات الناس كما كنا نسمعها فعلا . فحين يرون ساعي البريد "المبلغ" "يستقبلونه بوجوه معبسة تنم عن الكراهية والحقد والألم ويقذفون بوجهه الشتائم ..... لاهلا ولامرحبا انت ثانية .... نحبل بهم وونرضعهم ونكبرهم ثم تاخذهم منا هذه ال... النتنة الحرب يبووه يبووه...." 178 . هي صورة مصغرة لما حدث فعلا في كل مدن العراق واريافه عشناها ولمسناها وظفها الكاتب على لسان سارده ناقلا من خلالها الاجواء والأحاسيس التي ربما تناساها الناس في الضرب الثاني من التناص يطلعنا السارد على نصوص مقتضب أو ممتصة مغيبة عن المتن السردي من مثل إشاراته لقصة ادم مع حواء أو ملحمة كلكامش وقد ورد الحديث عنها في البعد الرمزي كما ترد اشارات لشخصيات واقعية من مثل "حرفيش نجيب محفوظ وطاعون البير كامو وابله دستوفسكي ورجع فؤاد التكرلي البعيد وموسيقا لطفي الدليمي الصوفية " . ابعد من ذلك حين تحضر في الرواية شخصية "توينتي" اوشخصية عقيل علي
#علي_متعب_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السرد وتحولات البنية
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|