مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3310 - 2011 / 3 / 19 - 02:16
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الديكتاتوريات العربية تشن أكبر هجوم لها على الجماهير
يبدو الوضع قاتما بالنسبة لمستقبل ثورات الشعوب العربية نسبيا اليوم : لقد أطلق العنان لماكينة القمع الرسمية للأنظمة إلى أقصى طاقتها في العديد من البلدان , مهددة بالقضاء على انتفاضات الجماهير الليبية و البحرينية و اليمنية بقوة القمع الوحشية .
ليبيا
في ليبيا تتقدم قوات القذافي شرقا متغلبة على المقاومة الشجاعة للثوار الليبيين باستخدامها المركز للقصف من الزوراق و الطائرات القاذفة و راجمات الصواريخ . الولايات المتحدة و بعض الحكومات الأوروبية التي أظهرت حماسة مبكرة للتدخل عسكريا بشكل مباشر في ليبيا , تزعم الآن أن فرض منطقة حظر لطيران نظام القذافي أمر غير ممكن عمليا . يمكن فهم هذا فقط على ضوء رفض الثوار الليبيين لأي تدخل عسكري مباشر في بلادهم . لقد أوضح كل طرف أن حرية الشعب الليبي , حريته الحقيقية , لا تعنيه , و أنه على الجماهير الليبية أن تعتمد فقط على شجاعتها و تصميمها ضد قوات القذافي المتفوقة عسكريا .
وضع القذافي أما شعبه أحد خيارين : العبودية أو الموت . الولايات المتحدة من جانبها أوضحت موقفها من الأزمة من خلال أفعالها : على الشعب الليبي أن يختار إما الولايات المتحدة أو القذافي . من المؤكد أن الثوار الليبيين ما يزالون بمعنويات عالية , لكن من الأكيد أيضا أن مصير الثورة الليبية , بما في ذلك مصير كل ليبي انتفض في سبيل حريته , يبدو قاتما اليوم أيضا .
اليمن
في اليمن , شنت قوى النظام قبل يومين هجوما واسعا على طلاب جامعة صنعاء في الساحة القريبة من جامعتهم , ساحة التغيير , كما أصبحت تسمى . قتل 7 من المتظاهرين و أصيب كثيرون غيرهم . اللافت للنظر أن الرئيس الأمريكي أوباما في ذلك اليوم بالتحديد قد دعا المعارضة اليمنية لقبول عرض الديكتاتور علي عبد الله صالح لإنهاء الصراع و القبول بتغييرات طفيفة في بنية النظام السياسية . صالح في نفس الوقت تعهد بحماية أرواح الشباب المتظاهر . لكن مرة أخرى , قام بلاطجة ( أزلام النظام ) نظام صالح بمهاجمة المحتجين . لكن الساحة ما زالت تحت سيطرة الطلاب حتى الآن .
تتواتر الكثير من التقارير عن أن أعداد كبيرة من رجال الشرطة و من بلاطجة النظام يعدون لهجوم آخر كبير على المعتصمين في ساحة التغيير . مرة أخرى فإن الشباب هناك مصمم على أن يواصل ثورته .
البحرين
وردت الأخبار من البحرين بأن أكثر من ألف عسكري سعودي قد دخلوا الأراضي البحرينية ليدعموا نظامها الملكي ضد انتفاضة شعبه . ما يمكننا توقعه الآن هو المزيد من إراقة الدماء . تقلد الأسرة الحاكمة السعودية دور أكثر الأنظمة رجعية في مواجهة انتفاضات الشعوب المجاورة , كما كان القيصر الروسي أو البروسي يفعلان في مواجهة ثورات الشعوب الأوروبية في القرن 19 ... الملك السعودي شخصيا , رغم انه كان مريضا يومها , اتصل بالرئيس الأمريكي أوباما شخصيا و انتقد مواقف الأخير من مبارك , واعدا بدعم الديكتاتور المصري حتى النهاية .
تستضيف البحرين أحد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة و العالم , لذلك لا يستطيع أي شخص أن يزعم أن التدخل السعودي جرى من دون موافقة أمريكية . ما يعنيه هذا هو أن الأنظمة , الديكتاتوريات في منطقتنا , تبدأ بممارسة أقصى قمع ممكن ضد شعوبها الثائرة لكي تضع حدا لموجة الثورات و الاحتجاجات التي تطالب بالحرية , بحق العمل , المساواة , المشاركة السياسية , و بحياة كريمة للجميع .
لا توجد ثقة لا في القوى الغربية و لا الشرقية
لا يحتاج المرء ليعلق على مواقف القوى الغربية أو الشرقية التي تدعم , علنا أو بشكل غير مباشر , هذه الديكتاتوريات القمعية الوحشية . من الواضح أن الثورة قد تنتصر أو تهزم , رغم نشوة الانتصارين الأوليين في مصر و تونس . إن هزيمة هذه الثورات هو الهدف النهائي لكل النخب , كل الديكتاتوريات , و كل المضطهدين , و المستغلين , ليس فقط في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و بل في كل مكان , من الولايات المتحدة إلى جمهورية الصين الشعبية و الاتحاد الروسي .
من الواضح أنه لا يمكنك أحيانا , إما بسبب وحشية القمع من الأنظمة القائمة أو بسبب نقاط ضعف من جانب الشعب نفسه , أن تنتصر دون دعم أممي , دون دعم الجماهير في كل مكان . هذه في الواقع أكثر من مجرد دعوة للتضامن أو في سبيل دعم مؤقت . هذه دعوة لأعمال مشتركة ضد أعداء مشتركين . إذا كان صحيحا أنه لا يمكن لبعض الثورات أن تنتصر بالاعتماد على أفعال الجماهير المحلية فقط في بعض الأحيان , فصحيح أيضا أنه لم يكن من الممكن لهذه الديكتاتوريات أن تبقى و تستمر و لن يمكنها ذلك في المستقبل دون دعم القوى الكبرى في العالم , و مراكز "النظام العالمي الجديد" المعولم للاحتكارات , أي القوى الإمبريالية الكبرى . إنهم حلفاء , و نحن أيضا كذلك , نحن , الجماهير المستغلة في هذا العالم . من الواضح الآن أن شعوبنا تواجه أعداءا مشتركين , و أن انتصارنا هو انتصاركم , و هزيمتنا هي هزيمتكم بكل تأكيد .
إننا نذكر الصعود الكبير للحركة المناهضة للحرب قبل و أثناء الغزو الأنغلو – أمريكي للعراق , لكن ذلك الصعود لم يوفق في تغيير مجرى الأحداث يومها . كان ذلك جزئيا بسبب طبيعة الخصم الذي وقف في وجه العدوان الإمبريالي يومها . فقد كان هذا الخصم نظاما قمعيا , مكروها من شعبه , لذلك كانت هزيمته حتمية , و انتهى ذلك الصعود إلى جمود فيما بعد . لكن الآن فمن يقاتل هم الجماهير نفسها , و بأقصى ما تستطيع من شجاعة . عليكم أن تعرفوا عن تصميم و شجاعة أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع ضد عدد من أكثر الديكتاتوريات قمعا و وحشية على هذه الأرض , في تونس , مصر , ليبيا , اليمن , العراق و حتى في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية . مات المئات ( الآلاف في حالة ليبيا ) و أصيب الآلاف في هذا الصراع الذي يتواصل في كل مكان في منطقتنا . لقد قاتل الناس بشجاعة بأيديهم العارية , بقنابل المولوتوف , و بتصميمهم على انتزاع حريتهم ضد رجال الشرطة المدججين بالسلاح و بلطجية الأنظمة , و عسكرها في بعض الأحيان .
دعوة لدعم و لأفعال تضامن أممي
إننا نحتاج بشدة لتضامنكم بالفعل , لكنني أعتقد أنه قد حان الوقت للبدء بأعمال و تظاهرات أوسع دعما للشعوب الثائرة في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا . يجب ألا توجه هذه الاحتجاجات ضد الديكتاتوريات المحلية فقط , بل أيضا ضد داعميها . هذا يعني الاحتجاج أيضا ضد السياسات المخادعة للقوى الإمبريالية , نفس القوى التي تريد أن تجبر العمال في الغرب على تحمل نتائج الأزمة التي خلقتها بجشعها .
إن الجماهير مستعدة في كل مكان لمعركة أكبر , معركة في سبيل مصيرها و حريتها , و للقيام بهجوم مضاد ضد مستغليها . أنني أعتقد أنه كما جرى في تونس و مصر و في كل مكان من منطقتنا , فإن سخط الناس على أشده و أنهم يملكون الرغبة للمقاومة أكثر من أي وقت مضى . إلى جانب تضامنكم العاجل , أرجو أن يمكنكم أن تبدؤوا بمبادرات جديدة للتظاهر و أشكال العمل المباشر الأخرى على صعيد أوسع ضد أعدائنا المشتركين , دفاعا عن مصالحنا المشتركة .
إنني أنتمي إلى اليسار التحرري , و أنا مقتنع جدا أن النضال الحالي للجماهير في الشرق الأوسط له أهداف تحررية واضحة , لكن ليس هذا وقت الفرقة أو التشتت من جانب اليسار الثوري الأممي و الحركات و الناشطين المناهضين للرأسمالية . هذا لا يعني استبدال الأهداف و الوسائل التحررية بأخرى سلطوية , بل في خوض النضال على الأرضية المشتركة لكل الثوريين و الناشطين المناهضين للرأسمالية , و قبل كل شيء , على الأرضية المشتركة لمصالح الجماهير في كل مكان . إنني أفهم أن الثورات تدور حول النضال , الصراع , و أنه يمكن لها أن تنتصر أو تهزم : بعد ما يبدو الآن انتصارات أولية "سهلة" في تونس و مصر ( الأمر الذي لم يكن كذلك بالتأكيد ) , فنحن الآن في المرحلة الأكثر صعوبة من نضالنا , و كما اكتشفت الحركة العمالية منذ بداياتها , فإن هذا الصراع أو النضال لا يمكن خوضه بنجاح إلا على مستوى أممي .
و هذا الصراع الجاري ليس استثناءا . بالطبع إن هذه النضالات ليست بروليتارية بحتة حتى اليوم , حتى أن البروليتاريا المحلية قد لعبت فيها حتى اليوم دورا ثانويا , لكن الحقيقة هي أن هذه النضالات تفتح إمكانيات هائلة جدا أمام حركة عمالية مستقلة جماهيرية . الآن و في مواجهة الاحتلال السعودي العسكري , أعلن الاتحاد النقابي الرئيسي في البحرين عن إضراب عام بينما يغلق المتظاهرون الطريق الرئيسية في هذا البلد الصغير . العمال في تونس في مدينة متلاوي المنجمية تصادموا مع قوات الشرطة دفاعا عن مطالبهم , و مات عاملان بالفعل حتى اللحظة , بينما أعلنت الحكومة التونسية حظرا للتجول في المدينة . الأمور تصبح أكثر صعوبة في ساحة التغيير في صنعاء , في اليمن , حيث يبدو أن الديكتاتورية تحضر لمجزرة كبيرة .
إن المحتجين في ليبيا , اليمن و البحرين سيصبحون أكثر قوة و جرأة إذا شعروا و سمعوا عن تضامنكم : بهذه الطريقة يمكن لدعمكم أن يحدث فرقا حقيقيا في هذه اللحظة الحرجة من نضال الجماهير العربية في سبيل حريتها .
مازن كم الماز
أناركي سوري
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟