أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - سبع رسائل لاستهداف المسيحيين















المزيد.....


سبع رسائل لاستهداف المسيحيين


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3308 - 2011 / 3 / 17 - 17:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تصاعد في الآونة الأخيرة استهداف المسيحيين في دول المشرق، لا سيما العربي، وذلك ارتباطاً مع انتشار موجة التشدّد والغلو، وخصوصاً قوى «الإسلام السياسي»، فضلاً عن نشوء تيار أصولي متطرّف ومتعصّب، سواءً اتّخذ اسم تنظيمات «القاعدة» أو أي مسمى آخر، وتزامن هذا الاستهداف مع احتلال العراق وما تركه من تأثيرات وردود أفعال.
لقد تعرّضت الكنائس والأديرة ودور العبادة وشخصيات مسيحية ومواطنون عاديون إلى تفجيرات وأعمال إرهابية وعنف، تركت ندوباً عميقة في نفوس المسيحيين وأعطت انطباعاً، لا سيما في الغرب، عن خطط وبرامج لاستهداف المسيحيين، فما هي هذه الرسائل التي تريدها تلك العمليات، ومن يقف وراءها، وكيف نقرأها؟
الرسالة الأولى: دفع المسيحيين للهجرة، الأمر الذي سيراه ويفهمه العالم أجمع، وخصوصاً المجتمعات الغربية، على أن المسلمين لا يريدون العيش مع المسيحيين في دول المشرق، والنتيجة المنطقية لذلك ستكون ترسيخ الاعتقاد السائد، بتعصّب وتطرّف المسلمين ورفضهم للآخر، بل واعتباره «عدوّاً» حتى وإن كان من سكّان البلاد الأصليين، و«مواطناً» حسب القوانين السائدة والنافذة، ولعل ذلك سيكون «مبرراً» جديداً لاتهام الإسلام بالعنف والإرهاب، حسبما يتم ترويجه منذ سنوات، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية التي حصلت في الولايات المتحدة، والتي أدت إلى تنامي الاسلامفوبيا (أي الرهاب من الإسلام) في الغرب.
الرسالة الثانية؛ إن استهداف المسيحيين في دول المشرق، يعني فيما يعنيه تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعات وشعوب، ظلّت متعايشة على الرغم من النواقص والثغرات والسلبيات، التي تتعلق بالحقوق وبمبدأ المساواة والمواطنة الكاملة، خصوصاً الشعور السائد لدى المسيحيين بالتمييز، لأسباب قانونية وثقافية واجتماعية وسياسية ودينية وغيرها. وإذا كان استهداف المسيحيين يعني سيادة الفكر المتطرف والممارسات المتعصبة، فإن ذلك سيساهم في زيادة الهجرة المسيحية التي تعني تفريغ مجتمعاتنا من المسيحيين، وهو بحدّ ذاته إعلان عن شحّ فرص الحرية، لا سيما حرية التعبير وحق الاعتقاد وحق المشاركة السياسية.
الرسالة الثالثة؛ إن عدم التعايش الإسلامي- المسيحي في الشرق، يعني عدم رغبة المسلمين في التعايش مع الغرب المسيحي، الأمر الذي سيضع المسلمين الذين يعيشون في الغرب في دائرة الشك والارتياب، ولا سيما أن هناك ما يزيد عن 15 مليون إنسان مسلم يعيش في أوروبا وعدد آخر في الولايات المتحدة وكندا ودول أميركا اللاتينية.
الرسالة الرابعة؛ إن استهداف المسيحيين في الشرق سيكون دليلاً آخر على أن المسلمين يعملون على استئصال الأديان الأخرى، وهو ما تردّده «إسرائيل» مدّعية بأن صراعها مع العرب والمسلمين، هو صراع ديني تناحري، إقصائي، لأن العرب والمسلمين يريدون القضاء على اليهود وهم لا يتقبّلون اليهودية، وهكذا يختفي الجانب العنصري الصهيوني المتعصّب من الصراع مع العرب والمسلمين، وهو ما يصّب في مصلحة «إسرائيل» التي تغتصب الأرض وتجلي السكان وتمارس العدوان منذ قيامها وحتى يومنا.
وإذا كان الصراع مع «إسرائيل» وطنياً وأرضياً، وعلى حقوق ثابتة للشعب العربي الفلسطيني وغير قابلة للتصرّف، وليس صراعاً دينياً أو سماوياً، فإن المسلمين ليسوا وحدهم من يقاوم الاحتلال، بل إن المسيحيين يشاركونهم على نفس القدر من الالتزام الوطني، وهو ما يؤكده تاريخ المقاومة الفلسطينية وقياداتها المؤسسة، وكذلك الحركة الوطنية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق وغيرها.
الرسالة الخامسة؛ إن استهداف المسيحيين يكمن في انحسار مساحة الديموقراطية وتدنّي مستوى الحريات العامة والشخصية، وهو الأمر الذي يشترك فيه المسلمون والمسيحيون وبقية المكوّنات الأخرى، لا سيما أن التطرف والغلو يستهدفان الجميع، الأمر الذي يعطي انطباعاً على المستوى العالمي بأن العرب والمسلمين ما زالوا في أسفل السلم بخصوص الديموقراطية والتنمية، وأن بيئة من هذا القبيل، لا شكّ أنها مشجعة على الإرهاب والعنف والاستبداد والإلغاء.
الرسالة السادسة؛ إن استهداف المسيحيين في الشرق ودفعهم للهجرة سيشكل استنزافاً لطاقات علمية وفكرية وفنية وأدبية يمتلكها المسيحيون، فضلاً عن كفاءات اقتصادية واجتماعية هائلة تشكل الموزاييك المجتمعي والتنوّع الثقافي، وفي ذلك خسارة كبرى لشعوب المنطقة وطاقاتها البشرية.
الرسالة السابعة؛ إن المنطقة بما فيها من تنوّع مسيحي وإسلامي ستخسر دعماً كبيراً كان المسيحيون في العالم يقدمونه للعالم العربي والإسلامي، لا سيما فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد دافع مسيحيو الشرق، لا سيما الذين يعيشون في الفاتيكان عن عروبة فلسطين بقوة وجدارة، وقد رفض الفاتيكان في حينها قرار التقسيم رقم 181 الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 وهو ما ورد على لسان رئيس أساقفة نيويورك سبلمان SPELMAN انطلاقاً من فكرة مفادها أن أرض فلسطين كلّها مقدسة بالنسبة للمسيحية، وذلك بعد إعلان إنهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين وإحالة القضية إلى الأمم المتحدة، كما رفض تحويل فلسطين إلى دولة يهودية كما ورد في رسالة وزير خارجية الفاتيكان للإدارة الأميركية ، وكان رأيه أقرب إلى دولة واحدة بأغلبية عربية.
إن اهتمام الفاتيكان والكرسي الرسولي بمستقبل فلسطين لم يكن بمعزل عن اهتمامهما بمستقبل المسيحية الشرقية والعربية، وهذا الموقف وضع الفاتيكان في صراع مباشر مع الغرب في حينها، فعلى الرغم من إدراكه أن «التوافق الدولي» كان وراء قيام دولة «إسرائيل»، وخصوصاً اعتراف الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة بها، ولم يكن بإمكان الأمم المتحدة تخطّي هذا «التوافق»، إلاّ أنه قرر اعتماد مواقف كنائس الشرق المسيحي بدلاً من التسليم بالموقف الدولي.
وقد انعكس موقف الفاتيكان آنذاك على دول كاثوليكية كثيرة مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا، وكذلك على بعض دول أميركا اللاتينية، ولم يكن للفاتيكان وكذلك لهذه الدول علاقات مع إسرائيل حينها. وقد تمّ ذلك بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل 1978-1979. وهو الأمر الذي انعكس سلباً وأدى إلى إعادة علاقات نحو ثلاثين دولة أفريقية مع إسرائيل، كانت مقطوعة ما بين عام 1967 و1973 وما بعدها، إضافة إلى الدول الاشتراكية السابقة، وذلك أواخر عام 1989.
إن استهداف المسيحيين وكنائس الشرق على الرغم من مواقفهم المبدئية يثير أكثر من علامة استفهام حول القوى الضالعة والمستفيدة من تلك العمليات، وخصوصاً أن المسيحيين ليسوا طرفاً في الصراع الدائر على السلطة، وليس لديهم دعم أو حمايةً داخلية أو خارجية، فلماذا حصل ويحصل كل ذلك لهم، لا سيما في العراق؟.
حاول مؤتمر السينودس الذي انعقد قبل أسابيع في الفاتيكان برئاسة البابا بنيديكتس السادس عشر إثارة التساؤل المشروع حول مصير مسيحي الشرق، الذين سبق لهم وحددوا مواقفهم ومستقبلهم ومصيرهم الواحد والمشترك مع إخوتهم المسلمين في الوطن الواحد، فلماذا يتمّ تقسيمهم وفصلهم عن جسد أمتهم؟ ثم كيف لهم ولكنائسهم المساهمة في دورهم التنموي المأمول منهم طالما الشعور العام السائد هو التمييز والاستهداف؟
من هنا أرى أن الأمر يجب أن لا يكتفي بإدانة ما يحصل، بل يتطلب اتّخاذ مبادرة وطنية على مستوى الحكومات والشعوب تشارك فيها جميع التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية والمؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية، وكذلك منظمات المجتمع المدني، لدعم الوجود المسيحي في الشرق وملاحقة المرتكبين وتقديمهم للعدالة.
كما يتطلب الأمر جهداً تشريعياً عربياً لتنقية القوانين والأنظمة السائدة عن كل ما له علاقة بالتمييز لأي سبب كان، وكذلك تدقيق المناهج الدراسية في المراحل المختلفة عن كل ما يسيء إلى المسيحيين أو ينتقص منهم، ويمكن للإعلام أن يلعب دوراً إيجابياً على هذا الصعيد بالدعوة لفقه التسامح وثقافة السلام والمساواة والمشترك الإنساني، ولفضح وتعرية النزعات الاستعلائية والنظرة الدونية - التشكيكية المسبقة.
إن عملاً حاسماً وسريعاً يتطلب تكاتف الجميع لتقديم كل أنواع الدعم المؤقت والدائم للمسيحيين، وتأكيد حقهم في الحرية وأداء الشعائر والطقوس الدينية أسوة بالمسلمين وغيرهم من دون أي تعرّض لأي سبب كان، وذلك يتطلب احترام حقوق الإنسان وتأكيد حق المواطنة المتساوية واحترام العيش المشترك والخصوصية والهوية الفرعية في إطار الهوية الموحّدة التي تقوم على التنوّع والتعددية.
إن رسالة تضامن عملية من هذا القبيل، تعني سحب البساط من تحت أرجل الجهات التي تريد تغذية الاسلامفوبيا ضد العرب والمسلمين، بل أكثر من ذلك سحب البساط من تحت أرجل القوى المتطرفة والمتعصبة التي تريد صبّ الزيت على النار ضد الغرب، باعتباره شرّاً مطلقاً، وعدم التمييز بين غرب حضاري وثقافي ومستودع للعلوم والتكنولوجيا والآداب والفنون والعمران والجمال، وغرب سياسي، له آيديولوجيات ومصالح ويريد فرض الهيمنة والاستتباع، على العرب مسلمين ومسيحيين وغيرهم.
وإذا كنّا قد تأخرّنا في الردّ على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية الإجرامية، وتعثرنا في الإصلاح والتنمية والديموقراطية ومكافحة التطرّف والتعصّب والغلو وهي الموجة التي شملت أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، فقد دفعنا الثمن باهظاً، لا سيما بانكسار رياح التغيير عن شواطئ البحر المتوسط، ولعل أي تأخّر اليوم في الرد على استهداف المسيحيين سيحملنا أعباءً لسنا قادرين عليها اليوم أو غداً، وأعتقد أن موجة التغيير التي تعمّ العالم العربي اليوم لا بدّ من استثمارها بالطرق الصحيحة، لتعزيز التآخي بين المسلمين والمسيحيين وسائر التكوينات القومية والإثنية وعلى أساس المواطنة الكاملة والمتساوية.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموجة الثالثة للتغيير
- الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
- تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
- رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
- -اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
- مستقبل الحوار العربي- الصيني!
- لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!
- تونس- مصر: أسئلة ما بعد الانتفاضة!
- ثقافة السلام
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟
- أخشى من إجهاض الانتفاضة التونسية
- العولمة: ربّ ضارة نافعة!
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟


المزيد.....




- شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
- تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر ...
- -إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم ...
- كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن ...
- قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك ...
- الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو ...
- زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج ...
- زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي ...
- علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - سبع رسائل لاستهداف المسيحيين