كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 17:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا نستغرب للحملة الغربية المعادية ضد ليبيا وتسارع إصدار القرارات ضد رئيسها العقيد معمر القذافي وعائلته وأقاربه و تجميد الودائع الليبية وليس أرصدة الرئيس الليبي كما يزعمون , والدعوة الملحة لإقامة منطقة حظر جوي وغيرها من القرارات التي أصبحت "جامعتنا العربية " شريكة فيها ولأول مرة في تاريخها ضد بلد هو عضو فعال فيها , لا نستغرب لأن السيناريو هو نفسه الذي أتبعته هذه الدول بكل أعضائها وقراراتهم الظالمة ضد العراق منذ عام 1990 وحتى الآن .
ولا نستغرب أيضا في إزدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الملف الليبي دون غيره , فالعالم العربي يشهد ومع بداية العام الجاري ثورات للتغير , فالأزمة التونسية إستمرت ثلاثة أسابيع واستخدمت فيها قوات الأمن كل الأساليب لقمعها , والثورة في مصر التي دامت ثمانية عشر يوما , وقتل فيها من شباب 25 يناير في " حرب البسوس " عندما داهمت الشرطة المتظاهرين بجمالهم وخيولهم وأسلحتهم , والأزمة في البحرين هي الأخرى لا تقل ضراوة عن سابقاتها وراح الكثير فيها من الأبرياء , والأزمة في اليمن التي باتت تأخر مسارا جديدا بعد أن حصل الرئيس علي عبد الله صالح الدعم الأمريكي لمبادرته و دعوة المعارضة للتوقف عن التظاهر والدخول في حوار مع الحكومة , كل هذه الملفات لم ترف عليها طرفة عين سواء من ساركوزي أو كاميرون أو أوباما والغرب عموما أو حتى من أميننا الهمام " عمرو موسى " , وهنا يبرز تساؤلا مشروعا , لماذا إذن ليبيا !! على الرغم من أن " ثوارها " فيها برهنوا على أنهم ليسوا مسالمين في ثورتهم كما في الثورات التي ذكرناها , بل لجأوا إلى السلاح كطريق لنيل مطالبهم وهذا الذي اسقط مشروعيتهم , ومشروعية مطالبهم .
وهنا وللإجابة على هذا التساؤل سأتناول العنصر الغربي في الأزمة , والروسي على وجه الخصوص , ودون الولوج إلى العنصر العربي لأننا سيكون لنا فيه موضوع منفرد يشرح أبعاد إستهداف معمر ألقذافي بالذات عربيا .
والجواب لا يتردد واحدا في معرفته وكما قال ديمتري روغوزين، مندوب روسيا لدى الناتو " أنه لو كانت ليبيا بلدا لا يوجد فيه سوى أشجار الموز لكان الاهتمام به أقل بكثير لاسيما فيما يخص القضايا الإنسانية " ,, ومثل هذا الجواب لا يحتاج إلى تعليق فالجميع يعرف أن ليبيا تعد مصدرا هاما للمحروقات لأوروبا وإن هناك الكثير من هذه البلدان تعتمد إلى حد بعيد على صادرات موارد الطاقة من ليبيا، ومنها إيطاليا بالإضافة إلى أن قضايا أمن الطاقة التي تحتل مكانة خاصة في أجندة الناتو، وإن مثل هذا الأمر يؤثر جديا في وتيرة اتخاذ القرارات الغربية بشأن ليبيا.
المخاوف من أطالة أمد النزاع والذي بدوره لا يضمن الاطمئنان حول ضمان استمرارية صادرات النفط الليبي إلى أوروبا هو الذي دفع عددا من الشركات الغربية الكبيرة التي تهتم باستثمار الحقول النفطية الليبية بالضغط على حكوماتها وهي التي دفعت بعض الدول الأوروبية إلى اتخاذ قرارات متسرعة بشأن التدخل في ليبيا، ظنا منها أنها ستستطيع استغلال العسكريين للدخول إلى ليبيا والوصول إلى منفذ فريد إلى ثروات هذه البلاد , إيمانا منهم بضرورة ضمان " الكعكة " الليبية بعد أن راحت عليه مثيلتها في العراق رغم مشاركتهم العدوان عليه بشكل مباشر مع الولايات المتحدة وبالتالي خرجوا من العراق " فارغي الوفاض " !!!
وعلى الرغم من هذا التسابق على إصدار القرارات ضد ليبيا لا زال درس العراق ماثلا أمام الدول الغربية بعد أن أنكشف زيف أسباب حملتهم الهمجية ضده , وباتت العديد من الدول ومنها روسيا تطالب بحقائق ملموسة بشأن ليبيا وليس على غرار حقائق كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السبق التي قدمها إلى مجلس الأمن لتسويق حملتهم ضد العراق ,, دلائل تثبت استخدام القوات المسلحة الليبية ضد المدنيين، واستخدام الأسلحة الثقيلة واستهداف الجيش لقوافل تحمل مساعدات إنسانية... عندها من وجهة نظر الروس يمكن الحديث عن إمكانية اتخاذ خطوات تتعدى فرض العقوبات , لأنهم يرون في تقارير لبي-بي-سي وسي- أن- أن وقنوات تلفزيونية أخرى كالجندي الذي يطلق فيها النار من رشاشه في الهواء على طائرة دون عرض صورة أي طائرة !!! ..، وبجانبه أناس يصفقون له لأنه جندي شجاع !!! والسؤال كما يقول راغوزين " لو كانت هذه غارة جوية حقيقية لما كان هناك أحد ليصفق له " .. أي أن هذه اللقطات التي يتم نقلها من خلال القنوات الدعائية العسكرية وعبر الشبكات الإعلامية الأمريكية والبريطانية والعربية ، وهي تترك انطباعا بأننا أمام مسرحية تلفزيونية تقدم عمليات عسكرية وهمية!
ومن الواضح وكما يرى عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي سيميون باغدساروف انه ومنذ الأيام الأولى صدرت معلومات غير دقيقة حول قيام الطيران الليبي العسكري بقصف المتظاهرين السلميين واتضح فيما بعد أن ذلك غير صحيح وان الطيران قام بقصف مخازن الذخيرة والأسلحة حتى لا تقع بأيدي المتظاهرين كذلك تحدثوا عن مقتل ستة آلاف شخص و " لم نر أي شيء من ذلك " , ومن هنا فالمعلومات غير دقيقة وهذه ليست المرة الأولى التي يلهبوا بها المجتمع الدولي بمعلومات غير دقيقة .
أما بشأن المعارضة الليبية فهناك العديد من علامات الأستفهام حولها !!! فالمشكلة فيها بأن " لا أحد يعرف هؤلاء الناس " كما أكد الخبير والمحلل السياسي الروسي ميخائيل ليونتيف , ولا أحد يعرف حقيقتهم ؟ سوى شخص واحد كان في السابق أحد مقرَّبي ألقذافي ، لكن بقيتهم غير معروفين , كذلك ليست هناك معلومات حول مدى تكاتف هذه المعارضة بعضها البعض !!! خصوصا وأنه ظهرت مراكز مختلفة لها تعمل في مختلف أقاليم الدولة الليبية كل هذه الأمور قد تجر الدول الأوربية التي سارعت بإعطاء المعارضة صفة شرعية كفرنسا أو بريطانيا والغرب بأسره ـ رغما عنهما , في نزاع أهلي اندلع في بلد آخر , بعد أن أثبت الجيش الليبي بأنه لا يزال يحافظ على مواقعه في ليبيا ويحقق انتصارات على المعارضة الليبية ، ومن الخطأ الحديث عن أن سقوط ألقذافي سيأتي بين ليلة وأخرى.
الرئيس الأمريكي أوباما الذي أخذ من سلفه الدروس الكثير في التعامل مع قضايا الحروب على الدخول في حروب خارجية تضاف إلى التركة الثقيلة في العراق وأفغانستان , وإن يتعرض يوميا إلى ضغوطات كبيرة , ألا أنه أدرك مخاطر عدم شرعية الدخول مع ليبيا في نزاع مسلح دون موافقة مجلس الأمن عليه , لأنها ستكون خطيرة للغاية بسبب القناعة بأن الحرب السريعة في ليبيا مستحيلة !! فليبيا دولة كبيرة ، والليبيون مقاتلون ذوو معنويات ولا يقبلون التدخل العسكري الأجنبي بالإضافة إلى أن ثمة فرقا بين نزاع أهلي يحظى فيه أحد الطرفين بدعم من قوة ثالثة ، والتدخل الفعلي من قبل هذه القوة ، التي يعد المهزوم في مواجهتها شهيدا ,,, لذل بات الرئيس الأمريكي يتصرف بحذر كبير إزاء ليبيا إن لم يوصف بالخمول في وقت تراقب بلاده ، وتعد لعمليات عسكرية محتملة , وإن كان ذلك يمثل في الوقت الحاضر خطرا كبيرا على الولايات المتحدة، لاسيما في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية .
إذا ومن وجهة النظر الروسي , فإن كانت هناك جثث وآثار للدمار موجودة حاليا ، فإذن لماذا لا يتم تفعيل قرارات مجلس الأمن السابقة، بما فيها قرار تشكيل لجان مكلفة بإثبات الوقائع وإثبات هذه الوقائع بصور تكون على طاولة مجلس الأمن وقبل إثباتها لا يمكن لمجلس الأمن أن يكرر أخطاء خطيرة سابقة وأن يأخذ على عاتقة مسؤولية مبالَغا فيها ويصدر حكما فيما لا وجود له .
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟