أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - يامنة كريمي - لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية















المزيد.....



لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية


يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)


الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 22:48
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية
اختلفت المواقف من مسألة ما سموه "بالحجاب" ونسميه اختمارا. فقد قال عنه الحداثيون, أنه موضوع شخصي وقال السلفيون المعتدلون أنه مسألة فرعية. لكن الواقع, هو أن هناك المجموعة السلفية المتشددة التي اتخذته فرضا سادسا من فرائض الإسلام. وأحاطته كعادتها بهالة من القداسة. مما جعلها تؤثر في فئة واسعة من المسلمين, الأمر الذي وجده العقلانيون ضربا من التمويه والمغالطات. فنشأ نقاش حاد وساخن وصل حد الصراع, وذلك منذ العهد البطولي الإسلامي وما رافقه من نزول آيات الاختمار إلى يومنا هذا. وانتقل ذلك الصراع إلى الغرب, نظرا لنشاط الهجرة العربية الإسلامية إلى أوربا وأمريكا وتزايد نسبة المهاجرين المسلمين وظهور تأثيرهم على مؤسسات البلد المضيف وفضاءه العام...فما كان من ذلك أن حبلت الساحة الفكرية بما لا يحصى من المؤسسات الإسلامية والمؤلفات الدينية ونشطت فئة من الباحثين والمفكرين... وسيطرت الحركة الوهابية المدعومة بأموال البترول على قواعد اللعبة فتكاثر أتباعها ممن لا يحملون أنفسهم عبئ البحث والاجتهاد ساعيين وراء المصلحة الآنية والشخصية ضاربين عرض الحائط الجانب الفكري والإنساني في القضية. فواجهت هذا التيار قلة من المفكرين المحسوبين على رؤوس الأصابع الذين كانت مناهج دراساتهم جادة وفعالة مما أسفر عن أعمال عقلانية وموضوعية خاصة تلك الصادرة عن المدرسة التاريخانية "القراءة السياقية", وهي عبارة عن مجموعة من التأويلات والدراسات الجديدة للنص المؤسس وكلها مبنية على الحجة والبرهان القاطع. والمحاولة التالية تسير في ذلك النهج. فهي دراسة تم من خلالها تحديد درجة أو طبيعة الآيتين المتفق عليهما كمصدر تشريع الاختمار. ثم تم وضعهما في سياقهما التاريخي أو ما يعرف لدى جمهور المسلمين بأسباب النزول. فتحديد وضبط المفاهيم والمصطلحات الواردة في الآيتين وشرحها وفك المعاني والرموز التي كانت تحملها في زمان النزول. ومنه تم استخلاص مدلول الخطاب الذي تحمله الآيتين وغاياته. وعلى أساسه قدمت اقتراحات وتصورات لتفعيل تلك الغايات وأجرأتها على أرض الواقع.
هناك شبه إجماع على أن آيتي الأحزاب 59 والنور 31, هما مصدري التشريع للاختمار. وهما آيتين من سورتين مدنيتين, تعتبران من الآيات المتشابهات لأنهما لو كانتا من المحكمات لما أحاط بهما كل هذا الخلاف. وهما كذلك من آيات الأحكام التي يصح معهما الاجتهاد, انطلاقا من قواعد التيسير ومن مقاصد الإسلام (درء المفسدة وجلب المصلحة). لأن تلك الآيات مصدرها قضايا الواقع الذي نزلت فيه استجابة لتساؤلات أهله وحلا لمشاكلهم وتلبية لحاجياتهم، وبالتالي فهي ثمرة الواقع الذي انبثقت منه ويسري عليها حكم القاعدة الفقهية: " الحكم الشرعي المبني على علة يدور مع علته وجودا وعدما". وفي نفس النهج سار الدكتور شحرور من خلال قوله: ( أما التعليمات التي جاءت من الله سبحانه و تعالى و التقيد بها فيه مصلحة للناس دون أي يستدعي ذلك غضبا أو رضي من الله, أي دون أن يكون هناك ثواب وعقاب, أو أنها جاءت خاصة للنبي (ص) لمرحلة تاريخية معينة. هذه الآيات بدأت بقوله تعالى "يا أيها النبي..."). وإن كان محمد شحرور لا يسمي تلك الآيات تشريعا أو أحكاما وإنما يعتبرها آيات التعليم والإرشاد حسب تقسيمه للآيات ودرجاتها, فإنه يقر بضرورة تجديد قراءة هذا الصنف من الآيات تلبية لحاجيات الناس المتجددة. أما ظروف نزول الآيتن أو كما عرف "أسباب نزول", فبالنسبة للآية 59 فهي من سورة الأحزاب التي, حسب ترتيب النزول, جاءت قبل سورة النور, وحسب بعض المراجع, كان ذلك في السنة الخامسة للهجرة. ولم يرد عن أسباب نزولها شيء مهم, حتى وإن كان قد أشار البعض لقصة أسماء بنت مرتد, فهي تبقى رواية ضعيفة. وبالتالي فالآية نزلت بسبب الحاجة إلى تصحيح وتغيير وضعية اجتماعية كانت سائدة ولم تصبح مستحسنة سواء بشكل مطلق أو نسبي كما سنقف على ذلك. وهذا معروف عند المهتمين بأسباب النزول. أما عن الآية 31 من سورة النور, فجاءت بعد سورة الأحزاب في السنة السادسة. وحسب ما جاء في الصحاح والسنن ومعظم كتب التاريخ والتفسير وأسباب النزول وعلى رأسها طبقات ابن سعد وأسباب النزول للسيوطي وتفسير الطبري, قال: (كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلظ الظلام إلى طرق المدينة يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل، خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا المرأة عليها جلباب، قالوا: هذه حرة، فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب، قالوا: هذه أمة، فوثبوا عليها، وقال مجاهد: يتجلببن فيعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة).
* الآيتين 59 من سورة الأحزاب (59/33) و 31 من سورة النور(31/24)
(يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )
(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
انطلاقا من الآيتين أعلاه نجد أن المفاهيم التي تستدعي التوضيح هي : يدنين عليهن- من جلابيبهن- يغضضن من أبصارهن- يحفظن فروجهن- لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها- ليضربن بخمورهن على جيوبهن.
- عبارة "يدنين عليهن" من فعل أدنى يدني أي قرب يقرب من. ويدنين عليهن من جلابيبهن, بمعنى يقربن عليهن من جلابيبهن, أي يجمعن عليهن أطراف وحواشي جلابيبهن". أما معنى "جلابيبهن", فحسب إبراهيم رجب, (الجلابيب مفرده جلباب وهو ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها. وقيل هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة وقيل هو الملحفة وقيل هو ما تغطي به المرأة الثياب فوق الملحفة وقيل هو الخمار وقيل هو الإزار. وقيل كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها). وجاء مثله عند الدوزي حيث قال: (الجلباب يشير إلى هذه الملحفة الهائلة التي تلتحف بها النساء في الشرق من الرأس إلى القدمين حين يردن الخروج من منازلهن). ومنه يدنين من جلابيبهن يعني يجمعن عليهن أطراف القماش الموجود على أكتافهن وظهورهن.
- يغضضن من أبصارهن, في اللغة غض بصره أي كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر وخَفَضَه وكسره. في الآية, نهي للنساء عن الاسترسال في التأمل إلى الرجال بشهوة. ونفس النهي وجه للرجال في الآية 30/59
- يحفظن فروجهن أي يحمين فروجهن, و المراد هنا بحفظ الفروج أو حمايتها, سترها عن النظر لا حفظها عن الزنا و اللواطة كما قيل،. وجاء عند أبي العالية: (كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا، إلا هذه الآية:{ويحفظن فُرُوجَهُنَّ} أن لا يراها أحد)، ونفسه جاء عند الطبري.
- لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها: لا يبدين: نهي عن الإبداء الذي هو حسب غالب حسم الشابندر, ( الإبداء هو الإظهار الزائد, البيّن, الشديد الوضوح), والطريقة التي يمكن للمرأة أن تبدي بها أعضاءها هي التبرج بوسائل مختلفة مثل مواد التجميل والوشم والوصل والتكبير ... وعن ذلك تنهى الآية.
- الزينة: الزينة المشار إليها هنا هي أعضاء المرأة في حالة تبرج . أي الزينة الخلقية والزينة المضافة من أجل الزيادة في الجمال أي الإبداء.
- إلا ما ظهر منها: المراد هنا الزينة الخلقية, أي أعضاء وأطراف الجسد باستثناء السوأتين والصدر"الجيوب" حيث ورد نهي قاطع عن إظهارها. والمعنى هو أنه باستثناء "السوأتين والصدر أي الجيوب " مباح للمرأة أن تظهر أعضاءها تبعا لقواعد الحشمة في الوسط الذي تعيش فيه, شرط أن تكون في حالتها الطبيعية دون إبداء أو تبرج واستعراض, إلا أمام المحارم كما حددتهم الآية. لكن لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم الزينة هو من المفاهيم التي يصعب أو يستحيل الاتفاق حولها لأنها تختلف من فترة زمنية لأخرى و من مجتمع لآخر ومن طبقة اجتماعية لأخرى داخل المجتمع الواحد وهذا سر كون الآية لم تحدد ولم تخصص وإنما تركت ذلك لأصحاب الشأن أي العرف والعادة على أن تتحقق الحشمة والوقار.
- ليضربن بخمورهن على جيوبهن, أي ليلقين ويرمين بخمورهن على ثنايا صدورهن بما فيها الإبطين وبين الثديين وتحتيهما وكذلك السوأتين. أما عن مفهوم خمورهن, فمفرده خمار وهو الغطاء وقيل أنه دون الملحفة والرداء والجلباب و الإيزار وقد تعود العرب إطلاقه على غطاء الرأس.
وإلى جانب التعريف بالمصطلحات والمفاهيم الواردة في الآيتين ارتأينا أنه من باب الزيادة في الإفادة أن نعرج على بعض كتب التاريخ وخاصة تاريخ اللباس في المناطق المعتدلة والحارة كمنطقة البحر الأبيض المتوسط والصحراء, حيث عرف اللباس تطورا مر بخمسة مراحل أساسية ما يهمنا منها هما المرحلتان الأوليتان اللتان توافقان المرحلة التاريخية موضوع دراستنا وهي حوالي السنة الخامسة والسادسة للهجرة, وهاتين المرحلتين هما :
1) مرحلة الالتحاف: (Le costume drapé) وهي الاشتمال بقطعة جلد أو الأدم في البداية ثم أصبحت بالصوف أو الكتان أو القطن أو الحرير. وقد امتد هذا اللباس حتى مرحلة النبوة, ولنا شهادات عن كون النبي قد عايش هذا النوع من اللباس –الثوب الواحد- وعمل على تعليم الناس كيفية استعماله حتى يستجيب لوظيفته الدينية وهي ستر السوأتين., (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26) ومن جهة أخرى, ليساير تطور أوضاع المسلمين داخليا وكذا انفتاحهم على الحضارتين المتقدمتين والجارتين, الفارسية والبيزنطية عن طريق التجارة وغيرها. وقد جاء في صحيحي مسلم والبخاري ومسند أبي عوانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن (أن يشتمل الصماء وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه) ومن أقواله كذلك, (إن كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فإتزر به) (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) ومثله, (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء, فإن لم يجد ثوبا يطرحه على عاتقه طرح حبلا حتى لا يخلو من شيء ). (قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب(قال لتلبسها صاحبتها من جلبابها)), ونلاحظ من النصوص أعلاه كيف أن النبي, كعادته, يعالج الأمر بحكمة وتدرج مراعاة لظروف وأحوال الناس وتبعا لقاعدة الأولويات.
2) مرحلة البقيرة, ((Le costume enfilé وهي الفترة الممتدة ما بين 400و 1450 ميلادية. والبقيرة حسب ما جاء في (ويكيبيديا, تاريخ اللباس), هي قطعة من الجلد أو القماش مشقوقة تسمح بمرور الرأس والأكتاف مثل البينولا الرومانية والهوك في القرون الوسطى والبونشو المكسيكي. ونفس الشيء جاء عند الدوزي في المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ص28/29 حيث يقول: (الإتب: هي البقيرة, وهو قميص غير مخيط الجانبين, يتخذ من قطعة قماش مخططة, تشق من وسطها وتدخل المرأة رأسها من الفتحة المعدة لهذا الغرض, وهذا الثوب لا كمين له...
واعتمادا على ما سبق يمكن أن نستخلص بأن اللباس كان بسيطا لا يتجاوز قطعة أو بعض القطع من القماش, ولم يكن في متناول الجميع كما بينت الأحاديث, إلى حد أن فروج الناس تبقى عارية في معظم الأحيان. أما عن أنواع الملابس التي كانت موجودة, على قلتها, في مرحلة نزول آيتي الاختمار, هي الجلباب واللحاف أو الرداء ويغطى بها أعلى الجسم أي الظهر والكتفين. أما الإزار فكان يطلق على ما يتزر به أي يغطي به أسفل الجسم. أما الخمار فهو غطاء للرأس. وكل هذه الثياب هي عبارة عن قطعة قماش واحدة لكن تختلف في الحجم وأحيانا في المادة التي صنعت منها وتعرف بلباس المحيط. أما النوع الثاني من اللباس الذي ظهر تاريخيا بعد الجلباب والإزار والرداء والخمار لكن تواجد معهم جنبا إلى جنب, هي البقيرة أو الإتب, والتي عرفت كذلك بالمجول والدرع والقميص. وكانت كما بينا في التعريف ذات جيوب -فتحة من كل جانب وصدر مكشوف- لأن الفصالة والخياطة لم تكن قد عرفت بعد, أو على الأقل كانت محدودة كما يشهد على ذلك الدوزي (لم يكن فن الخياطة معروفا عند العرب البدو في العصور الأولى لانتشار الإسلام. كما أن الحواضر العربية كانت قليلة الأهمية وبسيطة جدا في تلك المرحلة من التاريخ كانت الملابس المنسوجة تتكون من قطعة واحدة معروفة آنذاك لأنها تقي الناس شر البرد والحر. لكن الأمر لم يكن يرقى إلى مستوى التفكير في صناعة ملابس...) . وهذه الملابس كانت للرجال والنساء لأنه وحسب ما بين أيدينا من معلومات, فإن في هذه المرحلة المتقدمة من التاريخ لم يكن هناك فرق واضح بين لباس النساء ولباس الرجال, لأن وظيفة اللباس – جلد أو قماش- كانت هي الحماية من حرارة شمس الصحراء والعواصف الرملية في النهار والانخفاض الشديد لدرجة الحرارة في الليل, وستر السوءتين بدافع الفطرة لدى البعض وبدافع الفطرة والدين لدى البعض الآخر. واللباس في بداية الدعوة الإسلامية لم يكن قد أصبح بعد رمزا أو علامة للحياء, حيث كانت فروج معظمهم تبقى عارية كما سبقت الإشارة. ودليل أخرهو أن العرب كانوا يقومون بطقس الطواف بالكعبة عراة بدعوى أنهم لا يريدون الطواف في ثياب أذنبوا فيها. كما أن اللباس لم تكن له بعد وظيفة التمييز بين الجنسين. وهذه الحقيقة واردة عند الدوزي و كذلك في موسوعة شبكة المعرفة الريفية باب الأزياء وفي جل الأبحاث والكتب التي تعالج موضوع اللباس في هذه الفترة لدى شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط, كالرومان والإغريق واليونان والآشوريبن... حيث تجمع كلها على أنه لم يكن هناك فرق بين لباس المرأة والرجل.كما أن أسماء الملابس كانت موحدة, فمثلا الخمار المتعارف عليه حاليا بأنه غطاء رأس المرأة, كان في البداية يطلق على الملحفة والرداء والجلباب والمرط..., وحتى عندما خص به الرأس, فإنه كان يطلق على غطاء رأس المرأة والرجل معا, (قالت أم سلمة كان النبي يمسح على الخف والخمار أي العمامة). وتعرف الملحفة بالرداء وبالجلباب كما وضحنا ذلك. وحسب ما جاء في المصادر كانت لباسا لكل من المرأة والرجل في النهار وغطاء في الليل. وأستحضر هنا حادثة استقبال النبي للناس وهو في مرط عائشة. وكذلك قول أم سلمة, (أن النبي كان يصلي في كساء نسائه) ... دون أن تفوتني الإشارة إلى أن اتهام النبي محمد بالشذوذ لأنه كان يلبس ثوب عائشة, هو اتهام باطل ومغلوط لأن كل ما في الأمر, هو أن الحدث منتزع من سياقه التاريخي والذي هو عدم وجود تمييز بين لباس المرأة ولباس الرجل آنذاك. وحتى يومنا, هذا التمييز هو ضعيف جدا في المناطق الصحراوية حيث أن درجة الحرارة مرتفعة والشمس طيلة السنة وبالتالي فلباس كل من المرأة والرجل هو عبارة عن ثوب طويل وفضفاض يعرف لدى الرجل بالدراعة - صحراء المغرب- ولدى المرأة بالملحفة إلى جانب الشاش الطويل لتغطية الرأس والوجه من العواصف الرملية, بالإضافة للأغطية الصوفية لليل البارد.
.... وبعد هذا العرض الموجز لتاريخ اللباس ووظيفته والوقوف على بعض الأنواع التي كانت معروفة آنذاك يمكن أن نقترب بشكل موضوعي من الصورة التي كان عليها اللباس في مرحلة النبي محمد ونزول آيات الاختمار. فكما سلفت الإشارة, كان اللباس بسيطا لا يتجاوز قطعة قماش أوبقيرة. كما أنه لم يكن في متناول الجميع. والنساء كن يلبسن البقيرة أو الاتب المفتوحة الجانبين ويضعن على أكتافهن وظهورهن القماش المعروف بالمرط أو الملحفة أو الجلباب مما يسمح بظهور سوأتيهن عند كل حركة أو مهب ريح خاصة وأن الثوب غالبا ما يكون خلقا ورثا. وما دام عندهن جلباب على أكتافهن وظهورهن وهو نوعا ما واسع وهو الجلباب, طلب منهن أن يدنين عليهن من جلابيبهن, أي يقربن بين أطراف الجلباب عليهن ويجمعنها حتى يغطين جيوب القميص أو الدرع وبالتالي يتم حفظ الفروج حتى لا يراها أحد,كما قال أبو العالية والطبري عن حماية الفروج في آية النور. على عكس ما ذهب إليه آخرون كالسيوطي: ( سألت عبيداً السلماني رضي الله عنه عن قول الله {يدنين عليهن من جلابيبهن } فتقنع بملحفة، فغطى رأسه ووجهه، وأخرج احدى عينيه). أما ابن كثير فقال:(لما كانت عادة العربيات التبذّل، وكنّ يكشفْن وجوههنّ كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن... أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن... واختلف الناس في صورة إرخائه؛ فقال ابن عباس وعَبيدة السَّلْمانيّ: ذلك أن تلوِيه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تُبصر بها. وقال ابن عباس أيضاً وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشدّه، ثم تعطِفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه).
فمن القراءة الأولى نستخلص أن اتجاه معظم المفسرين هو وجوب التغطية الكلية لجسد المرأة مما لا يمت بصلة لما جاء في الآيتين أو ما جاء في باقي الآيات التي لها علاقة بالموضوع. فانطلاقا من مناهج وآليات الدراسة الحالية, يتضح أن تلك التأويلات يغلب عليها طابع التعميم والإسقاط والذاتية -فالآية لم ترد فيها أي عبارة تثبت الوجوب أو الفرض هذا من جهة ومن جهة الأخرى فإنها لم تتكلم لا عن الشعور ولا عن الوجوه ولا عن التمييز بين الأحرار والإيماء-. وعدم الارتباط بما جاء في الآية وفهمه وتحليله بدقة وموضوعية قد أسقط الفقهاء, في معظم الحالات, في مأزق الاختلاف وعدم الحسم في درجة التغطية كما تشهد على ذلك كتب التفسير وأسباب النزول والسنن وحتى كتب التاريخ. والنصوص أعلاه نموذجا... وكأمثلة عن عدم الدقة فيما يتعلق بالمفاهيم,هو ما جاء عند ابن كثير حيث قال: (لما كانت عادة العربيات التبذّل، وكنّ يكشفْن وجوههنّ كما يفعل الإماء...) فهنا كلمة "تبذل" في غير موضعها إذا ما علمنا أن "التبذل" هو ترك الحشمة والتصون. فارتداء النساء جميعا ودون تمييز للباس لا يستر الجيوب في ذلك الوقت, لم يشكل أبدا خدشا للحشمة والوقار. فتلك كانت عادتهم وذلك هو الثوب الذي كان متوفرا لديهم. والنساء كن سواسية على مستوى اللباس. ولذلك كان على ابن كثير أن يكون أكثر صدقا ويشير إلى ما يفيد, أن طريقة لباس نساء الرسول والمؤمنين لم تصبح مناسبة للظروف الجديدة التي عرفها القرن الخامس والسادس الهجريين. حيث تقوت صفوف المسلمين وتحسنت أوضاعهم الاقتصادية وأصبحوا يشكلون نخبة المجتمع مما استوجب حتما ولزوما تغير مجموعة من العادات والقيم بما فيها طريقة اللباس وتمييز نساء النخبة عن العامة. حيث حصل تمييز الحرائر عن الإيماء على مستوى اللباس. وتم عزل نساء النبي حيث لم يصبح لهن حق التواصل مع القوم كما كان الحال في السابق, وإن كانت ضرورة لذلك فمن وراء حجاب. فضلا عن أنه تم تحريم زواجهن بعد النبي وبشرن بالجنة وتم الإعلان على أنهن لسن كباقي النساء.
أما دعوى وجوب تغطية المرأة لوجهها بقوله " وكنّ يكشفْن وجوههنّ كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن..." فإننا سنقفز على مجموعة من الحقائق التي تسقط ذلك الفهم لضيق المجال ونكتفي بقوله تعالى: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم...), فلو كانت النساء قد اختمرت بأمر من آية الجلابيب حسب ادعاء أصحاب النصوص أعلاه, فلما إذن سيأمر الرجال بغض أبصارهم وعدم الاسترسال في النظر للمرأة بشهوة في آية لاحقة؟ ومن تم يبقى الصواب هو أن الجلباب كان قماشا يوضع على الأكتاف والظهر ويسدل إلى الأمام وإلى الأسفل. فطلب من النساء أن يجمعن جلابيبهن حول صدورهن وحول سوأتيهن. فضلا عن أنه لو كان عز وجل يقصد من الآية تغطية الوجه أو الشعر لجاء ذلك مباشرة عوض قوله "عليهن" التي ترمي إلى عضو أو أعضاء أوسع وأشمل من الوجه أو الشعر وهو من الكتفين موضع الجلباب إلى أسفل السوأتين.
أما عن الآية: (ليحفظن فروجهن) وإن اختلف المفسرون في تحديد دلالتها فإننا نجد بأن المفيد من ذلك, هو ما جاء عند كل من الطبري, (ويحفظن فروجهنَّ علـى أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم.) وأبي العالية: (وقال أبو العالية: «كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا، إلا هذه الآية: {ويحفظن فروجهن}، أن لا يراها أحد).
تأتي بعد ذلك الآية"(ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فيما يخص, ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر). فهي دعوة النساء, إلى عدم إبداء زينتهن أي عدم إظهار أعضائهن غير الجيوب بشكل بين وزائد وشديد الوضوح وذلك عن طريق إضافة مواد التجميل بشكل مبالغ. أو بوسائل أخرى مثل الوشم والوصل أو التكبير والإبراز.... وتم النهي كذلك عن ارتداء الملابس التي تكشف أو تصف مثل ما عرف ب"القباطي في الفضاء العام. وهذا يخالف ما جاء عند السلفيين الذين يفسرون "ما ظهر من زينة المرأة" بالثياب وفي أحسن الحالات الوجه والكفين. وهو كلام ليست له أي مصداقية خاصة إذا علمنا بمواصفات اللباس الذي يحدده هذا الاتجاه للمرأة, كأن يكون الثوب خشنا ولونه أسود أو رمادي وأن لا يكون مشجرا وأن يكون واسعا...مما يجعلنا أمام قبر مظلم وليس زينة.
(وليضربن بخمورهن على جيوبهن), فهذه الآية كذلك لا تقصد تغطية الرأس والعنق لأن تلك الأعضاء ليست بجيوب حسب التعريف الاصطلاحي للجيوب. وإنما الجيوب هي بين ثديي المرأة وإبطيها وكذلك سوأتيها أي الزينة الخفية أو الباطنية. وهنا الجيوب تعني الصدر إذا اعتبرنا أن المقصود من الخمار هو غطاء الرأس. كما يمكنها أن تعني الصدر والسوأتين إذا اعتبرنا أن المقصود منه هو الغطاء بصفة عامة. ومنه يكون القصد تغطية الصدر أو تغطية الصدر والسوأتين. ناهيك عن أن تغطية الأذنين يحول دون أدائهما لوظيفتهما. أما عن الشعر فكانت تغطيته عادة ممارسة في الشرق عموما وفي دول البحر الأبيض المتوسط والصحراء خصوصا, لكن ليس لغرض مقدس ولكن لدافع بيئي, فلماذا سيعاد طلب تغطيته كتحصيل حاصل؟ بالإضافة إلى أن الدراسات أثبتت على أن تغطية الشعر في مجموعة من الحالات تسبب إيذائه. وكذلك تغطية الشعر تجعل معظم النساء محل جاذبية وإثارة وليس العكس. ومن تمة فغطاء الرأس ليس من القدسية في شيء حتى في الصلاة ومن يقول عكس هذا فإنه يسقط في شبهة التجسيم, على أساس أنه يعتبر صفة البصر عند الله شبيهة بتلك التي هي عند البشر. والواقع أن بصر الله شيء آخر ولا يصح أن يتجه أو ينشغل بعورات عباده أو ما شابه. بل حتى وإن سرنا في نفس اتجاه دعاة الاختمار وافترضنا أن البصر عند الله مثله مثل البصر عند البشر (والله فوق كل تشبيه وتجسيم), فتبعا لما جاء عند السلفيين عن المحارم, فإنه يحل لله أن يطلع على عورات عباده لأنه أحق بذلك من السيد الذي أعطاه السلفيون حق الكشف على عورات عبيده وإيمائه وبذلك نتأكد من عدم وجوب اختمار المرأة عند الصلاة. لكن مع ذلك لا ننكر كون النظافة والزينة شيئا مستحبا دوما وخاصة عند الصلاة. فالإنسان تعود على أن يكون نظيفا وحسن المظهر عند استقبال إنسان عزيز أو شريف. وفي الصلاة الإنسان يكون بين يدي الله, إذن الله أولى بأن نكون بين يديه في منتهى النقاء والصفاء والجمال والتعطر. أما عن قول, "أن إدناء الثوب هو إسداله أو إرخاءه". فإننا نرى غير ذلك, والدليل هو أنه خلال نزول الآيتين, لم يرد ولو مرة الكلام عن قصر الثوب كمشكل حتى تكون هناك ضرورة ملحة لإسداله وبنص قرآني. في حين المشكل الذي كان مطروحا على مستوى اللباس هو الثوب الطويل أو ما عرف ب "الثوب خيلاء" وقد اتخذ النبي موقفا منه ولنا في ذلك عدة أدلة وإثباتات.
وأخيرا: (لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن...) وعن هذه الآية التي هي من ناحية اللغة والصياغة واضحة, أود فقط أن أطرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن للمرأة في وقتنا هذا أن تتعرى أمام والد زوجها أو أبنائه أو أبناء إخوتها أو من هم في خدمتها- كتأويل لما ملكت أيمانهم-...؟ –مع تجنب استعمال كلمة بعل لما تحمله من دلالات العبودية والاسترقاق-
وإن كانت الأمور قد اتضحت بما لا يترك مجالا للشك فلا بد أن نعترف ونتفق على أن الغاية من آيتي الاختمار, هو ستر الجيوب. وقضت الحكمة الإلهية أن يتم الأمر وفقا لقاعدة التدرج, مراعاة لظروف وأحوال الناس وتبعا لقاعدة الأولويات. ففي سورة الأحزاب وهي الأولى في التنزيل كان الإرشاد والتعليم يهم حماية الفروج أو السوأتين عن طريق دعوة النساء لإدناء الجلابيب حتى لا يتعرضن للأذى مع الإشارة لرحمة الله بالنساء, مقابل توعد من في قلوبهم مرض أي الفساق بالعقاب (33/60) (لئن لم ينته المنافقون...). وفي آية النور جاء التوكيد على تغطية السوأتين وأضيف الصدر, كما تمت دعوة النساء إلى عدم إبداء الزينة أي التبرج في الفضاء العام, مع تنبيه الذين ينظرون لغير نسائهم بشهوة (24/30) (إن الله خبير بما يصنعون). وهاتين الآيتين جاءتا بناء على الآية 26 من سورة الأعراف المكية (الأصول) وتفصيلا وتبيانا لها.وآية الأعراف تشهد على أن ما جاء في الآيتين هو توجيه وتعليم تبعا للعرف وليس إلزاما من خلال العبارة, (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ...). لأنه لا يمكن أن يخفى عليه عز وجل بأن التربية والتعليم وما يترتب عنهما من حسن الأخلاق والورع والتقوى لدى كل من الرجل والمرأة ...هي من يتحكم في سلوك الإنسان وما دون ذلك فلا جدوى منه. ولا أدل على ذلك من كون أكبر مشاكل المسلمين التي كانت تطرح على النبي كما يشهد على ذلك الكتاب,هي مشاكل الجنس وما يرتبط بها من الزنا والزواج والجماع وزواج المتعة والعدة وأصل الولد...وحتى عهد عمر بابن الخطاب والناس يتسافدون تسافد الحمير على حد قوله. وبالتالي فما يروج له الغلاة من كون عهد النبي والصحابة كان مثالا للأخلاق والفضائل والمثل وذلك بسبب عزل المرأة أو تلفيفها, هو أمر نسبي جدا. أولا, لأن سعي الإسلام لتغيير قيم المجتمع كان في بدايته وثانيا, لأنه لم يحصل يوما أن تحول البشر إلى ملائكة.
وإذا كانت الآيتان لا تهدفان إلى أكثر من تعليم النساء بعض مبادئ اللباس لحمايتهم من أذى الفجار الذين توعدهم الله بالعقاب. فلابد وأن نذكر بأن القيم والأخلاق وقواعد السلوك ومنها قواعد اللباس تتغير بتغير الزمان والمكان وتبعا للحاجة والغرض, والثابت هو تحقيق مبدأ الحشمة كقيمة إنسانية. وكذلك ضمان الحماية والسلامة من أذى الغير. وإذا كانت الحماية حاجة ضرورية لكل الأشخاص ومنهم المرأة, فإن آليات تحقيقها متغيرة بتغير الأزمنة والعصور وتغير المجتمعات...وفي المجتمع الحالي الحماية حق من حقوق النساء كغيرهن, لكن الاختمار لم يعد وسيلة ناجعة لذلك-كما لم يكن أبدا- لأن الأمر لم يعد يهم مجتمع المدينة حيث تخرج النساء في الظلام لقضاء حاجاتهن والرجال يتربصن بهن وحيث كان الحل المتاح هو تمييز الحرائر عن الإيماء حتى يغمز الفجار الإيماء ويبتعدوا عن الحرائر. نحن في مجتمع القرن الواحد والعشرين والشوارع مضاءة والنساء يخرجن ليلا ونهارا للعمل والعلم وحتى النضال...والقانون يعاقب كل من يتعدى على حرية الآخر. والنساء سواسية وسياسة التمييز جريمة... ومفهوم "الأمة" قد انمحى من قاموس مجتمعات حقوق الإنسان. وحتى المرأة التي تتعاطى للبغاء في المجتمعات المتمدنة هناك قانون يحميها, وحتى الحيوان والنبات والماء والحجر هناك قوانين تحميه...لذلك فالأخذ بالتأويلات السالفة على جملتها, لم ينجم عنه سوى التضارب والتناقض والفوضى في سلوك وفكر وقيم المجتمعات الإسلامية. فالمرأة أصبحت مربية بامتياز والذكوري يعلمها آداب اللباس. وهي طبيبة تحفظ أرواح البشر, وهو يعلمها حفظ السوأتين على طريقة القرن الخامس أو السادس الهجري. المرأة أصبحت قاضية والرجل يقاتل ليبق وليا لأمرها. وهي باحثة في أعقد وأدق العلوم وهو لازال يرى بأن الشهادة تتطلب امرأتين حتى تذكر الواحدة الأخرى. المرأة محامية ونظراتها تخترق جباه الخصوم وحججها تهتز لها جدران المحاكم, والذكوري يرى في قطعة قماش أداة لحمايتها. المرأة إطار في الأمن تزلزل خطواتها قلوب الخارجين عن القانون, وهو يخضعها لقاعدة الخلخال. المرأة أصبحت تجني الميداليات الذهبية في الأولمبيات الرياضية والذكوري يدعي بأن القوة الجسمانية حكرا عليه. المرأة تتحمل نصف تكاليف البيت أو مجمله ولازالت ترث نصف حصة الرجل. المرأة تعطي الحياة ويعتبر ذلك ضعفا منها, والذكوري يسلبها ويعتبر ذلك شجاعة من طرفه. وعلى الرغم مما حققته المرأة من مكتسبات على مستوى الحياة العامة والانخراط الفعال في تنمية المجتمع, في وقت قياسي لا يمكن أن ينكره إلا الغلاة, فإنها تحافظ على حشمتها ووقارها كإنسانة مستقلة ومسؤولة دون حاجة لأن تضع على رأسها أكبر رمز للدونية وأقطع حجة على إقرارها بتهمة المتشددين لها بالغواية والفساد. وهي دائما تناضل وتجاهد في حياتها الخاصة فهي الأم والمدرسة والطبيبة والمدبرة والديبلوماسية. حتى وإن كان ينظر لها على أنها نصف إنسان وهو أمر ما أنزل الله به من سلطان . فقد خلق كل من المرأة والرجل على أن تجمع بينهما المودة والرحمة والتكامل ليسكن كل واحد للآخر ويكون لباسا له, لا أن تكون المرأة عبدة ومملوكة حتى تستمر الحياة ويتحقق الرضاء. فحتى البناء الذي يكون ثقله على جهة واحدة يكون مائلا. وهذا حال المجتمعات الإسلامية ...ولذلك أتساؤل,أ لم يحن الوقت بعد كي ترفع الوصاية عن المرأة في أمورها الشخصية؟ أ لم يفكر ساسة المجتمعات الإسلامية وغلاتها بعد في أن يكون لهم تاريخ إنساني مدني تطبعه الديمقراطية والكرامة والمساواة؟ ألا تحس المرأة بعد أنها إنسان بكل المواصفات وليست أداة أو متاعا؟ ألا ترى أن عليها أن تستفيد من هذه الطفرة الزمنية وتحصل على حقوقها كاملة كمواطنة وفعالة؟



#يامنة_كريمي (هاشتاغ)       Yamna_Karimi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهنئة بمناسبة فوز الحوار المتمدن بجائزة ابن رشد للفكر الحر و ...
- الساعات الإضافية بالمغرب وممارسة العنف
- تاريخ المرأة على مقاس الذكر
- إرث المرأة بين مقاصد الإسلام وغلو الفقهاء
- المؤسسة التربوية والسلوك المدني
- السيدة خديجة الإسوة الحسنة
- سيداو تاج على رأس المرأة مرصع بكل مبادئ الحرية والكرامة
- التراث الإسلا مي,اتساع دائرة التفديس و السقوط في المحذور


المزيد.....




- فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى ...
- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
- روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت ...
- فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح ...
- السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب ...
- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - يامنة كريمي - لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية