|
بؤس الفلسفة الماركسية (6)
نعيم إيليا
الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 15:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
5- الماركسية والأخلاق ما هي الأخلاق؟ كان الفلاسفة اليونان يقسمون الفلسفة إلى ثلاثة أقسام: علم المنطق، وعلم الطبيعة، وعلم الأخلاق. وكان أول من التفت إلى دراسة الأخلاق والعناية بمبادئها بأسلوب مركَّز مفصّل، هو سقراط الذي كان يرى في الخير فضيلة تقود صاحبَها إلى الغاية التي خُلق من أجلها. وقد ظلت الأخلاق موضوعاً من موضوعات الفلسفة قروناً طويلة قبل أن تستقلَّ عنها في عصرنا الحديث، مثلما استقلت عنها علوم الطبيعة. ويمكننا أن نجيب على السؤال: "ما هي الأخلاق؟" - ونحن نتَّكل هنا على آراء الفلاسفة من مختلف العصور، وعلى التجربة الحياتية التي نخوض غمارها بنشاط - بقولنا: إنها العلاقة بين الغاية والوسيلة. فإنّ كلّ فرد منا له في حياته، غاياتٌ يسعى إلى تحقيقها، ولا بدّ له لكي يحقِّق هذه الغايات، من أن يتوسَّل إليها بوسائل نظرية وأخرى عملية. فما ينشأ من الآثار عن هذه الحركة على الصعيد النفسي والسلوكي للإنسان يُدعى أخلاقاً: فمن يضع نصب عينيه تحرير مجتمعه من الخرافة التي تشغله عن التقدم والرقيّ، ينبغِ له أن يوطّن النفس على واجب التضحية براحته أو ماله أو حياته. هذه التضحية قيمةُ أخلاقية أو وسيلة لبلوغ الغاية التي رسمها طالبُها في عقله ووجدانه: "تحرير المجتمع من الخرافة المعوّقة لتقدمه". ولكنْ، هل يمكننا أن نعتبر جميع الوسائل ذات قيمة أخلاقية؟ بلفظ آخر: ما هو مقياس القيم الأخلاقية؟ وكيف نميّز بين خُلق ذي قيمة، وخلق متهافت لا قيمة له؟ أثمة مقياس عام ثابت، نقيس به الأخلاق، ونفرز به الصالح منها عن الطالح؟. مما لا ريب فيه أنّ الأخلاق مرتبطة بالبيئة في إطارها الزماني والمكاني؛ لأنها تمثل سلوك الإنسان، والإنسان ابن بيئته وزمانه. فلا مفرّ إذاً من قبول فكرة تغير الأخلاق بتغير الزمان والبيئة؛ فما كان شائعاً مقبولاً قبل عصور كالغزو مثلاً، أمسى اليوم من الجرائم التي تدينها الضمائر والشرائع المدنية المتحضرة. ولكن هل يعني هذا أنه لا وجود لمقياس أخلاقي عام ثابت في حياة البشر؟ الجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً في الحقيقة، ومع ذلك فإننا لن نعدم أن نجيب بأنّ هذا المقياس موجودٌ تمثِّله فكرة (الخير) التي سبق لسقراط أن أشاد بها. بيد أنّ فكرة الخير، نسبيةٌ؛ لأنّ ما هو خير لنا قد يكون شراً لغيرنا. فكيف يجوز بعد هذا أن نجعل الخير مقياساً عاماً؟ لحلّ هذه المعضلة، لجأ علماء الأخلاق إلى ربط فكرة الخير بالعقل الذي هو مقياس كل الأشياء جميعاً، وهو المقياس الذي لا يمكنه أن يخطئ. فإنّ ما يستحسنه العقل، يمثل قيمة إيجابية فضلى، وما يستكرهه العقل يمثل نقيضها. فالقتل مثلا مذموم في العقل ولو نتج منه خيرٌ للقاتل. والمحبة في العقل فضيلة مطلقة لن تنقضي إلا بانقضاء الوجود البشري. لماذا هو القتل مذموم مستقبَح مُدانٌ في العقل؟ ولماذا هي المحبة فضيلة وخلق جميل؟ إنّ الجواب في رأينا متعلِّق بمبدأ من مبادئ الحياة، هو (حفظ النوع). فلو أبيح القتل إطلاقاً، لاندثرت حياة الإنسان على الأرض. ولو عمّت الكراهية بين الناس جميعاً؛ لاقتتلوا فأفنى بعضهم بعضا. والعلاقة الجدلية بين الكراهية والمحبة هنا، يجب ألا تدفعنا إلى تقديم الكراهية على المحبة، فبتقديم الكراهية تفسد حياة الإنسان، وبتقديم المحبة يسود الجمال فيها. وإنّ عقل الإنسان ليؤثر الجمال على القبح بخلاف ما يعتقده بعض الناس من أن الطبيعة لا تكترث بجمال ولا قبح. فأمّا الفلسفة الماركسية – وهي محطّ اهتمامنا – فلن تولي الأخلاق عناية خاصة متأنية، ولن تربط بينها وبين العقل كما يفعل الفلاسفة، بل ستكتفي بربطها بمبدئها العام (الصراع الطبقي) هذا المبدأ الذي سترتبط به كل الأشياء والأنشطة الإنسانية حتى الدين الذي وُجد في حياة الإنسان قبل أن يوجد التناحر الطبقي، والمبدأ الذي ستفسر به الماركسية جميع الظواهر الاجتماعية حتى النفسية منها؛ تلكم التي لا ترتبط بأيّ صراع طبقي. وسينتج من هذا الربط نتائج وخيمة ستغرق القيم الجميلة الصحيحة في مستنقع آسن، وستنشر بين الناس السموم، ووباء العداوة والتناحر. فحينما يتمّ تقسيم الأخلاق بحسب الطبقات، على غرار التقسيم الديني للناس إلى كافر ومؤمن؛ فإنّ أخلاق البروليتاريا، لمّا كانت نقيض أخلاق الطبقات الأخرى، هي أخلاق نبيلة عادلة بالضرورة؛ ولذا فإنّ أيّ موقف أخلاقي يقِفُه أبناء الطبقة الكادحة من أبناء الطبقات الأخرى، سيكون موقفاً سليماً خيّراً مسوّغاً مشروعاً، ولو أدَّى هذا الموقف إلى القتل والتدمير والنهب والاغتصاب والحقد. ولنا في قول الماركسي جون مولينو – وقد ذكرناه في حديثنا السابق – خيرُ شاهد على (نبل!) الأخلاق الماركسية و(سموّها وعقلانيتها!): " .. إنّ فلاّحا فلسطينيّا، مسلما، أمّيا، محافظا، يؤمن بالخرافات ويدعم حركة حماس، هو من وجهة نظر الماركسيّة والاشتراكيّة الدّولية أكثر تقدّميّة من شخص إسرائيليّ متعلّم، ملحد وليبراليّ، يؤيّد الصّهيونيّة".
#نعيم_إيليا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بؤس الفلسفة الماركسية (5)
-
بؤس الفلسفة الماركسية (4)
-
بؤس الفلسفة الماركسية (3)
-
بؤس الفلسفة الماركسية (2)
-
بؤس الفلسفة الماركسية
-
نقد نقد النظرية الماركسية
-
إلهٌ جديد
-
حنَّا هاشول يصرخ في الوادي
-
حياتي في خطر. قصة قصيرة
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يعتزم إقرار الميزانية في التفاف على الب
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
زيلينسكي: سيتعين علينا الانتقال إلى المفاوضات مع روسيا بعد ل
...
-
الجيش الأمريكي يكشف هوية الجندية في المروحية التي اصطدمت بطا
...
-
إسبانيا.. إقالة السفير الإسباني في بروكسل لسبب غريب
-
سفير روسيا في الدنمارك: موسكو لن تسمح بتحويل البلطيق إلى بحر
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|