|
على هامش الثورة المصرية (١١): قرار استقالة وزير الخارجية اليابانى وصعوبة إدراك ما يحدث فى مصر والعالم العربى
عبير ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 19:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما بدأت الأحداث فى التطور فى تونس وتاليا فى مصر وبعدها تفاقم فى ليبيا زاد تعجب العديد من اليابانيين، ولا أقول الجميع توخيا للدقة العملية، وكان من الملاحظ أن هناك حالة من صعوبة تصور المشهد الدائر فى المنطقة العربية سواء فى نسختها التونسية أو المصرية وبالطبع الليبية. ففى بلد يرحل المسئول مستقيلا وأحيانا منتحرا عندما يشعر بأنه أخطا، أو أنه قام بسلوك ما قد يضر بصورة المهنة أو المؤسسة التى يمثلها سواء أكانت الحكومة أو حزب سياسى أو حتى شركة يصبح من غير المتخيل أن يظل هذا المسئول فى كرسيه أن تم مطالبته بالرحيل وأعربت العديد من الأصوات عن هذا المطلب
فى ظل تلك الصورة يصبح الرئيس المتمسك بسلطته والمستعد لقتل مواطنيه للحفاظ على الكرسى صورة من عالم آخر وليس من السهل التعامل معها بطريقتنا نحن فى الشرق، فنحن نعرف بحكم التاريخ والحياة ومسلسل الفساد الذى لازال دائرا بحلقاته المتعددة التى لم توشك على الانتهاء بعد حجم السرقات والمنافع التى تدفع المسئول ومنتفعيه للبقاء فى السلطة مهما كان الثمن. نعرف فى الشرق أن الاستمرار والثبات هو القاعدة، والتغير محدود، ولا يوجد ضمان أنه تغير للأحسن ففى معظم الأحيان يأتى التغير بالأسوا حتى نكره التغير ونظل على طريقة الخوف من المجهول والثقة فى القائم الذى نعرف عيوبه بدلا من القادم الذى لا نعرفه ولا نرغب فى أن نعرفه
بالمقابل، ففى اليابان يعد التغير سنة الحياة وجزء من البقاء، هناك مواسم تنتظر ولكل موسم قصصه التى تختلف عن الموسم الآخر. لكل موسم مناسباته وطبيعته المناخية، ولكل موسم زهوره واحتفالاته وطقوسه الخاصة. فى مجتمع يعيش مع حالة التغير بوصفها حالة طبيعية لا يمكن فهم كيف يبقى مسئول سياسى أو موظف عام فى مقعده لثلاثة عقود وبالتالى لم يكن من السهل عليه أن يدرك أن دولة مجاورة يحكمها رئيس لفترة تتجاوز العقود الأربعة
لا أستطيع أن أقول أن من سألنا مثل تلك الأسئلة رفع حاجبيه متعجبا كما نفعل فى الشرق، فتلك الصورة لا أراها كثيرا هنا، ولكن المؤكد أن الصمت المعبر عن درجة ما من عدم تصور المشهد كحقيقة، والممزوج بالحسرة أو الألم هو الشعور الذى كان يصلنى فى تلك اللحظات
وما أعادنى لتلك الصور التى مرت أمامى كثيرا خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة خلال أحداث الثورة المصرية تمثل فى خبر يبدو عاديا فى اليابان ويبدو حلما تغييرا ديمقراطيا مأمولا فى مصر، فوزير الخارجية اليابانى الذى تولى منصبه منذ أشهر قليلة قرر الاستقالة لأنه أخطا فى حق منصبه، ولأن أحزاب المعارضة رفضت قبول الأعتذار فقط عن الخطأ الذى أرتكبه مؤكدة على ضرورة الامتثال للقانون والتعامل معه بشكل جدى
اذن نحن أمام مشهد ينسحب فيه وزير الخارجية اليابانى سيجى ميهارا، المرشح قبل هذا الحدث لخلافة رئيس الوزراء الحالى ناوتو، من المشهد السياسى ويترك منصبه تحملا لما يمكن أن يعد شئ من قبيل الأهانة للمنصب أو الحزب أن هو استمر فى مكانه
أما الفعل الذى أدى به لهذا القرار، والذى زاد الانتقادات ضده مؤخرا من قبل أحزاب المعارضة فتمثل فى الكشف عن تلقيه تبرع مخالفا للقانون بحصوله على تبرع من مواطن أجنبى
وربما حتى هنا ورغم ما فى المشهد من اختلاف كلى وجذرى عما نعرفه فى مصر لازالت علامات التعجب لم ترتسم كاملة على الوجوه، إلا أن إضافة قيمة التبرع الذى يمكن أن نعتبره أنهى حياة ميهارا السياسية وسيخرجه منسحبا ومستقيلا فهو تلقيه تبرع من مواطنة تنتمى لكوريا الجنوبية بقيمة تصل إلى ٦١٠ دولار أمريكى على الأقل
مرة أخرى المبلغ لا يصل إلى سبعمائة دولار حتى لا يتخيل أحد أن هناك رقم سقط فى عملية الكتابة أو النشر. ففى تلك الدول حيث الديمقراطية مترسخة، وفى الحالة اليابانية حيث قيمة الجماعة تعلو على قيمة الفرد تصبح القضية الأساسية هى المبدأ وليس المبلغ
مرة أخرى المبلغ ليس ضخم، والسيدة التى تبرعت به قضت عمرها فى اليابانى وأكد ميهارا أنه يعرفها منذ الطفولة كونها تعيش فى اليابان وأن لم تكن تحمل الجنسية اليابانية بما يجعلها أجنبية. والأثر المترتب على تلقى سبعمائة دولار تبرعا سياسيا ليس ضخما، وأكد الوزير أنه لم يكن يعرف عنه وقدم أعتذاره كمحاولة للبقاء فى المنصب وهو الأمر الذى رفضته قوى المعارضة
المبلغ رغم قلة قيمته المادية، يعد ضخما فى أثره كونه سبب محتمل لإنهاء حياة سياسى ناجح اعتبر عندما تولى الوزارة أحد الأشخاص الذى يتوقع لهم مستقبل سياسى باهر
هنا، لن يتحدث الناس كثيرا عن الشخص، لن يتحدث أحد عن انجازاته السابقة، ولن يتم الحديث عن الأبوة والأخوة بالطبع فهى غير مطروحة فى الدولة القومية حيث يحاسب الموظف العام والمسئول على سياساته والتزامه بأخلقيات وظيفته
لن يتحدث الناس عن شرعية حدث تم منذ سنوات، أو أيام حتى، بوصفه مبرر للتجاوز عن الخطأ، ولن يتحدث أحد عن فرصة أخرى
هنا، الحياة تمضى وهى تتغير وفى تغيرها جمالها الخاص، فى تغيرها يعبر التنوع عن كل صوره ويحصل الموطن على حقوقه دون أن يقاتل أو يقتل من أجلها
هنا، لا يحتاج الشعب لحملة "كرسى تيفال" فباب السياسة اليابانية معروف بأنه باب دوار، من السهل للغاية أن تخرج منه فور دخولك
هنا، تستمر الحياة لأنها لا تقوم على أحد، لا شرعية للشخص، ولا بقاء مرتبط بشخص فالدولة لها مؤسساتها الراسخة كما يفترض فى الديمقراطيات. يغيب الشخص، يستقيل أو يرحل لأى سبب ولكن تبقى المؤسسة وتبقى الوظائف ولا يشعر المواطن باختلافات كبيرة
بالطبع من وقت لآخر يوجد السياسى الكاريزمى أو صاحب البصمة والشخصية، ولكن كل هذا لا يبرر له أن يكسر القاعدة ولا أن يغير قوانين الطبيعة التى تقضى بأن التغير هو الأساس، التى تقول أن البشر يأتون ويرحلون وقيمتهم فيما يتركونه من أثر على المجموع وليس فيما يحصلونه لأنفسهم من حقوق الشعب وقوته
لازلنا فى مصر فى بداية الطريق ولعل أهم دروس حالة استقالة ميهارا، هى حقيقة وجود أخلاقيات لا يتم المسأومة عليها، وأن أى شرعية لا تبرر البقاء الأبدى فى السلطة ولا تبرر تحت أى مسوغ تقديم شيكات مسبقة بالتصرف بشكل مطلق
قرار ميهارا تم بشكل شخصى دون استماته فى الحفاظ على المنصب واستجابة لعدم قبول اعتذاره من قبل قوى المعارضة. لم يتظاهر ضده أحد، ولم يطالبه أحد بأن يرحل حتى تحيا اليابان أو حتى يتم انقاذ الحكومة أو اسم الحزب... قراره يمثل نوع من التقييم الذاتى وقراءة لمجتمع لا يغفر أن يخطئ عندما يتعلق الأمر بحقوق الجماعة والقانون
الرقابة والمحاسبة الذاتية قضية مهمة، ووجود آليات الضبط والحساب قضية لا تقل أهمية وفى الحالتين على المسئول أن يعرف حدود دوره، وعلى المواطن أيضا أن يعرف دوره وحقوقه ومسئولياته وواجباته
الدولة القومية تعبر عن علاقة بين حاكم ومحكوم، بين موظف عام ومواطن وأصل السيادة ومبدأئها ومنتهاها هو المواطن صاحب السلطات والمستفيد منها
#عبير_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش الثورة المصرية (١٠): المواطن المصرى وفو
...
-
على هامش الثورة المصرية (٩): قالو وقلنا
-
على هامش الثورة المصرية (٨): فى العالم العربى
-
على هامش الثورة المصرية (٧): قائمة الشرف والعار: تصور
...
-
على هامش الثورة المصرية (٦): تعليقا على خطاب العفو وال
...
-
على هامش الثورة المصرية (٥): مشاهدات البشر على الفيسبو
...
-
على هامش الثورة المصرية (٤): عالم من علامات التعجب
-
على هامش الثورة المصرية (٣): كلمات شكر واجبة
-
على هامش الثورة المصرية (2) الكتلة الصامتة ومستقبل الثورة
-
على هامش الثورة المصرية (1) استعادة الجماهير للسيطرة على الش
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|