|
الصحافي عبدالحق بن رحمون يحاور صبري يوسف ومجموعة من الأدباء حول الثورات التي هبّت في العالم العربي
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 12:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أي دور ينتظر المثقف العربي الصامت في ظل ثورات الشباب في الدول العربية؟ أدباء مراقبون يستعجلون نقل ربيع الحرية من العالم الافتراضي إلي الواقع
عبدالحق بن رحمون الكعبي نقدم لقراء صحيفة (الزمان) هذا الملف حول الدور الذي ينتظر المثقف العربي في ظل ثورات الشباب ببعض الدول العربية، وفي البداية يجب أن نشير إلي أن ثورة تونس لم تكن إلا ثورة لاتعرف الحدود. أتري، ألهذا السبب كتب الشاعر أبو القاسم الشابي رائعته "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، وهل اعتقد الكثير من المثقفين الذين قرؤوا هذه القصيدة الرؤيوية، أنه سوف يأتي عليها زمن وتشتعل بسببها مشاعر الملايين من الشعوب العربية، التي طمحت للتحرر من الخوف، وبسببها سقطت بعض الأنظمة الفاسدة،وأخري في طريقها إلي السقوط، ومن خلالها أيضا تمت استعادة صوت الأغلبية الصامتة، تلك التي خرجت للشارع ثائرة متطلعة إلي الحرية، بعد أن ضاقت من جبروت الحكام الذين أغلقوا أفواهها لعقود، وجعلوها تعيش في أوهام طويلة من البؤس السياسي. نعم، لم يكن يعتقد أبو القاسم الشابي الذي انزوي ذات لحظة إلهام، في عزلة،وفي مكان ما، ليكتب قصيدة "إرادة الحياة" أن قصيدته هاته سوف تطيح بأنظمة عربية، ويضطر معها رؤساء دول إلي الهروب، وتغير قصيدته تلك الملهمة للثورة، دساتير دول كانت إلي وقت قريب لا أحد يجرؤ علي المناداة بتغييرها. وهكذا رأينا اليوم، رياح التحرير في انفجارات الثورات التي تركت بصماتها، ولم يعد معها للخوف أي معني في إرادة الحياة، سيما لما استيقظت الشعوب العربية المؤلفة من الشباب الذي دعا الشعوب إلي إسماع أصواتها والإبداع في ثورات، فاجأت العالم. وبكثير من الوضوح، جاءت هذه الثورات التي دعا لها الشباب كونها تمثل جيلا جديدا، بلا قيادات أو زعامات سياسية، لأن الحقيقة التي لا تخفيها الغيوم تقول أن الأحزاب السياسية التقليدية علي وشك أو كاد أن يستنفذ دورها، ويُسحب من تحتها البساط، وقد عوضتها المواقع الاجتماعية مثل: الـ:"فيس بوك"، "تويتر"، و"اليوتيوب" و"غوغول". وبذلك صرنا اليوم أمام ثوار من جيل له لغة تعبر عنه، وجيل يحتج ويتظاهر ويريد التغيير انطلاقا من العالم الافتراضي الذي أسس فيه شبكات قواعده، وتنظيماته، انطلاقا من الانترنت أو من هواتف "بلاكبيري" و"آي فون" و"أندرويد" الذكية ذات التقنية العالية، أو جهاز الحاسوب اللوحي آي باد. ومن خلال العالم الرقمي ثار الشبان والشابات العرب والمغاربيين، وكتبوا التاريخ الحقيقي ليحرروا الشعوب المقهورة، التي ظلت تعاني من الظلم والطغيان. حيث في ثورة الياسمين بتونس، وفي الثورة المليونية بمصر كان للمدونين دور كبير في إيصال المعلومة للناس، وشكلوا بديلا للإعلام التقليدي. وفي هذا الوضع العربي الدقيق، نقف في اندهاش كبير لمعجزة ثورات الشباب العربي، فمنذ شرارة الغضب التي أججها اللهب الذي اشتعل في جسد محمد البوعزيزي، والتي قادت إلي اندلاع ثورة الياسمين بتونس، والثورة المليونية بمصر، لذا ومع أمور كثيرة ومتسارعة تعيشها الآن دول الشرق الأوسط الكبير، وبعض الدول المغاربية، عبر الثورات والتطورات الحاصلة، والتي كلّها تعبر أنّ رياح المطالب الديمقراطية ينبغي أن تشمل الشعوب التي تطمح إلي الحرية. وما الصورة التي نطالعها يوميا في الفضائيات ومواقع الانترنت لتؤكد أن أمورا تمر بسرعة، والتاريخ يكتب نفسه بوضوح وبشفافية، كما أن هذه الأحداث الآن تفرض علينا إعادة الثقة في الجماهير العربية، وفي شبابها المعجزة، وإنها لجماهير واعية، قادرة علي التفاعل، الأمر الذي يفرض علينا تطوير أدواتنا لقراءة المرحلة قراءة واعية. فعلا، المثقفون لم يصدقوا في البداية أن هذه الثورات التي تقع هنا وهناك، ولم يتأكدوا هل هي حقيقة وواقع أم مجرد حركات واحتجاجات عابرة، ومنهم من تقدم في صفوفها الأمامية، والبعض الآخر استكان وتراجع إلي الخلف، وبقي ينتظر إلي أي فرقة سيكون معها هل مع النظام أم مع الثورات. لكن المظاهرات والثورات هذه المرة، تجاوزت النخب والطبقة المثقفة، والتي عادة يوكل إليها تحرير الشعوب، فتحققت سابقة تاريخية، صدمت المثقفين، وأربكتهم بتسارع أطوارها. وهل نعتقد أن المثقفين العرب زال منهم شبح الخوف، ونتمني أن تكون يوما شرارة التغيير حتي لو سعت لأن تتشبه بجسد محمد بوعزيزي، الشرارة التي لن تنطفئ أبدا. وبما أن عيون المثقفين ترصد كل التحولات، وتنتقدها وتتفاعل معها، لذا هل المثقف في هذا الظرف التاريخي الدقيق عليه أن يلعب دور الحماسة وإلقاء الخطب الحماسية، أم يذهب إلي سبيل حاله يتأمل تفاصيله وأشياءه الصغيرة، تلك التي لاعلاقة لها بما يجري الآن في الوطن العربي والدول المغاربية. وانطلاقا من ذلك توجهنا لعدد من الأدباء بهذه الأسئلة: ماذا يعني لكم أن تكونوا كتابا ومثقفين اليوم في ظل ثورات الشباب التي تشهدها بعض الدول العربية... ؟ وهل بيانات المثقفين وحدها كافية للتغيير؟ وهل تروا أنه لكم دور الآن...؟ ويشاركنا في هذا الاستطلاع أدباء وكتاب من سوريا،اليمن،المغرب،الجزائروليبيا. ولمحاولة فهم ما يجري في بعض الدول العربية والمغاربية، إليكم أعزائي القراء، تفاصيل هذا الاستطلاع، بعيون أدباء ومثقفين، هؤلاء الذين يتسعجلون ربيع الحرية والديمقراطية، ومتمنيا لكم قراءة ممتعة ومفيدة: المساندة وقفة واضحة لا تردد فيها مع شبان الثورة
محمد بنيس
( شاعر من المغرب)
كانت الثورة في تونس، وبعدها في مصر، مفاجئة لكل المتتبعين لأحوال المواطنين والسلطة في العالم العربي. أنا من بين المفاجئين. فالشرارة التي انطلقت منها الثورة في تونس، وهي إقدام الشهيد البوعزيزي علي إحراق نفسه، كان من الممكن أن تؤول إلي سراب، مثلما حصل في مناطق أخري. لكن تحول الشرارة إلي كبة نار، لم تتوقف عن الاتساع، شد النفوس إلي التقدم بحماسة ودون أي تردد نحو المطالبة بالكرامة والحرية. وقد دمعت عيناي أكثر من مرة وأنا أشاهد الشبيبة في تونس تردد بيت الشاعر أبي قاسم الشابي، بعد أن عملت المؤسسة السياسية الرسمية علي حشره في منظومتها عن طريق خطابات التدجين والظهور بمظهر المتبني للعمق الثوري في شعره. ذلك ما كنت طيلة عقود أنبه أصدقائي في تونس عليه، كلما أقدموا علي انتقاد الشابي، دون أن يفصلوا بينه وبين المؤسسة السياسية الرسمية. وربما كان أجمل شعار لاحظته في ثورة مصر هو "أنتم السابقون" (وتحتها علم تونس) "ونحن اللاحقون" (وتحتها علم مصر). فمن كان باستطاعته أن يتخيل حصول ثورتين في ظرف وجيز وبدون قيادات تاريخية أو تنظيمات ذات تجربة وخبرة، واحدة في المغرب العربي وثانية في مركز المشرق العربي؟ لا أحد. ومعني أن أكون في هذه اللحظة الثورية في العالم العربي هو أولا أن أكون إلي جانبها، مسانداً ومتأملا. المساندة وقفة واضحة لا تردد فيها مع شبان الثورة. وهي مساندة برأيي ذات قوة رمزية وفي الوقت نفسه معبرة عن التضامن مع جيل جديد أراد الحياة لشعب ووطن. أما التأمل فهو يفيد أننا لا نتوقف عند القراءات التقليدية للوضع العربي أو المعارضة أو الاحتجاجات وصيغ التعبير المتعددة عنها. التأمل، بالنسبة لي، ينطلق من أن هناك وضعية جديدة كلية. فشبح الإسلاموية، الذي كان ضاغطاً علي نفوسنا، هو مجرد غطاء لغياب حرية التعبير. بمجرد ما خرج الشبان للتعبير عن رأيهم بكل حرية، من غير اللجوء إلي وسيط حزبي أو نقابي، كانت كلمتهم، في تونس كما في مصر، وأيضا في بلاد عربية أخري الآن، تؤكد علي الكرامة والحرية، قبل كل شيء. بل لا توجد أي صلة بين ثورة الشبان وبين أحزاب كانت تقدم نفسها كمعبر "تاريخي" عن المعارضة السياسية أو كجواب "شرعي" عن أزمة الوضع السياسي. شيء عجيب ومذهل في جواب الشبان. ويحتاج إلي الكثير من التواضع، كي نفهم ما الذي جري وكيف جري. لست مفكرا ولا محللا سياسيا. والشاعر، برأيي، هو الذي ينصت إلي هذا الصوت الجماعي الذي جاء من عالم يتشكل في فضاء وسائل التواصل المتطورة. موقف الشاعر هو موقف كل مثقف نقدي يجد نفسه تلقائياً مع هذه الثورة مثلما يجد فيها ما لم يتخل عنه وهو يقاوم الاستسلام والتخلي عن موقعه النقدي. لا فائدة في التسرع وإلقاء خطب رفضتها الثورة نفسها. ليكن المثقف النقدي حيث كان دائماً: التشبث بالكرامة والحرية والمقاومة.
تكْسير حَاجز الخوف
أسامة محمد الذاري
كاتب من اليمن
مسئولية كبري أن تكون مثقفاً في ظل الصحوة الشبابية التي تشهدها البلاد العربية، وشرف كبير بحجم تطلعاتنا أيضاً..البيانات لا تكفي. والبيانات، من الأسباب التي أجلت إلي زمننا هذا، موعد انهيار النظم المهترئة والتي تدثرت بخوف النخب، واطمأنت إلي سكون المثقف.. وأري أن دوري كمثقف عربي قد بدأ بالفعل.. ولم يعد دور المثقف هو الدور التحريضي وإنما المشاركة، والسعي وراء التغيير..الثورة التونسية أماطت اللثام عن هذه النظم الهشة وكشفت مدي رخاوتها أمام إرادة التغيير.. والثورة المصرية كسرت، ودمرت حاجز الخوف أمام الكل، ولم يعد هناك مايخشي اليوم..إنها زعامات ألقت علي نفسها هالات من الترهيب، وقادتنا لعقود من الزمن في دهاليز القمع.. وإذا بها (أوهي من بيت العنكبوت).
دول تهدر مثل البركان، وتزلزل عرش الأنظمة
صبري يوسف
(كاتب سوري مقيم في ستوكهولم) أن تكون مثقفاً وكاتباً جادّاً وفعّالاً، يعني أنَّكَ تحمل فوقَ كاهلكَ مهمَّات جسيمة، خاصَّة أن عصرنا الرَّاهن هو عصر التَّواصل الفكري والثقافي والإبداعي بين مبدعي هذا العالم، فلا بدَّ لمثقفي العالم العربي بكل تلاوينهم وأطيافهم وتطلُّعاتهم أن يتواصلوا مع بعضهم بعضاً لأنهم يشكِّلون الدور الأكبر في عملية التغيير والتطوير، ولأنَّهم يستشرفون الماضي ويستقرؤون الحاضر والمستقبل أكثر مما يستقرؤه سياسيو الشرق والغرب أيضاً، وأنا أرى أن الفكر الإنساني الخلاق هو الذي يخلق رؤية خلاقة ومجتمعاً خلاقاً، فعلى المثقف الشرقي والعربي تقع أكبر المهام في إدارة البلاد إلى برِّ الأمان، حيث أن ابتعاد وتقلُّص دور المثقّف الشرقي والعربي أدّى على اِمتداد الأزمنة الفائتة إلى حالة أشبه ما تكون مصابة بالقحط الفكري والثقافي والاقتصادي والإنساني، لأن السياسي العربي أزاح بطريقة أو بأخرى الفكر الخلاق من طريقه، ممَّا أثَّر على كل صنوف الحياة، وظلَّ بعض المثقفين المنتفعين من السلطات وبعض من لديه تطلعات وآفاق تثويرية وتطويرية تعمل باستحياء وبطريقة لا تناسب المتغيرات التي حصلت وتحصل في العالم، حيث نرى أن مجتمعات الكون تسير بشكل متسارع جدّاً كي تواكب المستجدَّات المتغيِّرة في العالم، بينما نرى العالم العربي يسير بشكل بطيء كأنَّه على منافسة مع سلاحف العالم أو أنه في صدد بناء مجتمع سلحفاتي في مسألة البناء والتغيير، في الوقت الذي نرى أن العالم يسير بسرعة الصوت وفي كل دقيقة وثانية يحصل تغيُّرات وتطوُّرات في العالم وعالمنا ما يزال يعيش على كفِّ عفريت التخلُّف، وهذا العفريت مصرٌّ أن يبقى عفريتاً متحجّر الرؤية لا يجيد حتى لعبة العفاريت، لأن هناك غول العالم الغربي نهض بكل وقاحة يهرس أقدام العفاريت الشرقية ويخلخل رؤاهم وتوجُّهاتهم بالطريقة التي يشاء، وهذا الغول يدلِّل مواطنيه على حساب رقاب ودماء المواطن العربي والشرقي بمختلف أطيافة وأقوامه واثنياته، مع أن أهم اقتصاديات العالم هي في العالم العربي الدافئ، والمفلق في الأمر أن أكثر فقر على امتداد جغرافية الكون متغلغل في أعماق عالمنا العربي، كأننا في حالة منافسة مع فقراء الكون كي نكون أكثر منهم فقراً وتعاسة، علماً أن الميزانيّة الخاصَة لحكام وملوك الأنظمة العربية وما جاورهم هي من أغنى أغنياءِ الكون، ما هذه المعادلة المخرومة التي أراها، وإلى متى سيظل هذا العالم المسترخي على آبار الذهب الأسود والمكتنز بخيرات وغلال وفيرة لا تُعدُّ ولا تحصى والمتميِّز بشمسه الساطعة وشبابه الفتيّ، يعيش على هامش تغيُّرات العالم، مترنّحاً في ذيل حضارة اليوم، إلى متى سيتحمَّل الشعب العربي والشرقي برمته كلَ هذا الجفاف والقحط الذي يغلِّف عوالمه المرصرصة بالتحجُّر السياسي والفكري والقمع غير المسبوق من قبل الديكتاتوريات البغيضة؟! لهذه الأسباب ولآلاف الأسباب الأخرى وجدنا ما وجدناه من تغيُّرات مستجدة في تونس والسودان ومصر وغيرها من الدول تهدر مثل البركان وتزلزل عرش الأنظمة المهلهلة، وهذا الهدير الشعبي تحصيل حاصل لكل هذه الضغوط المتفاقمة على صدر الشعب، فلم يعد يتحمل كلّ هذه الاختناقات والتسلط والقمع والفقر المدقع، فلا يوجد ما يخسره في طرح تطلعاته ورسم آفاق مستقبله بهذا الشكل الهادر، فأوّل مهمَّة في هذا الإطار تقع على المثقف العربي، كي يقود شرائح الشباب إلى الهدف المنشود، لأن عنفوان وثورة الشباب يجب أن يرافقها نهوض فكري وتوجّه فكري تحديثي ديمقراطي انفتاحي حرّ من قبل مبدعي ومفكِّري ومثقفي الشرق العربي كي تكون الثورة المرتقبة والقائمة الآن متوجِّهة بشكل هادف وبنّاء بحيث يتم تحقيق الطموح الذي يهدف إليه الإنسان بشكل طبيعي كما يحدث في كل بقاع الدنيا، ولهذا أرى من الضروري على النظام العربي من المحيط إلى الخليج أن يغيِّر جلده ويستحدث رؤاه وتطلعاته وبرامجه، وأن ينفتح هو الآخر على متغيرات الكون وينظر بعين واسعة وعادلة وديمقراطية حقيقية إلى تطلعات الشباب ويكون متجاوباً معهم بشكل إيجابي وسلس مع توجهاته وإلا سيطحن هدير الشباب كل ما هو عتيق، لأن الرؤية العتيقة أصبحت عتيقة للغاية، إلى درجة ما بعد التعفّن، ولا بدَّ من تجديدها وضخَّها بدماء جديدة منفتحة على جغرافية العالم المتمدين والمتحضِّر بما هو مناسب لهذه الرقعة الجغرافية التي نبتَ فوق ترابها أولى التشريعات وأولى الحضارات! ألم تنبع أول أبجدية في دنيا الشرق، أَلم تُبنَ أولى الحضارات في العالم في دنيا الشرق، ألم تنطلق الأديان الثلاثة من الشرق، ألم يبدع الشرق منذ آلاف السنين، في الوقت الذي كان الغرب يعيش في عصر الظلمات؟! نحن إزاء آلاف الأسئلة التي تزلزل أنظمة الشرق العربي من المحيط إلى الخليج، إذا ما قسناه بما كنّا وما نحن عليه الآن، ولكن أغلب الأنظمة وبنسبٍ متفاوتة مصرّة على التخشُّب الفكري والرؤية الأحادية، متصوِّرين أنفسهم آلهة السماء على الأرض، وبكل أسف يسيرون ضد الأخلاقيات الدينية والعلمية ولم نَعُدْ نعرف من أي فصيل (انحدروا) كي يتركوا مجتمعاتهم وأوطانهم تنحدرُ إلى أسفلِ السافلين؟! من هذا المنظور أرى أن بيانات المثقَّفين وحدها لا تكفي، فيجب أن يتبنَّاها الشباب الناهض ويفرضونها سويةً على أرض الواقع الذي يعيشون فيه كي يرسموا معالم وآفاق المرحلة القادمة ويخططوا للمستقبل القادم بالطريقة التي يشاؤون. نعم، وبكل تأكيد لديّ ولكلّ مثقف دور كبير في عملية التغيير والتطوير، لأن تغيير أوربا برمَّتها تمَّ على أيدي مائة مفكر نهضوي، تقدمي، علماني، ولولا هؤلاء المفكِّرين لظلّت أوربا في عصر الظلمات إلى أجلٍ طويل، فأتساءل بدوري، ألا يوجد في طول العالم العربي وعرضه مائة مفكِّر نهضوي تقدمي حضاري علماني ينهض بالبلاد من ظلم هذه الأنظمة المؤطرة بالانشراخ ومخالب الاستعباد، ويحوّلها إلى طور التحرر والعدالة والمساواة، ويحقق للمواطن الكرامة والعيش الرغيد؟! ولكل هذا أشدِّدُ بقوّة على الدور الهام الذي يلعبه المثقف والمفكر والمبدع في عالمنا العربي، وعلى أكتاف هؤلاء وأكتاف الشباب ستتم عملية التغيير والبناء، لأن التغيير يجب أن يكون في بناء فكر حرّ جديد، فكر عصري وخلاق وعلماني يتناسب مع كافَّة شرائح مجتمعاتنا، وبما يتواءم المتغيِّرات التطويرية والديمقراطية والحرية والتعدُّدية التي تحصل في العالم، وإلا سيبقى العالم العربي خارج الزمن، وخارج حضارة اليوم إلى أجلٍ غير مسمّى؟!
عيونهم علي الأمس، وعينه علي الغد
أحمد بوزفور
(قاص من المغرب)
دور الكاتب المغربي بالأمس، فيما أعتقد، هو أولا أن يجيد ما يكتب، ويعمقه فنيا وفكريا، وهو ثانيا أن يقف مع شعبه في نضاله اليومي من أجل تحسين مستويات عيشه، وهو ثالثا أن يبشر بالحرية في كل المجالات، وليس ضد السلطة فقط، بل في كثير من الأحيان ضد الشعب نفسه، حين توجه فكره وسلوكه أيديولوجيا الاستعباد. وأعتقد أن دوره اليوم لن يتغير. موقفه هو الحرية دائما، وموقعه هو وسط الشباب المنتفض، وعينه الراصدة ترقب وتسجل وتبدع. الكاتب مثقف من نوع مختلف، يطور المثقفون الأيديولوجيات، ويدعون إليها، أما الكاتب فينتقدها ويعريها. عيونهم علي الأمس، وعينه علي الغد. بالنسبة لي، كنت دائما مع الشباب، حتي حين كانوا يائسين أو خاملين أو (حارقين ). فكيف أبتعد عنهم الآن وقد جددوا انتماءهم للوطن، ويصرون علي بنائه من جديد علي أسس الحرية والديموقاطية وحقوق الإنسان.
سَنُبعث من الرَّمَاد داود أبو شقرة
كاتب من سوريا
ربما لأن الزمان يشغلني كثيراً مع تسرب سنوات العمر والشعور بالعجز، فهل هو القلق الوجودي؟ أم هي المسؤولية؟. وأعترف سلفاً، بأنني أمتلك تلك السذاجة، التي لم أستطع التخلص منها في حياتي، وتتلخص بربط كل حادثة مهما كانت صغيرة بثنائية: التاريخ - الوطن. هذا الشعور يتعبني كثيراً مع أن وزنه المادي غير ملموس حتي في أدني عتبات الإحساس، أقول: الإحساس ولا أتطرق إلي الشعور، الذي صار تهمة هو الآخر كتهمة (الوطنية) ما أن تتحدث بشيء من المسؤولية حتي يقال لك علي سبيل التهكم: "حاجة تبيعنا وطنيات". وإذا تخلصت من هذه المقدمة، فإنني أقول بقدر غير كبير من التصريح. إن دور المثقف والكاتب في هذه المرحلة التي تشهد ثورات في وطننا العربي هو دور أساس. لكي لا نقول: إنه مكمل لدور شباب الثورات. ربما لأن الكتاب والمثقفين هم من أهم الفئات المهمشة، في العقود الماضية، والآن جاء دورهم ليثبتوا وعيهم للمرحلة. صحيح أن الكثير من الكتاب، هم متسربون إلي مهنة الكتابة، وصحيح أن الكثير من المثقفين اشترتهم النظم الحاكمة، واستأجرت أقلامهم؛ لكنها مرحلة فرز حقيقي لمن يقف مع مطالب الجماهير، ومع (الديمقراطية) الحقيقية غير المزيفة أو المفصَّلة علي قياس الأنظمة، من جهة، وبين من سيبقون علي مواقفهم المداهنة للواقع القائم. هي مرحلة تبين القلم الأسود من القلب الأبيض. و/يعني/ أن يكون المرء كاتباً، أنه يحمل شرف الكلمة، وأن سلاحه القلم بدلا من السيف، وصلاحه الآن كطعن السنان. صحيح أن دور الأدب هو الاستشراف، لكن هذا الشرط يتحقق عندما تكون الظروف موضوعية، وليست كالحالة التي يعيشها الكاتب في ظروف التهميش، وإلغاء دور المبدعين الحقيقيين. في حين تطفو علي السطح كل الكتابات التي لا لون لها ولا رائحة، ولا غاية سوي استعراض العضلات اللغوية والسردية والجمالية بغض النظر عن المضمون. إن دور الأدب والنقد سيكون كبيرا عندما يتاح المجال للمبدعين الحقيقيين والنقاد الموضوعيين في التعبير عن آرائهم، وهذا يحتاج إلي بيئة حاضنة، وإلي بيئة صحيحة. ولننظر إلي كل الثورات التي أفرزت كتابا كبارا، ونقاد، ومؤرخين، كانوا في الصفوف المعتمة قبل الثورات. إنني أنظر بأمل كبير لأن يثبت المبدعون أقدامهم علي ساحة الإبداع بتوفر الظروف للتعبير عن مكنونات إبداعهم. وهو قادمون لا محالة. أما عن الشق الثاني من السؤال: هل بيانات المثقين وحدها كافية للتغيير؟ لا ليست كافية، بل هي جزء يلتحم بنضال الجماهير، لأن مثل هذه المرحلة تحتاج إلي تضافر الجهود كافة للوصول إلي الهدف المنشود للشعب. فخبير القانون الدستوري لا تقل أهميته عن أهمية الصحفي وكذلك الرجل العادي الذي يقف في الشارع مطالبا بالإصلاح. الصحفي يصوغ العبارة التي يطلقها المتظاهر، والقانوني هو الذي يشرعها بصيغتها الأخيرة. والكتاب والمثقفون هم الذين يرشَّدون الخطاب قبل أن يدخل عليه رجال السياسة، ليمارسوا لعبة "فن الممكن". وعادة يكون خطاب الثورات في البداية متشدداً، حتي يستقر النظام ويبدأ التراخي مع تخريجات السياسة تحت ذريعة "الممكن". لكنه يجب أن يكون هكذا. وذات مرة سألني رئيس اتحاد الصحفيين وقد أهديت له روايتي (عودة الفينيق) التي ألخص منتهي غايتها بكلمات: (قد تستطيعون قتل الجسد، أما الروح فهي عصية علي القتل، وستنبعث من الرماد من جديد باستمرار...). قال لي: كم أفادتك كتابة الأخبار، في صياغة الرواية؟ قلت: أفادتني بأشياء محدودة، ومحددة. بالاختصار، والاختزال، والسرعة. لأن الصحافة هي (فن التعمية)، والأدب هو (ضمير الناس). الذي يحبل بالتغيير والثورة. كان هذا رأيي في الصحافة التابعة للحكومات بالطبع، وليس الصحافة الحرة بهذا القدر أو ذاك. أما عن الشق الثالث من السؤال: هل تري أن لك دوراً الأن؟ أعتذر عن إجابتي سلفاً. وأرجو ألا تفسر علي محمل الغرور. نعم. لقد آمنت بدوري منذ عقدين، ولهذا اتجهت إلي الأدب، لأن ما عجزت عن قوله في الصحافة، قلته في الأدب، ربما بعنت شديد أمام الرقابات الصارمة، لكن مع ذلك دخلنا من شقوق غبائها.
الكلمة أقوي من الرصاص
ماجدولين الرفاعي
كاتبة من سوريا
في ظل الثورات التي تنطلق هذه الأيام هنا وهناك، تلك الثورات التي يقودها الشباب المتحمس للتغيير والإصلاح، وإسماع صرخته للعالم، بعد أن شبّ في هذه الحياة، فوجد نفسه محاطا بالإحباط والانكسار والبطالة التي جعلت من الشهادات التي يحملها مجرد صور مؤطرة، تعلقها الأمهات علي جدران البيوت وفي غرف الاستقبال، لهذا لابد أن يكون للمثقف دور، ولابد أن يقول كلمته، فالكلمة أحيانا أقوي من الرصاص وخاصة في زمن العولمة والانفتاح علي العالم، من خلال منافذ اتصال مختلفة ووسائل إعلام منوعة، وإذا حان الوقت لأن يقول المثقف كلمته بصدق مطلق وإن لم يقلها الآن في زمن الثورة والغضب فليصمت إلي الأبد، وسيلعنه التاريخ وترجمه الأجيال القادمة، والمثقف الذي أغمض عيونه ردحا طويلا من الزمن وصمت كثيرا، ثم تحدث في وقت الثورة هو شيطان أخرس جعل منه الخوف إنسانا معوقا لايسمع ولا يري ولايتكلم، وللتوضيح هنا أقول ليس المطلوب من المثقف أن يلعن الحاكم أو السلطة، ويفتح صدره لإطلاق النار عليه فهو بهذا التصرف إنما يقوم بالانتحار والتخلي عن دوره في تحريك رياح التغيير باتجاه الأفضل، وإنما عليه دوما أن يفضح الأخطاء والسلبيات والممارسات القميئة التي يقوم بها بعض الانتهازيين والمارقين، وينادي إلي تغييرها ومحاسبة الجناة. وأظن أننا جميعنا ننشد التغيير وتحسين ظروف الحياة، وأنا ككاتبة ومثقفة أتابع بشكل حثيث مجريات الثورات التي يقودها شباب تونس ومصر، وأتابع المظاهرات التي تنطلق في معظم الدول العربية التي تناشد بتحسين الأحوال المعيشية، وإيجاد فرص للشباب العاطل عن العمل، وأجد أن دوري الآن هام في توجيه دفة الكلمة ورفع الأشرعة في وجه الريح التي قد تعترض طريق التغيير الذي سار عليه شبابنا، وأظن أن بيانات المثقفين وحدها لا تكفي للتغيير، ولكنها تعطي دعما للثوار، وأيضا علينا ألا نتوقع من المثقف أن يرمي قلمه ومنابر الكتابة، وينزل إلي الشارع، كي يحمل حجرا، لأن فكره هو السلاح الذي يدير به معركة التحرير، وإن تخلي عن فكره وقلمه ونزل إلي الشارع سيكون قد حقق للخصم ما يريده، فالكفاح السياسي داعم للكفاح المسلح، ومنظم له، ولا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر، ولهذا فان دوري ككاتبة وصحفية ومثقفة تجنيد قلمي وأفكاري وأكون علي أهبة الاستعداد لتقديم كل الدعم للثوار المطالبين بحقوقهم في تحسين أوضاعهم البائسة، وتأمين حياة كريمة محترمة تحت سماء أوطانهم وفي ظل الأعلام المرفرفة فوق رؤوسهم.
نقلاً عن جريدة الزمان اللندنية 5.3.2011
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بسمةُ عشقٍ مندلعة من ثُغورِ الآلهاتِ 40
-
يا نصيرةَ الماءِ فوقَ جراحِ القاراتِ 39
-
درّةٌ ضائعة بينَ أكوامِ الرَّمادِ 38
-
تتلألئين مثل عذوبة النَّدى 37
-
روحٌ عطشى إلى أعماقِ المجاهيلِ 36
-
اخضرارُ كتابك يزدادُ اصفراراً 8
-
خنتَ صفاء الصحارى 7
-
نظريات محشوّة بقاعات القهقهاتِ 6
-
خطابُكَ خطابُ زمنٍ ولا كلَّ الأزمانِ 5
-
ما قصّتك مع خشخشاتِ الجرذانِ 4
-
نظريتُكَ ثابتة على أركانِ الخيام 3
-
كتابكَ الأخضر يسترخي فوق قمم هيمالايا 2
-
أقوى ملوكِ أفريقيا على اِمتدادِ الأدغالِ 1
-
غيمةٌ حُبلى بأريجِ الجنّةِ 35
-
تاهَتْ ليليت بينَ ظلالِ النَّخيلِ 34
-
تداعيات من وحي غربةِ الرُّوح
-
ليليت أنثى من بخورِ المحبّة 33
-
تحتَ ظلالِ الكرومِ 32
-
نسائمُ بحرٍ في خضمِّ الأنغامِ 31
-
نبتَتْ أجنحتُكِ من غضارِ الرِّيحِ 30
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|