|
عن جذور التنوير الفكري والديمقراطية
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عن جذور التنوير الفكري والديمقراطية -1-
لا حراكاً شعبياً بلا جذور. كذلك كان عليه الحال في الانتفاضة التونسية، التي كان لها - قطعاً - جذور تنويرية فكرية. ولكن هذا لا يعني أن هذه الجذور متى وجدت في أي بلد، فإن انتفاضتها سوف تحدث. فعلينا على أن لا ننسى الخصوصية التونسية. فكما أن لا جدال في خصوصية كل قطر عربي، فيما يتعلق بكافة الخطوات التحديثية، فإن لتونس تلك الخصوصية التي تتلخص في:
1- النظام الرئاسي الدكتاتوري، الذي انحصر بشخصية الرئيس، وهو شبيه الى درجة كبيرة بالنظام الليبي. ومن هنا كانت الانتفاضة التونسية والليبية موجهة بالدرجة الأولى ضد بن علي والقذافي شخصياً، على وجه الخصوص.
2- تحويل الانتخابات الى مجال للتندر والسخرية والسلبية السياسية. فقد تمَّ تزوير الانتخابات التشريعية والرئاسية تزويراً فاضحاً غير مسبوق. ففي عام 1989 فاز الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) بـ 99.91 %، وفي عام 1994 فاز بـ 99.45 % ، وفي عام 1999 فاز بـ 94.49 %، وفي عام 2004 فاز بـ 89.62%. ومن الواضح في هذه النسب المضحكة/المبكية التزوير الفاضح.
فماذا كان يضر الحزب الحاكم لو أتاح فرص النجاح للأحزاب الأخرى من اليمين واليسار – وهي أحزاب ضعيفة - واكتفى هو بنسب معقولة كالنسب التي
نقرأ عنها في الدول الغربية عامة، وفي الوقت نفسه أصلح من قواعده، وحسَّن من أدائه السياسي؟
3- البطالة بين الشباب الخريجين من الجامعات والمعاهد العليا. وقد بلغت نسبة البطالة في 2008 أكثر من 30% في فئة الشباب 15-29 سنة، و 22% من حملة الشهادات الجامعية.
4- إهمال التعليم بحيث أصبحت نسبة الأميين في بعض المناطق الريفية حوالي 50%.
5- التفاوت في تطبيق خطط التنمية، بين مختلف مناطق تونس. حيث حظيت المناطق الساحلية بالجزء الأكبر من الاستثمارات لتنشيط السياحة، وأُهملت المناطق الريفية والداخلية.
6- إنهاك اتحاد النقابات المهنية، وذلك بإخضاع أكثر من 220 منشأة وشركة ومؤسسة تجارية وصناعية وسياحية للخوصصة؛ أي تحويلها من القطاع العام إلى الخاص وتخلي ملكية الدولة عنها. وكان هناك أكثر من 500 ألف عضو في هذه النقابات. وبعد الخوصصة أصبحوا 50 ألفاً فقط، مما أضعف فعالية النقابات، التي تشكِّل العمود الفقري للمجتمع المدني.
7- تتميز تونس بأنوار إصلاح ساطعة منذ القرن التاسع عشر. فقد ظهر فيها إصلاحيون كثر كخير الدين التونسي، وأحمد بن أبي ضياف، ومحمود قبادو، والطاهر الحداد. كم ألغت تونس الرق عام 1846. وكانت الأولى في العالم العربي في ذلك الشأن، إضافة إلى أنها الأولى في إعلان ميثاق حقوق الإنسان عام 1857، وفي سن أول دستور عام 1861، وفي منح المرأة حقوقها عام 1956، وفي ظهور أول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي عام 1977.
-2-
المسألة الديمقراطية في العالم العربي، هي التي سوف تكون المهماز الذي يدفع بالحراك الشعبي الى الأمام. وقد كان هذا المهماز هو المحرك للشارع في تونس ومصر وليبيا، وربما في اليمن والعراق، ومناطق أخرى من العالم العربي.
أما في تونس، فقد استفادت الحركة الديمقراطية هناك، من أفكار المصلحين التنويريين منذ بداية القرن العشرين، التي أدت الى قيام "الاتحاد العام التونسي للشغل" بقيادة الزعيم التونسي فرحات حشاد عام 1946 . وقبل ذلك تمَّ إنشاء "جامعة عموم العملة التونسيين"، كأول تنظيم نقابي في أفريقيا. وسبق ذلك قيام منظمات أهلية ذات وعي سياسي عميق بالمسألة الديمقراطية. فقامت "حركة الشباب التونسي" عام 1907 ، وأدت الى قيام "الحزب الحر الدستوري" عام 1920 ، الذي قاد تونس الى الاستقلال، فيما بعد.
وفي العصر الحديث، امتلأت الأدبيات السياسية التونسية بالحديث عن الديمقراطية، وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. فقد حذَّر المفكرون التونسيون المعاصرون، ومنهم محمد الحداد من شعور الشعب بالعجز أمام الأحداث. فهذا الشعور سوف يدفع الى استبدال عجز الدولة بالطائفة. وسيصبح مآل الدعوة الديمقراطية في المستقبل المصير نفسه الذي انتهت إليه الدعوة القومية. وبذا، سوف تُستغل الدعوة الديمقراطية – كما سبق أن استُغلت الدعوة القومية في العراق ومصر من قبل – للسيطرة الدكتاتورية على الشعب. والبحث عن البديل الديمقراطي، هو الذي يحرر الشعب من كافة أشكال الهيمنة القومية والطائفية والفئوية. وبدون البديل الديمقراطي، سوف يذهب الدكتاتور (الصنم الأكبر)، وتأتي من بعده أصنام صغار، سوف تكبر مع الزمن ويظهر من بينها الصنم الدكتاتوري الأكبر، من جديد.
-3-
إما الديمقراطية وإما الخراب.
ودبَّ الخراب في بلدان الدكتاتورية العربية، كما حصل من قبل في أمريكا اللاتينية.
هذا ما قاله محمد الحداد في مقاله ("الحياة" 29/2/2004) وأعاد نشره في كتابه "مواقف من أجل التنوير، 2005".
"فحياة الإنسان القصيرة وحاجاته المختلفة، لا تسمح له أن يكون مطلق الحرية. ولذا، يلجأ الإنسان الى الحداثة، لكي يحقق عن طريقها أكبر قدر من الحرية. وهذا الطموح يدفع بأصحابه الى أن ينهجوا سبيل الابتكار، لا الاجترار. والابتكار يستدعي بذل مجهود أكبر في التفكير، والتصوّر، والتنفيذ، وإقناع الآخرين. واستكمال مشروع الحداثة رهن بدعم فضاءات الحوار في المجتمع المحلي والدولي."
-4-
صحيحٌ أن الديمقراطية تساعد كثيراً على الإبداع والإنتاج الإنساني المثمر. ونحن – كعرب – أحوج ما نكون الى هذه الديمقراطية، خاصة الآن. فمجتمعاتنا قد عانت كثيراً من عمليات الإرهاب وحركات العنف الديني. ولا شك أن غياب الديمقراطية ساعد كثيراً على ذلك. فوظيفة الديمقراطية دائماً، إقامة الحواجز والموانع ضد العنف، لأن الديمقراطية تؤمن المسارب اللازمة للرأي والرأي الآخر. وفي المجتمعات الدكتاتورية، لا يوجد طريق للتعبير عن الرأي الآخر غير العنف. وهذا ما تمَّ في تونس، ومصر، ويتم الآن في ليبيا.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الروح للعرب بعد غياب طويل
-
ما تكوين عقل شباب 25 يناير؟
-
مصر: ثورة أم انقلاب عسكري؟
-
ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
-
الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
-
العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
-
مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
-
مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
-
هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
-
مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
-
ثورة تونس الخضراء
-
أحفاد بورقيبة ينتفضون
-
دحر الإرهاب وتراجع تسييس الدين
-
العراق بين حزب الدعوة وحزب البعث
-
تقدم الليبرالية الإسلامية في الخليج
-
من ثقافة الذاكرة الى ثقافة الإبداع
-
العَلْمانية لشفاء العراق من أمراضه المزمنة
-
لا ليبرالية دون سلطان
-
هل العرب آخر الإرهابيين؟
-
الحرب التي لم تكتمل: الديمقراطية في العراق
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|