أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - العربي عقون - الملك ماسينيسا والحضارة النوميدية















المزيد.....

الملك ماسينيسا والحضارة النوميدية


العربي عقون

الحوار المتمدن-العدد: 3295 - 2011 / 3 / 4 - 16:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


صورة قلمية (بورتريه) للأقـلّيذ ماسينيسا (238 ? - 148 ق.م.) Massinissa ou Masinissa

من العائلة الملكية الماسيلية (Dynastie Massyle) لا نعرف متى تأسست مملكة الماسيل ولا متى انقسم النوميد إلى ماسيل في الشرق وماسيسيل في الغرب وكل ما نعرفه هو ما ورد في المصادر الاغريقية واللاتينية التي أشارت عرَضيا إلى المملكة في سياق حديثها عن تفاصيل التاريخ الروماني والصراع بين قرطاج وروما.

لعل من الممكن قراءة اسم ماسينيسا الذي نقش في النصب الليبية هكذا msnsn م س ن س ن / ماس ن سن : سيّدهم ؟ هو ابن الملك غايا من العائلة الملكية الماسيلية.
كانت منجزاته في المجال الاجتماعي والسياسي عظيمة على غرار أعماله العسكرية ، فقد وحّد شعبه وحثّه على الاستقرار، وأقام دولة نوميدية قوية وأصدر عملة وطنية وأقر النظام وأنشأ أسطولا يضمن حسن العلاقات التجارية بين مملكته وباقي بلدان البحر المتوسط.
كان ماسينيسا محاربا مقداما، شجّع الآداب والفنون وأرسل أبناءه إلى بلاد الإغريق للتعلم، واستقدم إلي بلاطه عددا من الكتاب والفنانين الأجانب كان رجلا شجاعا احتفظ إلى آخر سني حياته بالصلابة والصرامة، يمكن أن يبقى على صهوة جواده يوما كاملا كأي واحد من جنده متحملا كل أشكال العناء، كان في الثامنة والثمانين من عمره عندما قاد معركة ضدّ أشفاط قرطاج وفي الغداة وجده سيبيون الإيميلي واقفا أمام خيمته يأكل كسرة خبز هي كل وجبته !
لكنه يعرف كيف يعيش حياة الملوك في الوقت المناسب، حيث يرتدي أفخر الملابس ويضع التاج على رأسه ويقيم المآدب في قصره بسيرتا أين تنصب الموائد وعليها أوانٍ ذهبية وفضية، في حفل بهيج يعزف فيه الفنانون الإغريق ألحانهم.
حارب ماسينيسا أشفاط قرطاج (Les suffètes de Carthage) الذين غدروا به بعد رجوعه من إيبريا حيث كان على رأس جيشه إلى جانبهم في حربهم ضدّ روما فقد أيدوا الانقلاب عليه وإبعاده عن العرش وأكثر من ذلك عقدوا حلفا مع سيفاكس ضدّه وجردوه من مملكته وأسروا والدته التي دفع فيما بعد فدية لتحريرها.

مع هذا لم يزدر ماسينيسا الحضارة القرطاجية بل عرف كيف يستفيد منها على اعتبار أنها حضارة أفريقية، وكانت البونية لغة مشتركة في عاصمته حيث كانت لغات أخرى فضلا عن الليبية (الأمازيغية) متداوَلة كاللاتينية والإغريقية.
كان يحب الأطفال، وكان يعيش وسط أبنائه وأحفاده، وفي حديثه إلى تاجر إغريقي قدم إلى مملكته لشراء قردة للترفيه على الأثرياء قال له الملك : أليست لديكم نساء ينجبن أطفالا !!
عمّت شهرته كل بلاد البحر المتوسط، وعلى الخصوص بلاد الإغريق : جزيرة ديلوس التي أقامت له ثلاثة تماثيل، وفي آخر أيام حكمه كان يطمح إلى جعْل قرطاج عاصمة لأفريقيا الموحّدة لكن الرومان رأوا فيه خطرا يمكن أن ينقلب عليهم، فهذا كاتون (Caton) يلفت انتباه مجلس الشيوخ الروماني إلى الخطر الذي يمثله ماسينيسا بعبارته الشهيرة : فلتدمّر قرطاج delenda Karthago ، توفي ماسينيسا قبل سقوط قرطاج ولم يشهد سقوطها، فأقام له رعاياه الذين أحبوه قبرا فخما (معلم الصومعة قرب لخXروب) غير بعيد عن عاصمته سيرتا وضريحا في ثوقة (دوقة الحالية في تونس) .

الحياة الاقتصادية
تقوم أساسا على الفلاحة، وتكون قد ظهرت احتمالا منذ نهاية عصور ما قبل التاريخ، دلت على ذلك أدوات وكذلك آثار تعكس وجود نظام للزراعة وللسقي الزراعي (آثار تاسبنت (Tazbent) جنوب غربي تبسة).
الزراعة النوميدية قديمة جدّا ، لا تدين بشيء في أدواتها ومفرداتها وبذورها للفينيقيين الذين كانوا في اتصال مع السكان الأصليين، ويبدو أنّ الاقتصاد الزراعي كان مختلطا يتكون من زراعة محاصيل مختلفة ومن تربة الأغنام والأبقار.
ومع هذا وجدت حياة حضرية نوميدية حقيقية، في عصر مملكتي الماسيل والماسيسيل، يتضح ذلك في علاقاتها الخارجية وفي تجارتها، وأهم المدن الداخلية المعروفة : تيفست (تبسة) Théveste ، كالمة (قالمة) Calama، ماداوروس (امداوروش) Madauros، تاقورا (طاورة) Thagura سيقا (قرب تموشنت) Siga، تضاف إليها العاصمة سيرتا (قسنطينة) Cirta .
أما المدن الساحلية فهي : هيبو ريجيوس (Hippo regius) (عنابة) وروسيكاد (Rusicade) (سكيكدة)، وصلدا (Saldae) (بجاية)، وايكوسيوم (Icosium) (الجزائر) ، وقونوقو (Gunugu) بالقرب من قورايا (شرشال). هذه المدن إما مستقلة ذاتيا أو أنّها كانت تدار تحت سلطة الملوك ، وإلى جانب العاصمة سيرتا هناك مدن يقيم بها الملوك مثل هيبو ريجيوس وأخرى تشكل مقرا لدائرة جبائية مثل سيرتا وقالمة، وقد أدّى التطور الاقتصادي في المملكة النوميدية إلى تداول كبير للعملة.
بلغ الاقتصاد النقدي أوجه في عهد ماسينيسا ومكيبسا، يدل على ذلك الإصدارات العديدة في عهديهما ، ويبدو أن المدن كذلك كانت لها عملتها الخاصة وهو مؤشر على تنامي دور المدن في اقتصاد وإدارة المملكة النوميدية، وكانت مدن سيرتا وهيبو وصلدا نموذجا للمدن التي أصدرت عملتها الخاصّة.
الحبوب هي الإنتاج الزراعي الأساسي وأقدم محصول زراعي هو القمح وخاصة القمح الصلب الذي يأتي في الدرجة الأولى وكانت زراعته تمارَس في كلّ أنحاء البلاد، إلى جانب محاصيل أخرى كالشعير والحبوب الثانوية مثل السورغو، كما تمثل الزراعة الشجرية جزءا من النشاط الفلاحي، وتتمثل على الخصوص في بساتين الزيتون والنخيل والكروم إلى جانب شجر التين.
تمثل تربية الأبقار من طرف الريفيين المستقرين والأغنام من طرف الرحّل النشاط الفلاحي الثاني من حيث الأهمية لدى النوميد، ويبدو أنّ إنتاج وتسويق القمح كان النشاط الرئيسي في نوميديا وخاصة في عهد ماسينيسا حيث كانت العائلة الملكية الماسيلية تتوفر على مزارع كبرى (Domaines) ليس فقط في تراب المملكة ولكن في إقليمي قرطاج والماسيسيل أيضا.
كانت الفلاحة وخاصة محصول القمح المزود الرئيسي للتجارة الخارجية النشطة، كما أن المدن الساحلية مكنت الملك ماسينيسا من تنمية قوته البحرية وكانت موانئها تؤمّن تصدير القمح باتجاه رودس وأثينة وديلوس في العالم الإغريقي كما وفرت المملكة الماسيلية للرومان أيضا وبكميات هامة طيلة القرن الثاني ق.م. على الخصوص.

المعتقدات الدينية
في هذا التوجه الفلاحي، أي في عالم نوميدي ريفي بالأساس، كان الارتباط بمعبودات فلكية (الشمس والقمر) لكن عالم الريف كان مرتبطا أكثر بآلهته الخاصة وبالأرواح المحلية، وهي التي سمّيت في وقت لاحق - خلال الفترة الرومانية - بالآلهة المورية (Dii mauri) ومع الانفتاح على العالم الإغريقي في عهد ماسينيسا وسياسته التوافقية مع أثينة وثقافتها على الخصوص انتشرت بين النوميد عبادة إلهتي الفلاحة : ديميتر وكوري (Déméter et Korè) .
فيما يتعلق بالدفن تمثل القبور الدائرية نموذج المدافن الامازيغية (بازينا) ويبدو أن الميت قبل دفنه يتم تجريد الجثة من اللحم أو حرقها جزئيا أما الأثاث الجنائزي فهو محدود، وسضاف إلى هذا النموذج من المدافن نموذج آخر يسمى حوانيت وهي قبور محفورة في الصخر تختص بها نوميديا الشرقية إلى وادي أمبساقا (الواد الكبير).
يمثل ضريح المدغاسن نموذج عبادة جنائزية وهو معلم متفرد، ذو هندسة معمارية متطورة، يعود إلى القرن الثالث ق.م. كما يعتبر ضريح الصومعة (لخروب) الذي أقامته الأسرة الملكية الماسيلية في القرن الثاني ق.م. وهو المعروف بقبر ماسينيسا.

عناصر أخرى من الحضارة النوميدية
إذا كان البحث الأثري لم يكشف الغطاء بعد عن العمارة المدنية النوميدية فإنّ وجود عمارة جنائزية فخمة على غرار المدغاسن والصومعة تفترض وجود عمارة مدنية تضاهيها في الفخامة والأصالة، فالمدغاسن متطور عن شكل بدائي هو البازينا وهو أكثر أصالة أما صومعة لخروب فقد امتزجت بها عناصر معمارية إغريقية.
يكشف الأثاث الجنائزي المكوّن أساسا من أواني خزفية، أشكالا من التعبير الفني النوميدي التي تقوم على تحكم في الهندسة، أما النصب فإنّ المتوفر منها سواء منها التي تعود إلى تاريخ متأخر أي إلى ما بعد فترات حكم الملوك الكبار فتظهر نمطا معينا من النحت وتقدم لنا صورة عن لباس عصرها.

اللغة الليبية (الأمازيغية القديمة)
هذا العنصر هو الذي يميّز تفرّد العالم الأمازيغي ويبين خصوصيته إزاء المجموعات الثقافية المتوسطية الأخرى، وهو دون ريب عنصر اللغة المدعومة بالكتابة، إنها اللغة الليبية، اللغة الأقدم قدم الناطقين بها.
وأبجديتها حتى وإن ظهر فيها بعض الشبه مع أبجديات لغات أخرى في التفاصيل فإنها تبقى متفردة ، وكانت الكتابة الليبية معروفة منذ نشأة الممالك النوميدية وخاصة في القرن الثالث ق.م. وثمّة أمثلة من هذه الكتابة عبارة عن نقوش جنائزية، وتتميز بأشكالها الهندسية المستقيمة والمزواة.

خلاصة
الحضارة النوميدية حقيقة تؤكّدها البحوث وهي نتاج جهد وإبداع : "... الليبيين المزارعين (الذين) يقيمون في مساكن ..." ويسكنون في منطقة " ... جبلية تغطيها الغابات .... " (هيرودت) . النوميد فلاحون ولكن فيهم الكثير من الرحّل شكّلوا مجتمعا منظّما أفرز عناصر مكوّنة لحضارة تقوم على ثقافة روحية أصيلة، رمزها المملكة الماسيلية على الخصوص، وهي حضارة منفتحة على مؤثرات متوسطية ولكن انتهى بها الأمر إلى التهميش بسبب التوسع الروماني.



#العربي_عقون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصحيح بشأن الاسم الإثني (Ethnonyme) للشعوب الأمازيغية
- منطقة القبائل الشرقية (الجزائر) في عصور ما قبل التاريخ
- جوانب من تاريخ العرب قبل الإسلام : نظرة موجزة على ممالك الحي ...
- النحت الروماني : نظرة موجزة
- نظرة موجزة في خصائص فن النحت في بلاد الرافدين
- البحرية القرطاجية : بين التفوُّق التجاري والتقني من جهة والض ...
- الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية
- الملاحة والتجارة بين الشرق والغرب في القديم : أهمّية البحر ا ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - العربي عقون - الملك ماسينيسا والحضارة النوميدية