|
(نهاية المثقف ) ام اندحار مشروع ؟ / هامش على محاضرة د. حيدر سعيد في إتحاد الأدباء
عبدالامير المجر
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 01:01
المحور:
الادب والفن
ألقى الباحث د. حيدر سعيد محاضرة في اتحاد الادباء بتاريخ 2010/12/29 تحت عنوان (نهاية المثقف ) استعرض فيها لدور المثقف العراقي عبر رحلة الدولة العراقية الحديثة ، منذ العشرينيات والادوار التي قام بها . في ضوء تاثره وتاثيره بالمشغل السياسي ، وصراع الايديولوجيات ، وانغماس المثقف فيها وصولا الى الاحتلال ، وقد خلص الى القول بضرورة اتباع ما اسماه ب (الطريق الثالث) الذي يكون فيه المثقف غير بعيد عن الهم السياسي ، ومن دون ان يكون منهمكا في السياسة ببعدها الايديولوجي ، الذي يرى انه اكل من جرفه وحرفه عن وظيفته الاساسية . موضوعة المثقف وعلاقته بالسلطة ظلت مدار جدل طويل ، لانعتقد انه سينتهي قريبا لانها في جانب اساسي منها تشبه الجدل البيزنطي (هل الدجاجة من البيضة ام البيضة من الدجاجة؟! ) وبعبارة اخرى هل السلطة في بعدها الايديولوجي الموجّه لسياستها واقتصادها ، هي نتاج غير ثقافي ، ام انها بالاساس (نظرية ثقافية معرفية ) او نضح جهد ثقافي فكري قبل كل شيء ؟..وانا هنا اتحدث عن السلطة في عالم ما بعد القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، تحديدا ، الذي تشابكت فيه علاقة المثقف بالسياسي الى حد كبير . قبل قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا العام 1917 كان انجلز قد عقد في اواخر القرن التاسع عشر ، مؤتمرا لما كان يعرف ب (جمعية الشغيلة العالمية ) التي تاسست منتصف ذلك القرن تقريبا ، والتي كانت تضم الاحزاب الاشتراكية في اوربا ، وقد ولدت من رحم ذلك المؤتمر ماسميت وقتذاك ب (الاممية الثانية ) لان الدعوة الى الاممية التي جاءت في مشروع جمعية الشغيلة العالمية واجهت تحديات سياسة ، تمثلت بانخراط بعض الاحزاب الاشتراكية الاوربية في الانتخابات البرلمانية ، في ظل الراسمالية ، وقد استهلكتها تلك اللعبة ، التي لم تحقق للعمال او (الشغيلة) ما كانوا يرجونه من حياة كريمة ، وكان من مقررات الاممية الثانية فصل الاحزاب المنخرطة في العمل السياسي في ظل الرسمالية عن الجمعية ، لتكون تلك البذرة الاولى لما عرف لاحقا ب (الاشتراكية الدولية) التي جمعت المطرودين او (المغضوب عليهم) والذين سيتم استثمارهم لاحقا في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين من قبل الراسمالية في منتداهم هذا ، الذي اريد منه ان يكون ضدا نوعيا للاشتراكية والشيوعية ، في لعبة الصراع اثناء مرحلة الحرب الباردة . المشروع الاشتراكي الداعي الى العدالة الاجتماعية ، كان ثقافيا بامتياز ، وبلغ ذروته بعد نجاح تجربة الاتحاد السوفيتي ، التي الهبت حماسة ملايين المثقفين في مختلف انحاء العالم ، لينخرطوا في هذا المشروع العالمي ، الذي راوه انسانيا ، وان تنفيذه يحتاج الى ادوات السلطة ومفاصلها، والسلطة هي خلاصة جهد سياسي ، ليمتزج بفعل هذه الرؤيا ، المشغل النظري الثقافي بالمشغل السياسي ، في مشهد ظل باهرا حتى سقوط الاتحاد السوفيتي العام 1991 وتداعي المنظومة الاشتراكية التي شهدت تداعيا للكثيرين من مثقفيها ايضا !! المنظومة الليبرالية ، التي كانت ندا للاشتراكية ، كانت حصيلة جهد ثقافي ،على مستوى النظرية التي اخذت شكلها التطبيقي في الانظمة الراسمالية وهي بلا ادنى شك (ايديولوجيا سياسية ثقافية) لها منظروها وسدنتها ومشغلها الذي اتسعت مساحتة بعد سقوط الخصم العقائدي ، وصارت من خلال مثقفيها ومنظريها ، لاتكتفي بالتبشير، بانها هي وحدها (الحقيقة) التي يجب ان تسود ، كما يرى (فوكوياما) في كتابه (نهاية التاريخ والانسان الاخير) بل طرحت نفسها على انها (لاعقيدة ) تستوعب الاختلاف ، وهذا الاختلاف مهما بدا جذابا ، لما يمنحه من هامش حرية واسع ، فانه لايستطيع تخطي الثوابت الاقتصادية لليبرالية التي كانت في جوهرها ضد مبدا التكافل ، والسبب الرئيس في ظهور التفاوت الطبقي الحاد ، ولذلك كانت سببا ايضا في ظهور الماركسية والشيوعية و الاشتراكية ، وانقسام الرؤيا عند المثقفين للخلاصفي جدلهم لاقامة عالم متوازن في علاقة الانسان باخيه الانسان . المثقفون العراقيون ، الذين انفعلوا بالطروحات الوافدة تلك ، انقسموا بين ايديولوجيتين ، وهذا في الغالب وليس بالمطلق ، لاسيما بعد مرحلة الاربعينيات ، ووصول اشعاع النموذج السوفيتي اليهم بشكل مكّنهم من عقد المقارنة ، التي ستنتهي الى واقع سياسي عراقي منقسم ، منوهين هنا الى ان النموج الاشتراكي ، لايقتصر على الشيوعية ، بل تبناه اليسار القومي ايضا ، ليغدو الصراع الثقافي سياسيا ، بعد ان امتزجت السياسة بالثقافة ، اي ان الساسة الذين هم حملة مشروع ثقافي او رسالة عقائدية ثقافية ، كانوا يتفاعلون مع المثقفين داخل المشروع ، الذي بات يحتاج كل منهم فيه للاخر، لان كلاهما يكمل الاخر وليس تابعا له بالضرورة . هذا الواقع رافقه ظهور ما عرف ب (الاسلام السياسي) الذي لم يكن له حضور مؤثر في العقود الاولى والوسطى من القرن العشرين ، مثلما هو في العقود الاخيرة ، وتحديدا بعد انتصار (الثورة الايرانية) واقامة نموذج لدولة اسلامية ، سبقها بالتاكيد جهد ثقافي وتنظيري مهد لها ، وقد اسهم بذلك مثقفون ساسة ، وساسة مثقفون ، ينتمون لمشغل واحد ولهدف واحد هو تسلم السلطة وبث الرسالة الجديدة من خلالها . لانريد استعراض الواقع السياسي في العراق ، لانه معروف للجميع ، وتحديدا منذ العام 1958 الذي شهد تحولا في فلسفة الدولة التي وجدت نفسها وسط عالم منقسم ، ثقافيا ، على مستوى الطروحات التي هي مشروع الساسة ، في عالم النظريات الكبرى ، الجديدة ، وكان على المثقفين ان يكونوا منقسمين ايضا ،لانهم يعملون في اطار مشاريع متعارضة يحملها ساسة متعارضون طبقا لذلك ! ان (الطريق الثالث ) الذي تحدث عنه د.حيدر سعيد غير ممكن على الاقل في هذه المرحلة ، لان اصحاب المشروع الاسلامي منغمسون فيه ، اما اصحاب المشروع الشيوعي الذين اصطدموا بمعطيات الواقع الجديد بعد العام 1991 فصاروا يحاكون احزاب وحركات (الاشتراكية الدولية) في موافقتهم على العمل السياسي في اطار (الدولة العلمانية الراسمالية) التي تستوعب الاختلاف داخل اطارها السياسي ، وليس الاقتصادي ،الذي يعد خطا احمر ! وبذلك فانهم سيحتفظون بوجودهم الثقافي ونشاطهم السياسي داخل المنظومة الراسمالية الليبرالية ، لكن من دون مشروع ينزع لاقامة (الدولة الاشتراكية او الشيوعية ) والامر كذلك مع غيرهم ، ليس ايمانا ، بل تسليما لمعطيات جديدة ، يرى الاسلام السياسي ، انه صاحب الصوت الاعلى فيها ، وان مثقفوه مازالوا متحمسين له ومن الصعب ايقافهم او تذويبهم داخل الدولة العلمانية ، التي يرونها قد تجردهم من مشروع (الدولة الاسلامية) التي ظلوا طويلا يحلمون بها! ان الادعاء بان المثقف الليبرالي ، ظل بعيدا عن السياسة ، باطل تماما ، والا ماذا نفعل بمئات او الاف الاعمال الادبية والفنية في السينما وغيرها ، التي جندت لها الليبرالية السياسية ، اموالا طائلة ، بغرض ادانة الطرف الاخر، وان بدت في طرحها مستقلة ، اوتدعو الى (حرية الانسان الفردية ) وهو ادعاء ينطوي على دهاء ومكر واضحين ، كون السجل السياسي لليبرالية في مشاغلها الكبرى ، سحقت حياة وحرية الملايين من البشر ، من دون ادنى رحمة ، سواء قبل مرحلة الحرب الباردة وشجونها السياسية اوقبلها ، والامر يصح مع الطرف الاخر، الشيوعي والاشتراكي في مسمياته المتعددة ، الذي خاض مثقفوه معركتهم ب(بسالة) ولعل بعضهم مازال ( يقاوم) من دون سلطة داعمة! اي ان المعركة الثقافية كانت تعكس صراع مثقفين بقدر ماهي انعكاس لصراع السياسيين ، وان المنظومة الليبرالية لاتمارس نشاطها السياسي خارج مشغلها الثقافي ، الذي يسهر عليه سدنتها المخلصون فقط ، بل انها تعززه يوميا وتدفع باتجاه تكريسه من خلال الاعلام والقوة العسكرية ايضا! ان المثقف الذي ينشده د. حيدر سعيد هو الذي قد يظهر لاحقا ، بعد ان تبلغ الاوضاع في العالم حالة الانسداد السياسي والاقتصادي، في ظل الراسمالية المتوحشة والعولمة، التي هي اخر تجلياتها ، ويجد العالم نفسه امام حقائق موضوعية تستدعي حلولا جوهرية ، وعند ذلك ستاتي (اللحظة الثقافية) الجديدة التي هي ربما تكرار اوتجديد ل (اللحظة الاشتراكية) التي انبثقت من رحم الراسمالية الاولى اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وعند ذاك سيكون لكل حادث حديث!!
#عبدالامير_المجر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
((اعترافات رجل لا يستحي)) .. سليم مطر يتوهج ناصعاً بتراب (ال
...
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|