كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 00:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ 32 عاماً وفي شهر شباط/فبراير 1979 انتصرت الثورة الشعبية الإيرانية وفر الشاه من البلاد واستطاع أتباع الخميني السيطرة على هذه الثورة الشعبية التي بدأت بتحالف بين قوى اليسار والقوى اللبرالية للنضال في سبيل الخلاص من نظام الشاه وأجهزته القمعية. أسس الخمينيون على أنقاض نظام الشاه نظاماً ثيوقاطياً استبدادياً وقمعياً لا مثيل له إلا حكم الاستبداد والتسلط الذي ساد العراق حين كان صدام حسين على رأس السلطة. فامتلأت السجون بأعضاء الأحزاب اليسارية واللبرالية والدينية المعتدلة وأحزاب البرجوازية المتوسطة. واستباح النظام كل مقومات المجتمع المدني في إيران وفرض الخيمة الفكرية الواحدة على الشعوب الإيرانية, فهيمنت الجماعات الدينية والحرس الثوري والبسيج على زمام السلطة والثروة والنفوذ في البلاد فعم الفساد المالي والإداري في كل أرجاء إيران. إن الحكومة الإيرانيو التي تدعي أنها تقيم دولة إسلامية شيعية, تمارس في واقع الحال كل السياسات المناهضة للعدالة الاجتماعية واحترام الإنسان وكرامته وحقوق المواطنة وترفض بالقطع ممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات الأخرى غير الفارسية وحقوق المرأة وتسيء إلى إرادتها الحرة.
يسيطر شيوخ الدين والجهاز الحكومي التابع له على السلطة والثروة والنفوذ حالياً. ففي أيدي الفئة الحاكمة السلطة السياسية والا قتصاد وموارد البلاد والتصرف بها بعيداً عن إرادة ومصالح المجتمع الإيراني.
نشأت في إيران طبقة حاكمة قوامها التحالف بين الحوزات الدينية والقوى التي تلفعت بالإسلام في الحرس الثوري والجيش وكبار موظفي الدولة, ويقف على رأس هذا التحالف علي خامنئي وعبده المطيع والدكتاتور الصغير المتنمر على شعبه محمود أحمدي نجاد, رئيس جمهورية إيران.
وبذلت الفئات الحاكمة جهوداً كبيرة من أجل غسل أدمغة الشعب وحشوها بما لا يطاق من خرافات وخزعبلات لا يمكن للإنسان السوي أن يقبل بها وتدفع بالناس يوماً بعد آخر إلى الغوص بالغيبيات والأحزان والبكاء الدائم على الحسين وصحبه الكرام في محاولة منها للتغطية على فشلها في حكم البلاد وفي تطوير الاقتصاد الإيراني وفي مكافحة البطالة المتفاقمة سنة بعد أخرى والفقر المدقع في المدينة ولكن بشكل خاص في أرياف إيران ولدى القوميات الأخرى.
يشكل النفط الخام المورد الأساسي في تشكيل الدخل القومي ويتوجه جزء مهم من هذا الدخل لصالح التسلح والقوات المسلحة. فهي لا تزال توجه سنوياً المزيد من الأموال لأغراض التسلح ليس لخوض معارك خارجية دفاعاً عن إيران, بل لقمع الشعب الإيراني من جهة, ومحاولة الظهور بمظهر الدولة الكبرى في الإقليم والسيطرة على سياستها وتصدير نموذج "النظام الإيراني المتخلف والمشوه" إلى دول المنطقة, وتزويد قوى إرهابية غير قليلة في الدول التي أغلبية سكانها من المسلمات والمسلمين بالأموال والسلاح ورجال الأمن. ويمكن للمتتبع أن يشاهد ما يحصل في لبنان بسبب الدور الإيراني الذي يمارسه مع حزب الله او في غزة الفلسطينية مع حماس, على سبيل المثال لا الحصر.
من يتتبع واقع الاقتصاد وحالة الشعب في إيران سيجد بالضرورة العوامل التي تدفع بالشعب الإيراني بالاحتجاج والتظاهر ومحاولة التخلص من الطغمة الحاكمة في طهران. فرغم موارد النفط المالية الكبيرة ورغم بلوغ معدل حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 حوالي 11200 دولاراً, فأن هذا الدخل لا يوزع بصورة عقلانية ولا يستخدم بشكل عقلاني لصالح تعجيل التنمية الاقتصادية ومكافحة البطالة المتفشية في البلاد. فالأرقام الرسمية تشير إلى وجود نسبة بطالة قدرها 14,6% من مجموع القوى القادرة على العمل في إيران, في حين إن حقيقة البطالة في إيران تصل إلى ضعف هذه النسبة, إضافة إلى بطالة مقنعة كبيرة جداً في أجهزة. كما توجد نسبة مهمة من سكان الريف والمدن تعيش على مورد ضئيل لا يتجتوز خط الفقر العالمي.
وتوجه إيران نسبة عالية من إيراداتها السنوية لصالح الاستيراد السلعي بسبب تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي حيث وصل قيمة استيراداتها 58,97 مليار دولار أمريكي في العام 2010 مقابل صادرات بلغت قيمتها 78,69 مليار دولار وأغلبها إيرادات صادرات النفط الخام والغاز. وتشير المعلومات أيضاً إلى ارتفاع الدين العام في إيران إلى نسبة تصل إلى 16,2% من إجمالي الناتج المحلي للعام نفسه, وأن نسبة التضخم بلغت 11,8%(راجع: (The World Factbook, Iran, 2011
إن المجتمع الإيراني لا يعاني من البطالة والفقر وارتفاع السعار وتقلص سعر تصريف التومان وتقلص القدرة الشرائية لهذا التومان والضغط المتزايد على مستوى معيشة الكادحين من السكان فحسب, بل يواجه عسكرة متزايدة للدولة والمجتمع حيث يزداد يوماً بعد آخر عدد المجندين في الجيش والشرطة وفي الحرس الثوري والبسيج, إضافة إلى عدد كبير من الجواسيس والعيون التي تراقب حركات الشعب الإيراني. لقد أصبحت إيران دولة بوليسية قمعية دون منازع.
لقد هب الشعب الإيراني بعد الانتخابات الأخيرة مطالباً برفض نتائجها بسبب تزويرها لصالح محمود أحمدي نجاد. وقد كانت المظاهرات هائلة جداً وفعالة اقلقت القيادة السياسية-الدينية ودفعت بها إلى استخدام كل ما لديها من أساليب غير شرعية من قمع وتنكيل واضطهاد واعتقال وسجن وتعذيب ومحاكمات شكلية وإصدار أحكام قاسية وتوجيه النيران إلى صدور وظهور المتظاهرين وسقوط الكثير من الشهداء والجرحى والمعوقين. ولم يكن في مقدور القوى الحاكمة تجاوز الانهيار إلا باستخدام الحديد والنار وبهمجية عالية جداً لم يمارسها حتى نظام الشاه العدواني.
إلا أن الشعوب الإيرانية غير مستعدة للسكوت عن حكامها الذين لا يحترمون الإنسان وحريته الفردية والحريات العامة والديمقراطية ولا يسعون إلى توفير فرص العمل ومكافحة البطالة والفقر الواسعين في البلاد. كما لا يحترمون حقوق القوميات الأخرى وأتباع الأديان والمذاهب الأخرى, مما دفع بالكثير من البشر إلى الهجرة إلى الدول الغربية على نحو خاص. والجاليات الإيرانية في المهجر هي من أكبر الجاليات الأجنبية في الدول الغربية وتعد بالملايين, ونسبة عالية منهم من المثقفات والمثقفين وحملة الشهادات العالية وكثرة من الفنانات والفنانين المبدعين في جميع الاختصاصات والمجالات.
إن التحرك الأخير لفئات من الشعوب الإيرانية يؤكد حقيقة ان الشعب الإيراني لن يهدأ ابداً وسيبقى يتحين الفرصة تلو الأخرى لمناهضة النظام الإيراني الرجعي والسعي لإسقاطه وبناء نظام ديمقراطي حر في إيران.
لقد سمح الدكتاتور علي خامنئي لنفسه بالتدخل في الشأن المصري حين دعا إلى قيام حكومة إسلامية على أنقاض حكومة مبارك, ولكنه في الوقت نفسه وجه نيران أسلحة قواته المسلحة وجواسيس نظامه إلى صدور الشعب الإيراني الذي تظاهر ليقدم التضامن والمساندة إلى الشعب المصري الذي أطاح بدكتاتور عجوز لا يختلف كثيراً عن خامنئي إلا بالملبس, ولكن ذهنية الاستبداد واحدة.
إن شبيبة وشعب إيران بحاجة إلى تضامن جميع شبيبة وشعوب العالم معها, بحاجة إلى الدعم السياسي والمعنوي, بحاجة إلى التظاهر والاحتجاج على حكومة محمود أحمدي نجاد لضربها المظاهرات والتي هي حق مشروع لكل الشعوب, بما فيها الشعوب الإيرانية.
إن المعارضة الإيرانية واسعة وتتسع يوماً بعد آخر بقوى جديدة مناهضة للدكتاتورية والحكم الثيوقراطي البغيض وتتشكل من قوى يسارية وديمقراطية وليبرالية ومستقلة, إضافة إلى قوى إسلامية نظيفة ومؤمنة بفصل الدين عن الدولة والفصل بين السلطات الثلاث. إن "مرشد الثورة الإيرانية" علي خامنئي يركز في واقع الحال في يديه السلطات الثلاث ويمارسها مباشرة أو عبر محمود أحمدي نجاد, وبالتالي ليس هناك استقلال للسلطة التشريعية وسلطة القضاء حيث تمارس السلطة التنفيذية كل الموبقات والمحرمات ضد الشعب الإيراني من أجل البقاء على رأس السلطة.
إن نضال الشعب الإيراني لن يتوقف, وإذا ما فشل في المحاولة الأولى سيواصل النضال إلى أن يحقق التغيير المنشود ويقيم دولة مدنية ديمقراطية حرة تحترم الإنسان وكرامته وحقوقه وتحترم المرأة وحقوقها وتمارس الفصل الفعلي بين المؤسسة الدينية والدولة والفصل بين السلطات الثلاث وتحترم إرادة المجتمع.
إن قوى المعارضة الإيرانية, بما فيها قوى الحركة الإصلاحية التي يقودها الثلاثي المعروف: حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتنمي, قد صعدت في المظاهرات الأخيرة, التي سقط فيها شهداء وجرحى وهي ما تزال مستمرة, من سقف مطالبها المشروعة في مواجهة النظام الإيراني الاستبدادي, إذ بدأت تطالب بتغيير الدستور الإيراني الذي وضع على أساس الدمج غير المشروع بين المؤسسة الدينية والدولة الإيرانية وعدم الفصل بين السلطات الثلاث والذي لا يمكن لأحد أن يطلب تغييره سوى "مرشد الثورة الإيرانية" و"الولي الفقيه" علي خامنئي, إذ أن هذا الأمر حكر له فقط. في حين أن حسين موسوي طالب بتشكيل لجنة لتغيير الدستور أو تعديله. وهذه المطالبة تعني بالضرورة عدم الاعتراف غير المباشر "بمرشد الثورة الإيرانية وولي الفقيه" وأن الشعب هو الذي يحق له أن يقرر تغيير الدستور وتغيير النظام القائم الفاسد في إيران.
17/2/2011 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟