|
إنهم يجهضون ثورة تونس
ياقو بلو
الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 07:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اجدني سعيد الحظ ،إذ اعيش عصر ثورة الشبيبة في البلدان العربية،اجدني مسرورا جدا إذ اشهد سقوط عروش الطغاة في تونس ومصر،والبقية على الدرب بمشيئة الشعب الطيبة.
تابعت انطلاقة ثورة الشبيبة والشعب في تونس منذ الساعات الاولى لانطلاقتها ساعة بساعة،فبت اعرف المواقع الجغرافية للكثير من المدن والقصبات التونسية كما يعرفها الانسان التونسي،ويوم اعلن عن هروب زين الدين بن علي الى خارج تونس وسقوط حكومته،احتفلت بالمناسبة كما فعل الملايين غيري ممن تفاعلوا مع هذا الحدث الجبار مثلي.
تيقنت منذ البداية،ان النار التي اكلت جسد سيد شهداء العرب الاول الخالد الذكر المرحوم محمد البو عزيزي،سوف يتشظى اوراها ويحرق عروش الكثير من الطواغيت الجاثمة على صدور شعوبها لعقود طويلة من الزمن،وتحقق يقيني ذاك بالضبط ، فسقط النظام في مصر،وها هو النظام القذافي يعاني سكرات الموت،وصدى هتاف الشعوب العربية بسقوط بقية العروش صرنا نسمعه جليا وواضحا يتردد في كل مكان،اذن سطوة الطواغيت ما عادت ترهب الشعوب،اذن هو زمن استرداد شعوب البلدان العربية لكرامتها،وهذه بداية مشجعة جدا،ولكن قبل ان يسكرنا تفاؤلنا بالنصر،تعالوا نستعرض الذي حققه الشعب التونسي بعد سقوط زين العابدين بن علي،انا اقول بن علي ولا اقول نظامه،فحقيقة ما يجري في تونس تدل دلالة عميقة وجلية على،ان الذي قبض على السلطة في تونس بعد بن علي هم شركاؤه السابقون،وممن ترعرعوا في احضان حزب بن علي المالك سعيدا في تونس،ان لم يكن بالاسم،فبالفعل.
إذن ثورة الشعب التونسي على وشك ان تجهض ايها الكرام،وسوف لن اتفاجأ لو حصل الامر نفسه كذلك في مصر ايضا لو خبت اصوات الشعوب وقبلت بالاصلاحات والترقيعات الجزئية التي يحاولون اقناع الثوار بها،فالمعادلة السياسية كما يبدو ظلت كما هي،وتقديم بعض رموز الانظمة السابقة الى المحاكمة لا يعني مطلقا ان فلسفة حكم الانظمة السابقة في الحكم قد فشلت في ادارة دفة الحكم،وحتما سوف تكون محصلة حصاد الثورة سواء في تونس او في مصر،مجرد استبدال وجوه بوجوه ليس الا لو بقى الحال على ما هو عليه اليوم،وخاصة في تونس الحبيبة.
الحكومة الحالية في تونس اكتسبت شرعيتها استنادا الى نصوص ومواد الدستور التونسي،وهذا امر علينا احترامه شريطة ان يكون العمل وفق هذا الدستور هو المعول عليه دائما وفي كل الحالات،ولو رجعنا الى المناسبات الكثيرة التي عدلت فيها الكثير من نصوص هذا الدستور،سنجد انه في العديد من تلك المناسبات كان التعديل لمصلحة مواطن واحد فقط هو رئيس الدولة(لا اظن ان هناك من يتجرأ ويعطي للرئيس اكبر من هذه الصفة)والسؤال اليوم هو:لو كان البرلمان التونسي قد سبق واقر تعديلات دستورية تحقق رغبة مواطن واحد،وواحد فقط ،فما الذي يمنعه من تعديل بعض نصوص هذا الدستور لمصلحة الشعب برمته،ويسد الطريق امام الغنوشي وكل ورثة سلطة بن علي،لو كان اعضاء هذا البرلمان فعلا يقرون اصلا مصلحة الشعب؟الا يشير اصرار الغنوشي على تشكيل حكومة اشبه ما تكون بنسخة مصورة عن حكوماته السابقة استخفافا بثورة الشعب التونسي ومحاولة صريحة لاجهاض هذه الثورة؟اجل الا يعني سلوك الغنوشي واصراره على تجاهل مطالب الشعب التونسي استخفافا بأرادة هذا الشعب؟كيف نفسر تجاهل الغنوشي لصوت الشعب وتمسكه بشركاء الامس من وجوه حزب التجمع الدستوري الديمقراطي؟نحن نفهم ان يضطر المواطن البسيط الى الانخراط في حزب السلطة من اجل الحفاظ على لقمة عيشه او من اجل الحصول على تلك اللقمة،كأن يتوظف او يعمل في دائرة او مؤسسة تفرض عليه الانتماء الى ذلك الحزب،كما كان عليه الحال ايام النظام البعثي الفاشي في وطني العراق،ولكن هل يصح هذا على هذا من يتبوأ موقع وزير يا ترى؟الم تعلمنا التجربة ان الوزرات والمناصب العليا الخاصة في ظل كل الحكومات الدكتاتورية هي حصر على بطانة النظام ووعاظه؟الم تعلمنا التجربة ان الوزارات والدرجات الوظيفية العليا الاخرى في الدولة المحكومة بنظام الفرد المسنود بتنظيم سياسي،هي حصر على قيادات ذاك الحزب؟هل يريد ان يقنعنا الغنوشي بأن استقالته هو ومن استوزرهم من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ،بأن علينا التعاطي مع تلك الاستقالة وكأنها شهادة حسن سيرة وسلوك له ولمن اتى بهم بعد ان هرب سيدهم من تونس؟اترك الاجابة على كل هذه الاسئلة لاحبتي في تونس العزيزة جدا الى قلبي.
ان الدستور في كل دول العالم يكتسب شرعيته من خلال موافقة الشعب عليه،وبما ان اعضاء البرلمان يمثلون ارادة الشعب الذي انتخبهم،اذن موافقة البرلمان على القبول بالدستور تمثل موافقة الشعب عليه،ولكن هل تصح هذه الحالة في بلد مثل تونس يجثم الحاكم على صدر الشعب لعشرات السنين؟هل يصلح هذا البرلمان ان يكون ممثلا لارادة الشعب فعلا؟هذا سؤال اخر اتركه ايضا للشعب التونسي لكي يجيب هو عليه.
من متابعة بسيطة لمجريات الاحداث في تونس منذ نزول بن علي عن سدة الحكم الى اليوم،يتضح لنا ان حكومة الغنوشي تحاول كسب الوقت وتمييع قضية المطالب الحقيقية التي ثار من اجلها الشعب،عن طريق الهاء البسطاء بأمور بسيطة وساذجة وتافهة ولا تشكل جوهر الحراك اليومي للحياة السياسية العامة،وليس ادل على ما اقول من الانشطة الفئوية البسيطة التي صار يفتعلها البعض بدفع مبرمج من الاجهزة الحاكمة على اغلب الظن،فعلى سبيل المثال وليس الحصر،نجد بين الفينة والاخرى اضرابا هنا واضرابا هناك من اجل المطالبة بحقوق يمكن تأجيل المطالبة بها الى موعد اخر كونها اصلا لا تمثل مطلبا جوهريا مقارنة بمطالب عموم الشعب،فمثل هذه الانشطة الفئوية الصغيرة قد تساهم في تشتيت الجهد الشعبي العام الذي يطالب بالتغيير الجذري،اوعلى سبيل المثال ايضا،انهم شكلوا لجان لتفصل في مشاكل الشعب،فصار يفد هذه اللجان حتى المواطن الذي له مشكلة بسيطة مع جاره،والنتيجة هي:ان هذه اللجان سوف تظل تجرجر بمشاكل المواطنين الصغيرة جدا وكأن حلها يشكل العقبة الكأداء الوحيدة والتحدى الاكبر للحكومة الغنوشية في سبيل تحقيق كرامة لقمة عيش الشعب ورفاهيته.
كما ذكرت آنفا،اني تابعت انتفاضة الشعب التونسي ساعة تلو ساعة،وكان اكثر ما يفرحني الى حد البكاء هو الشعارات الجميلة التي رفعها المنتفضون،كانت كل تلك الشعارات تحكي قصة حب الانسان التونسي لوطنه،كانت كل تلك الشعارات تتحدث فقط عن مطالبة الانسان التونسي بممارسة حقوقه الانسانية التي اهانها زين الدين بن علي وزبانيته ووعاظه امثال الغنوشي وغيرهم،وظننت كما الملايين غيري من الذين حرموا ممارسة انسانيتهم في اوطانهم المغتصبة،ان الثورة في تونس انتصرت الى الابد وحققت شروط انتصار الانسان الحر في اختيار عقيدته الدينية والفكرية والسياسية،ولكن ما ان مر بعض الوقت،حتى جاءت الانباء التي زعزعت ثقتنا بنجاح ثورة شبيبة تونس الوطنية،فقد تناقلت الانباء اخبار تحشد بضع الاف من الرعاع امام معبد يهودي وهي تطلق صرخات كريهة وتردد هتافات عنصرية شوفينية فاشستية يرفضها كل انسان سوي،هتافات ان دلت على شيء،فأنما تدل على ان اولئك الاوباش الفاشيون يريدون ان يلبسوا تونس الخضراء البهية الجميلة،الثوب الاسود القاتم الذي البسوه يوما قندهار،لقد ظن اولئك المنحرفون ان بأمكانهم ان يعيدوا في تونس عصر الجواري والحريم وملكات اليمين،نسى اولئك المشبعون بروح العداء للانسانية ان عصر الوصاية على ضمير الشعوب وفرض عقيدتهم على الغير بحد السيف قد ولى الى الابد،نسى اولئك النازيون ان تعالي امة على امة لا يصلح ان يكون سوى بالحب والخير والسلام،لانهم ببساطة شديدة جدا،لم يألفوا ان يمارسوا عقيدة الحب والسلام والشعور بشعور الاخاء الانساني بين خلق الله،ولكن السؤال الخطير جدا هو:ان المكون اليهودي في تونس هو بحدود الثلاثين الف نسمة،ولم يعرف عن هذا المكون وعلى مر التاريخ ان وقف يوما موقفا مسيئا لتونس الوطن،ولا يشكل وزنا يذكر في المعادلة السياسية التونسية،وخلال كل ايام اشتداد حمية الانتفاضة لم يشر اي من شعارات المنتفضين او فعلهم على ولو اشارة بسيطة الى هؤلاء القوم مطلقا،ترى ما الذي دفع بأولئك المارقين عن شرعة الانسانية الى الاتيان بما اتوه؟اين كانت القوات الامنية وهم يرددون شعاراتهم الكريهة تلك؟لماذا لم تتدخل تلك القوات وتفض المجتمعين قبل ان يتمادوا في غيهم ويهينون شريحة اجتماعية ربما تمتلك العمق التاريخي في تونس قبل ان يستعمرها اجداد اؤلئك الاوغاد؟جميعا نعرف ان لليهود في تونس مساهمات في كل مناحي الحياة،سواء الثقافية او الاجتماعية او الاقتصادية او غيرها،ما الذي قدمه اولئك الحاقدون على الانسانية لتونس او لغير تونس سوى فكر الكره والعنصرية والقتل والدمار والتخلف والجهل؟ترى هل يتفق فعلهم الشرير ذلك وما نادت به ثورة الشبيبة التونسية من قيم تدعوا الى الحب والجمال والخير؟من صاحب المصلحة الحقيقي في هكذا فعل قبيح لا ينسجم وما تربى عليه الانسان التونسي عموما؟اهي حلقة اخرى من حلقات محاولة اجهاض ثورة شبيبة تونس وشعبها اذن؟
ان القوى الوطنية الليبرالية الديمقراطية واليسار التونسي واليمين المعتدل مطالبة اليوم بتوحيد صفوفها والتعاون مع الجيش الذي اثبتت الاحداث وقوفه الى جانب قضايا المواطن التونسي،وأخذ المبادرة بأسرع ما يمكن من اجل اسقاط حكومة الغنوشي الى الابد،وحل البرلمان،وتشكيل حكومة انقاذ وطني مؤقتة،وتعديل كافة نصوص الدستور التي لا تنسجم ومصلحة الوطن العليا،وهذه مهمة ليست بالعسيرة،فالاحداث شهدت على نبل موقف نساء ورجال القانون في تونس من خلال وقفتهم الشجاعة الى جانب الشعب ونال البعض منهم لاجل وقفتهم المشرفة تلك الكثير من الاذى،وتفويت الفرصة على ورثة عرش ابن علي امثال الغنوشي وبطانته الذين يسعون الى تقوية مراكزهم كل ساعة،ومن اجل سد الطريق امام القوى الشريرة التي تستقل من اجل ان تعيد تونس الى عصر ما قبل الحضارة،خاصة ونحن نعرف ان لهذه القوى سمعتها المقبولة جدا عند المواطن التونسي.
#ياقو_بلو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شكرا لكم جميعا
-
هلوسات رجل مخمور يحرم الخمرة
-
حين يتحدث نرد الغجرية
-
رسالة الى امرأة أنكر إني أحبها
-
حكاية رجل يتعثر بظلال خطوه
-
هذه محنة شعب تونس،فمن يسانده؟
-
شهادة امرأة أدركت الموت قبل أن تدركها الحياة
-
رسالة حب الى روح الشهيد الى روح الشهيد محمد البو عزيزي
-
في ذكرى شهادة شميران
-
وقفة قصيرة عند بعض نصوص سورة البقرة - 3
-
وقفة قصيرة عند بعض نصوص سورة البقرة-2
-
وقفة قصيرة عند بعض نصوص سورة البقرة-1
-
على ذمة الرواة
-
اليوم غير كل الايام
-
في باطنايا الاشورية صوت اهلي للعراق وليس للدين والقومية
-
اليك في يومك سيدتي
-
اعطيت صوتي البارحة لسيدة عربية مسلمة
-
وإذا المسيحية النينوية* سألت:بأي ذنب تغلسون عاركم بدماء أبي
...
-
لتركع اصنام الذكور خاشعة امام نادين البدير
-
الانتخابات البرلمانية والحكم الذاتي والحركة الديمقراطية الاش
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|