أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - حين روى عطش توفيق عطشي















المزيد.....

حين روى عطش توفيق عطشي


زياد خداش

الحوار المتمدن-العدد: 982 - 2004 / 10 / 10 - 02:46
المحور: الادب والفن
    


تأملات في فلم لذيذ ومؤلم

لم اذهب الى سينما القصبة في رام الله لحضور فلم العطش لتوفيق ابو وائل مدفوعا برغبة مشاهدة فليم شهير حاز على جوائز عالمية ، فلم اعد اسقط كعادتي منذ زمن في مصيدة الا عجاب بالفليم الفائز بجوائز عالمية ، لمجرد كونه فاز بهذه الجوائز ، صار الموضوع معكوسا بالنسبة لي ، صرت اتعمد حضور افلام غير شهيرة ، بمعنى غير منظر لها وغير محتفى بها ، علني اثبت لنفسي نظرية دور موضوع الفلم و الاعلام والسياسة والمال ، في انجاح افلام معينة ، لم يثبت نضجها ، يقترب الموضوع من موضوعة اعجابنا وتلهفنا الكبير على اعمال ادباء حصلوا لتوهم على نوبل ، وكأن نوبل صارت بوصلة للرديء والجيد ، في حين نهمل هذه الاعمال قبل فوزها ،
هذه المرة اختلف الدافع ، ذهبت الى عطش وائل بدافع رؤية عمل مختلف قال عنه صديقي المبدع صبحي الزبيدي انه عمل خارج عن التصورات اليابسة ، ولاني اثق برؤية صبحي وابداعه وطريقته في التفكير ولاني اعرفه جيدا فهو ابن مخيمي ذهبت الى العطش باحثا عن الارتواء ، بعد ان مللت الزعيق والشعارات ، والاساليب نفسها في تصوير عذابنا وحصارنا ، ذهبت لنرانا من الداخل ، نحن الذين نخفي عارنا وقبحنا وتفاهاتنا ، نحن الذين نتحمل قسطا كبيرا من هزيمتنا القومية ، بسبب تخلف تفكيرنا ، وجبن روحنا ، لم نر جنودا في الفلم ، يركضون خلف اطفال ، لم نر هتافات وحجارة ، راينا الحجارة التي حطم بها الاب ماسورته ، رغبة في ان يقتله ابنه ، لم نر احتلالا ، راينا صراخ الزوجة على ابنتها الهاربة حطمتني هذه الصيحات ، وأسالت دمعي في ظلام القصبة ، تخيلت هذه المرأة العربية الفلاحة وكأنها تنادي على العدالة ، والقوة والجمال ، الغائبين في غياهب عفننا الداخلي ، لم نر انفسنا ، بنفس تلك الرؤي القديمة ، وزوايا النظر المكرورة ، راينا احتلال التخلف لجسمنا ودمنا وعظمنا ، وراينا كيف يعيق هذا التخلف مجرى حياتنا ويحولها الى هامش وجنون وعذاب وفقر روحي فظيع ، لم يقل عطش وائل ابو توفيق ما اراد قله بثرثرة او تحريض ، قاله بصور وملامح وجوه صامتة غالبا ،
قاله بذكاء وتقشف وايحاءات غاية في الجمال ، فحين قطع الاب اعناق الطيور امام ولده المرتبك ، قرانا في ملامح ولده الاستنكار الصامت والخوف المحبوس غير القادر على الافصاح عن نفسه ، زرقاوي الطيور هذا الاب المسكين ، يقطع رقاب الطيور ، بشجاعة كبيرة ودون ان يرمش له جفن ، في الوقت الذي لا يستطيع ان يواجه فيه كلام واشاعات سكان القرية التي هرب منها ، كان للمكان الذي جرى احداث الفليم فيه او عليه ، طاقة كبيرة ، على البوح و الكلام الصامت ، والافصاح عن واقع مرير انساني ، وعن هزيمة نهائية وسحق كامل ، الجبل فلسطيني مصادر بدا وكأنه استسلم للواقع وصار قانعا بالاتي المرعب وشاهدا صامتا على موت مستمر ، وكرامة مدفونة تماما مثل الاب المنكوب بفقدان ارضه وفقدان عقله وشجاعته ، وضميره ، كان يعكس بملامحه الخشنة والعدوانية المهزومة والتشوه الذهني والنفسي الداخلي المستفحل منذ زمن طويل عبر اجيال عديدة ضياع هذه الامة ، في متاهات امراضها وقيمها البلاستيكية . بين مقصلتين داميتين ، عاش الاب المجنون ، الضحية الجميلة والقبيحة مع عائلته التي لا حول ولا قوة لها ،، طيلة احداث الفلم ، الجنود من جهة والقرية من جهة ، لكنه كان يفضل ان يموت ويطرد مرة اخرى ، من جبله المصادر والمحرم عليه الى جبل اخر ، على ان يعود الى قريته ، التي تنتظره بسكاكين الفضيحة المجلجلة ، جنود الاحتلال لم يذلوا ا العائلة في حياة تشبه حياة الحيوانات كان لديهم قريه يعيشون فيها بكرامة ، صحيح انهم يعيشون حياة ذل بالمعنى القومي العام ، ولكن الاب اذل عائلته واذل نفسه بنفسه ، هربا من فضيحة ، وكلام ناس لا ينتهي ، حسنا فعل وائل حين ورط الاب والعائلة في مهنة تبدو وكأنها معادل موضوعي للذل والتشوه والعار والعذاب ، صناعة الفحم ، حيث النار المشتعلة دائما ، والوجوه الملوثة بالسواد ، والملابس المتسخة ، انه الذل والعار في اوضح صورهما ، اما الماسورة فكانت محاولة من الاب لرتق هذا العار بحديد محصن من التمزق ، وهو لم يعرف ان كلام القرية يهدر في جوف المسورة كما يهدر في اعماقه ، تماما ،
لا استطع ان اصدق ان الممثلين في الفلم ، هم ممثلون ، لا يمكن ان اصدق ذلك ، بالتاكيد هم ابطال الحكاية نفسها تجسس وائل عليهم دون ان يدروا ، بكاميراته الخفية ، التي زرعها سرا اثناء غياب مؤقت للعائلة ، زرعها في سطوح الغرف وتحت حجارة الجبل ، وفوق اغصان الشجر المجاور ، و وفي داخل اكوام الفحم المشتعل ،
لا ادري لماذا احسست اني اشاهد تقلصات وجه امي وحيرتها والمها المقهور ، حين كانت تتوسل للاب بان يفرح بناته قليلا على العيد ، او حين كانت تبكي وهي تحاول ان تدخل كأس ماء لابنتها المحبوسة ، الاب كان يجب ان يموت ، هو كان يعرف ذلك ، كان يعرف انه قاس جدا ومجنون وجبان ، اختار الاب ميتة جميلة ودافئة ، ميتة بسيطة وسريعة ، على يد ابنه الذي كان يحرس الماسورة ، عاقب الاب نفسه بموت عبثي وغريب ، وكأنه كان يقول ، ان اموت على يد ابني افضل ان اموت على يد قريتي ، لكنه لا يعرف في لاوعيه ان القرية بنهجها وقدمها ويباس روحها هي التي قتلته ، القرية التي يحمل هويتها ورائحتها ، والتي كان يمكن ان يكون احد مطلقي ومجرمي الاشاعات فيها لو حدثت الواقعة مع شخص اخر،
كلنا نحمل قرانا في داخلنا ، قرانا المجرمة والمسكينة ، المتورطة في ضيق الافق والذهن والروح ، وهي لا تدري ،
لم اخرج من الفليم مرتويا كما توقعت ، زاد عطش توفيق عطشي للتغيير ، ورفض القبح ، لكني ارتويت من عطش فني كان يأكلني كلما شاهدت فلما تقليديا ، يكرس الجفاف ، ويعمق الاكاذيب ،
عزيزي توفيق :
اريد ان ابوح لك بسر ، ارجوك لا تفشيه احد ، لقد صادفت جميلة الهاربة مختبئة في زقاق مخيمي مساء هذا اليوم اثناء عودتي الى البيت ، كانت حزينة جدا وخائفة ، وحين سالتها الن تعودي الى البيت ؟؟، فالدنيا برد هذا المساء فالعائلة بانتظارك وامك خائفة عليك ، اجابتني مصعوقة : من انت ؟ من انت ؟؟ لم استطع ان اجيبها ، فهربت من امامها مبتعدا وضائعا في ليل رام الله القتيل ، هي لا تعرف بموضوع الكاميرات السرية ، لا تعرف ، وانا لم ارد ان افشي سرك ،
توفيق :

كم احبك ، كم احبك ايها الفلسطيني الجميل ،
لانك تجسست بامانة وصدق ووفاء على فضائحنا ، كشفت مستورنا ، وأريتنا بشاعتنا ، كم نحن بحاجة للتحديق في مرايا داخلنا ، علنا نخجل ، قليلا ، فقط لو نخجل قليلا ، لا اكثر ولا اقل ،



#زياد_خداش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة المراة في منهاج اللغة العربية للصف الثامن في فلسطين
- الشعر في غزة ، الموت في غزة
- دوائر اختي الناقصة
- ملامح جديدة في صورة المراة العربية
- قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل
- نساء فلسطينيات مكللات بالتعب والبياض
- في مديح المراة الطفلة


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - حين روى عطش توفيق عطشي