جلال نعيم
الحوار المتمدن-العدد: 981 - 2004 / 10 / 9 - 15:07
المحور:
الادب والفن
الى كريم جثير ..
إنبلج الفجر . وارتفعت في سماء تشرين برتقالة الصباح مرسلة أشعتها على المدينة المستسلمة لنومها اللذيذ . كان الهدوء يفرض سلطة برقة منعشة على الأزقة الضيقة والندى يتسلل بأنامله الرقيقة ليرطب زوايا النوافذ التي شرعت تنفث رائحة مُسكرة .
كأن هدوء ما قبل الخليقة يغمر الزقاق الضيق عندما هبّ دوي عنيف مجلجل، نبع من طرق ناقوس صدىء رافقه صراخ بدا غير مألوف في مثل هذه الساعة من الصباح ، فترامى في الأرجاء الصدى :
" غاز .. غاز .. غاز .. "
نداء رددته الجدران والشبابيك والأبواب المغلقة .
" غاز .."
إخترق النداء المشؤوم نافذة نائب عريف باسم المٌطلة على الشارع ففزّ من نومه
هلعاً وقبل أن يفتح عينيه ودون وعي منه هرول الى الجدار المواجه لسريره . لامس نقطة تعرفها أصابعه بدقّة . بحث عن قناع الوقاية وعندما لم يجده تملّكته الحير لوهلة . كان متأكداً من إنه قد وضعه هنا في هذه النقطة من جدار الملجأ بالضبط .
فتح عينيه باتساعهما فخفت نداء الرعب الذي كان يهتف في أعماقه :
" غاز .. غاز "
أطلّت امه برأسها من الباب الموارب وما أن رأته ذاهلاً حتى هرعت اليه :
" إسم الله وليدي .. إسم الله .. أهو الكابوس مرّة أخرى ؟ "
أجابها وكأنّه يحدثُ نفسه : لا .. لا .. لاشيء يا أمي .
شعر في البدء بالغضب يهصر أعماقه ثم أخذ الهدوء يتسلل اليه شيئاً فشيئاً ..
عاد الى فراشه الذي لم يفارقه دفئه وأزاح ستارة النافذة الى جانب سريره فرأى أهالي الحيّ الذين خرجوا بملابسهم البيتيّة الملونة وهم يدحرجون الاسطوانات الهادرة على حصى الإسفلت . تداخلت في رأسه ذكريات وأشكال عديدة ومتناقضة وبدلاً من أن يبكي ضحك طويلاً وما أن جاءت أمه وطلبت منه استبدال اسطوانات الغاز حتى انفجر في وجهها هادراً ضاحكاً بهستيريا صاخبة لا حدود لها .
#جلال_نعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟