|
إياكم أن يضحكوا عليكم: لا لرشوة المواطن العربي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3282 - 2011 / 2 / 19 - 10:40
المحور:
كتابات ساخرة
النظام الرسمي العربي يلجأ علناً للرشوة "العينية"، وممارستها على الشعوب لضمان سكوتها واحتواء حدة الغضب وتخفيض درجة السخط المرتفعة ضده، فهو لا يجيد سوى الفساد وأدواته كالرشوة وغيرها للتعاطي مع أية قضية طارئة أو ناشبة، وفي الحقيقة هو لا يملك غير ذلك..
فأنظمة القهر والفساد والقمع والاستبداد المزمن التي وصل بعضها إلى نهاياته للطبيعية إلى المأزق والطريق المسدود، وبعضها الآخر إلى شفير الهاوية حيث سقطت، وكان السقوط مريعاً ومذهلاً ومدوياً، ومنها من لا زال ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، هذه الأنظمة أشاعت كل أنواع الفواحش في المجتمعات، ومنها الرشوة بين الناس، ونظراً لافتقارها لأية برامج إصلاحية أو عملية حقيقية يمكن أن تدفع بإنسان المنطقة قدماً في سلالم التمدن والتحضر والازدهار والتنمية، تلجأ اليوم إلى بعض عمليات الترقيع كالرشوة، واستعطاف، المواطن العربي الذي بات يرفض أي تعامل معها، أو مجرد الاعتراف بها، ف محاولة للانحناء ريثما تمر عاصفة البوعزيزي الجارفة، وتماماً كما يفعل الموظفون الفاسدون المرتشون، في الدوائر والمصالح الحكومية العربية، التعامل وتسيير معاملات الناس من دون الحصول على رشوة من المواطن المسكين و"المعتر".
واستغرب كثير من المراقبين للشأن العام في المنطقة، وقابلوا بذهول ظاهر تراجع النظام الرسمي العربي المتجبر المتغطرس المتوحد بقضه وقضيضه ضد إنسان المنطقة أمام حدة الغضب والسخط الذي انفجر بشكل حتمي على الطريقة التونسية والمصرية جراء عقود طويلة من التراكم الكمي، نقول يستغربون هذا الكرم "الحاتمي الطائي" الذي هبط فجأة على النظام الرسمي العربي الذي كان يجلد ظهور ورقاب مواطنيه بالضرائب القراقوشية الباهظة والأسعار اللاهبة والرسوم التي تصل حد التشليح التي أنزل الله ببعضها سلطان، ولم ينزل بغيرها أي سلطان، وكان يسومهم كل صنوف التنكيل والقهر والعذاب والتقتير والتجويع والحرمان.
يعني السؤال الكبير، لماذا لم تجر هذه الرشاوي قبل اشتعال الشارع العربي؟ ولماذا لم تأتي قبل الانفجار الكبير؟ وماذا كان يفعل المستشارون وخبراء الاقتصاد والمخططون المدمرون قبل هذا الوقت؟ ألم يقودوا بأنفسهم وعجرفتهم وصلفهم وحماقتهم وازدرائهم لأبناء أوطانهم الشعوب والبلاد إلى هذه الكوارث الجماعية المؤلمة الكارثية المدمرة؟ ألا تجب محاكمتهم والتصدي لهم قبل التصدي للثائرين والمحتجين في الشوارع؟ ألم يكن النظام الرسمي العربي، الذي لا تفوته شاردة ولا واردة، يعلم بواقع ووضع وحقيقة الإنسان المنكوب والمجلود والمنهوب، ما يضع عشرات علامات الاستفهام حول أخلاقية هذه الإجراءات، التي كانت ستستمر بالطبع لولا "بركات" البوعزيزي وانفجار الشارع العربي؟
ويلاحظ أن رشوة النظام الرسمي العربي لمواطنية انقسمت بين رشوة عينية عبارة عن عطاءات وفتات مادية بسيطة وتافهة توزع عادة، وفي الأحوال العادية، على اللاجئين وضحايا الزلازل الطبيعية وغير السياسية، والمنكوبين من الفيضانات والمجاعات والحروب، كتوزيع البطانيات وزجاجات المياه على المشردين والمهجرين، وبضعة دراهم (على سبيل المثال لا الحصر، وزّع ملك ما يسمى بمملكة البحرين 1000دينار كرشوة عينية لكل عائلة بحرية، وكذلك الأمر بالنسبة لأمير ما يسمى بالكويت الذي دفع هو الآخر 1000 دينار كويتي وكوبونات مواد غذائية على مواطنيه، وقامت الجزائر بحزمة عريضة من تخفيض لأسعار السلع الغذائية، أو غير ذلك من الرشاوي التي وزعت على المواطن "الكريم" هنا وهناك)، وكذلك الأمر في الأردن حيث تم تحفيض بعض أسعار المواد الغذائية وزيادة الرواتب بتات، ورفعت بعض الضرائب الكاوية التي كانت تجلد ظهر المواطن وتقصمه. فيما تجلت الرشاوي غير العينية والمعنوية ببعض التنازلات والاعترافات والتراجعات كما فعل بن علي حين قال فهمتكم وتنازل بعد أن فات الأوان، وحزمة التراجعات والتنازلات التي قدمها مبارك في آخر أيامه كتعيين نائب له، ورفض التوريث لابنه جمال، والتخلي عن الحكم في نهاية ولايته هذه التي تنتهي في سبتمبر أيلول 2011، لكنها جميعها قوبلت برفض مطلق من الثوار المحتشدين بميدان التحرير، وكذلك الأمر بالمسبة للتعهدات العلنية التي أطلقها شاويش اليمن "الحزين هذه الأيام"، بشأن التنحي في نهاية حكمه وإعلانه أنه سئم السلطة، وما أخاله صادقاً، لا وأيم الحق الذي فيه يمترون، لأنه لولا انفجار الشعب اليمني، بهذا الشكل الساخط العنيف احتجاجاً على ممارسات الشاويش، لما سمعناه يتفوه بتلك الرطانة التي يعجز عنها فولتير ذات نفسه"، وآخر رشوة اليوم، هي تسول مسؤول بحريني من مواطنيه الهدوء مقابل تراجعات من قبل النظام.
الرشوة عمل غير قانوني، ولا شرعي، وهي أولاً وأخيراً ممارسة غير أخلاقية، ولا تليق بالمواطن الشهم التعامل بها، أو قبول رشاوي بخسة في الزمن الضائع، ونعتقد جازمين، أن المواطن العربي الذي وصلت به الأمور إلى درجة الغليان والانفجار، ما زال يمتلك الكثير من الرصيد من الكرامة والشرف والعفة، كي لا يقبل هذه الرشاوى التافهة والمضحكة التي أتت متأخرة جداً، والتي هي، بالمحصلة والتقييم النهائي، ليست كرم أخلاق، أو طيبة قلب، بقدر ما محاولة مفضوحة وبائسة، بؤس ذات النظام الرسمي العربي، للتنفيس والالتفاف على حقوقه الوطنية المشروعة والأساسية ومطالبه في العيش في أوطان تسودها قيم العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروات الوطنية. وإننا نربأ بالمواطن العربي قبول مثل هذه الرشاوي والتخلي عن قضاياه الوطنية في الحرية والعيش الكريم والازدهار.
إياكم أن يضحكوا عليكم ,لا لرشوة المواطن العربي
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل جاء دور العقيد الليبي؟
-
لن تحميكم أمريكا ولا إسرائيل، ولا ملياراتكم، بل حب شعوبكم
-
باي باي: في رثاء معسكر الاعتدال العربي
-
هل تكفّر الجيوش العربية عن تاريخها القديم؟
-
طوبى للأغبياء: الغباء يصنع المعجزات
-
هل تتحرر مصر من حقبة مبارك الوهابية ؟
-
تنحوا، طال عمركم، قبل أن تُنحوا، فذلكم خير لكم لعلكم تفلحون!
...
-
اقبضوا فوراً على فيصل القاسم مفجر الثورات والشوارع!!!
-
سَيُصْلى ثورة ذات غضب
-
ما أغنى عنه ماله وما كسب
-
وامرأته حمّالة الذهب
-
أطعموا شعوبكم كي تحبكم ولا تثور عليكم
-
لا تفرحوا كثيراً في مصر فالإخوان قادمون
-
هل فجّر مبارك خط الغاز الذاهب لإسرائيل؟
-
زمن المهمشين: لا صوت يعلو على صوت الصامتين
-
يا شماتة إيران فيكم!!!
-
ماذا بعد انهيار معسكر الاعتدال لعربي؟
-
مبارك: ومكافأة نهاية الخدمة، دروس أصدقاء واشنطون القاسية
-
هل دخل العرب التاريخ أخيراً؟
-
لماذا لا تلغى وزارات الداخلية أو القمع العربية؟
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|