|
طوبى للأغبياء: الغباء يصنع المعجزات
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 11:07
المحور:
كتابات ساخرة
ما جرى في مصر المحروسة من كنس لواحد من أكبر طغاة ورموز التسلط السوداء فرعون مصر الأكبر الرئيس "المؤمن" محمد حسني مبارك بالمعجزة، وما حصل كان أشبه بالحلم الجميل الذي يحلم به كل عشاق الحرية الرومانسيين، ومناصري الشعوب والمضطهدين في العالم، ولكنا سنفاجئ جميعاً أن الغباء، وحده، التي تتمتع به المنظومة الاستبدادية العربية، هي من باتت تصنع المعجزات، ما دام الله "تبارك وتعالى" قد حرمها، وكل الحمد والشكر، نعمة الذكاء.
وبغض النظر دائماً عن البطولات والدور العظيم الذي قام به المدونون والمدونات الشباب، ولشبكات التواصل والإعلام الاجتماعي الـSocial Media التي باتت سلاح الرعب النووي الذي يهدد ويعري ويفضح أنظمة الفساد والاستبداد والطغاة وزبانيتهم الكبار ويسرق منهم، ورغما عن كبريائهم الزائف، احتكارهم المزمن للكلمة والمعلومة والرأي، ومع رفع القبعة لشجاعة الجيش المصري الباسل وموقفه المشرف بالبقاء على الحياد وعدم التعرض بسوء للمتظاهرين وهذه وقفة تاريخية تحسب له، وهذا واحد، أيضاً، من عوامل نجاح الثورة، ناهيك عن بلوغ الأمور في مصر نقطة الانعطاف الحتمي، واللا عودة، حسب قوانين الفيزياء الطبيعية والسياسية التي لا تجامل أحداً، حين ستفضي عملية التراكم المادي، ولا بد، إلى تغيير نوعي حتمي، وكلها قوانين ونواميس طبيعية وفيزيائية لا يأبه لها الطغاة الجهلة، ولا يفهمونها، وهذه نعمة كبيرة، لأنها ستشكل في النهاية أسباباً لخروجهم المهين والمذل، نقول بالإضافة إلى كل ذلك، فإن فضلاً كبيراً في نجاح هذه الثورة المباركة يعود إلى الرئيس حسني مبارك نفسه، ما غيره نعم، ومن هنا يجب على قيادة الثورة توجيه رسالة شكر له لأنه كان واحداً من جملة أسباب هامة ساهمت في نجاحها. فإن غباء الرجل، وتناحته، وجهله بقوانين الفيزياء السياسية، وإصراره على التشبث في مواقف أكل عليها الدهر وشرب، وإيقاف عجلة الزمن السائرة بزخم هائل نحو الأمام، ومن دون أن يعي طبيعة التطورات الحاصلة والانقلابات الجوهرية والجذرية العميقة في صلب الحياة البشرية، كلها عوامل أفضت لسقوطه المدوي والمريع، ولو لم يتمتع الرجل بهذا الغباء "المبارك"، والجهل المحمود، والتناحة غير المعهودة، لأكمل ربما سنوات عمره الباقية، جاثماً، كما عهده على صدور ورقاب الشعب المصري. وأن الغباء والجهل والإصرار على السير بعكس حركة التاريخ وبالضد من منطق وسيرورة الأشياء وطبائعها الفطرية، هي "النعمة" الكبيرة التي وضعتها الطبيعة في الرجل لتصنع منه عبرة ومعجزة للتاريخ، وكانت السبب ليس في عدم بقائه في سدة الحكم وخروجه مكرماً معززاً ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وحسب، بل في كنسه مدحوراً من قلب قصر العروبة في القاهرة، ذليلاً محسوراً مغلولاً مذموماً.
وكان للغرور والنرجسية وغطرسة القوة والنشوة الذاتية الزائفة والمخاتلة والمخادعة كانت قد دفعت كثيرين قبله إلى ذات المصير الأسود المهين. ولنا في بطل الحفر الجرذونية أكبر مثال على ذلك حين ضخم له الإعلام الزائف صورته على نحو مرضي فاقع فأوقعه في وهم القوة وجنون العظمة وتضخم الأنانية، وكل تلك الصفات السيئة من الحقد والغل والكراهية والاستعلاء التي تمتع بها الرجل، وكل الحمد والشكر لله، وفوق ذلك كله استحواذه على مواهب فريدة ونادرة في غباء مستفحل، وجهل مطبق بنواميس الحياة وقوانينها الثابتة والمقدسة، كله أفضى إلى خلاص الشعب العراقي منه، على ذلك النحو المهيمن حين صعد على منصة الإعدام ليواجه الشنق على يد شرذمة مهووسة هي، الأخرى، بالطبع أغبى منه بكثير. وذات الأمر ينطبق على زين "الشباب" بن علي فغباء الرجل الشديد هو من صنع المعجزة التونسية.
لقد أعطى هؤلاء الأغبياء كل المبررات لنجاح ثورات الشباب، وكسب التعاطف الدولي الساحق الماحق الكاسح معها، وحيث لم يترك الأغبياء، ولا ميزة أو حسنة، أو شيئاً طيباً لآخرتهم وللناس كي تذكرهم من خلالها، أو تترحم عليهم، وصار رحيلهم مطلياً وحلماً للبشرية جمعاء التي دنسوها وأساؤوا لصورتها بأفعالهم الدنيئة والقميئة.
وكما كان الغباء، وليس العبقرية والذكاء، هو الآخر عاملاً هاماً في تحولات بنيوية وجذرية عميقة عبر التاريخ القريب والبعيد قلبته رأساً على عقب ولاسيما استبداد الطغاة عبر التاريخ الذي فجر قرائح الثوار كما غضبهم، وأثار سخط الناس واستفز مخيلات الشعراء والكتاب والمتمردين للتحريض على كنس رموز البغي الطغيان وتخليص الناس من شرورهم وآثامهم. فقد كان سقوط هتلر إمبراطور أوروبا، وزعيمها الأوحد ذات يوم، هو بسبب غبائه وتناحته وإصراره على غزو روسيا وممارسة أبشع أساليب وصنوف الاضطهاد والقمع والدكتاتورية ما وسع دائرة أعدائه إلى الحد الذي بات فيه سقوطه تحصيل حاصل وأمر شبه محسوم، ولم يكن الأمر فقط بسبب عبقرية قوات التحالف وذكائها وخططها العسكرية. ويحفل التاريخ بعشرات وربما مئات وآلاف الأمثلة عن الغباء الذي قاد أصحابه إلى حتفهم الأكيد، ونهايتهم المأساوية المدوية.
فضيلة الغباء المطلق لمبارك ونظامه وحاشيته وزباينته واستهتارهم بقوانين الفيزياء السياسية التي تقول إحداها إن حبات المطر القليلة هي التي صنعت المحيط العظيم، كانت نعمة من السماء بيد الثوار ومحفزاً لهم ولو تمتع الرجل، ولا سمح الله وقدر، بأدنى قدر من الذكاء والعبقرية والمؤهلات الإيجابية الأخرى لما كتب لهذه الثورة أي نجاح، نعم إن غباءه هو صانع لهذه المعجزة في زمن عزت وندرت فيه المعجزات. وانتظروا المزيد من المعجزات على يد المزيد من الأغبياء.
نعم، وفي القراءة الجانبية والمغايرة للحدث، ومن وجه آخر، فالغباء، وليست العبقرية، أحياناً، هو أحد محركي، ومن صناع التاريخ الكبار وتساهم إلى حد كبير في صنع المعجزات، وطالما هناك أغبياء، فلا تجزعوا، ولا تحزنوا، ولا تيأسوا، وكل شيء "محلول" والحلم باق وموجود والغباء، كما النار والفساد، يأكل نفسه وأصحابه، ويرمي بهم بألف داهية.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تتحرر مصر من حقبة مبارك الوهابية ؟
-
تنحوا، طال عمركم، قبل أن تُنحوا، فذلكم خير لكم لعلكم تفلحون!
...
-
اقبضوا فوراً على فيصل القاسم مفجر الثورات والشوارع!!!
-
سَيُصْلى ثورة ذات غضب
-
ما أغنى عنه ماله وما كسب
-
وامرأته حمّالة الذهب
-
أطعموا شعوبكم كي تحبكم ولا تثور عليكم
-
لا تفرحوا كثيراً في مصر فالإخوان قادمون
-
هل فجّر مبارك خط الغاز الذاهب لإسرائيل؟
-
زمن المهمشين: لا صوت يعلو على صوت الصامتين
-
يا شماتة إيران فيكم!!!
-
ماذا بعد انهيار معسكر الاعتدال لعربي؟
-
مبارك: ومكافأة نهاية الخدمة، دروس أصدقاء واشنطون القاسية
-
هل دخل العرب التاريخ أخيراً؟
-
لماذا لا تلغى وزارات الداخلية أو القمع العربية؟
-
هل سقط شعار جوّع كلبك يتبعك؟
-
زلازل المنطقة السياسية: هل يستفيد العرب من زلزال تونس؟
-
لماذا لا يرزق الله فقراء العرب والإسلام؟
-
إلى شيوخ الإسلام: هل إحراق النفس حرام؟
-
اللهم شماتة: خروج جماعي لفرق الساجدين من كأس آسيا
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|