سُلاف رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 08:59
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
( إلى روح والدي الشهيد)
انتهيتُ هذا اليوم من آخر ِ درس ٍ لي في الكلية التي أتعلم فيها علوم الإحصاء، حملت (الليفكس) المثقل بملزمات الدراسة متعامدا ً على الجهة اليمنى من صدري، وخرجت من الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية، الجو في بغداد لا يساعد على السير طويلا بسبب الرذاذ الخفيف النازل من سماء بلا لون، كانت الوجوه التي التقيت بها بلا ملامح، حاولتُ أن أستوقف أكثر من سيارة أجرة فلم أفلح، فقد كانت جميع السيارات تمر مسرعة، ربما هي فارغة ولكنها لم تتوقف، عند التقاطع الرئيسي للشارع والذي يتفرع إلى الجهات الأربع، قطعته بشكل عمودي، ولم أتجه إلى جهة اليمين نحو ساحة بيروت، حيث يقع بيتنا، فقد قررت منذ ليلة البارحة، والتي كانت بتاريخ 13 شباط أن أقوم بزيارة لمقبرة (محمد السكران)، بعد أن سمعت قبل أربعة أيام، من أن جميع من أعدمهم النظام قد دفنوا هناك، ولكنهم مثلما قالوا، بدون شاهدة أو دالة، واصلت السير على أمل أن أحصل على سيارة توصلني إلى حيث هذه المقبرة، والتي هي مقبرة عظيمة في نظري، لأنها تضم رفات أبي ورفاقه الشهداء، لهذا قررت أن لم أحصل على واسطة للنقل، سوف أمضي مشيا ً على الأقدام، وعلى حين غفلة توقفت ْ بالقرب مني سيارة ُ كان في داخلها العديد من النساء والشيوخ والأطفال، سألني السائق عن وجهتي؟؟ فقلت له أنا ذاهبة إلى مقبرة (محمد السكران)، فقال نحن أيضا ذاهبون إلى هناك ويمكنك المجيء معنا أن رغبتي بذلك، جلست على مقعد فارغ ٍ في السيارة، كان الحزن هو العلامة المشتركة بين وجوه الراكبين، بعد وقت لم يتجاوز رمشة عين، وجدت نفسي في مقبرة واسعة، تضم قبورا ً لا يمكن إحصاؤها، كما شاهدت حشدا ً كبيرا من الناس منتشرين بين القبور، تساءلت في داخلي، هل كل هؤلاء هم من الشهداء؟ فجأة لمحت وجه أبي، فركضت إليه مسرعة ورميت نفسي بين ذراعيه مثلما كنت أفعل ذلك يوم كنت طفلة، ولكنني في هذه المرة، إضافة للقبل التي طرزت بها وجهه، بللت قميصه بدموعي، وسألته عن قبره أين يقع؟ أشار إلى مكان ليس عليه أية ِ شاهدة ٍ، جلست عند المكان الذي أشار عليه، وضعت (الليفكس) على تراب القبر، رسمت علامة الصليب عند موضع القبر، فقبلني والدي في مفرق شعري، وضمني إلى صدره مثلما كان يفعل حين كان يغادرنا ليوم أو يومين، سألته هل حقا هذا قبرك يا أبي؟، أبتسم ولم ينبس ببنت شفة ٍ، غير أنه نزع سترته ذات اللون الرمادي ووضعها على كتفي، ثم غادرني لا أعرف إلى أين، ولكنني شعرت بالبرد يتسلل إلى نخاع عظامي بعد مغادرته، وليس هناك من شيء يحيط بي سوى هذه الغربة التي تدثرّني بصقيعها، وأحلام لا تفارق روحي، مادمت لا أعرف أين قبر والدي.
#سُلاف_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟