|
هل تتحرر مصر من حقبة مبارك الوهابية ؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13 - 10:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كان الملك الوهابي الهرم العليل واحداً من قلائل، ونادرين جداً، من زعماء العالم، ممن أرسلوا برقيات دعم وتأييد، ووقفوا مع مبارك وهو يصارع البقاء أمام موجات الغضب الكاسح التي اجتاحت الشارع المصري ضد هذا الرمز الدموي البوليسي الفاشي الذي حكم مصر بيد من حديد ونار. فهؤلاء يأبون حتى وهم على وشك مغادرة هذه الحياة الفانية إلا ارتكاب المزيد من الموبقات وإضافة الجديد من الرزايا والخطايا إلى سجلهم الأسود المشين في العداء للشعوب وللحرية وتطلعاتها المشروعة ويأبون إلا تكريس الصور السوداء التي ارتسمت عنهم في أذهان الناس. وكانت تقارير قد أشارت، أيضاً، أن الملك الوهابي طلب من الرئيس أوباما عدم إذلال مبارك ونظامه، وأعلن عن استعداده لتقديم مليار دولار سنوياً لمصر، كمساعدة بديلة، في حال توقف المساعدة الأمريكية لمصر إن ما استمر مبارك بتعنته ورفضه التنحي والامتثال للرغبة الشعبية بعزله، كما هددت واشنطن.
وفي الحقيقة كانت العلاقات المصرية السعودية "سمناً على عسل" بين قطبي محور ما يسمى الاعتدال العربي، وكانت هذه العلاقة القوية سبباً في كل السياسات الفاجرة التي طالت شعوب المنطقة وفرملت تطلعاتها وحدت إلى حد كبير من تحررها وتقدمها. وقد غذت المهلكة الوهابية وعبر ضخ مليارات الدولارات هذا التوجه في إحكام قبضتها على مفاصل الثقافة والإعلام والتدريس في سبيل ضخ الفكر الوهابي والظلامي وإشاعة العقلية الصحراوية القاحلة في مصر لإبقاء شعبها في حال من التخلف والبؤس والاستكانة والاستسلام ورفض الحداثة وقيم العصر والتنوير وهي الركائز الإيديولوجية الغيبية والأهداف الكبرى التي يقوم عليها النظام الوهابي نفسه في السعودية ويعمل على نشرها وتعميمها في عموم الإقليم. لكن، وعلى ما يبدو، هذه الوصفة الوهابية لم ولن تنفع مع الشعوب العظيمة والحية، الشعوب التي كانت على مر التاريخ مصدراً للحضارات وصانعة لها، فانتفضت وثارت على هذا الواقع المتخلف ولم تفلح أطنان التخدير والبث الإعلامي المشبوه في تنويم وتخدير المصريين ومنعهم من اللحاق بركب الشعوب المتحضرة والثائرة والتي تنتفض لكراماتها وتريد اللحاق بالعصر والحداثة والتمدن ومنافسة شعوب العالم في الإبداع الحضاري، مصدرة حكم الموت والإعدام، على الوصفة السعودية التي تجاوزها الزمن وصارت في حكم الزمن، في ظل أنباء عن تململ واسع، وحالات تمرد، وتحرك شعبي في السعودية نفسها ضد الفكر الظلامي والغيبي والممارسات الحجرية التي يحاول النظام الوهابي فرضه في مصر. وكان نظام مبارك الدموي البوليسي المتخلف، هو الآخر، قد فتح الباب على مصراعيه، أو بحري كما يقول المصريون، للتيارات الماضوية وللوهابية القروسطية المتحجرة كي تتغلغل في كل مفاصل الدولة المصرية، وصارت مصر المحروسة ملعباص ومرتعاً ومكان إقامة لأمراء الوهابية ومنطلقاً لنشاطهم وطريقة حياتهم وسلوكياتهم الفظة التي تتناقض بالكل مع طبيعة عيش المصريين البسيطة والطيبة والمتسامحة.وفي نفس الوقت، ودار حول تلك الشخصيات الكثير من الفضائح وقصص الرذيلة والفساد تمارسها علناً أمام سلطات وأمن مبارك بتحد لكرامة ومشاعر المصريين البسطاء وشرفائهم. كما كان هناك عشرات الانتهاكات لكرامة أطباء ومدرسين ومهندسي واعتداءات جنسية على أطفال مصريين في السعودية، وقف النظام المتواطئ مع الوهابيين منها، موقف المتفرج، كي لا تتأثر تلك العلاقة والحلف المقدس بين الطرفين، ولو على حساب كرامة أبناء الشعب المصري، والذين هم وأمنهم وكرامتهم وحياتهم وكل شؤون حياتهم مسؤولية مباشرة للنظام المصري، الذي لم يقف مع أي من أبناء شعبه جراء انتهاكات السعوديين وإذلالهم للمواطنين المصريين العاملين في السعودية، والذين يخضعون لقوانين عنصرية وتمييزية، كانت حكومة نظام مبارك المخلوع، تقف أمامها مكتوفة اليدين، راضية على ما يبدو بما يقوم به السعوديون ضد أبناء شعبه، ولم لا وهم يستكملون نفس المهمة التي يقم هو بها في إذلال وقهر المصريين داخلاً وخارجاً، فالمواطن المصري الذي يفلح في الإفلات من قبضة هذا النظام الإذلالي البوليسي الأمني يجب أن يخضع لنظام وممارسات أشد قهراً وظلماً وعنصرية وامتهاناً لكرامته وهذا ما تفعله بشكل عام دول الخليج، وبتواطؤ مع أنظمة المنطقة، مع كافة العاملين والمقيمين العرب فيها، ولسان حال الأنظمة يقول لهؤلاء المواطنين الفارين " اخرجوا من تحت دلفنا إلى تحت مزرابهم في الخليج"، فالذل والقهر والعبودية وراكم وراكم، ولا تفرحوا كثيراً"، والدليل عدم قيام هذه الأنظمة بمعاملة الخليجيين بمبدأ المعاملة بالمثل لأنها تريد، ضمناً، وفعلاً، استمرار إذلال ومعاقبة مواطنيها واستهداف كرامتهم واسترقاقهم أينما كانوا وعدم إشعارهم البتة بأية قيمة أو اعتبار إنساني لهم، ولكل الذين أفلحوا في الخروج من تحت بساطيرها وسياسات تجويعها وإفقارها ولا لا تراها تحرك ساكناً لانتهاك كرامة أي مواطن من مواطنيها أينما كان كما تفعل بعض الدول التي تحترم مواطنيها حين يتعرض لأية مضايقات في بلد آخر يقيم أي هاجر إليه من يتجرأ مثلاً على أذية مواطن أمريكي أو بريطاني أو حتى فيليبيني في الخليج بينما المواطن العربي مستباح وهان لا أحد يثأر أو ينتفض له. ولو كانت أنظمة تحترم مواطنيها، وحريصة على كرامتهم، فعلاً، لعاملت أنظمة وحكومات وموطني الخليج معاملة المثل، وهذه أبسط أدبيات ومبادئ التعامل الدبلوماسي ومن النادر أن نرى دولاً في العالم تتآمر وتصمت على انتهاكات جماعية وإذلالية لمواطنيها في الخارج وعلى يد حكومات بعينها وتقف صامتة من دون أن تأتي بأية حركة في واحدة من غرائب وعجائب وسوابق التعامل البيني والعلاقات الثنائية بين الدول.
وكانت قد انتشرت في مصر المحروسة، وأم الدنيا، مظاهر التدروش، والنقاب، والدشاديش، والتدين الطقوسي، والتشدد الصحراوي المغلق وتبني الفكر والسلوك المتحجر، وعلى الطريقة الوهابية، المتشددة، والمتطرفة، مع ضخ هائل من التحريض على الآخر المختلف، ما أفضى إلى شرخ عميق على صعيد الوحدة الوطنية لم تبلغ ذروتها إلا في حقبة مبارك حيث صارت مصر بلداً ينتج ويصدر الفكر المتطرف والخطاب التكفيري سداحاً مداحاً، وبلا رقيب أو حسيب، ولعلنا نتذكر جداً الحوادث والعلامات الفارقة، في السلوك التكفيري، في اغتيال فرج فودة، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، ومحاولة تطليق، ونفي المفكر التنوير نصر حامد أبو زيد، وتهجيره من بلده مصر على مرأى ومسمع الرئيس "المؤمن" محمد حسني اللامبارك. ناهيك عن تفريخ مئات المشعوذين والسحرة وتجار الدين الذي يسرحون ويمرحون في الفضائيات ينشرون فكر التطرف والكراهية في عموم دول الإقليم، وتحول عرب سات الذي تملكه مصر إلى بؤرة لتصدير التكفير عبر السماح لعشرات الفضائيات النكفيرية بالبث والعمل فيه، وكله ببركات الرئيس المبارك. ها هي مصر تنتفض ضد نظام مبارك الحليف الأقوى للنظام الوهابي السعودي في رمزية ذات دلالة بالغة على رفض لكل ممارسات مبارك وتراثه وإرثه، بما فيه صداقته للسعوديين، التي لم تجلب لمصر سوى الاستكانة والخنوع والفقر والمجاعات الجماعية جراء، وعلى المبدأ القرآني، "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون"، النمل33،34) ، ناهيك عن رهن مصر وقرارها واستقلالها الوطني وبكل مقدراتها واستسلامها للمد الوهابي الغيبي الظلامي والتأثير السعودي، وقتل الروح الوطنية المصرية بكل عمقها وإرثها الحضاري وتفريغها من مضخمونها لصالح تمثل وتبني وإظهار النمط الصحراوي المتحجر، إذ كانت السعودية حاضرة دائماً في خلفية المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي المصري، وبدا أن مصر العظيمة، مصر الحضارة وعملاق التاريخ مجرد ملحق بالسياسة الخارجية للسعودية وحامل أختام لها، وبرز أبو الغيظ مؤخراً كمهرج دبلوماسي ورمز لانحطاط ورثاثة وتابعية هذه السياسة التي تدور في الفلك السعودي وتعمل بتوقيت مكة المكرمة ووفقاً لأجندة ورغبة ومصالح السعودية وليس لمصالح مصر وشعبها الطيب الأبي، وكل ذلك بتسهيل ومباركة وتواطؤ من نظام مبارك الماضوي الظلامي البوليسي الدموي. فهل ستعود مصر ، ثانية، واحة للتنوير والمد الحداثي بعد هذا النفق المباركي الطويل المرير؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنحوا، طال عمركم، قبل أن تُنحوا، فذلكم خير لكم لعلكم تفلحون!
...
-
اقبضوا فوراً على فيصل القاسم مفجر الثورات والشوارع!!!
-
سَيُصْلى ثورة ذات غضب
-
ما أغنى عنه ماله وما كسب
-
وامرأته حمّالة الذهب
-
أطعموا شعوبكم كي تحبكم ولا تثور عليكم
-
لا تفرحوا كثيراً في مصر فالإخوان قادمون
-
هل فجّر مبارك خط الغاز الذاهب لإسرائيل؟
-
زمن المهمشين: لا صوت يعلو على صوت الصامتين
-
يا شماتة إيران فيكم!!!
-
ماذا بعد انهيار معسكر الاعتدال لعربي؟
-
مبارك: ومكافأة نهاية الخدمة، دروس أصدقاء واشنطون القاسية
-
هل دخل العرب التاريخ أخيراً؟
-
لماذا لا تلغى وزارات الداخلية أو القمع العربية؟
-
هل سقط شعار جوّع كلبك يتبعك؟
-
زلازل المنطقة السياسية: هل يستفيد العرب من زلزال تونس؟
-
لماذا لا يرزق الله فقراء العرب والإسلام؟
-
إلى شيوخ الإسلام: هل إحراق النفس حرام؟
-
اللهم شماتة: خروج جماعي لفرق الساجدين من كأس آسيا
-
لماذا يكذب وزراء الإعلام على رؤسائهم وشعوبهم؟
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|