|
انتصرنا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 13:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتصرنا..
ولمزيدٍ من الوضوح، نقول: انتصر"نا"؛ فنحن "العرب من غير المصريين" انتصرنا؛ انتصرنا في مصر، وبمصر، ومن مصر؛ وينبغي لنا الآن، أو من الآن وصاعداً، أنْ ننتصر لمصر، وثورتها، التي هي، شاء من شاء، وأبى من أبى، ثورة العرب الكبرى.
مبارك لم يستقل من منصبه (رئيساً لجمهورية مصر العربية) ولم يتنحَّ عنه؛ فأين هو الدليل الرسمي على أنَّه استقال أو تنحى؟!
وعمر سليمان، أو "سليمان مبارك"، لا يملك دستورياً، بصفة كونه نائباً لرئيس الجمهورية، صلاحية أنْ يُعْلِن "تخلِّي" مبارك "عن منصبه"، في تلك الطريقة؛ فالصلاحيات والسلطات التي فوَّضها مبارك إليه لا تجيز له أنْ يخاطب الشعب قائلا: "قرَّر مبارك التخلِّي عن منصب رئيس الجمهورية..".
وحتى تؤول السلطة إلى "المجلس العسكري الأعلى" استقال رئيس "مجلس الشعب" من منصبه هذا قبيل إعلان سليمان تخلِّي مبارك عن منصبه.
مبارك (مع نائبه) إنَّما خُلِع خَلْعاً، وعُزِلَ عَزْلاً؛ وإنِّي لأنصح ألاَّ يُسْمَح لمبارك ولسليمان (ولسليمان على وجه الخصوص) بمغادرة مصر، ليس من أجل تقديمهما إلى المحاكمة (العادلة) واستعادة أموال مصر المسروقة فحسب؛ وإنَّما للحفاظ على أهم أسرار الدولة.
وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم؛ وإنِّي لأحمد الله على تلك النعمة التي أسبغها على الشعب المصري وثورته إذ زيَّن لمبارك المضي قُدُماً في العناد؛ فهل لكم أنْ تتخيَّلوا الكارثة التي كانت ستصيب مصر وشعبها وثورتها لو قرَّر مبارك، بعد يوم، أو يومين، أو ثلاثة أيام، من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير نَقْلَ، أو تفويض، سلطاته وصلاحياته لعمر سليمان الذي كانوا يُحْسِنون الظنَّ به، وينظرون إليه على أنَّه "المُصْلِح (السياسي والديمقراطي) الأكبر"؟!
الآن، لن أتحدَّث عن الثورة المصرية وأهميتها ومغزاها وآفاقها وعِبَرِها ودروسها..؛ وإنِّما عمَّا رأيته فيها، ومنها، قبل انتصارها الجليل.
عندما "فَهِم" زين العابدين، فـ "هرب"، قُلْت: تونس، شعباً وأرضاً ونظام حكم، لا تنتمي، الآن، أو من الآن وصاعداً، إلى العرب، أُمَّةً وأرضاً ونظام حكم؛ فإنَّ أنظمة الحكم العربية شرعت تسعى في إثبات أنَّ ما حدث في تونس لن يحدث أبداً في غيرها من البلدان العربية؛ وها هو وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط يصف كل كلام عن أوجه الشبه بين مصر وتونس بأنَّه "كلام فارغ"، فلا فقر في مصر كالفقر في تونس، ولا بطالة فيها كالبطالة في تونس، ولا استبداد فيها كالاستبداد في تونس، ولا فساد فيها كالفساد في تونس، ولا شعب فيها كالشعب في تونس.
وفي 30 يناير، أي بعد خمسة أيَّام من اندلاع ثورة 25 يناير، وبعد ساعات من الخطاب الأوَّل لمبارك، قُلْت: لم استصعب الكتابة أكثر مِمَّا استصعبتها اليوم، أي بعد انقضاء بضع ساعات على خطاب مبارك الذي طال انتظاره مساء الجمعة العظيم..
كل شيء كان يبدو واضحاً (على صعوبة واستعصاء وضوحه إعلامياً بعد، وبسبب، التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات المصرية) حتى أذيع خبر اعتزام مبارك توجيه خطاب إلى الشعب؛ وقد أذيع هذا الخبر في وقت حار الناس أجمعين في فهم وتفسير الغياب التام لممثِّلي نظام الحكم عن المسرح الإعلامي، وكأنَّ ما يحدث، وعلى خطورته، لا يحدث في مصر.
وساهمت إدارة الرئيس أوباما (عن غير قصد على ما أعتقد) في سَكْب مزيدٍ من الزيت على نار الخيال السياسي للشعب (والذي يخالطه كثير من الحقائق الواضحة، والمبهم بعضها) إذ بدت تملأ فراغ المتحدِّثين الرسميين لنظام حكم مبارك، وتُغيِّر رأيها وموقفها ولهجتها في استمرار؛ وإنْ كان هذا التغيير واضحاً لجهة انتهازيته، وبرغماتيته السخيفة.
وكان التوقُّع الشعبي العام، والذي أثمره هذا الخيال السياسي، هو أنَّ مبارك قد رحل كما رحل من قبله زين العابدين، وأنَّ نظام حكمه قد انتهى، وأنَّ رئيس مجلس الشعب سيحل محله مؤقَّتاً، وأنَّ الجيش المصري سيفعل ما فعله الجيش التونسي تقريباً، أو أنَّ مبارك سيوجِّه بالفعل خطابه إلى الشعب ليودِّعه وداع عرقل للشام، أو وداع زين العابدين لتونس، مستعملاً العبارة نفسها، والمثلجة لصدور الشعب، عبارة "لقد فهمتكم"، ولو بكلمات مختلفة، على أنْ تؤدِّي المعنى نفسه، وتنتهي إلى النتائج نفسها.
وبعد ساعة واحدة من انتهاء "جمعة الغضب"، التي لم تنتهِ بعد، وقعت المفاجأة الكبرى، وانتشر في النفوس شيء من الشعور (المؤقَّت) بالإحباط، فالرأس من نظام الحكم في مصر متشبِّث بالبقاء، يأبى الرحيل، جُلَّ ما استطاع فعله إقالة حكومة والإتيان بحكومة جديدة، مع وعد من الرأس بأنْ يكلِّف الحكومة الجديدة العمل بما يلبِّي مطالب شعبية، لا وزن لها الآن ولا أهمية إذا ما قورِنت بالمطلب الشعبي العام، مطلب "إسقاط النظام".
والآن، دعوني أريكم بعضاً مِمَّا أرى، وعلى جناح السرعة..
لقد مات؛ ولكم أنْ تفهموا موته بكل ما للموت السياسي من معانٍ حقيقية ومجازية.
مات؛ لكنَّ أهله وذويه، في الداخل وفي الخارج، يأْبُون الاعتراف بموته إلاَّ بعد دفنه.
وتلك هي الحقيقة التي لا يخالطها وهم أو خرافة؛ لكنَّ هذه الحقيقة يمكن أن تغدو وهماً خالصاً إذا ما ظنَّ الشعب المصري أنَّ إحياء الموتى هو أمر مستحيل.
وأحسب أنَّ استمرار ضغط الشارع (مع تنظيم وتطوير الثورة أو الانتفاضة) هو وحده ما يبقي، أو يجعل، الجيش على مسافة قريبة (وتزداد قرباً) من الشعب ومطالبه السياسية العليا، فإذا كان الجنود من الشعب، يعانون ما يعاني، ويشعرون بما يشعر، فإنَّ على الثورة ألاَّ تنسى أنَّ الجنود يمتثلون لأوامر قيادة عسكرية عليا هي حتى الآن أقرب إلى نظام الحكم منها إلى الشعب ومطالبه.
وإنَّه لسؤال فاسد أنْ يسأل بعض المصريين "هل الجيش مع الشعب أم ضده؟"؛ فإنَّ السؤال السليم هو "ما الذي ينبغي للشعب وثورته أن يفعل حتى يصبح الجيش معه (أو يظل معه)؟".
شيء واحد فحسب يمكن ويجب أن يفعله الشعب توصُّلاً إلى ذلك هو استمرار ضغط الشارع، والنأي بالثورة عن العنف..
في الظاهر، وفي الظاهر ليس إلاَّ، تحدَّث مبارك في لهجة الحاكم الذي ما زال قوياً، وقوياً بما يكفي لفرض نظامه الأمني على الشعب وثورته؛ أمَّا في الباطن فلم أرَ فيه، وفي خطابه، إلاَّ زين العابدين ينطق بالعبارة "المشؤومة" إيَّاها "لقد فهمتكم".
هل انهار نظام الحكم في مصر؟
بعضهم سيجيب قائلاً "كلاَّ، لم يَنْهَر"؛ وبعضهم سيجيب قائلاً "أجل، لقد انهار"؛ لكن الثورة المصرية لن تبلغ انتصارها النهائي والذي هو على بُعْد شبر من الشعب المصري إلاَّ إذا أجابت عن السؤال نفسه قائلةً: "إنَّه قَيْد الانهيار"، وعَمِلَت بما يوافِق تماماً هذه الإجابة.
إنَّ التاريخ (المصري والعربي) هو الآن قَيْد الصنع في مصر، وانطلاقاً من مصر!
وفي ذلك اليوم (30 يناير) وَزَّعْتُ الحلوى احتفاءً بموت نظام حكم مبارك.
وفي 31 يناير، قُلْت: ليس مبارك الشخص، وإنَّما نظام (وخواص نظام) الحكم الرئاسي المعمول به في الدول العربية، هو ما جَعَل "سيادة الرئيس محمد حسني مبارك" فرعوناً، يَشْعُر (ويُشْعِرونه) أنَّه الأكبر والأعظم من مصر، وأنَّه الذي كان ولم تكن مصر، وأنَّه الباني الحقيقي لهرم خوفو، فإذا انتهى انتهت مصر؛ والعالم كله، وعلى رحبه واتِّساعه، يظلُّ أصغر من عالمه هو؛ وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ ثورة مصر ستُدْخِله التاريخ بصفة كونه آخر فراعنة مصر.
إنَّ "ميدان التحرير" هو وحده الذي سيكون له القول الفصل، فالثورة لن تغادره إلاَّ إلى "الجمعية التأسيسية"، التي فيها، وبها، يمكن ويجب أن يبدأ كل شيء.
وفي 1 شباط، قُلْت: "السابق"، أي "زينهم"، فَهِم؛ ولو بعد فَوْت الأوان؛ أمَّا "اللاحق"، أي "مباركهم"، فلم يفهم، أو لم يفهم بعد.
"ارْحَل"..
كتبوها له بالعربية، وبسائر اللغات العالمية، فَلَمْ يرحل؛ وربَّما لكونه لم يفهم؛ فَلْيَكتبوها له، هذه المرَّة، بالعبرية؛ فربَّما فَهِم، فَرَحَل!
وها هي إسرائيل تتكلَّم، وتتصرَّف، وتسعى، بما يؤكِّد أنَّ كثيراً من أمنها (الإستراتيجي) متأتٍّ من أمن نظام حكم حسني مبارك؛ فإذا فَهِم رأس الدولة الأمنية المصرية، ورَحَل، فإنَّ إسرائيل جديدة ستُوْلَد مع ولادة مصر الجديدة.
مَنْ هو "محمد حسني مبارك"؟
إنَّه، وعلى ما تَعْلَمون عِلْم اليقين، رئيس مصر، ورأس نظام الحكم فيها، مغتَصِبٌ لحكم "أُمِّ الدنيا"، وشعبها العظيم، اغتصاباً، مُؤمِنٌ بـ "أبدية" الرئاسة، وبـ "توريثها" لنجله جمال، وكأنَّ "الدولة"، أو "الجمهورية"، جزء من ممتلكاته الشخصية، يَرِثها الابن عن أبيه؛ وإنَّه الشخص (والعائلة) الذي تركَّزت بين يُمْناه ويُسْراه "السلطة (المُغْتَصَبَة)" و"الثروة (المُغْتَصَبَة)"، فَعَمَّ الفساد واستشرى؛ ولقد وعد (أو توعَّد) شعب النيل، من قبل، أي قبل قيامة مصر، بأنْ يبقى على حُكْمِه له، جاثِماً على صدره، ما بقي فيه قلب ينبض، فالرئاسة أتته منقادةً، إليه تجرجر أذيالها، فلم تَكُ تَصْلُح إلاَّ له، ولم يَكُ يَصْلُح إلاَّ لها!
أمَّا إذا سقط نظام حكم حسني مبارك (و"سقط" هي الآن، وفي "نحو" الثورة المصرية، فعل "مضارِع") فسوف نَعْلَم وتَعْلَمون أنَّ هذا الذي سقط لم يكن نظام الحكم في مصر فحسب؛ وإنَّما جُلَّ نظام الحكم العربي، فإنَّ الوزن (الحقيقي والموضوعي) للحاكم من وزن دولته (أي من وزن البلد الذي يَحْكُم).
إنَّ السماء السياسية لمصر لم تَعْرِف من السُّحُب المُجْهِشَة بالمطر إلاَّ تلك التي إنْ أمطرت عمَّ مطرها أرض العرب، طولاً وعَرْضاً.
الآن، وفي كلام جامعٍ مانعٍ، لا ينطق شعب مصر، وبلسان ثورتها العربي المبين، إلاَّ بجُمْلَةٍ واحدة هي "نريد إسقاط النظام".
وللذين يستغلق عليهم فهم لغة الشعوب، في زمن الثورة، نقول إنَّ الشعب يكفي أنْ يريد حتى يتحقَّق له ما يريد.
إذا تنحَّى، أو نُحِّي، مبارك عن الرئاسة، وآلت سلطاته إلى نائبه الفاعِل سليمان، فعندئذٍ لن يصح إلاَّ قول واحد هو "لقد خَلَعَ نظام الحكم نفسه زيه القديم، أي مبارك، ليلبس زِيَّاً جديداً هو سليمان".
وهذا إنَّما يعني، بلغة الثورة المصرية، أنَّ رحيل مبارك لن ينطوي على شيء من المعنى الحقيقي لمطلب "إسقاط النظام" إلاَّ إذا رحل معه سليمان وسائر الشخوص الكبار في نظام حكمه.
مصر الجديدة كل الجدة هي التي تبرعم الآن في "ميدان التحرير"، عاصمة الثورة الشعبية الديمقراطية القومية، مصرياً وعربياً.
وإنِّي لأفهم الثورة المصرية الآن على أنَّها ضغطٌ شعبي يستمر، ويَعْظُم؛ يتَّسِع بالمعنى الجغرافي، وينمو بالمعنى الديمغرافي، ويتنوَّع بالمعنى الاجتماعي، أي بمعنى ضم واجتذاب كل فئات المجتمع إليها، وإلى مطلبها المركزي (إسقاط النظام).
وأحسب أنَّ الثورة المصرية (ومن قبلها الثورة التونسية) هي تجربة تؤسِّس، ويجب أنْ تؤسِّس، لفهم جديد للعلاقة بين "الأحزاب السياسية" و"الثورة"، وللعلاقة بين "القيادات التاريخية" و"الثورة".
الثورة المصرية تتوفَّر الآن على تنظيم نفسها بنفسها، ولنفسها، توصُّلاً إلى تمكين الشعب من اختيار "هيئة (جمعية تأسيسية)"، تَضَع دستوراً جديداً للبلاد، يستمدُّ شرعيته من الإرادة الشعبية، فتُجْرى وفقه، من ثمَّ، انتخابات نيابية حرَّة ديمقراطية شفَّافة، ينبثق منها برلمان، تنبثق منه حكومة، تَعْدِل كل السلطة التنفيذية تقريباً، فنظام الحكم الرئاسي حان له أنْ ينتهي؛ ولقد ثَبُت وتأكَّد أنَّه اللبوس الذي يلبسه الحكم الدكتاتوري الاستبدادي الأوتوقراطي الشمولي.
وفي 3 شباط، قُلْت: وكأنَّهم أخذوا باقتراحي، أو نصيحتي، فكتبوها له، هذه المرَّة"، بالعبرية.. "ارْحَلْ"؛ وكأنَّه وافَقَني الرأي إذ قُلْتُ "من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل"..
إنَّني أعْلَم أنَّ مبارك "رَجُلٌ طيِّب"، وأنَّ لديه من "الطِّيبة" ما يَجْعَل السماء لا الأرض (ولو كانت أرض الكنانة) مكانه الذي يستحق.
متى يَرْحَل "الرئيس" مبارك (82 عاماً) الزَّاهِد الآن (وكُلُّكم تعلمون معنى، أو معاني، "الآن") عن الولاية الرئاسية السادسة، والذي "حَرَمَ" نجله جمال "حقه المشروع" في أنْ يَرِث عنه حُكْم مصر؛ لا بل مصر نفسها؟
يَرْحَل عندما يأذن الله؛ ولا نَعْلَم متى يأذن. وسياسياً، يَرْحَل عندما يُتْمِم عمله التاريخي (عمَّا قريب) فإنَّ من الحماقة بمكان أنْ نَظُن أنْ ليس للثورة المصرية من "قائد (أو رأس)"، فوالله إنَّ مبارك نفسه هو "قائدها"؛ وهو الذي يعرف خيراً من سواه كيف يسقي نيرانها بمزيدٍ من الزِّيت، وكيف يجعلها أصْلَب عوداً، وأفضل تنظيماً، وأعمق جذوراً، وأكثر ثقةً بنفسها؛ وكأنَّه يأبى أنْ يَرْحَل قبل أنْ يَنْقُل السلطة، كاملةً، ومباشَرَةً، وفوراً، من قصره الرئاسي إلى "ميدان التحرير"، فـ "الرئيس"، على ما يبدو، لديه من سعة الأفق ما يجعله يرى نائبه عمر سليمان على حقيقته؛ فهذا الرَّجُل هو ظِلٌّ لمبارك؛ وليس من المنطق في شيء أنْ يبقى الظل في مكانٍ غادره صاحب الظل؛ كما ليس من المنطق في شيء أنْ يَخْتَصِم الطرفان (الرئيس والشعب) وكلاهما يشبه الآخر كثيراً في أمْرٍ في منتهى الأهمية، فالرئيس يستميت وهو على بُعْدِ شبرٍ من "القبر"، بمعنييه؛ والشعب لا يستطيع أنْ يموت وهو على بُعْدِ شبر من "الهدف النهائي"، ومن "النصر العظيم"، ومن "الحياة" بكل معانيها.
وإنَّي، بعد استماعي لأحْدَث جزء من "الخطاب الأخير" للرئيس، والذي سيظلُ آخر خطاب له مهما خطب، لأدْعو الأطبَّاء النفسانيين، وعلماء النفس، إلى أنْ يتوفَّروا جميعاً على دراسة وتحليل الحالة النفسية للرئيس مبارك، فإنَّ في خطابه ما يَدُلُّ (كما تَدُلُّ الثمرة على شجرتها) على أنَّ الرئيس يعاني أمراضاً نفسية وذهنية تُعْجِزه عن الاستمرار في ممارسة الحكم؛ وإنْ جاءت تجربة الحكم في العالم العربي بما يؤكِّد أنَّ تلك الأمراض لا تتعارَض أبداً مع استمرار الحاكم (المصاب بها) في الحكم.
كل مسرحهم احترق؛ ولم يبقَ من الممثِّلين إلاَّ هو؛ وها هو مبارك يدعو المصريين، وكأنَّه يخطب في قوم من الأغبياء، إلى أنْ يَدَعوه يقودهم، في البقية الباقية من ولايته الخامسة، ضدَّ عهد مبارك، ولتحريرهم من هذا العهد؛ وكأنَّه لا يَقْبَل أنْ ينازعه أحد شَرَف تخليص مصر من مبارك وعهده؛ وكأنَّ إلهي الشر والخير يجتمعان فيه وحده!
ولولا مآثره التي لا عدَّ لها ولا حصر لَمَا حقَّ له أنْ يخاطب شعبه قائلاً: أنا الدولة، والدولة أنا؛ أنا مصر، ومصر أنا؛ إذا مِنِّي جاءكم الاستبداد فَمِنِّي وحدي تجيئكم الحرِّية؛ وإذا مِنِّي جاءكم الفساد فَمِنِّي وحدي يجيئكم الإصلاح؛ وإذا مِنِّي جاءكم هذا الدستور الرجيم فَمِنِّي وحدي يجيئكم الدستور الرَّحيم؛ وإنِّي خيَّرتكم فاختاروا، فإمَّا أنا أقودكم في الضرَّاء بعدما قدتكم 30 سنة في السَّراء، وإمَّا الفوضى؛ وإنَّ أمْرها لو تعلمون عظيم!
والله إنِّي لم أُصَدِّق أنَّ روح نيرون تحلُّ في جسد الحاكم العربي ما أنْ توشِك أنْ تغادره الروح، أي ما أن يصبح في رُبْع الساعة الأخير من عمره السياسي، وعلى بُعْد شبر من قبره السياسي.
أمَّا هو فإنَّ عليه أنْ يُصِدِّق أنَّ نيرون مات ولم تَمْتْ روما!
وفي 6 شباط، قُلْت: إنَّها الثورة التي أطاحت حتى الآن بما هو أهم بكثير من نظام حكم الدكتاتور حسني مبارك، ألا وهو "المجتمع المصري" نفسه؛ فإنَّ كل من له عين تبصر، وأُذن تسمع، وعقل يَعْقِل، لا يشك، ولا يجادل، في أنَّ مصر الجديدة الجيِّدة، في وعيها، وروحها، وخُلُقِها، وهويتها، ومشاعرها، وانتمائها، قد وُلِدَت الآن، في ميدان التحرير، الذي سيدخل التاريخ بصفة كونه مسقط رأس مصر الجديدة، والتي ستكون مسقط رأس المجتمع العربي الجديد الجيِّد، أرادت ذلك أم لَمْ تُرِد.
إذا أردنا للمنطق أنْ يسود تفكيرنا فلا بدَّ لنا من أنْ نفهم ونفسِّر جملة المواقف الأخيرة لإدارة الرئيس أوباما من الثورة المصرية، ومن نظام حكم حسني مبارك، على أنَّها خير وأقوى دليل على أنَّ الولايات المتحدة تخشى كثيراً عواقب "استمرار" و"تعاظم" الثورة المصرية؛ فإنَّ إدارة الرئيس أوباما لا تبدي ما تبديه الآن من اعتراض على بقاء حسني مبارك على رأس نظام الحكم في مصر إلاَّ لكونها تَقِف (في مصالحها وأهدافها الإستراتيجية في الشرق الأوسط) ضدَّ بقاء الثورة المصرية مشتعلة، تزداد اشتعالاً.
إنَّ جُلَّ ما تريده الولايات المتحدة، وتسعى إليه، الآن، هو إنهاء الثورة المصرية وهي رُبْع، أو ثُلْث، أو نصف، ثورة، ولو من خلال التضحية برأس نظام الحكم في مصر، فهذه الثورة يجب، بحسب وجهة نظر الولايات المتحدة، ألاَّ تستمر وتعظم أكثر ممَّا استمرت وعظمت، وأنْ تنتهي إلى "إصلاح (يشبه التجميل ليس إلاَّ) لنظام الحكم المصري، فنظام الحكم هذا يجب (من وجهة نظر الولايات المتحدة) أنْ يبقى ولو من طريق التخلُّص من رأسه، ومصر يجب أنْ تظل أسيرة معاهدة السلام مع إسرائيل، وأسيرة للمصالح والأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة على المستوى الإقليمي.
وفي 8 شباط، قُلْت: حتى الآن (أقول "حتى الآن") لا أرى من "بونابرت" يمكنه قيادة "الثورة المضادة"، أي "الحل البونابرتي"، إلاَّ عمر سليمان (نائب الدكتاتور) والذي أراه أخطر من مبارك على مصر وشعبها وثورتها؛ فحذار المفاضلة بين الرجلين؛ احْذروا مبارك مرَّة، واحْذروا سليمان ألف مرَّة!
وأحسب أنَّ ثوار التحرير هُم من جنس جديد كل الجدة؛ ولسوف يقيمون الدليل على أنَّهم هُمْ وحدهم خير من أدرك وتمثَّل المعاني الحقيقية للحكمة الحقيقية؛ فإنَّهم إنْ خسروا فلن يخسروا إلاَّ قيودهم؛ وإنَّ عليهم أنْ يخسروها حتى يربحوا مصر جديدة كل الجدة!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لِنَعُدْ إلى جريمة -كنيسة القديسين-!
-
سِرُّ -الجمهورية شبه المَلَكِيَّة-!
-
لولا مخافة الشرك بالله لأمَرْتُ مفتي السعودية أنْ يسجد للصبي
...
-
لِتَحْذَر الثورة -الحل البونابرتي- و-لصوص الثورات-!
-
أمْران لا بدَّ من توضيحهما!
-
ما رأي الطبِّ النفسي في الخطاب وصاحبه؟!
-
من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل!
-
نصفه فرعون ونصفه نيرون!
-
قصة موت غير مُعْلَن!
-
قنبلة -الوثائق-!
-
لا تسرقوا منها الأضواء!
-
هل يقرأ الحاكم العربي سورة -افْهَمْ-؟!
-
تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!
-
الثورة التي كشفت المستور!
-
حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!
-
السقوط العظيم!
-
أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
-
ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
-
كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
-
سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|