وليد حباس
الحوار المتمدن-العدد: 3272 - 2011 / 2 / 9 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورة كعملية هدم ثم بناء, او تفكيك ثم اعادة تركيب, لا بد وان يتوفر فيها شروط اساسية, بحيث ان تلك الشروط و المقدمات تتفاعل فيما بينها لتصنع الثورة و تنقل المجتمع من حال الى حال اخر أكثر سعادة و رقي و تقدم. و الجديد لا يعني مجرد تغير وجه الحاكم, او اسقاط النظام. بل ان الثورة عبارة عن عملية, سيرورة تاريخية, تحدث تغيرات جذرية في بنية المجتمع, و خصوصا البناء الاقتصادي و الاجتماعي, بالاضافة الى تغيرات في البنية السياسية.
من هنا, يتعين علينا ان نوضح معنى الثورة, وما هي الشروط الواجب توفرها موضوعيا وذاتيا, كي تظفر الثورة بالنصر, وتحدث تغييرات جذرية تشكل حالة قطع مع المرحلة السابقة, أي نفي جدلي للنظام القديم.
اولا, لا بد من وجود ظروف موضوعية تحدث حالة احتقان لدى المجتمع. وهذه الظروف تتشكل عبر مرحلة تاريخية يتراكم خلالها احتقان المجتمع و رفضه للحالة التي هو عليها. وقد توفرت الظروف الموضوعية في الحالة المصرية من خلال القمع و الظلم السياسي الذي عانى منه المصريون طوال ما ينيف عن اربعة عقود. بالاضافة الى الفقر المدقع و الحياة المزرية التي يعيشها ملايين المصريين, ناهيك عن فرض النظام عمليات تطبيعية مع الكيان الصهيوني, و غيرها.
وثانيا فان الظروف الموضوعية لا تكفي لاحداث الثورة, اذا لم يتخذ طرف ما, او فئة معينة, زمام المبادرة و يشعل فتيل الثورة. وهنا يلعب العامل الذاتي الذي وفره الشباب المصري دور الشعرة التي قسمت ظهر البعير و اشعلت فتيل الثورة, مستلهمة بذلك ما حدث في تونس. و لا يجب اغفال الظروف الاقليمية, و الدولية, و مستوى وعي المجتمع, و غيرها من الامور التي لا انوي ان اتطرق اليها هنا.
في الحالة المصرية, توفرت الظروف الموضوعية, بالاضافة الى عامل ذاتي هو الشباب المصري المستعد للحراك, و الذي تحرك فعلا. لكن يبقى السؤال المفصلي: ما هو الجديد الذي يريده الشباب. حتى اللحظة, فان الشباب المصري افصح عن "ما هو القديم الذي لا يريده" ولم يفصح عن "ما هو الجديد الذي يريده".
لقد رفع الشباب المصري المناضل مطالبه عاليا في ميدان التحرير, وهي مطالب مشروعة. فاذا ما تحققت هذه المطالب, هل يصح لنا ان نطلق اسم "الثورة" على ذلك الحراك الشعبي المنتفض في مصر؟
اهم المطالب التي ينادي بها شباب ميدان التحرير, و التي نواصل الليل مع النهار كي نراه يحققها و يرفع رأس امتنا الى عنان السماء هي: رحيل حسني مبارك, انهاء حالة الطوارئ, حل مجلس الشعب و الشورى, تشكيل حكومة وطنية ائتلافية تحكم لمرحلة انتقالية و تهيئ لانتخابات حرة نزيهة, ثم محاسبة رموز النظام السابق, و غيرها.
لكن بالتمعن في هذه المطالب, نجد ان جميعها يكمن في المستوى السياسي, و لا تتطرق الى المستوى الاقتصادي و الاجتماعي, و لا تهدد البناء الطبقي في مصر, كما انها لا تطرح معالم النظام الجديد المنشود. فالثورة الشبابية المصرية تحاول هدم ركائز النظام السياسي القديم, دون ان تقدم بديلا عنه.
لكن اذا لم تهدد الثورة المصرية ركائز النظام الاقتصادية وشبكة العلاقات الاجتماعية الاقتصادية القديمة, واذا لم يثور الشباب على شكل توزيع الثروة, والتبعية الاقتصادية للغرب و اسرائيل, فان النظام الجديد سيكون نسخة مطورة عن النظام القديم, مع احداث بعض التغيرات الطفيفة التي تمس الحريات العامة.
ان الثورة كعملية اجتماعية تتكون من اربعة مراحل. المرحلة الاولى هي مرحلة انطلاقة الثورة. في هذه المرحلة, تبدأ كرة الثلج بالتدحرج, و ينزل الشباب المصري الى الميدان مستقطبين بشكل عفوي و تلقائي ملايين الاحرار من المصريين. في هذه المرحلة, ترفع الشعارات, و تصاغ الخطب الرنانة, ويتخلل هذه المرحلة اعمال شغب, وفوضى متوقعة. ان اركان النظام السابق تبدأ بالتخلخل في هذه المرحلة. اما انهيار النظام فرهن بطول نفس الشباب الثائر. حتى الان لم تغادر الثورة المصرية المرحلة الاولى.
اما المرحلة الثانية, فهي مرحلة النفي, او الهدم. في هذه المرحلة, يتم هدم النظام القديم, و مؤشرات هذه المرحلة تكمن في اسقاط الرئيس, من خلال هروبه, او اعتقاله, او مجرد تنحيه. الهدم المتوقع في هذه المرحلة لا يقتصر على استبعاد رموز النظام القديم و حسب, بل في هدم بنية النظام ككل, كمؤسساته و اهمها الحزب الوطني الحاكم, بالاضافة الى السيطرة على الاذاعة و التلفزيون الرسمي, وتفكيك الاجهزة البوليسية وخاصة الحرس الجمهوري و امن الدولة.
بالرغم من ان مرحلة الهدم تطال المستوى السياسي خاصة النظام الحاكم البالي, باجهزته البوليسية و مؤسساته الاعلامية و الحزبية, الا ان المراد هو احداث حالة تغير اقتصادي اجتماعي. هذه المرحلة تعتبر مرحلة حاسمة في حياة أي ثورة, اذ انها تعلن اسقاط نظام كامل, وليس مجرد اشخاص. هذا ما حصل على الاقل في الثورة الروسية و الصينية و الفرنسية و الانجليزية, و الى حد ما في ثورة الضباط الاحرار عام 1952 في مصر الناصرية.
الواضح من الثورة المصرية المجيدة, ان مرحلة الهدم لم تبدأ بشكل فعلي و حقيقي. و يعود هذا الى عفوية الثورة و عدم احتضانها من قبل حزب ثوري, و هذا ما سنأتي عليه لاحقا. المهم هنا, ان مرحلة الهدم قد تأخذ شكلان, الاول هدم حقيقي من قبل الشعب, و الشكل الثاني هو هدم زائف يدعيه النظام نفسه. فمثلا, قام حسنى مبارك بتنصيب نائب له لأول مرة منذ 31 عاما. كما انه اقال حكومة النظيف, واعضاء المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم, والقى ببعض رموز النظام في مفرمة الثورة, كالعدلي, و احمد عز و غيرهم. هنا, يريد النظام ان يوهم الشعب الثائر ان هناك عملية هدم للنظام. بيد انه هدم زائل. اما الهدم الثوري التقدمي, فهو نفي النظام الحالي برمته, ابتداءا من رأسه وصولا الى اخمص قدميه, مرورا بعلاقاته الاقليمية و الدولية, بالاضافة الى تفكيك الاجهزة البوليسية القمعية. لا بد و ان يطال الهدم شكل العلاقات الاقتصادية الاجتماعية السائدة, او بمعنى اخر ان يهدد الطبقات المستفيدة من النظام الحالي. هذا الهدم الحقيق لا يمكن ان يحدث على ايدي النظام الحالي. ففاقد الشيء لا يعطيه, و الاناء بما فيه ينضح.
هذه المرحلة لم تكتمل بشكلها الكافي. فالثورة حتى الان مهددة بالاجهاض.
المرحلة الثالثة, هي المرحلة الانتقالية بين ما هو قديم, وما هو جديد. تكمن هذه المرحلة في المستوى السياسي, حيث يتم تشكيل حكومة ائتلاف وطني عريض, يمثل الشعب من خلال مثقفيه و شبابه, احزابة و حركاته, على ان يكون مضمون المرحلة مضمون ثوري وطني, يؤسس لعلاقات جديدة. من مهام هذه المرحلة, تهيئة الشعب لانتخابات جديدة, ووضع دستور مصري جديد, يطلق الحريات السياسية, ويضمن العدالة الاجتماعية, ويرسم معالم الخطوط الحمراء مثل مقاطعة اسرائيل, قطع التبعية مع الغرب, انهاء رأسمالية الدولة التابعة, وقصقصة اجنحة الطبقات العليا الاستغلالية, ضمان الامن الغذائي, واعادة تعريف الامن القومي, و الاهم نقل السلطة من سلطة طبقة رأسمالية جشعة الى سلطة الشعب.
اما المرحلة الرابعة, وهي التي تحسم ماهية الثورة, فتكون بوضع معالم النظام الجديد. النظام الجديد لا يعني حاكم جديد وحسب, بل يتعدى ذلك الى تحرير الانسان, وتطبيق سياسيات الاعتماد على الذات, و التمفصل الداخلي لقطاعات الانتاج, و دستور عصري تقدمي.
برأيي, ان الثورة المصرية المجيد, ثورة الشباب العظام اولاد ميدان التحرير و فتايات ميدان عبد المنعم رياض, لم تتعدى حتى الان المرحلة الاولى, وبدايات المرحلة الثانية.
في الواقع, ان الثورة المصرية لا و لن تكون استنساخ بسيط للحالة التونسية. فثمة خصوصية جيوسياسية للمصر. كما ان الانظمة العربية و اجهزتها البوليسية, بالتعاون مع اسرائيل و امريكا تسعى بكل طاقتها لسلب ثورة الشباب و ايقاف احجار الدومينو المتمثلة بالانظمة العربية من السقوط واحد تلو الاخر.
هنا, نتساءل عن ضرورة وجود حزب ثوري ملهم للشباب, يقود مسيرتهم, ويسير بالثورة الى تخوم المرحلة الثالثة كما بيناها اعلاه, و نحقيق حلم الثورة التي ستدخل التاريخ.
قد يعتقد البعض, ان الفيسبوك هو الحزب الجماهيري الجديد. بيد ان الانترنت, وشبكة العلاقات الالكترونية لن تؤدي اكثر من دور تجميع الشباب و تحشيدهم. لكن الحزب الثوري الغائب, قد يعزز الثورة من خلال قيادتها الى بر الامان.
لقد شاهدنا بكل حزن, كيف ان 24 حزبا و حركة مصرية والتي بدأت عملها منذ عام 1976 وحتى اليوم لم تستطع ان تستعطف قلوب الشباب و التحدث باسمهم. حتى ان الاخوان المسلمين, تلك الحركة المحظورة سابقا, ذهبت للتحاور مع رأس النظام, وجلست مع عمر سليمان, في الوقت الذي يعتقل فيه سليمان العشرات من كادراتها, ويحظر نشاطها. بل انها جلست في قاعة تعلوها صورة حسني مبارك.
ستتدرحج ايام الثورة المصرية المجيدة, التي لا شرعية فيها سوى شرعية الشباب العظيم, وصوته الذي يصدح ليلا نهارا يطالب باسقاط النظام, ولا يستطيع أي منا استشراف حركة الثورة, او تخيل خط سيرها, ومأله النهائي. اما قلوبنا فقبلتها ميدان التحرير, وامانينا تتلخص في رؤية ثورة مجيد مكتلمة وحقيقية.
#وليد_حباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟