|
أطعموا شعوبكم كي تحبكم ولا تثور عليكم
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 10:29
المحور:
كتابات ساخرة
الجائع لا يقدر على الحب بل لا يعرفه وتتعطل لدى الجائع كل الوظائف العضوية الأساسية، ويفضل الجائع رغيف الخبز على زهرة الأقحوان، ولوحة الجوكوندا ويبيع أعز ما يملك بقرص فلافل ومن لا يملك أي شيء لا يخاف على فقدان أي شيء ، وقديما قالوا الجوع كافر، وحين يجوع الإنسان تبدأ العصارات الهاضمة الحامضية بالإفراز بشدة، مما يؤدي لحالات عصبية وهيستيرية يصعب ضبطها والتحكم بها. ومشكلة الأثرياء والمتخمين الوحيدة أنهم لا يعرفون هذه الحقائق ولا يشعرون بهذه المشاعر ولذا لا يقدرون عواقبها وتداعياتها، وتجاوزهم لها يوقعهم في المشاكل التي حصلت حتى الآن مع بن علي وفرعون مصر.
وبنفس السياق، هل راقب أحدكم طفلاً صغيراً حين يرى أمه، أو حتى مرضعته، و"بابرونته" كيف يبتسم لها، ويخفق لها قلبه، ويعبر عن ذلك بحركات إيمائية لاشعورية، وبابتسامات خافقة وخارجة من ثنايا وأعماق قلبه الصغير. وحتى الحيوانات، والكلاب، وأكرمكم الله جميعاً، حين ترى مروضيها، ومالكيها، تراها بدأت بهز أذنابها، والقيام بحركات جسدية مبهمة تعبيراً عن احتفاء وسرور بمن سيمد بما يسد أودها، ويريح قلبها. وقديماً قالوا إن طريق المرأة لقلب الرجل هو عبر معدته، والشعوب لا يطعمها الكلام، ولا تشبعها البلاغة، حتى لو استطاعت هضم وابتلاع بعضها على مضض، ولا يسد بطونها سوى القمح والخبز. ولنا أن نقارن بين هذه الحالات الغريزية والفطرية لهذه الكائنات، وما يختلج قلب وفؤاد ومشاعر كمن يسمون بالمواطنين العرب حين يرون جلاديهم، ومجوعيهم، ومصاصي دمائهم، وكيف تزرق الوجوه، وتنتفخ الأوداج، وتهتز الفرائص بمجرد أن يسمع أحد فقراء العرب باسم لص عربي كبير وضع نفسه فوق القانون وفوق مصالح الناسز
لقد فاجأت ثورات الجياع في تونس رئيسها المخلوع زين الناهبين، كما فاجأت فرعون مصر المدهوش، حين عبر عن مرارة قاتلة لهذه النهاية وحجم الكره العميق الذي يكنه شعبه له، بعد "خدمة" مصر على حد تعبيره لمدة ثلاثين عاماً، فقط، بالتمام، والكمال، قضاها بالسلب والنهب ومص الدماء والاحتيال. وأثبتت التجارب أن سياسات التجويع والإفقار المتبعة رسمياً في المنظومة الناطقة بالعربية، لم تفض إلا إلى المآسي والفواجع وثورات الغضب والاحتجاجات وهز العروش وتهاويها على الطريقة التونسية والمصرية مصحوبة بالفضائح المجلجلة والمدوية، التي لم نكن نرضاها لهم، لا وأيم الله.
فثورات الجوع والغضب الشعبي والاحتقان والتوتر والتأزم في عموم ما يسمى بالوطن العربي، الذي تحول إلى بؤرة عالمية مشهورة للفساد، والنهب، والاستبداد تحتل دوله بشرف وامتياز كل القوائم السوداء في النهب والفساد والاستبداد والانحطاط العام وقمع الحريات، ما كان لها أن تتبلور، وتأخذ هذا الشكل الساخط العنيف لو أن العلاقة ما بين النخب والعائلات المتسلطة الحاكمة وحاشياتها النهبوية، وطبقات العبيد والمماليك والرقيق والأجراء الين كان يطلق عليهم ذات يوم صفة المواطنين، فحتى لفظة "الرعية" الأدنى لم تعد تنطبق عليهم، في ظل تهميشهم وإقصائهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الآدمية وتجويعهم وإفقارهم ونهبهم ومص دمائهم، نقول لو كانت علاقة احترام متبادل، وتوزيع عادل للصلاحيات والثروات والمسؤوليات والمهام لما رأينا هذه النهايات المفحعة والمحزنة لدايات وبايات وفراعنة الزمان.
لقد كشفت الأرقام المهولة والخرافية، حجم ثروة عائلة الرئيس "المذموم" والمكروه شعبياً حسني مبارك، والتي قدرت بنحو 70 مليار دولار أمريكي، تضعه قبل أغنى أغنياء العالم، المصنف رسميا، وهو الأمريكي بيل غيتس التي تقدر ثروته التي جناها من العمل في قطاع البرمجيات والمعلوماتية بخمسين مليار دولاراً، تبرع بمعظمها للفقراء، ومراكز أبحاث السرطان والإيدز وفقراء أفريقيا والجياع حول العالم، فيما يستمر أثرياء ولصوص العرب بحلب ومص دماء الشعوب الذين أوقعهم القدر المشؤوم بين براثنهم ومخالبهم الحادة التي لا ترحم. وأظهر المخفي أن مبارك وحاشيته أداروا مصر، أم الدنيا، ومهد الحضارات البشرية وأقدمها، كما تدار المزارع الخاصة، وتجارة الرقيق والنخاسة البشرية. فيما بلغت ثروة أحد حواشيهم المقربين و"الصغار"، وهو أحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني الحالم، بحوالي 18 مليار جنيه من سيطرته واحتكاره لتجارة الحديد وهو يعتبر "فقيرا" ويا حرام أمام الحيتان الكبار والدوائر العائلية الأقرب للهرم الأكبر "خوفو" الخائف هذه الأيام، وتعدت ثروة المغربي 11 ملياراً، وجرانة 13 ملياراً، ورشيد 12 مليارات، والعادلى 8 مليارات، وكانت ثروة بعض "الفقراء" الآخرين ، تتراوح بين مليار ونصف و3 مليارات فقط لا غير " ليس كثيراً". ومقابل هذه النماذج هناك النماذج الأعرض والشرائح الأوسع التي تتكدس في المقابر وأحزمة البؤس وعشش الصفيح والكراتين ولا تجد قوت يومها وتقتات من القمامة، لكنها خرجت كالسيل الجارف، وتماماً كالهكسوس، الذين اجتاحوا مصر ذات يوم، في لحظة الغضب العارم، لتجتاح القاهرة وتعيث فيها فساداً ودماراً.
وتتركز الآن كافة المفاوضات والمشاورات الجارية على قدم وساق، في تدبير خروج آمن ولائق للرئيس المصري، وضمان عدم ملاحقته قضائياً، ومصادرة أمواله وإعادته معها إلى مصر كي يكمل ما تبقى له من أيام في أبو زعبل مع زملائه من المجرمين واللصوص وعتاة القتلة والمجرمين.
ما السر في أن المسؤول الأوروبي والأمريكي، وفي كل الدول الديمقراطية، والتي فيها شفافية ومحاسبة، وتداول سلمي للسلطة، يخرج بطريقة مكرمة ومحترمة إلى بيته، وبدون هذا الضجيج المزعج وبدون أن يلاحق ويرمى به في الشارع وتصادر أمواله، فيما لا يتم خروج المسؤول في الديكتاتوريات ومحميات الفساد والاستبداد، إلا بالإكراه، والإجبار، وبطرق لا تليق برجال الخدمة العامة الــ Civil Servants كما يطلق عليهم في الغرب. وأن الناخب الديمقراطي حين يصفق لمرشحه فإن ذلك يكون بدافع الاحترام الشخصي الحقيقي، وعلاقة المصلحة والمنفعة المتبادلة بين الطرفين، فيما العلاقة في المنظومات المستبدة تتسم بالخوف، والتوجس والعداء والرعب والتكاره المتبادل بين الطرفين.
إن احترام حقوق الشعوب، وإطعامها، والكف عن تجويعها، وامتهانها، ووقف كافة أشكال الممارسة اللا مسؤولة والتمييز بحقها وعدم ازدرائها والتفرقة الطبقية والعنصرية ضدها، وإعادة الحقوق لأصحابها، وتوزيع الثروات والمداخيل الوطنية بشكل عادل،هو ما سيجعل العلاقة طبيعية بين النخب الحاكمة، ومن كانوا يسمون بمواطنين، ووحدها الكفيلة، بألا تهجم الجماهير، كالوحوش الكاسرة والجائعة، في كومونات الجوع، على ناهبيهم ومجوعهيم. فما ذا يضير هؤلاء من ضمان مستقبلهم وبقائهم في أوطانهم معززين مكرمين؟ والوصفة السحرية والبسيطة لكل هذا هو أطعموا شعوبكم، وأشبعوها كرامة وإنسانية، كي تحبكم شعوبكم، وكي لا تثور عليكم، وذلك أقرب للتقوى لعلكم ترعوون وتهتدون.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تفرحوا كثيراً في مصر فالإخوان قادمون
-
هل فجّر مبارك خط الغاز الذاهب لإسرائيل؟
-
زمن المهمشين: لا صوت يعلو على صوت الصامتين
-
يا شماتة إيران فيكم!!!
-
ماذا بعد انهيار معسكر الاعتدال لعربي؟
-
مبارك: ومكافأة نهاية الخدمة، دروس أصدقاء واشنطون القاسية
-
هل دخل العرب التاريخ أخيراً؟
-
لماذا لا تلغى وزارات الداخلية أو القمع العربية؟
-
هل سقط شعار جوّع كلبك يتبعك؟
-
زلازل المنطقة السياسية: هل يستفيد العرب من زلزال تونس؟
-
لماذا لا يرزق الله فقراء العرب والإسلام؟
-
إلى شيوخ الإسلام: هل إحراق النفس حرام؟
-
اللهم شماتة: خروج جماعي لفرق الساجدين من كأس آسيا
-
لماذا يكذب وزراء الإعلام على رؤسائهم وشعوبهم؟
-
بشرى سارة: ولادة فريق الساجدين السوري
-
لماذا لا تلغى وزارات الإعلام العربية؟
-
الديكتاتور الجبان
-
سيناريوهات فانتازية: بائع الخضار الذي أسقط الجنرال
-
لماذا يجب أن نفخر بالعلوي2؟
-
لماذا يجب أن نفتخر بالعلوي؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|