|
الثورة الخضراء
ابتسام يوسف الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3269 - 2011 / 2 / 6 - 01:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فاجأت تونس تلك الجميلة (المغناج) التي عرفناها وهي تتمدد على شواطئ جميلة تداعب شعرها الريح وتحميها بساتين الزيتون . فاجأت الجميع بثورتها الحضارية، ثورتها من اجل الكرامة، ضد الجوع بالرغم من أن مشكلة البطالة وارتفاع الأسعار عالمية، لكنها أصرت أن تقتحم أسوار التغيير لعله يأتي بما يحلم به الشباب هناك. حظيت بزيارة تونس قبل أعوام شعرت بفرح وافتخار حينها وأنا أرى بلد عربي ومسلم بهذا الجمال الساحر وبتلك الروح التي تميز أبناءه، وتلك الحرية والأمان اللتان تشعرهما وأنت تجوب الطرقات وكأنك تعرفها منذ قرون وكأنك مخلوق من تربتها الخصبة.. وهذا ما لم نره في أي بلد عربي آخر حتى تلك التي تتمتع بجمال طبيعي منحه إياه الرب، فكلها تشعرك بالغربة وهذا أقوله من تجربة شخصية وفعلية. فبعض بلداننا بالرغم من طبيعتها الخلابة الساحرة، لكن هناك خيبة من سوء الخدمات أو بأسلوبهم الجاف الغير ودود مع الزوار أو السياح أو الزبائن! على العكس من أبناء تونس بروحهم الودودة. فتونس كل شيء جميل فيها حتى الشباب الذين تأثروا بالدعوات المتأسلمة الكاذبة بفرض الحجاب، وشكواهم من رؤية الغير محجبات! ماعدا المخدوعين الجهلة من الانتحاريين الذين ساهموا بتخريب العراق وقتل أبناءه، دفاعا عن الجلاد. كنت مع رئيسة تحرير الشروق هناك وصحفي صديق حين عبرت لهم عن فرحي بتونس وخوفي عليها بنفس الوقت، من المد الإسلامي الأمريكي، فالصحوة الإسلامية التي تجوب الشوارع وتزيدها خرابا ما هي الا من بنات أفكار أمريكا، ونعرف كيف تبنتها ودربتها في جبال أفغانستان لتجعل ذلك البلد الفقير خرائب تنعق فوقها الغربان! ولتنتشر كالنار في الهشيم في بقاع الأرض المسالمة لتشعل الحرائق وتزيد الخراب وتشوه وجه الدين والإنسان! من اجل أن تبقى تلك البلدان سوقا لسلاحهم يستخدموه ضد أخوتهم بالوطن، وتصريف منتجاتهم. اعترض البعض على تحيتي لزين العابدين وهو يقرر الاستقالة أو الهروب أو الابتعاد لنسميها كما شئنا! لكنها بادرة لم يعرفها الحكام العرب من قبل ، فعرفناهم يتمسكون بالكرسي لا يهمهم بلد ولا ضحايا ولا كوارث جلبوها للوطن، فالكرسي بالنسبة لهم مغارة علي بابا يكنزون منه الأموال بلا ضمير ولا حساب ولا كتاب! لا علاقة له بالمسئولية إزاء الشعب ومطالبه. وهم يفضلون حتى الاستسلام لجندي بائس من جنود العدو (يفلي) رأسه، على تجنيب الشعب مصائب وكوارث لا أول لها ولا آخر! بل منهم من قصف شعبه المعارض له بمباركة ذلك العدو نفسه. وهذا ما لم يفعله زين العابدين. بل نرى حتى احتجاج الشعب كان حضاريا ، بصورة ذلك الشاب الرائع الذي انتحر دفاعا عن كرامته وجعل من جسده الشرارة الأولى للثورة، كان متحضرا لم يشأ أن يقتل أبرياء ليذهب للجنة.. لاشك ان ذلك السلوك هو بتأثير سياسات الدولة من عهد بورقيبة أول قائد عربي ومسلم يمنح المرأة حقوقها، الى زين العابدين الذي بالرغم من ديكتاتوريته كان له دور بالحفاظ على تونس خضراء وزاهية بعيدا عن شعارات القومية والطائفية الزائفة. بالرغم من ذلك نرى بعض أبواق الإعلام العربي الذي جعل من الجلاد بطلا بالأمس القريب، حتى وهو يراه في جحر الفئران، ويستسلم للجندي الأمريكي.. تتعالى أبواقه اليوم تدين زين العابدين بالرغم من انسحابه وتركه البلاد، وتحرض الشعب التونسي للمزيد من الشغب والتخريب، بحجة تأييدها للثورة التونسية! لهذا الكل ينتابه الخوف من سرقة تلك الثورة وتخريب مسارها، كما حصل في إيران يوم ثار الطلبة ومعهم الأحزاب اليسارية لاسيما حزب تودا.. فأتى الخميني وسرق وهجها وحولها الى ثورة دماء وقتل تشهد له النافورة الحمراء التي تتوسط طهران، بكل ما تبثه من شعور بالغثيان والاشمئزاز والاستهجان! وأول ما فعلوه بعد انتصار الثورة! قتلوا قادة الثورة من يساريين ليخلى لهم الجو يحولوا البلد الى حزن مستديم يوزعوه على البلدان المخدوعة بهم والتي تصدق حماستهم للإسلام وما هم الا يد من أيدي الأمريكان الساعية لتشويه الإسلام وتخريب الإنسان. يدين البعض بن علي ، خنقه للحريات لاسيما حريات الإسلاميين المتطرفين. لكنه لم يبعث كاتم صوت لقائدهم راشد الغنوشي ويقتله في أوربا، ولم يحفر لهم مقابر جماعية كما فعل المقبور ودفنهم فيها. فكان لابد من تحجيم دورهم التخريبي، ولو لم يفعل ذلك لكان حال تونس كحال أفغانستان أو إيران أو العراق الذي يتناحر الإسلاميون والقوميون والطائفيون ليمزقوه ليحظى كل واحد بلقب حاكما على ضلع من أضلاعه! وهذا بفضل أمريكا التي ساندت صدام من قبل وصدرت لنا أسوا الحريات وتدخلت بالانتخابات ليتحول العراق الى لبنان اخر! وهذا ما يخيفنا، من ان تتدخل أمريكا في تونس كعادتها وتسلط المتطرفين تحت مظلة الحرية والديمقراطية، لجعل ذلك البلد الجميل خرائب ليتحول سوقا لأسلحتها الفاسدة!.. ففي احد المقالات لأحد الكتاب ذكر انه "في شوارع تونس العاصمة الجميلة والخالية من الأزبال كما تظهر على شاشة التلفاز بدأ الإسلاميون صلاة الجماعة والشكر على النصر وهرع المتطرفون الإسلاميون من كل حدب وصوب بجوازاتهم الأوربية بالعودة الظافرة إلى تونس فالسلطة الان في متناول أيديهم. وصرح راشد الغنوشي قائد حزب النهضة الإسلامي والملهم الروحي للمتطرفين والانتحاريين التونسيين أنه سيعود إلى تونس في القريب العاجل بعد طول هجرة وتغرب في بلاد الكفر". وقد رجع الغنوشي، ترى ما الذي ينتظر هذا البلد الصغير وشعبه إذا نجح كل هؤلاء في إجهاض ثورة كادحيه وفقراءه وهي ما تزال بعد في المهد. هل يخرج من بلاء قديم ليدخل في بلاء جديد كما حدث في إيران. لكن كل الدلائل تشير ان الشعب التونسي متحضر وله ارث من الحرية والديمقراطية عبر سنوات، ولابد أن يعي أن حالة الفقر والبطالة بالرغم انها عالمية لكن له الحق أن يقاتل من اجل حقوقه ورفاه عيشه، بطريقة متحضرة بعيدا عن غربان الفضائيات التي تسارع للنعيق على الخرائب كما هو الحال بالجزيرة والحوار وغيرها من الفضائيات التي تبحث عن مأتم لتردح في وسطه. ولابد أن يعي مخاطر السماح للمتطرفين بتشويه حياتهم، فحرية الرأي شيء والسماح للمتطرفين ان يخربوا حياتنا شيء آخر. لابد من الوقوف بوجههم من قبل الجميع، وينتهزوا تأييد الجيش لهم ومساندتهم ليحققوا التغيير المنشود بطريقة حضارية لا تمس تونس وشعبها ولا تعود به للوراء وتجره لهاوية التخلف والجهل والتردي. تحية لشعب تونس المتحضر الجميل المحب للحياة.. الذي أشعل شرارة الثورة ليمتد دفئها وضوءها لمصر التي فاجأت العالم بشبابها الواعي وثوار ميدان التحرير الأبطال. ومن ثم الى اليمن والجزائر وغيرها من البلدان التي تعبت من الحرمان والدكتاتورية والظلم، تعبت من السكوت والخوف والصمت.. تحية للشعب المصري والشعب العراقي الرائد في رفض الجلاد، والذي يواصل انتفاضته السلمية لرفض السرقات والحرمان والظلم المتستر خلف قناع الديمقراطية مرة وبقناع الدين. وتحية لبن علي في منفاه لعله يعود لبلده يوما كأي مواطن له الحق أن يتمتع بجمالها وخيراتها. تلك هي الديمقراطية اذا كانوا حقا يبحثون عنها. لعل القادة الآخرين يتعلمون الدرس من كل أركانه.
#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوزارات العراقية بين التخصص والأداء
-
العراق يصيح (أدير العين ما عندي حبايب)
-
فارس يرحل وتبقى الكلمة
-
زمننا المترهل وزمانهم..!
-
حماية الدين بفصله عن الدولة
-
بن لادن وتيري جونز
-
ثورة الكهرباء
-
على ضفاف المونديال
-
البرلمان المعلق!
-
من فشل في الانتخابات العراقية؟
-
حسافة (الحبر) ما غزّر
-
العيب الكبير
-
لا يحتمل التأجيل
-
الديمقراطية مثل السباحة لا يتعلمها الإنسان إلا بالممارسة
-
احذروا غضبة الحليم
-
في حضرة الانتخابات
-
اعترضوا ..ولكن ما هو الحل؟
-
أي الأجندات سننتخب؟
-
وحدة ما يغلبها غلاب!
-
لقد جاوز الظالمون المدى
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|