عبد علي عوض
الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 21:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد برهنت رياح التغييرالتي أطاحت بعرش طاغية تونس وهزَّت وأرعبت عروش ما تبقى من طغاة الإستبداد ، أنَّ ما جرى في تونس ويجري الآن في مصر هو نتاج التراكمات الكمّية ولعقود من السنين في مصادرة حريات الشعوب من قِبل حكّامها المستبدين ، والتي أدت الى هذا التراكم النوعي المتمثل بحالات الإنتفاض الشعبي العارم ، تعطشاً للحرية والإنعتاق وإسترداد الكرامة الإنسانية . فقدان الحرية وإمتهان كرامة المواطن هو الذي دفع بالملايين من المقهورين والمظتهَدين الى رفع صرخاتهم سلمياً ، متحدّين أجهزة القمع الحامية لأنظمتها الفاشية ، وها نحن نشاهد كيف تجابَه إعتصامات الشعب المصري السلمية بالهراوات ، والتي تعكس حالة الهستيريا لنظام مبارك ، الذي أخذ يعد أنفاسه الأخيرة ، غير آبه بمناشدات شعبه والأسرة الدولية .
البعض يتصور أنّ الوازع الرئيسي لتصاعد تلك الإعتصامات هو تفشي البطالة وإنتشار الفساد ، وهذا غير صحيح ، لأنّ مصادرة أقدس شيء يمتلكه الإنسان ( حريته الفردية وفكره ) هي جريمة أكبر من سرقة ومصادرة المال العام وثروات البلد . لذا فإنّ تجريد الإنسان من ذهنه وحصر تفكيره قسراً بين معدته وغريزته الجنسية ، هو سلاح لضمان إدامة نظام الحاكم المستبد . ما زلنا نتذكر نظام الأبارتايد العنصري في جنوب أفريقيا ، وكيف كانت الأكثرية السوداء تُساق الى مزارع الأقلية البيضاء كالعبيد ، بالرغم من توفر الغذاء لهم ، لكنهم كانوا رقيق فاقدين حريتهم ، ونظام البعث الفاشي الصدامي أكثر تجسيداً وفضاعة في بطشه و مصادرته لحرية الإنسان العراقي .
إنَّ الأنظمة الدكتاتورية سواء كانت علمانية أم دينية ، تعيش في أبراجها مع أجهزتها القمعية بعيداً عن هموم شعوبها ، فهي غير معنية بالقضاء على الأمّية والبطالة والفساد والجريمة المنظمة وإنتشار الأمراض الصحية والإجتماعية والبيئية ، بل أنّ تلك الظواهر هي إفرازات حتمية وملازمة لحكومات الطغاة ، وتبيّن العلاقة الجدلية فيما بينها ، فالتغلب عليها ( الظواهر ) وزوالها مرهون بزوال تلك الأنظمة الشمولية الإستبدادية .
إنّ ما جرى في تونس ويجري حالياً في مصر ، ما هو إلاّ رسالة تحذير وإنذار الى الكتل السياسية العراقية المساهمة في حكومة الشراكة المحاصصاتية الغنائمية ، التي أثبتت غلو ساستها في أنانيتهم غيرمكترثين بالمسائل المطلبية والملحة للشعب .
إنْ إستمرت عملية بناء الديمقراطية على المنوال الذي نراه ، فلن يُكتب لها النجاح وستكون وليد مشوَّه الشكل والمضمون ، فهي تملك أساساً بعثياً ( الإغتيالات وبث الرعب ) وقواماً إسلامياً طائفياً شمولياً ( فرض مفاهيم ولاية الفقيه ) وما يجري من هجمة ظلامية شرسة بحق الثقافة العراقية من تحريم الغناء والموسيقى الى مداهمة الأندية الإجتماعية والثقافية الى المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب في الجامعات ، ما هي إلاّ بدايات عودة الحُكم الشمولي الفاشي وبمسمّيات مختلفة .
#عبد_علي_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟