|
ما رأي الطبِّ النفسي في الخطاب وصاحبه؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 15:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وكأنَّهم أخذوا باقتراحي، أو نصيحتي، فكتبوها له، هذه المرَّة"، بالعبرية.. "ارْحَلْ"؛ وكأنَّه وافَقَني الرأي إذ قُلْتُ "من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل"؛ أمَّا الآن فأقول لهم، مُقْتَرِحاً أو ناصحاً، "أذِلُّوه بالصَّفْح عنه"!
إنَّني أعْلَم أنَّ مبارك "رَجُلٌ طيِّب"، وأنَّ لديه من "الطِّيبة" ما يَجْعَل السماء لا الأرض (ولو كانت أرض الكنانة) مكانه الذي يستحق.
متى يَرْحَل "الرئيس" مبارك (82 عاماً) الزَّاهِد الآن (وكُلُّكم تعلمون معنى، أو معاني، "الآن") عن الولاية الرئاسية السادسة، والذي "حَرَمَ" نجله جمال "حقه المشروع" في أنْ يَرِث عنه حُكْم مصر؛ لا بل مصر نفسها؟
يَرْحَل عندما يأذن الله؛ ولا نَعْلَم متى يأذن. وسياسياً، يَرْحَل عندما يُتْمِم عمله التاريخي (عمَّا قريب) فإنَّ من الحماقة بمكان أنْ نَظُن أنْ ليس للثورة المصرية من "قائد (أو رأس)"، فوالله إنَّ مبارك نفسه هو "قائدها"؛ وهو الذي يعرف خيراً من سواه كيف يسقي نيرانها بمزيدٍ من الزِّيت، وكيف يجعلها أصْلَب عوداً، وأفضل تنظيماً، وأعمق جذوراً، وأكثر ثقةً بنفسها؛ وكأنَّه يأبى أنْ يَرْحَل قبل أنْ يَنْقُل السلطة، كاملةً، ومباشَرَةً، وفوراً، من قصر عابدين إلى "ميدان التحرير"، فـ "الرئيس"، على ما يبدو، لديه من سعة الأفق ما يجعله يرى نائبه عمر سليمان على حقيقته؛ فهذا الرَّجُل هو ظِلٌّ لمبارك؛ وليس من المنطق في شيء أنْ يبقى الظل في مكانٍ غادره صاحب الظل؛ كما ليس من المنطق في شيء أنْ يَخْتَصِم الطرفان (الرئيس والشعب) وكلاهما يشبه الآخر كثيراً في أمْرٍ في منتهى الأهمية، فالرئيس يستميت وهو على بُعْدِ شبرٍ من "القبر"، بمعنييه؛ والشعب لا يستطيع أنْ يموت وهو على بُعْدِ شبر من "الهدف النهائي"، ومن "النصر العظيم"، ومن "الحياة" بكل معانيها.
وإذا كان الرحيل بمعنى أنْ يتنحَّى، أو يُنحَّى، عن السلطة، فإنَّ "الدستوريين"، من فقهاء الدستور وخبرائه ومصمَّميه، يقولون إنَّ إصابة الرئيس بمرضٍ يُعْجِزه عن ممارسة الحكم هي سبب كافٍ لتنحيته (عن السلطة).
وإنَّي، بعد استماعي لأحْدَث جزء من "الخطاب الأخير" للرئيس، والذي سيظلُ آخر خطاب له مهما خطب، لأدْعو الأطبَّاء النفسانيين، وعلماء النفس، إلى أنْ يتوفَّروا جميعاً على دراسة وتحليل الحالة النفسية للرئيس مبارك، فإنَّ في خطابه الثالث، أي "الجزء الثالث من خطابه الأخير"، ما يَدُلُّ (كما تَدُلُّ الثمرة على شجرتها) على أنَّ الرئيس يعاني أمراضاً نفسية وذهنية تُعْجِزه عن الاستمرار في ممارسة الحكم؛ وإنْ جاءت تجربة الحكم في العالم العربي بما يؤكِّد أنَّ تلك الأمراض لا تتعارَض أبداً مع استمرار الحاكم (المصاب بها) في الحكم.
لستُ طبيباً أو محلِّلاً نفسانياً؛ لكنْ لديَّ من الخبرة الأولية بسيكولوجيا الحاكم العربي ما يسمح لي بقراءة نفسانية، لا سياسية، لهذا الخطاب، وصاحبه، وبدعوة كل العقلاء والأصحَّاء نفسياً من أهل الحكم في مصر، وعلى قلَّتهم إذا ما وُجِدوا، إلى تنحية الرئيس فوراً؛ فإنَّ لديه من الأمراض النفسية، والإعاقة الذهنية، ما يُعْجِزه عن ممارسة الحكم، وما يُلْزِمهم نَقْلِه على جناح السرعة من قصر عابدين إلى حيث يجب (طبِّياً) أنْ يكون.
أنتم، يا معشر الأصحَّاء نفسياً وذهنياً، حاولوا أنْ تنظروا إلى مبارك مثلما يَنْظُر هو إلى نفسه، لتتأكَّدوا، من ثمَّ، أنَّ الرَّجل مُسْتوفٍ لكل "الشروط الطبية" لنَقْلِه من حيث هو الآن إلى حيث يجب أن يكون.
الرَّجُل مُؤمِن، لا لكونه ينطق بالشهادتين..؛ وإنَّما لكونه يؤمِن ببيت الشِّعر "ما شِئْتَ لا ما شاءت الأقدار، فاحْكُم فأنتَ الواحد القهار". إنَّه، والحقُّ يقال، غير مؤمِنٍ بالله مخافةً أنْ يُشْرِك هو بنفسه!
الرَّجُل يَفْخَر بأنَّه هو العناد، والعناد هو؛ و"العناد" هو أنْ يَعْرِف مبارك الشيء فيأباه، ويميل عنه؛ وكان كُفْرَ أبي طالب معاندةً؛ لأنَّه عَرَفَ وأقرَّ وأنِفَ أنْ يقال "تَبِعَ ابن أخيه، فصار (لهذا) كافِراً".
وفي "الحديث" جاء: "إِن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جَبَّاراً عنيداً"؛ أمَّا في "الخطاب" فجاء: "إنَّ الله خلقني عبداً كريماً؛ لكنِّي جَعَلْتُ نفسي (وجعلونني) جبَّاراً عنيداً".
ولمَّا سمع المتنبي خطاب مبارك قال: "وليس يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليلٍ"؛ فهل هذا الرئيس يظل سوياً وهو الذي ما انفك يطلب دليلاً على وجود النهار؟!
رأى مصر تَخْرُج على بكرة أبيها، قائلةً له "نكرهكَ، لا نريدكَ، فارْحَل"؛ ولقد رأيتُ قطَّة عُلِّق في عنقها كلمة "No"؛ لكنْ ما نَفْع عين ترى ولا ترى، وأُذْنٍ تسمع ولا تسمع؟!
لقد رأى وسمع وعَرِف وعَلِم..؛ لكنَّه "أنْكَر" إنكاراً لا مثيل له إلاَّ في المَثَل "عنزة ولو طارت"؛ فخاطب "الغالبية الشعبية السَّاحقة الصامتة"، أي غالبية المواطنين الذين يتظاهرون تأييداً له (ولو في صَمْت) وهُمْ في منازلهم!
أمَّا الملايين من المصريين المُحْتشدين احتشاداً يَجْعَل أيَّام مصر كيوم القيامة، والذين بُحَّ صوتهم من كثرة ما صرخوا صرخة "ارْحَل" على مرأى منه ومسمع، فَلَمْ يرَ فيهم إلاَّ فئة ضئيلة ضالة، فوضوية، تُخرِّب وتحرق وتسرق..؛ وكأنَّه يتَّهِم الشعب بارتكاب كل ما ارتكبه هو وعصابات الإجرام (التي تدين له بالولاء) من جرائم (في حقِّ الشعب).
كل مسرحهم احترق؛ ولم يبقَ من الممثِّلين إلاَّ هو؛ وها هو مبارك يدعو المصريين، وكأنَّه يخطب في قوم من الأغبياء، إلى أنْ يَدَعوه يقودهم، في البقية الباقية من ولايته الخامسة، ضدَّ عهد مبارك، ولتحريرهم من هذا العهد؛ وكأنَّه لا يَقْبَل أنْ ينازعه أحد شَرَف تخليص مصر من مبارك وعهده؛ وكأنَّ إلهي الشر والخير يجتمعان فيه وحده!
لولاه؛ لولا هذا "المقاتِل من أجل مصر"، ما خاضت مصر حرباً؛ ولولاه لَمَا نَعِمت بهذا السلام (المُذل).
لولا الديمقراطية التي أسبغ نعمتها على شعب مصر ما كان لـ "ميدان التحرير" أنْ يضيق، على سعته، بالمتظاهرين (ضدَّ واهب الديمقراطية).
ولولا مآثره التي لا عدَّ لها ولا حصر لَمَا حقَّ له أنْ يخاطب شعبه قائلاً: أنا الدولة، والدولة أنا؛ أنا مصر، ومصر أنا؛ إذا مِنِّي جاءكم الاستبداد فَمِنِّي وحدي تجيئكم الحرِّية؛ وإذا مِنِّي جاءكم الفساد فَمِنِّي وحدي يجيئكم الإصلاح؛ وإذا مِنِّي جاءكم هذا الدستور الرجيم فَمِنِّي وحدي يجيئكم الدستور الرَّحيم؛ وإنِّي خيَّرتكم فاختاروا، فإمَّا أنا أقودكم في الضرَّاء بعدما قدتكم 30 سنة في السَّراء، وإمَّا الفوضى؛ وإنَّ أمْرها لو تعلمون عظيم!
والله إنِّي لم أُصَدِّق أنَّ روح نيرون تحلُّ في جسد الحاكم العربي ما أنْ توشِك أنْ تغادره الروح، أي ما أن يصبح في رُبْع الساعة الأخير من عمره السياسي، وعلى بُعْد شبر من قبره السياسي.
أمَّا هو فإنَّ عليه أنْ يُصِدِّق أنَّ نيرون مات ولم تَمْتْ روما!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من حقِّه أنْ يُخْلَع لا أنْ يَرْحَل!
-
نصفه فرعون ونصفه نيرون!
-
قصة موت غير مُعْلَن!
-
قنبلة -الوثائق-!
-
لا تسرقوا منها الأضواء!
-
هل يقرأ الحاكم العربي سورة -افْهَمْ-؟!
-
تلك هي -الطريق-.. وهذه هي -المحطَّة النهائية-!
-
الثورة التي كشفت المستور!
-
حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!
-
السقوط العظيم!
-
أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
-
ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
-
كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
-
سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
-
جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
-
فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
-
عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
-
-الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
-
هل يتوقَّف الزمن؟
-
هذا الخلل التفاوضي الكبير!
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|