أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم حسيب الغالبي - جيش الوطن و جيش السلطة















المزيد.....

جيش الوطن و جيش السلطة


ابراهيم حسيب الغالبي

الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 08:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أجزم أن من أهم ما لفت انتباه العراقيين وهم يراقبون تطورات الأحداث في مصر هو موقف الجيش المصري من موجة التظاهرات الشعبية العارمة في القاهرة والمدن الأخرى، فهذا الجيش و على غير المتوقع والمعهود في الأنظمة الدكتاتورية انقلب من وسيلة كتم للحريات إلى الراعي الأبرز لها الكافل لأجواء آمنة بغية استمرارها دون منغصات، منغصات قد تكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر الثورة وتذهب بطموحات الشباب الثائر أدراج الرياح حين يفلت زمام الأمور و يتحول الاحتجاج إلى تخريب والمطالبة بإسقاط الرئيس إلى إسقاط الوطن. ولعل هذا الموقف هو ما جذب انتباه الكثيرين ولكن انتباه العراقيين له أشد في درجته لأنه انتباه يحيل إلى التذكر والتأمل الباعث على مشاعر الألم من ماضٍ فادح بخسائره مريرٍ بتركته الثقيلة.
مبعث الألم العراقي قد تخالطه سكينة، لكنها أشبه بسكينة اليأس والأسف و التسليم بقدر لا زال هناك من يجادل حوله أو يرمي سهام التشكيك بحقائقه الناصعة. فقد أوضح موقف الجيش المصري تجاه مواطني بلده وكما هو حال الجيش التونسي من قبله أن جيشنا العراقي الذي نسج له البعض تاريخا حافلا من البطولات والانتصارات كان أكثر جيوش المنطقة خسة ودناءة ضد العراقيين. كان بحق جيش صدام حسين لا جيش وطن اسمه العراق. وبالتالي يتعذر على صاحب الضمير الإنساني أن يخلع عليه أية صفة من صفات التقدير والاحترام.
كنتُ من ضحايا هذا الجيش عام 1991 حيث أُصِبتُ بقذيفة هاون أطلقها الحرس الجمهوري، كانت هناك مئات القذائف المماثلة التي تساقطت على عموم أحياء المدينة ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى والمعوقون جسديا أمثالي فضلا عن الدمار الواسع بالممتلكات الخاصة والعامة. تفاصيل تلك الأحداث لم تُمحَ من ذاكرتي ولن تمحى على الإطلاق، وفيها أن قصف المدن العراقية أبان الانتفاضة الشعبية لم يكن له ما يبرره أبدا، فالمواجهات مع المسلحين الذين أتهمهم النظام آنذاك بالمخربين والعملاء لم تجرِ إلا بعد دخول تلك القوات إلى أزقة وحواري المدن الجنوبية والوسطى. فما كان الغرض من صب جحيم الموت على رؤوس الناس في بيوتهم سوى إظهار قسوة السلطة و زرع الرعب والخوف منها لا غير وكان كل ذلك الموت هو العقوبة الجماعية التي رأى الجيش أن من واجبه تنفيذها طبقا لأوامر صدام. الهدف أنجزه الجيش على أتم وجه وختمه باعتقال آلاف الشباب و إعدامهم في الساحات ومن ثم طمرهم مع النفايات فيما عُرِف بعد ذلك بالمقابر الجماعية التي كانت إحداها المثوى الأخير لشقيقي وثلة من الأصدقاء، شباب لم تكن لهم صلة من قريب ولا من بعيد بما جرى حولهم. كان أفراد الجيش العراقي يبذلون كل جهدهم واجتهادهم في القتل والتدمير ولم تُرعَ أية قدسية لأية حرمة دينية أو أخلاقية أو إنسانية. في أحد أيام تلك المواجهات وقف مجموعة من الجنود بدباباتهم ومعهم ضابطهم المسؤول، أمر الضابط جنوده بقصف أحد مراقد الشيعة المقدسة لديهم. يروي أحد المتواجدين أنه في تلك اللحظة كان قد شك بتنفيذ الأمر، و خمّن أن الجنود لا سيما المدفعجية سيحاول كل منهم ترك المهمة لصاحبه. لكن المفاجأة بالنسبة إليه كانت أن صب الجميع حممهم على ذلك المكان مع علمهم أن نساء و أطفالا شوهدوا يفرون إليه من وابل القصف على بيوتهم والطرقات التي كانوا يهرعون فيها على غير وجهة محددة. ثم انطلق المشاة ليجهزوا على من بقي جريحا في الداخل.
لم يكن هذا المشهد المأساوي فريدا من نوعه، فالحق أن ما جرى عام 1991 كان محض مجازر متوالية مورست خلال بضعة أيام بعيدا عن وسائل الإعلام ولم يعلم احد بحجم ما حدث سوى الولايات المتحدة و بريطانيا حيث كانت طائراتهما تحلق في أجواء حرب الإبادة تلك. و لم تكشف الدولتان حد اللحظة عن تلك المأساة الرهيبة لكونهما كانتا متواطئتين بشكل أو بآخر.
الحجة التي قدّمت بل والتي لا يزال البعض يقدمّها تتمثل في أن قادة الجيش و منتسبيه لم يكن لهم خيار سوى إطاعة أوامر النظام وإلا كانت النتيجة معاقبتهم بالقتل أو السجن. ورغم تفاهة هذه الحجة والتي لا يأخذ بها أي قانون معاصر فهي من جانب آخر اعتراف بما هو أكثر إساءة من مجرد طاعة الدكتاتور، إذ أنها اعتراف واضح بجبن لا نهائي و روح وطنية غائبة تماما وضمير ميت ومنتن. لقد كان الجيش العراقي إذن مجموعة قادة جبناء و لا يتمتعون بأي شعور وطني تجاه شعبهم و وطنهم. يورد جورج تينت في كتابة ( في قلب العاصفة) أن العديد من أفراد الجيش العراقي أبلغونا أنهم لن يعملوا معنا ما دام صدام حيا لأنهم يخشون من عودته إلى السلطة أكثر مما يخشون من الولايات المتحدة. إن من الصعب على المرء تصور أن يكون موقف التخاذل والخوف لدى قادة الجيش وضباطه يبلغ كل هذه الحدود الباعثة على الخجل، وإلى درجة الفزع من عودة صدام حتى بعد دخول القوات الأمريكية قلب العاصمة بغداد لمجرد كونه لا يزال حيا!
لقد كان تاريخ الجيش خاصة في زمن الدكتاتور صدام حسين تاريخا مخزيا وأسودَ. فقد كان الأداة المباشرة المسؤولة عن بقاء الدكتاتور في كرسيه أربعة وعشرين عاما متواصلة( 1979-2003). وبعد أن أتى هذا الجيش بحزب البعث العربي الاشتراكي في انقلاب تموز 1968 دون أن يكفر عن هذه الخطيئة بحق العراق والأمة العراقية. بل على العكس من ذلك استمر في قمع انتفاضات الشيعة المتكررة والحركة الكردية و مارس التخويف والترويع للسنة الذين لانت قناتهم بعد أن جعل صدام أغلب القيادات العسكرية منهم، وبالتالي فقد تم احتواؤهم أيضا عبر المؤسسة العسكرية وإن بطريقة مختلفة.
من المفترض أن وظيفة الجيش تتلخص بحماية أمن البلاد من أي مساس خارجي بسيادتها، وفي حالات محددة قد يشترك في توفير الأمن الداخلي فيما إذا عجزت الشرطة والقوات الأمنية عن ذلك كما هو حاصل اليوم في العراق بفعل الهجمات التي يشنها المتطرفون، وكما يحدث في مصر بعد انهيار القوات الأمنية اليد الضاربة للنظام بفعل الاحتجاجات الشعبية العارمة. وفي كثير من الدول كان الجيش قد كلِّف بمهام إنسانية وقت الكوارث حيث يتم الاعتماد على قدراته وآلياته في المساعدة على إنقاذ أرواح المدنيين، وهي مهام تنسجم و وظيفته الأساسية وهي الحفاظ على مواطني البلد من أي تهديدات تطالهم. إن الجيش العراقي كان جيش السلطة وليس جيش الدولة والوطن. وحين يوصف اليوم الجيش المصري بأنه جيش ذو تاريخ وطني ناصع فهو وصف ثبت استحقاقه لهذا الجيش بعد أن رفض ممارسة أية ضغوط على المصريين و وعى مهمته الوطنية والإنسانية. والحقيقة أن أية ثورة شعبية مقبلة في دولة عربية أخرى ستنجح بشكل لافت فيما إذا كان لتلك الدولة جيش وطني لا غير.



#ابراهيم_حسيب_الغالبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعار قبول الآخر .. لا زال شعارا!
- احتلال لأمكنة عالقة


المزيد.....




- رقصت بالعكاز.. تفاعل مع إصرار هبة الدري على مواصلة عرض مسرحي ...
- هل باتت فرنسا والجزائر على الطريق الصحيح لاستعادة دفء العلاق ...
- الجزائر تعلن إسقاط طائرة درون عسكرية اخترقت مجالها الجوي من ...
- من الواتساب إلى أرض الواقع.. مشاجرة بين المسؤولين العراقيين ...
- قفزة بين ناطحتي سحاب تحول ناج من زلزال تايلاند إلى بطل
- قراءة في تشكيلة الحكومة السورية الانتقالية : تحديات سياسية ...
- قناة i24 الإسرائيلية: ترامب يعتزم لقاء الشرع خلال زيارته للس ...
- إعلام أمريكي: دميترييف وويتكوف يلتقيان في البيت الأبيض
- الخارجية الألمانية تعلن إجلاء 19 مواطنا ألمانيا مع عائلاتهم ...
- الولايات المتحدة توسع قوائم عقوباتها ضد روسيا


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم حسيب الغالبي - جيش الوطن و جيش السلطة