الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3265 - 2011 / 2 / 2 - 01:14
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كمتابع لما يقع في أرض مصر وعلى يد أبنائها من الشباب الثائر طيلة أيامها الثمانية ، يثير فعلا الدهشة ، والإستغراب ، دهشة ٌ تثيرها الرغبة الجامحة في التغيير ، هذه الرغبة التي صقلتها الإرادة الوطنية وقوة التضحية ، فأنتجت شعبا لا يمكنه التراجع على ما صمم عليه رغم ما أحيك ضده من دسائس لتركيعه عبر تلفيقات من شهداء الزور ، ومحاولة تحويل النية الصادقة إلى ما يسمونه التخريب والبلطجة ، واستغرابٌ لما يمارسه النظام من الدسائس لتغليب الباطل على الحق ، ضربٌ بالرصاص ، والهراوات والقنابل المسيلة للدموع ، وسحبٌ للشرطة من مواقعها ، وإرسال وحدات الجيش لقمع المتظاهرين ، واستعراض للقوة عبر المروحيات والطائرات النفاثة ( ف16) التي تجوب سماء القاهرة ترهيبا وتخويفا لأهاليها .
*** قوات الأمن ... من اللاّأمن.... إلى الأمن .
في اليوم الثامن تبدلت الأحوال ، ولان النظامُ بعد أن تأكد بأن أساليب القوة لن تجدي نفعا ، فأعلن قادة الجيش بأنهم يقدرون ويتفهمون شرعية مطالب الجماهير ، ويتعهدون بعدم إطلاق النار عليهم ، وخرجت الشرطة للشوارع بوجه مغاير تماما ، بلا أسلحة وبلا هراوات ، ولا قنابل مسيلة للدموع ، في وجوههم بشاشة لم تكن معهودة ، مسايرين للأمواج البشرية دون اعتراض يذكر ، ولعبت اللجان الشعبية دورها في التعبئة والنظام والتفتيش مع الجيش ، حتى لا يندس المفسدون بين المتظاهرين ويدنسوا الفعل تدنيسا ، فأجتمع خلق عظيم قد يزيد عن المليون أو يقل قليلا ، ولا يهم العدد بقدر ما يهم التجانس والتطابق فيما يريده عموم الناس الذين اتفقوا جميعا على كلمة سواء ( ارحل يامبارك ) وإن تنوعت أساليب دعوتهم لذلك .
*ومن خلال تجمع اليوم يتضح مدى أهمية عمل قوات الأمن في ( سواد الأمن ) ، فالإحتجاجات غالبا ما تبدأ سلمية مطلبية ، وعندما تلجأ الشرطة لردعها بالقوة بأمر فوقي ، وتُشتت جموعها ضربا بالرصاص والهراوات والقنابل الدخانية الضارة ، أو مطاردتهم بخراطيش المياه الحارقة ، تثور ثائرة المحتجين فينتقلون إلى التّهراس مدافعين أشاوس كرد فعل وجيه ، للأفعال المقترفة ضدهم .
* إن تفهم قوات الأمن برؤسائها ( لحق الناس في التظاهر والتعبير عن الرأي ) يفسح المجال واسعا لتقارب الرؤى، ويساعد على إحساس الناس بأن قوات الأمن وجدت فعلا من أجل أمنهم وسلامتهم ، لا من أجل قتلهم وترويعهم ، وهو ما ظهر جليا في التعاون بين وحدات الجيش والمواطنين اليوم في ميدان التحرير، وقبلا في تعاون الشباب على القبض على السراق والبلطجية ( الذين هم في الغالب من رجال الأمن بلباس مدني)، وجمعت المسروقات في أماكن آمنة لإعادتها إلى أصحابها .
*** دناءة النظام تزكم الأنوف ..
1)سعى النظام وأذياله لتعكير صفو الإنتفاضة المباركة بكل الحيل والألاعيب ، بدأ بممارسة الصدام الدموي ضد المتظاهرين ، وقتل المئات من الأبرياء منهم ، إلى تبني منطق ( أتركوهم يأكلون بعضهم بعضا ) بعد انسحابهم الكلي من الميدان يوم غضب الجمعة الفارط ، لكنهم أخرجوا قناصاتهم و أوباشهم و بلطجتهم ومساجنهم ، ومن سايرهم الركب و التوجه والمنفعة بلباس مدني ، لترويع ا لناس وقتلهم ونهب ممتلكاتهم ، فوقع خراب كبير ، لم تسلم منه حتى الملكيات الخاصة والعامة بما فيها المتحف الوطني.... لولا اللجان الشعبية المتعاونة مع الجيش لوقعت الكارثة .
2) سعى النظام بخبث إلى نشدان التغيير ، بعد أن فُرض عليه ، فكان تعيين نائب الرئيس ، ورئيس وزراء جديد بتشكيلة وزارية ( قديمة حديثة ) ، وتنازلات تصحيحية غرضها امتصاص الغضب من الشارع المصري ، غير أن المواطنين تنبهوا وأدركوا أن الحل هو رفع سقف المطالب إلى الحد الأقصى وهو ( سقوط مبارك ونظامه كلية ) .
3) خلق أزمات تموينية بالمواد الغذائية ، شح في الخبز ، غياب شبه كلي للبنزين ، غلق البنوك والصرافات ، نقص في الخضر والفواكه الضرورية ..وهي أمور يراد منها تركيع المواطنين وبعث روح الإحباط في نفوسهم منتهجين فكرة ( جوع كلبك يتبعك ) .
4) لإفشال التجمع المليوني في ساحة التحرير ، عمد النظام إلى خنق الطرق والشوارع المؤدية لها ، وأوقفت حركة القطارات بمتاريس تمنع الناس العبور ، وعطلت حركة المرور بين خطي السويس القاهرة ، والقاهرة الأسكندرية .
5) تعطيل وسا ئل التواصل الإجتماعي من الأنترنيت والهاتف الجوال ، وحتى الهاتف الثابت في معظم الأحايين بدون حرارة ، وكل ذلك منعا للتواصل عبر شبكة الفايسبوك والتويتر و اليوتوب ، التي تعد عاملا مساعدا على التنسيق بين الشباب الثائر .
6) توقيف فضائية ( الجزيرة ) الإخبارية ومنعها من تغطية المظاهرات ، وسحب الرخص من مراسليها بمصر ، لما قامت به من تغطية شمولية ناجحة للحوادث بالصوت والصورة ، وما أحدثته من تعاطف عربي وعالمي مع المحتجين ، وهو ما غير مواقف الكثير من أنصار النظام مثل الإتحاد الأوربي وأمريكا ، ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد ب تعداه إلى إلغاء موقع الفضائية من القمر الإصطناعي ( نايل سات كلية ) كعقوبة على صراحتها وعدم امتثالها للمساومة الخسيسة من النظام ؟ .
7) تجنيد المحطات الفضائية المحلية للممارسة التعتيم الإعلامي بخبث قل نظيره ، وهي سمة امتازت بها بعض الفضائيات المصرية عن سابق إصرار وترصد ، بغية الحصول على مغانم دنيوية على حساب شعوبهم .
8) مناورات الرفرعون في خطابه المزمع إلقاءه بعد المظاهرة المليونية ، والذي سيسعى فيه حتما إلى سياسة التنازل التدريجي على منصبه ، وقد يتعهد بإصلاحات فعليه في مختلف الجوانب ، ( المهم أتركوني أتمم العهدة على خير ).
*** تخوفات عربية وإقليمية وغربية مما يقع في مصر .
إن لموقع مصر الحيوي في شمال شرق افريقيا بين قارتي آسيا وإفريقيا ، وهيمنتها على ( قناة السويس ) ، ومرور نهرالنيل العظيم بأراضيها التي وصفت منذ القديم ( بأنه هبة النيل ) أسال لعاب المستعمرين قديما وحديثا ، وسيطروا على مقدراتها بصفة مباشرة ماضيا ، أو غير مباشرة حاليا ،عبر اتفاقيات سرية باعتبارها الضامن الأكبر لمنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم ، ومحاربة الهجرة المهددة لأوربا ، والحفاظ على أمن دولة إسرائيل عبر سلسلة من الإتفاقيات التي دشنت باتفاقية ( كامب ديفيد ) .
*إن الولايات المتحدة ودول الغرب حائرة في تبني موقف واضح من الثورة المصرية ، لأنها لم تدرك بعد أين تميل الكفة ( فهي دائما تميل حيث تميل الكفة بمنطق براجماتي نفعي ) ، إسرائيل هي الوحيدة التي عبرت عن أملها في بقاء النظام الحالي ، لأن تغيير النظام قد يعيد حلحلة الوضع إلى ما كان عليه قبل ( كامب ديفيد ) ، والغريب في مواقف الدول الغربية التي تدعي الديموقارطية ، أنها لا تريد لشعوبنا قيام أنظمة ديمقراطية فعلية فيها ، لأن ذلك في تقديرهم سيؤدي إلى تأسيس جمهوريات إسلامية على شاكلة ما وقع في إيران .، كما أن وجود ديكتاتوريات عندنا سيساعد كثيرا على استثمار مصادرنا وخيراتنا الطبيعية بأبخس الأثمان ، أما العرب فقد أصابتهم صعقة الثورة ، لتشابه الأنظمة فيما بينها ، وإن عمدت بعض الدول إلى إجراءات تصحيحات سريعة قبل أن تطالها الثورة ، غير أن بوادر الهزة بدأت عند هؤلاء سريعا عبر الهبوط الحاد لقيم البورصات في دول الخليج عموما وإسرائيل خصوصا، وارتفعت أسعار البترول بحيث تعدت عتبة 100 دولار للبرميل .
***خطاب الرئيس .... لا شيء يذكر ....
خطاب حسني مبارك الموجه للأمة بعد قليل عاطفي فوق اللزوم ، ممعن في التنازلات الكاذبة ، فشعب مصر لا يمكنه نكران فضائل الرجل ، غير أنه أحق بقطف ثمار انتفاضته ، فشتان بين ما يطلبه الشعب ...وبين ما تنازل عنه الرئيس .... الذي ذكر الناس بأنه خدم الوطن أيام السلم والحرب ، وانه جدير باستكمال عهدته ـ متناسيا أن حكمه مستمد من إرادة الشعب الذي ينادي بتنحيته ، فسيناريو الخطاب شبيه بخطاب وتنازلات بن علي التونسي ، والوقوف في وجه إرادة الشعب مبعث قلق فعلا ، وهو ما سيجر البلاد إلى مزيد من الضحايا الأبرياء ، وخسائر بالجملة لو فقه ذلك فرعون مصر ، وغلّب المصلحة العامة على الخاصة .
الخلاصة :
بالرغم من التحديات التي تواجهها ، فإن الثورة المصرية ستقطف ثمار هبتها قريبا ، لأنها ثورة شعبية هادفة ، ( وإن كانت في بدايتها عفوية ) ، و خطاب الرئيس في هذه الأمسية ( بعد المظاهرة المليونية ) يوضح بأن الحكام تتحكم فيهم قوى خارجية ، فهي التي توجههم وتدافع عنهم ، لأن مصالحها من مصالحهم ، وهم لايتنازلون على السلطة عن طواعية وطيب خاطر و بإرادتهم ، وإنما ينزلون منها جبرا بالقوة ، وما ذلك بعزيز على شعب وقف في وجه طاغوت التتار ، وطرد نابليون بالحجارة ، ولا على جيش اخترق خط بارليف ببسالة قل نظيرها سجلها التاريخ بأحرف من نار ونور في عام 1973.
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟