أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المعمار الهندسي في قصص فرات المحسن















المزيد.....

المعمار الهندسي في قصص فرات المحسن


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 18:08
المحور: الادب والفن
    


من رحاب السويد ومن الصديق فرات المحسن جاءتني مجموعته القصصية المعنونة )فيما تبقى( الصادرة بـ(238) صفحة من الحجم الوسط عن دار نشر سويدية اسمها فيشون – ميديا – فكشو . صفير عنوان المجموعة لم يعجبني، كما لم يعجبني لا تصميم الكتاب ولا نمط حروفه السود، رغم جودة الورق ورغم أن كارتون الغلاف كان عاديا وليس فيه أي جمال ولا يتعلق بأي مضمون من مضامين 11 قصة احتواها الكتاب. تظل هذه المشكلة في الكتاب العراقي ترتجف عندما يطبع داخل العراق، لكن لا أدري لماذا ارتجفت في السويد أيضا وهي من أرقى دول الطباعة في أوربا. حين يطبع الكتاب في بيروت أو القاهرة أو الشارقة على سبيل المثال لا يئن المؤلف هناك شاكيا من رداءة الطبع ، إلا بالمصادفة، بينما وجدت نفسي انظر لكتاب صدر لي في بغداد في 2010 عنوانه (نقرة السلمان) لم يسلم من سقوطه الطباعي مع الأسف رغم عنايتي في تحضيره كاملا وجميلا قبل إرساله إلى المطبعة.. بينما كان كتابي الآخر ( رسائل حب خليجية) الصادر في نفس العام في بيروت لكنه كان بمنتهى روعة الإخراج الطباعي.
دمدمت أولا حين اطلعت على كتاب (فيما تبقى) لكنني أغرقت وقتي السريع في محاولة قراءة نقدية لأول مجموعة قصص قصيرة بقلم ِ صديق ٍ ، منطلقا نحو عبور أفكار الصحفي النشيط فرات المحسن بتجربته الأولى لعبور آماد فن القصة القصيرة، فوجدته مسافراً بقلمه من بحار السويد إلى بحار الفاو، من استكهولم حتى بغداد، ومن الحرب إلى السلم،ومن مرافئ الغربة إلى الحنين للوطن الأم.
كان قلم المؤلف يعدو بعبارات مكثفة، ليست هاجعة، بل هي نوع من عبارات تعانق الصمت والصراخ، في النور والظلمة ، ممتدة أحيانا في اعماق النفس البشرية، لاكتشاف ما يعكر حياة الإنسان في حربٍ هو مجبر على الخوض فيها، كما في قصته المعنونة (يوم آخر في حفر الباطن) حيث أزيز الطائرات الحربية ودوي انفجار القنابل المتساقطة وصفير الريح فوق رمال الصحراء. من هنا من باطن الحرب تتدفق صور مأساوية تتملك ناصية القصة وتفاصيلها وبعض جذورها المتعلقة بنظام قمعي ، استبدادي، مخلفة أسئلة كثيرة عن مصاعب الحياة الإنسانية في العراق، وطن النفط والحضارة القديمة والتاريخ النضالي، لكنه تحت ظلال العنف والحروب والآلام المتواصلة في جزيئاته.
ابتداء من القصة الأولى ابتدع الكاتب ركوب مركب قصصي صغير، وجدته غير غافل عن الإبحار في ذهن وأسلوب قصص غوغول المتميزة ببعدها عن الغموض والألغاز بينما كان غوغول يعتبر نفسه لغزا وما يكتبه ألغازا، لكن النقاد في الشرق والغرب يصرون على وضوح رؤية الكتابة القصصية لديه. ميزة الكتابة القصصية في مجموعة فرات المحسن هي الوضوح التام ، لكنه غير المباشر، بابتعاده عن التعميم وعن النظرة الضيقة أو الطرق المسدودة أمام فهم مهمة إيصال الأفكار إلى المتلقي. بمعنى أنه كتب بشكل متطور من روح الانطلاق من عمق الأفكار ومن اعماق معاناة الفرد أو معاناة البطل في قصته. وجدتُ قصته الأولى مثل جميع قصصه الأخرى مسرورة بتدفق أفكارها عبر عناصر الجملة القصصية الواضحة ،المتوجة بالمعاناة ، التي تلتف حول نفسها ، شيئا فشيئا ، مكونة (حبكة فنية) ترحل في عقدتها عاليا، ببساطة وعمق وجدية ومن دون تكلفة لفظية، حتى ترتطم أحيانا بفلاش باك متحرر من النمطية و الجمود، لكنه يكبر تدريجيا كي تتسع نهاية القصة مع صدمة الحبكة. هذا النموذج الفني ضم تخوم القصص الثلاثة الأولى وكذلك القصة الأخيرة مما ساعد على جعل تلك القصص مثل طائر يجوب أدغال الحياة السياسية الكثيفة بالمعاناة والآلام بسبب وجود رجفة الناس داخل مجتمعنا المظلم ، في الوطن الأم ، مثلما تتحلق وتتساقط على رأس (المغترب العراقي) معاناته العميقة في بلد اخضر هادئ جميل لكنه يشعره بالوحدة الأبدية.
أود تذكير القارئ أولا أن تناول الحروب وما بعدها معاناة الشعوب من ضحاياها ، يتطلب الدخول في تفاصيل ضخمة عن واقع سيكولوجي واجتماعي وعسكري معقد للغاية على مستوى الزمان والمكان المتعلقين بالفن القصصي، بل يتطلب بناء نموذج معمار هندسي، متجدد في الفن القصصي وفي مضامينه كي يكون قريبا من عقل وعين القارئ تأخذ مقدارا من صفحة وعيه. فهل استطاع الكاتب فرات المحسن في محاولته الصعبة أن يحقق صورا فنية عن بلد أو عن دهر أوقعه نظامه الحاكم بمجموعة من الحروب الداخلية والخارجية.. هل استطاع أن يجعل روحه القصصية تهفو إلى رؤية ما يطوي غد الإنسان العراقي من مصير جديد في وطنه.. ؟
أهم ما لفت انتباهي في المجموعة أن ثمة قدرة متميزة بالعمق الشديد لدى الكاتب في الانتقال من الصمت إلى الصراخ ومن الصراخ إلى الصمت حسب دبيب حياة الإنسان العراقي في الحالين حال، الغفوة في أعتاب الوطن الأم وأحداثه الدموية، وحال وطن المنفى المسكون بالعزلة في وسط بقعة كبيرة من نور الحرية كما في قصتيه( يوم آخر في نهر الباطن) و(النهر يكتم أسراره) كنموذج للحال الأول، كما في قصتيه(أرواح الشجر) و (لا مكان للنازية في شوارعنا) كنموذج للحال الثاني..
الخطاب الرئيسي في هذه المجموعة جعل من لسان أبطالها لسانا سياسيا لكل إنسان عراقي في أزمان مختلفة، زمن النظام الدكتاتوري السابق، وزمن النظام الجديد بعد عام 2003 حيث جعلتنا القصص عنه عاجزين عن تسميته بالديمقراطية مثلما يقال في دواوين النظام العراقي الحالي وأجهزة إعلامه. الزمن الثالث هو زمن الغربة العراقية في أرقى بلدان العالم حيث صوره الكاتب فرات المحسن ، صادقا وأمينا، بأنه زمن الانفعالات المرة بوجهها الإنساني، لمواطنين غرباء، في ظل نظام ديمقراطي أوربي فيه من الحرية والعدالة ما يجعل المنفيين العراقيين المقيمين فيه يحلمون بوجود مثيل له في أرضهم الأم حيث تبنى، في السويد مثلا، حياة حرة لشعب حر بقوانين حرة تقضي على كثير من أغلال الناس وقيودهم يصورها بجمالياتها المشهودة قلم الكاتب الماركسي فرات المحسن العائش في قلب الرأسمالية الأوربية التي أرهقت شباب كارل ماركس وشيخوخته.
خطاب فرات المحسن في قصص هي ليست قصيرة وليست طويلة، لكنها تمزق أحجاب السياسة وتحمل آمال المغتربين بسببها ، الحاملين لؤلؤها، جعلها امتدادا في معمار هندسي ناهض وشاهق في فن القصة القصيرة بنوع جديد من الإبداع، الذي يحرك كون القصة وبيئتها وكائناتها تحريكا لا ينقاد إلى جمود، بل يتحف القارئ بعنصر المفاجأة القصصية، التي لا تخرج عن فن الواقعية ولا ترتفع إلى فضاء الرومانسية ، بل هو يصور ، بهدوء تام ، وجودا كالجحيم في بلد الحروب والمقابر الجماعية ، كما يصور ، بذات الوقت، مستقبل الطريق القويم بهدوء انفعالات أبطاله ونفع أفكارهم الواقعية وصدقهم في الحلم بأن تصبح بلادهم ، ذات يوم، رياضا ينعم فيها العراقي مغردا بالحرية التي يحملها الناس وصاغها قلم فرات المحسن خيالا أوليا، صاغ حسنه بجمل روائية تتهادى رشاقة في جميع قصصه داخل هذه المجموعة، التي لم تخلو ، كعادة الكتاب العراقي، من مجموعة أخطاء لغوية وطباعية كان من الممكن تلافيها. حبذتُ مع نفسي لهذا الكاتب أن لا يسأم من التفاصيل الصغيرة في بعض مواقع قصصه عند الضرورة، وأن لا يشهرها أكثر من اللازم في بعض المواقع الأخرى، من دون ضرورة، أثناء كتابة القصة القصيرة لأن مثل هذا الإشهار هو من نصرة وصفات وفتوحات الكتابة الروائية، رغم أنني لم أجد خسارة في ما فعل فرات المحسن بقصصه في هذه المجموعة، التي استقبلتُ قراءتها بقلب مسرور لولادة فنان يصبو إلى تجديد القصة العراقية وهي تخلو من ألغاز محجبة كما في كثير مما يكتب وينشر في هذه الأيام بظنون الحداثة .
رشاقة قلم فرات المحسن في التعبير قدمتْ رسوما في هذا المعمار الهندسي وجدتُ فيها روح الفن الروائي وليس روح فن القصة القصيرة. هذه الروح نفخت كسوة القصص القصيرة إلى حد جعلتني ابحث عن متعة تسميتها بنوع فني جديد أو بمصطلح جديد فما وجدت غير دعوة نفسي إلى اعتبار المجموعة رواية بأسلوب قصصي من قرطاس لا يبتعد عن شواطئ نيقولا غوغول رائد الأدب الممتع ، المؤثر، الفاعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 18 – 1 – 2011
جريدة طريق الشعب البغدادية في 30 - 1 - 2011



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها الحكام العراقيون: أصحابكم محاصرون .. ويسقطون..!
- أيها العراقيون لكل الناس هتاف.. فمتى تهتفون ..؟
- لا تعذروا (الشرطة الوطنية) إذا هزجوا للمال الحرام..!
- تكبروا .. تجبروا .. تعفتروا.. تعنتروا .. تبختروا يا سادة الم ...
- أيها التونسيون المنتصرون حذار من ثعالب المرحلة الجديدة ..!
- الفاشست يقتحمون مقر اتحاد الأدباء..!
- عن رواية زهدي الداوودي ذاكرة مدينة منقرضة
- سقط الدكتاتور التونسي سقوط الحيوان المحاصر..
- ليلى الخفاجي تفجر قنبلة ذرية في الفضاء الخارجي ..!
- أجمل وزارتين في العراق، الداخلية والدفاع.. !
- لا تصدقوا هذا البرلماني لأنه لا يميز الفرق بين الحلو والمر.. ...
- في مكتب نوري المالكي زواج وطلاق في عشرين يوما..!
- فضيحة وزارية عراقية على موقع ويكيليكس ..!
- نوري المالكي يعلمنا كيف نكره الديمقراطية..!
- ديمقراطية المالكي.. بلا كوافير ولا فساتين..!
- فيصل لعيبي يناجي أمواج الفن التشكيلي
- حكومة خصيان ..!
- نواب صراصير في البرلمان العراقي..!
- أحدث رقصة طلفاحية ببغداد اسمها كامل الزيدي..!
- الخليفة كامل الزيدي يتخيل نفسه أقوى رجل في العالم..!


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المعمار الهندسي في قصص فرات المحسن