خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 16:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الحقائق الخفية التي تثبتها احداث مصر, وكما اثبتتها احداث تونس من قبل. ان تحالفا انتهازيا تعايشيا كان يوجد بين السلطة والمعارضة, سمح بان تتجه الى الاسوأ اوضاعهما.وان الانتفاضة الشعبية تفكك هذا التحالف. وتسمح للصراع ان ينفلت الى مداه الاقصى بين هذين الطرفين الانتهازيين, ففي النهاية لكلا الطرفين نفس الاصل الطبقي البرجوازي والسلوك الانتهازي.
ان تغليب الذاتي على العام. هو جوهر الانانية الانتهازية, بغض النظر عن ان يتم ذلك بصورة اقتصادية او سياسية, او بصورة مادية او فكرية. او ان تتجلى قواه بصورة قوى طبقية شعبية محكومة مسيطر عليها, او طبقة فوقية حاكمة لها السيطرة. فكل الانظمة العامة التي تتاسس على هذا ذلك هي انظمة مختلة يكون تدمير الذات جزءا من مهمتها التي تؤديها, طال الزمان او قصر.
وحدها النتائج السيئة العامة التي تصيب الجميع, هي العادلة التي تحمل الجميع نفس القدر من الدمار والتخريب والتراجع الحضاري وفقدان الانجاز, وليس من فائدة لاي مجتمع في ان يحمله نظام طبقي حضاريا خطوة الى الامام, ومن ثم ان يعيده لحظة انهياره خطوات الى الخلف والتخلف. ويبدو ان هذا ما ستتجه اليه مصر الان اذا بقي السلوك السياسي لمختلف الاطراف المصرية خارج رؤية المصلحة القومية المصرية العامة.
ان رفع الشعارات الوهمية من مثل _ تغيير النظام _ هو الذي يقود الحراك السياسي في مصر الان الى الهاوية, وتهرول بحماسة خلفه العفوية الشعبية, فهو مصطلح خداع يطرح وجود نظام اخر تحتاج القومية المصرية لان تحياه حلا لمشاكلها وازماتها, فما هو مدى صوابية هذا الشعار؟
ان الطابع العام للنظام في مصر بحسب اسسه التشريعية العامة هو نظام قومي راسمالي ديموقراطي, نيابي جمهوري, تنظمه الية حركة الملكية الخاصة وتنافسية الاقتصاد الحر. ولا يوجد سواه انظمة سوى النظام الاقطاعي او النظام الاشتراكي, فاي اقتراح منهما يطرح شعار تغيير النظام الذي ترفعه الانتفاضة الشعبية وقوى المعارضة السياسية؟ في حين ان المجتمع المصري يرفض العودة الى نظام الاقطاع, والعالم المحيط بمصر يرفض النظام الاشتراكي. ولن يسمح بالحياة والبقاء والاستمرار سوى لنظام راسمالي متجانس معه.
ان شعار تغيير النظام اذن هو شعار وهمي لا يحمل حلا للازمة المصرية العامة, فالمجتمع المصري يعيش فعلا احد _ صيغ _ النظام الوحيد المقبول عالميا. وان رفع هذا الشعار مرشدا للحركة الشعبية المصرية هو تضليل انتهازي يعيد من الناحية الجوهرية وعلى الصعيد الداخلي توظيف انتفاضة الطبقات الشعبية في صراع تخوضه اجنحة الطبقة البرجوازية الراسمالية المصرية نفسها, غير انه يفسح في المجال امام تدخلات اجنبية ستحاول جاهدة الى توظيف الازمة المصرية العامة لصالحها الخاص, فتضعف مصر وتدفعها الى قبول شروط قاسية حتى تسمح للمجتمع المصري بالخروج فقط من الباب الذي تسمح هي به.
ان عرضنا السابق يجتهد لان يضع الصورة الحقيقية لما هي عليه في جوهرها الخيارات امام مصر كلها, وهو عرض ثقافي سياسي مبدئي يقوم على الايمان بحق الطبقات الشعبية المصرية في الانتفاض ومؤيد لحقيقة وجود امكانيات وفرص لتحقيق مطالب اجتماعية مصرية عامة وطبقية شعبية خاصة عادلة تمنح الامل بالحياة لها وتدفع بمسار التحضر القومي المصري الى الامام نحو مزيد من الحداثة والتطور والتنمية. غير ان واقعية هذا العرض تشترط على المجتمع المصري الخروج من الوهم في صورة مطلب تغيير النظام, الذي لن ياتي الان _ ابدا _ نظام خارج خارطته الفلسفية الفكرية.
ان تعديل الصيغة الهيكلية الخاصة للنظام الذي وجدت مصر نفسها عليه, جراء شروط مسار تاريخي محدد, هو المطلب العلمي الواقعي الممكن التحقيق الذي تحتاجه مصر فعلا وموضوعيا, شرط ادراك ما هي الصيغة الهيكلية المناسبة واللازمة لخصوصية الوضع القومي المصري, لذلك علينا اولا تشخيص الازمة المصرية.
ان ازمة الطبقات الشعبية المصرية المعيشية, والتي دفعت بها الى الانتفاض, ليست سوى نتيجة ومظهر للازمة القومية المصرية العامة. لكن ذلك وإن جسد مظهر ازمة طبقية شعبية عامة. فهو لا يلغي وجود ازمات تعيشها شرائح من طبقات اخرى وإن لم تكن معيشية الطابع. فالبرجوازية الوطنية المصرية ايضا تعيش حالة الاتجاه الى الدمار. حيث يخوض منتوجها البضائعي حالة تنافس غير متكافئة مع البضائع الاجنبية, وهي حالة لا تقتصر فقط على عدم تكافؤ الحداثة والتفوق التقني, بل ايضا حالة عدم تكافؤ الحماية السياسية الجمركية ايضا, والتي تخدم تنافسية البضاعة الاجنبية على حساب تنافسية البضاعة الوطنية, وهذه ايضا مظهرا من مظاهر الازمة القومية المصرية العامة,
ان وضع مصر السيء في _ الصراع العالمي _ هو العامل الجوهري الحقيقي لازمتها العامة. اما الصيغة الهيكلية لنظامها القومي الخاص فهو العامل الذاتي المساعد على _ استمرار _ ابقاء مصر في الازمة. اما الالية السلبية المدمرة التي نشأت عن تقاطع العاملين, فهي اخذت صورة الالية التي تتيح نهب مصر واعادة توظيف واستثمار كامل مردودها القومي في عملية الانتاج العالمية وباتجاه قتل عملية الانتاج الوطنية.
ان الوكالة التجارية المصرية للمنتوج البضاعي العالمي والمنفلت عقالها جمركيا من شرط الاستجابة لضرورة الاحتياج المصري, تنتج حالة تخريب مدمرة في الوضع القومي المصري, فهي لا تتجه لقتل الصناعة المصرية فحسب بل تتجه لتهجير راس المال القومي المصري لعمليات استثمار اجنبية معادية, ولو عرضنا للصورة الحقيقية لراسالمال القومي المصري في صورته الورقية النقدية المركزة في البنوك لوجدنا ان حركتها تتجه للخروج من البلد وتوسيع الاستثمار في عمليات الانتاج الصناعية الاجنبية, ولوجدنا ان فرصة اعادة استثمارها في داخل البلد في تقلص دائم, الامر الذي يستتبعه فورا تقلص حجم فرص العمل لمجتمع متنامي العدد والسكان, الامر الذي يربط ازمة البرجوازية الوطنية بازمة الطبقات الشعبية ويكشف عن حقيقة الرابطة القومية الاقتصادية بينهما والتي تدلل على وحدة المصير.
ان الازمة المعيشية للطبقات الشعبية تتعلق بقدرتها الشرائية غير الناتجة عن غلاء الاسعار الا بصورة ثانوية, فهي من حيث الجوهر تعود الى تقلص مستوى الدخل وتقاسم المدخر الاجتماعي بين الافراد, الامر الذي يبرز صورة سيئة مضاعفة لاثر غلاء الاسعار, تبذل محاولات غير سليمة لمعالجته, لها نتائج اكثر سوءا في حقيقتها على الوضع القومي, لانها تصب في مزيد من اضعاف الوضع القومي في الصراع العالمي ومزيد من الاخضاع القومي للشروط الاجنبية يصل مدى سوئها الى المس بالسيادة والاستقلال القومي واخضاعهما للنفوذ الاجنبي.
فكيف بدولة ومجتمع كمصر يقع على عاتق النظام بها مهمة امن قومي عالية الحجم والوزن, يفرضه لوجستية موقعها كممر بين القارات والبحار, وتتعرض منذ قيام الكيان الصهيوني الى نوايا عدوانية تستهدف التوسع على حسابها, كما انها تتعرض لمحاولة الانقضاض على حصتها من مياه النيل. وما يفرضه كل ذلك من وزن وحجم مهام امن قومي تتطلب حاجات انفاق عسكري واسع؟
فحتى اتفاقيات السلام _ كامب ديفيد _ والتي قبل ضمنيا بموجبها النظام في مصر ان يقلص حجم امانه الاقليمي, لم يشفع له عند العدوانية الاستعمارية العالمية والصهيونية, وهو الان خلال هذه الازمة يتعرض لمحاولة ابتزاز مكشوفة نحو اعتماد صيغة نظام سلطوي كاملة العمالة والتبعية, تحول مصر الى قومية عارية مجردة من شروط وامكانيات الدفاع عن النفس. حيث يتمحور الطلب الاستعماري والصهيوني على تسليم كامل النظام الى شريحة الكمبرادور من البرجوازية المصرية؟
هنا نجد خطورة رفع المطالب العامة الفضفاضة والشعارات الديماغوجية من شكل مطلب تغيير النظام والاصلاح الديموقراطي والعدالة الاجتماعية, دون ان يكون لها صورة برنامجية محددة ترسم ما يجب ان تكون عليه مصر المستقلة الحضارية ذات السيادة الكاملة والامن والنفوذ الكفيل بردع الاطراف الاجنبية
ان المعارضة السياسية المصرية الانتهازية, تطلب من الطبقات الشعبية المصرية والشرائح الوطنية من المجتمع المصري ان تثق _ بنواياها الطيبة _ ولا مانع عندها من ان تدفع الجماهير ثمنا دمويا وهي تهرول خلف وهم. لكنها تحجم عن تفصح عن نواياها الحقيقية من هدف الوصول للسلطة والحكم. ولعل اكثر هذه المعارضة كذبا ونفاقا وانتهازية هي قوى المعارضة الدينية وتحديدا _ حزب الاخوان المسلمين _ الذي تنكر مبدئيته الفكرية مقولة الديموقراطية ولكنه يرفعها شعارا تتبعه اعين الطبقات الشعبية المتعطشة للحريات, فهل فعلا اذا وصل حزب الاخوان المسلمين سيكون ديموقراطيا اذا استلم الحكم.
اننا نضرب نموذجا للانتهازية الرائجة الان في الانتفاضة الشعبية في مصر, والتي لا نجد معها قوة حزبية مؤهلة مبدئيا وفكريا لان تكون خارجها, الامر الذي يعيدنا الى الرضوخ الى المقولة الشعبية المصرية _ ادي الله وادي حكمته _ ويفرض علينا تاييد الانتفاض الشعبي حتى لو من باب الرضوخ للواقع, ولكن ذلك لا يمنع عنا مهمة لفت نظر وانتباه الانتفاضة الشعبية المصرية الى ان _ تغيير شريحة الكمبرادور المسيطرة على النظام والحكم في مصر, واستبدالها بتمثيل طبقي وطني مكونه يعكس التنمية الاقتصادية الوطنية والرقابة الطبقية الشعبية والرؤية القومية التقدمية العلمانية, هي الورة البرنامجية التي يجب ان تحمل الانتفاضة الشعبية مصر اليها.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟