مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3260 - 2011 / 1 / 28 - 17:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أنه لا يمكن لأي كان أن يزعم أن ما قبل 14 يناير هو كما بعدها , إن الثورة التونسية التي فاجأت الجميع من حيث لا يتوقعون هي التي سترسم عمليا , إضافة إلى نتائج الحركات الاحتجاجية التي أطلقت شرارتها في دول عربية أخرى , هي التي ستحدد شكل الممارسة السياسية و ملامح الخطابات الفكرية و السياسية في المرحلة القادمة , كما لا يمكن لأحد أن ينكر أن حدثا بهذا الحجم و العمق سيفرض مراجعة لمجمل الخطابات السياسية السائدة و المعارضة على حد سواء . ردة الفعل الأولى تتباين كالعادة بين محاولات امتطاء الموجة الجارفة أو توجيه نقد ضمني على الأغلب ( بسبب التعاطف الجماهيري العارم مع الثورة و بسبب ما كشفته الثورة نفسها من قوة جماهيرية كامنة و غضب جماهيري عميق على امتداد المنطقة العربية و من تهافت الخطابات السائدة خاصة للأنظمة القائمة بحيث أصبح النقد العلني للثورة صعب جدا ) , حاولت الخطابات السائدة قولبة الثورة و إعادة إنتاج صورتها لتتناسب مع مقولاتها , لكن كما في أية ثورة شعبية عفوية تحدث بالضرورة خارج القوالب الإيديولوجية السائدة , ستجد هذه المحاولات نفسها أمام طريق مسدود خاصة مع استمرار الفعل الثوري الجماهيري , و تعمق أزمة النخبة الحاكمة بسبب ذلك . ليس فقط صفات الثورة العفوية و الشعبية , بل و استمراريتها من جهة , و من جهة أخرى مصيرها و إنجازها النهائي , أي الوضع الذي ستنتهي إليه الأوضاع في تونس بعد الثورة , هذه جميعا ستكون من أهم العوامل في صياغة أو إعادة صياغة خطابات النخب والوعي الجماهيري في عالم ما بعد 14 يناير كانون الثاني ... هنا فقط ملاحظات أولية على الثورة التونسية و على ملامحها و على الاتجاه الذي يمكن أن تأخذه و أخيرا على مضمون التغيير الذي سيطرأ على الوعي النخبوي و الجماهيري نتيجة لانتصارها , المبدئي بطرد الديكتاتور و إنهاء سلطته .....
1 – لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيف الثورة التونسية على أنها ثورة ياسمين , أي ثورة نخبة ليبرالية أو متلبرلة , لأسباب عدة أهمها أن الثورة شعبية تماما , و عفوية , و ليست نتاج فعل نخبة ليبرالية محلية أو قوى خارجية ما مرتبطة بها , كما أن الثورة قد قامت في وجه أحد أكثر الأنظمة الإقليمية صداقة مع أمريكا و فرنسا مركزي النظام الرأسمالي العالمي الأكثر نشاطا في منطقتنا , و في وجه أحد أكثر الأنظمة ممارسة لليبرالية الجديدة و الليبرالية بشكلها الأتاتوركي , إضافة إلى حقيقة أن النخب الليبرالية العربية عموما , حتى "الجهادية" منها أي "الثورية" إن صح تعريفها على هذا النحو بمعنى عدائها الجذري للأنظمة الاستبدادية القائمة , لم تكن قبل 14 يناير كانون الثاني تخصص في خطابها مكانا لمثل هذه الانتفاضات الشعبية إلا على نحو سلبي يعتبرها مدخلا للفوضى الشاملة , لقد أخذت المفاجأة الكاملة مراكز و حكومات النظام الرأسمالي العالمي و النخبة المتلبرلة و هي الآن انتقلت من مرحلة إدانة الثورة إلى محاولة محاصرتها و إنهائها و خاصة احتوائها و خاصة احتواء آثارها القريبة و البعيدة على بقية الشعوب العربية خاصة عن طريق دعم قوى الثورة المضادة في تونس ... يجب ألا ننسى المخاطر الجدية التي تتعرض لها الحرب الأمريكية على الإرهاب بفعل سقوط حليفها التونسي و خطر سقوط حلفاء آخرين و يجب ألا نهمل العامل الإسرائيلي في التطورات اللاحقة فإن خسارة دولة صديقة أخرى مثل مصر أو الأردن , إلى جانب التغيير الجذري في علاقة إسرائيل بتركيا و تزايد ثقل النظام الإيراني إقليميا , سيقلب الطاولة رأسا على عقب بالنسبة لإسرائيل و بالتالي أمريكا , إن نهج التهدئة و احتواء آثار الانتفاضة و عكسها في مرحلة لاحقة هي الخيار الوحيد المتاح أمريكيا و إسرائيليا ... إن المنظمات النخبوية ذات الميول الليبرالية التي اعتمدت الخطاب الليبرالي الجديد للعولمة الرأسمالية و التي درج على تسميتها بمنظمات المجتمع المدني , رغم دورها الهام في كشف و تعرية بعض ممارسات الاستبداد القائم , لكنها لا تملك أي دور أو وزن في حركات اجتماعية جماهيرية بهذا الشكل , و هي لا تطمح أساسا للعب مثل هذا الدور , بسبب طابعها النخبوي أساسا و خطابها النخبوي الفوقي الذي يفسر الحرية تفسيرا نخبويا ضيقا يرتبط بمصطلحات الديمقراطية البرجوازية التي تفسر عربيا و عالمثالثيا بديكتاتورية النخبة المتلبرلة التابعة للنظام الرأسمالي العالمي ...
2 – لا يمكن وصف الثورة بأنها لينينية الطابع , لم تكن الثورة نتاجا لأي طليعة أو نخبة ما , كانت نتاجا لمبادرة الجماهير الواسعة الذاتية , بل إن مختلف القوى السياسية كانت عموما متأخرة عن الجماهير في مطالبها و جذرية هذه المطالب و الإصرار على الصمود رغم التضحيات ......
3 – بدأت الثورة المضادة على الفور في لحظة إنجاز الانتصار الأول للثورة أي بعد فرار بن علي , من قوى النظام نفسه في محاولة لاستمراره من دون رأسه الذي أطاحت به الانتفاضة و بدعم القوى الإصلاحية المتعطشة للسلطة . مع الثورة تتغير الخارطة السياسية بشكل جذري و يختلف المضمون الإيديولوجي المجرد لتعريف القوى السياسية و تقسيمها بين يسار و يمين , و يصبح الموقف من الثورة و من جذرية التغيير المطلوب هو الفيصل في إعادة تشكيل الساحة السياسية , فالقوى الإصلاحية قبلت على الفور بالتعامل مع بقايا النظام و ساهمت في محاولات احتواء الثورة و إنهائها و حتى إنقاذ فلول النظام من محاسبة و محاكمة الجماهير المنتفضة ....
4 – حتى قبل ثورة يناير كانون الثاني كان اليسار في الواقع ينقسم إلى يسار ثوري و إصلاحي , رغم أن الجميع فاجأته الثورة تماما فإن اليسار الإصلاحي , و القوى الإصلاحية عموما , كان إلى جانب تغييرات أو إصلاحات ما في بنية السلطة القائمة في أفضل الأحوال مع الحفاظ الكامل على علاقات الملكية و الإنتاج السائدة و هو كان مستعدا على الدوام للقبول بأي شيء تقدمه الطبقة السائدة و الحاكمة قبل سقوط بن علي و بعده , إنه يخشى من الجماهير المنتفضة بقدر , إن لم يكن أكثر , مما يخشى النظام , إنه يريد في الواقع إنهاء الثورة عن طريق إصلاح السلطة القائمة , اليسار الثوري بدوره ينقسم إلى سلطوي و تحرري , يعتبر اليسار السلطوي أن الثورة تعني استيلاءه على السلطة أو مشاركته فيها , إنه يتحدث عن السلطة فقط , شكلها المفترض , دون علاقات الإنتاج و الملكية القائمة , و ينطلق في موقفه من هذا الشكل المفترض لسلطة ثورية فعلية من أنه هو ممثل العمال و بقية الكادحين و المهمشين , و هو بهذا يعتبر أن المطلوب هو الحفاظ على علاقات الإنتاج و الملكية الرأسمالية لكن تحت سلطة طليعة تمثل العمال أو بمشاركة هذه الطليعة على أضعف تقدير أي إنجاز الثورة البرجوازية , أي باختصار إعادة إنتاج نظام رأسمالية الدولة السوفيتي السابق أي إنتاج شبيه حقيقي لنظام بن علي برأس مختلفة هذه المرة و بمبررات إيديولوجية مختلفة ... تحدث البعض عن حكومة عمالية , بما يعني حكومة ممثلي العمال , لكن لم يتحدث أحد عن علاقات الإنتاج و الملكية السائدة و مصير البرجوازية القائمة , هل يمكن حل أزمات الكادحين التونسيين في ظل هذه العلاقات السائدة ؟ هل يمكن عقلنة البرجوازية القائمة أو خلق برجوازية عقلانية جديدة تمارس نهبا أو استغلالا أكثر انضباطا و "شرعية" بما يسمح و لو بتحسن نسبي في ظروف حياة الملايين من الكادحين ؟ تحدث البعض عن مجالس عمالية أو شعبية في مواجهة أشكال الحكم الفوقية المقترحة , إن هذه القضية ترتبط بشكل حاسم بقضية ملكية وسائل الإنتاج , لكي يتولى العمال و سائر المهمشين تسيير أمورهم اليوم في تونس عن طريق مجالس عمالية و شعبية ثورية تعبر عن ديمقراطية الجماهير الحقيقية , يشترط هذا أن يستولي العمال , و الفلاحون و بقية الكادحين , على ملكية وسائل الإنتاج , على المعامل و الأرض و أن يديروها بأنفسهم بشكل تعاوني و ديمقراطي جماهيري , إن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تنتج سلطة البرجوازية و هيمنتها السياسية أما ملكية الدولة العامة فتنتج سلطة مركزية شمولية , ملكية المنتجين الجماعية لوسائل الإنتاج وحدها هي من سيفتح الطريق أمام ديمقراطية الجماهير القائمة على مؤسسات قاعدية أفقية شعبية و ديمقراطية كالمجالس العمالية و الشعبية .....
5 – أثبتت الثورة أنه لا يمكن لأي نخبة أن تحل مكان الجماهير , و لا حتى باسم مصالحها . و أن الثورة ليست نتاج أية نخبة مهما تكن , لقد حاول الأناركيون في أواخر القرن 19 و أوائل القرن 20 "تثوير" الجماهير عن طريق ما سمي يومها بالدعاية عن طريق الأفعال و حاول ذلك أيضا غيفارا , و من بعده تيار يساري كبير خاصة في أمريكا الجنوبية , عن طريق ما سمي بإستراتيجية حرب الأغوار أو العصابات , لكن كل تلك المحاولات و غيرها كتب لها الفشل ,
6 – يتوقف الكثير اليوم في صورة الغد القادم على مصير تحرك الشباب المصري الذي يذكر بثورة مايو أيار 1968 , لقد انطلقت شرارة الثورة و الشرق الذي نام طويلا تحت مقارع و سوط الجلادين و على هدهدة الثقافة السائدة و أفيون و مباخر رجال دين سلاطين الحاضر و الماضي ينتفض , ينهض , إنه يميد الآن تحت أقدام الجماهير ..........
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟