|
انهم يسرقون الكحل من العيون؟
كفاح محمود كريم
الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 22:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في السنوات الغابرة كانت كثير من الممارسات التي تعاقب عليها القوانين، سائدة في المجتمع ومدعومة بكثير من المفاهيم والأعراف الجاهلية التي تختزنها وتنتجها المجتمعات البدوية والقروية عموما وتضعها في خانة الشجاعة والفروسية، وليست عمليات الغزو بين القبائل التي كانت سائدة الى ما قبل عشرات السنين الا واحدة من تلك الممارسات التي شاعت بين الناس وأصبحت مقبولة حتى بنتائجها المأساوية، هذه الغزوات او الممارسات التي تعرف اليوم بكونها جريمة عدوان واغتصاب وقتل وسرقة مصحوبة بالقوة او النهب والسلب، وهي واحدة من الجرائم الكبرى المخلة بالشرف، كانت جميعها تبرر تحت سقف الغزوات بين القبائل او القرى، ولم تكن من العارات بل كانت من المواقف والبطولات التي تتحدث بها المجتمعات في تلك الحقبة بكثير من الفخر والاعتزاز، وهي مليئة بالمآسي والمخازي!؟
لقد كان السارق الى تلك الفترة من السنوات يعتبر رجل الليل الشجاع الذي لا يعيبه هذا الفعل الشنيع، حيث يطلق عليه في كثير من المجتمعات المحلية بـ ( الحشنشل ) الذي يتميز بالشطارة والجسارة في مداهمة البيوت الآمنة ليسرق أموالها وربما يقتل أصحابها أيضا إذا ما تطلب الأمر، بل على العكس كان محط إعجاب الكثير من الناس، فقد كان الشرف الشخصي وما يزال حتى يومنا هذا في كثير من المجتمعات، يرتبط بالأعضاء التناسلية لكلا الجنسين بصرف النظر سلبا أو إيجابا عن ممارسات صاحبه خارج تلك المنظومة المحصورة هناك، بمعنى إن السرقة او القتل او الكذب او الاغتصاب او النفاق والتدليس والعبث بالأموال العامة ومصالح البلاد العليا والدنيا، لا يؤثر على سمعة الشخص وهويته الاجتماعية طالما كان شرفه الجنسي سليما معافى!؟
صحيح إن جل هذه الممارسات كانت قبل عقود من الزمان وربما كانت تتكثف في القرى والأرياف التي انتقلت بكثير من سلوكياتها وممارساتها الى المدن الكبيرة وأطرافها وشكلت مجتمعات هجينية مشوهة الشكل والمضمون أثرت بشكل سلبي على تطور المدن ومجتمعاتها المدينية وتسببت في فقدان خصوصية كليهما الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، الا أنها أيضا لم تسمح لتلك المدن ومجتمعاتها عبر كثير من هذه المراحل في احتواء تلك المجاميع القروية وتمدينها، بل حصل العكس إذ انتقلت كثير من العادات والتقاليد والممارسات القروية والبدوية الى المدن ومجتمعاتها، مما أغرقها بأنماط من السلوك والتصرفات وأضفى عليها صبغة لا تتلائم مع نمط المدينة ونهجها ومراحل تطورها. وإذا كان ما حصل من عمليات سرقة منظمة لأموال الدولة ومكتنزاتها من قبل النظام السابق وقياداته وتهريبها الى خارج البلاد قد وضع في خانة رد الفعل لما حصل على خلفية ان البلاد تعرضت لاحتلال من قبل قوى اجنبية وانهم اقنعوا انفسهم باستباحة المال العام، فكيف نعلل ما حصل من عمليات سلب ونهب واسعة النطاق شملت معظم انحاء البلاد، ووصلت الى ذروتها في الاستحواذ على موجودات الدوائر والمدارس والجامعات من كل شرائح المجتمع باستثناءات لا تقارن مع حجم الكارثة التي وقعت!؟
لم تمض الا سنوات قليلة الا واكتشفنا اجيالا جديدة من خريجي تلك المدرسة التي اباحت عبر مئات السنين الاستحواذ على كل شيء بالسرقة او الغزو او السلب والنهب، وما يرافق تلك العملية من اغتصاب او قتل وايذاء في عمليات منظمة ونوعية بالشكل والمضمون من حيث الاختلاس والسرقة والفساد، التي تجاوزت مستوياتها القياسية في أي دولة اخرى من دول العالم، حيث اشتركت فيها مجاميع من مسؤولي الدولة بمختلف الدرجات الدنيا منها والعليا، والتي تحولت فيما بعد الى اخطبوط او مجاميع من مصاصي دماء يسرقون كل شيئ من خلال تواجدهم في مفاصل مهمة على مختلف الصعد والمستويات، حيث الانتشار المريب والكبير للاختلاس والرشوة والاستحواذ على المال العام بشتى الطرق والأساليب وتحت عناوين ومسميات مختلفة ابتداءً من تأسيس الكثير من المنظمات والجمعيات التي تدعي انها تمثل المجتمع المدني وتستنزف اموالا بوسائل ملتوية ومشبوهة من الداخل والخارج، وصولا الى الصفقات الوهمية وما يرافقها من قومسيونات وعمولات على مشاريع خدمية او اعمارية اما وهمية هوائية او تنفذ بنسب اولية وتباع الى مقاولين آخرين وهكذا دواليك في متوالية ومتوازية فسادية وافسادية لايفقهها الا الراسخون في سرقة الكحل من العيون واللعب على الحبال التي انتشرت منذ السقوط وحتى يومنا هذا.
والطامة الكبرى هي وصول العديد من هؤلاء المشبوهين الى مراكز القرار القريبة من مفاصل حكومية وتشريعية مهمة كالوزارات ومؤسساتها، ومجلس النواب ولجانه، وكثير من المؤسسات المالية المرتبطة بالنفط والكهرباء والدفاع والداخلية وغيرها من دوائر الدولة، مما يسيء الى سمعة البلاد التي تم تصنيفها نتيجة تلك الممارسات في الاختلاس والسرقة، بواحدة من أكثر دول العالم فسادا في المال والإدارة، وهي بالتالي اهم ما يواجه الحكومة والبرلمان الجديدين وكل الخيرين من الوطنيين العراقيين من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأحزاب في كشف هذه المجاميع واستئصالها وتقديمها الى محاكمات علنية امام الرأي العام، قبل فوات الأوان وفوران تنور الشعب!؟
#كفاح_محمود_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدن تغمرها القرى؟
-
من اجل مستقبل مشرق... لنتحاور*
-
الاعلام العربي وحق تقرير المصير؟
-
الاقليات في العراق وصراع الوجود
-
كاتدرائية النجاة والاسئلة الموجعة؟
-
الحواسم وبازار المناصب؟
-
مبادرة البارزاني والعهد الجديد
-
بين كلاله واربيل يجتمع العراق
-
ما أحوجنا لحجارة المتنبي؟
-
برلمان أم مجلس لتنابلة السلطان!؟
-
حكومة عراقية.. أم ممثلية لدول الجوار؟
-
إرجعوا من نصف الطريق!؟
-
اسئلة مشروعة؟
-
الطارئون
-
لماذا سبع عجاف يا عراق؟
-
الثرثرة وحبل المشنقة؟
-
اقليم كُردستان وتشكيل الحكومة العراقية
-
كل شيئ من أجل المناصب؟
-
البعث والسنوات العجاف
-
بقالة ودكاكين منظمات المجتمع المدني؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|