|
ب (تونس) بيك
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 3258 - 2011 / 1 / 26 - 09:50
المحور:
الادب والفن
و في قرطاج (بيك) و لهذا (البيك) حكايا كثيرة تُعد بأكثر من ألف ليلة و ليل لا صبح فيه... و في تونس (بيك) له كيس كبير فيه ملايين الجواهر المصاغة من عيون الصغار، و أساور العرائس العوانس. و في قرطاج حكاية الحكايا التي تبدأ ولا تنتهي.. تزرع بوارق أمل بنور أحلى من كل الصباحات. **********
هنا في الولايات المتحدة الأمريكيّة تأتينا أخبار تلك الأوطان بزاد و قوت يبقي على حياة تلك الجلسات المملّة التي ندفعها ضريبة باهظة لابتعادنا عن جلساتنا الحميمة..عن أهلنا.. عن أصدقائنا، و عن أحبة قلوبنا. نكتشف أننا في هذا البلد البعيد استرجعنا قدرتنا على الإبصار ..و اكتسبنا حقاً مشروعاً بالإعتراض. نكتشف أننا ظلمنا أوطاننا بابتعادنا عنها، و ندرك فجأة أنها قدرنا. **********
لبس "بوعزيزي" سرواله القماشي المكوي بأناقة، و عقد ربطة عنقه الحمراء.. و لم ينس أن يلّمع حذاء الجلد الأسود الذي قلما يتسخ في سيارته الخضراء. كان عليه أن يتوجه إلى مكتب رئيس البلديّة قبل ذهابه للعمل في محله الصغير و مصدر رزقه، و هكذا قبّل زوجته و طفليه و غادر شقته البسيطة المريحة في تمام الثامنة صباحاً. استقبله رئيس البلدية بوجه مبتسم، و وعده بدراسة شكواه حول الضريبة الكبيرة التي يدفعها لمحله الصغير. غادر "بوعزيزي" مكتب رئيس البلدية مبتسماً، يشكر ربه على عيشته الكريمة و على كرامته الغالية. هذه هي الصورة التي كنّا ملزمين بتصديقها لولا (البنزين) و عود الثقاب. و باشتعال الحقيقة مع جسد "بوعزيزي" بدأ البحث عن سخائف أخرى: - يقال أنه لو لم تكن من صفعته "أنثى" لما كان قد أحس بالإهانة.. هذه نتائج تحرر المرأة. -أعتقد أنه مريض نفسي، مختل يحرق نفسه من أجل (بسطة) خضراوات. -ليس لديه شهادات.. فعلته تنم عن قلة مؤهلات.
ملعونة هي الكنايات و الصور... نحن لا تؤمن بالكناية، و لا بالإستعارة، و لا بالتشبيه ..نحن شعوب منسلخة تماماً عن قواعد و دلالات اللغة العربية.. لأنها للأسف بعيدة بمعظمها عن القراءة و الكتاب.. ليس لجهل و لا لغرور بل لفقر حقير يجعل من الرغيف سيّد الكتّاب، و من اللحم معجزة أدبيّة. لذلك أحرقوا في ذاكرتكم كل ما قلته و اسمعوا معي:
لم يضطر "بوعزيزي" لتغيير ملابسه، فهو معتاد على النوم بذلك القميص فاقد الأزرار، و السروال العتيق. نهض في الخامسة صباحاً، وضع معطفه القديم عليه، و حاول قدر الإمكان الاعتناء بهيئته، فخبأ زريّ القميص المفقودين تحت السروال، و وضع ياقته المهترئة تحت المعطف. نظر إلى نفسه في المرآة.. التجاعيد بدأت تأكل وجهه الشاب، تحكي قصة البنت التي أحبها و لم يستطع تأمين مهرها.. حدّث مرآته: الله سيرزقني أفضل منها... هكذا اعتاد أن يكذب على نفسه كل صباح، ليمنح روحه دفعة حياتية جديدة. خرج من تلك الغرفة و منتفعاتها - التي يعتبرها بيته-.. حرص ألا يصدر صوتاً يوقظ أمه المتعبة، و أخيه الأصغر. برد هذا الصباح مرّ.. جيوبه المثقوبة لم تحمه من تذوقه، حرك أصابعه قليلاً : إلى العمل.. يا رب.
في سوق الخضار، كانت الحياة أخرى، ثانية.. ازدحام فظيع، اكتظاظ مليء بالغضب، السباب، و الكلمات النابيّة، سوق الخضار مشحون و ضيّق كأرواح جميع من فيه. حمل خضراواته على عربته الخشبية العتيقة، و توجه إلى تلك الناصية حيث اعتاد الوقوف معتزاً بشرفه الذي حافظ على فقره و لم يدفعه للحرام... كانت سيارات (المرسيدس) و (اللكزيس) التي تمر بين الحين و الآخر تهيج في نفسه مشاعر متناقضة من الغضب و الدهشة. عندما رأى " سعدي" يطل من شباك إحدى تلك السيارات.. عُقد لسانه .. ف "سعدي" ابن حارته المنتوف الهزيل الذي ليس لديه حتى عربة خضراوات خشبيّة . و لم تستمر دهشته مطولاً قبل أن تصل "فادية" شرطية الشارع التي اعتادت مصادرة عربته البائسة. " فادية" لم تفكر يوماً بأهمية القوانين و وجوب تطبيقها، كان فقرها هي الأخرى حجاباً منيعاً يجعل من تحصيل قوتها المهمّة الوحيدة التي تحتاج إلى تفكير.. لغة الحوار المنقرضة في ذلك البلد كانت مفقودة بينهما ..احتد النقاش .. و هوب ..صفعة مدويّة على وجه "بوعزيزي" . ذكريات مريرة من الصفعات استقبلها خده مع تلك الصفعة، مرارة و فقر و ذل دفين..ليس من سبيل لنسيانهم سوى حرقهم. **********
اسمحوا لي يا أيها المعترضون.. فالثورة ليست للياسمين إنها ثورة الفقر..ثورة الحوار المقموع. ثورة على قيادة عسكرية ل (كوافيرة) و هارب من المدرسة.. ثورة حفظت اسم قرطاج من أن يقترن بتاجرة(شنطة).
الآن في مصر بوعزيزي ثاني و ثالث و مليون .. ثورة أخرى ..تقول لا للفقر أيضاً، لا للذل، لا للجدار الفولاذي..ثورة سينتج عنها هرب أحدهم إلى بلاد لا تقطع يد السارق إذا كان زعيماً...
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضائيّة تحت (الطاقيّة)
-
عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!
-
بين الإلحاد و (الكونغرس)
-
ملوك اليمين
-
كارما الكراهية
-
أسرار جنسيّة: طفولة مسروقة
-
يا عرب السك..ك، تعرّوا
-
إني لأرى -ذيولا- قد أينعت ..
-
مشجع ألماني عميل
-
إرضاع الصراصير، ثم إرضاع الكبير
-
ناقصات عقل
-
لا أحد كامل إلا..الضفدع كامل
-
لماذا يتزوج الرجال من (عاهرات) ؟!
-
سرطان تعسفي
-
أسرار جنسيّة: شرفكم وثنكم (2)
-
أحبك أيّها الأمازيغي..
-
نبيّة الحب أنا
-
تعالوا لأخبركم عن العرب : (3)
-
تعالوا لأخبركم عن العرب : (2)
-
تعالوا لأخبركم عن العرب ...
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|