جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3256 - 2011 / 1 / 24 - 11:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المحبة كما قال عنها بولس الرسول لا تقبل الانتفاخ.
المحبة تجعلُ وجهي مليحاً وشكلي جميلا وخصري نحيلاً وقوامي لطيفاً والكراهية تجعلُ وجهي قبيحاً وممزقاً حتى أنا أستنكرُ وجهي حين تزورني الكراهية في بعض الأوقات فأشعرُ بأن وجهي ليس وجهي وشكلي ليس شكلي ورائحتي ليست رائحتي فحين يفقد الإنسان المحبة فإن عواطفه تتمزقُ وبعضها يتكسرُ وإذا كانت الثلاجة تحتفظ بالأطعمة وتحافظُ على شكلها وطعمها ولونها لمدة أطول, فإن المحبة تحافظ على طبيعتنا التي ولدنا عليها وهي الطبيعة الطفولية فتجعلُ شكلنا واحدا ولوننا واحدا وجنسنا واحداً ولغتنا واحدة نفهم على بعضنا بسرعة وكذلك تجعلُ طعمنا واحداً لا يتغير وألبستنا واحدة وكأننا طلاب مدارس ذاهبون إلى المدرسة بالزي المُوَحد فالمحبون أشكالهم واحدة والحاقدون أشكالهم واحدة وحين نفقد المحبة أو حين نفتقرُ إليها فإننا فورا نفقد أداة التغليف التي نغلفُ فيها أجسامنا فتتغير ألواننا وأشكالنا وطريقة أكلنا وشربنا ونومنا وتتغيرُ قلوبنا ونفقدُ زينا الرسمي الموحد وأشكالنا تتغير وأجسامنا تصبحُ عريضة وتتطاولُ ولا أحد يعرفنا لدرجة أننا سنستغربُ أنفسنا إذا وقفنا أمام المرآة عارين من المحبة كما وقفتُ أنا اليوم منذ الصباح الباكر أمام المرأة حين وقفتُ لأحلق وجهي ولكني لم أعرف شكلي وكدتُ أن أضرب المرآة بيدي ولمّا! ..فقلت: أمعقول أن هذا الشكل شكلي وأن هذا اللون لوني! عجيب وغريب أنا بدون المحبة أبدو عاريا ومنظري مقرفٌ ؟ أين فرحي وأين ابتساماتي العريضة؟ وضحكاتي الطويلة؟ ومن ثم مددت أنفي تحت إبطي فأنا مثل كل الحيوانات أعرف رائحتي جيدا ورائحة أحبابي وأصدقائي ومعارفي ورائحة منزلي مع الشارع الذي أسكن به ولكن للأسف شممتُ رائحةً ليست برائحتي , فمن أكون أنا ؟ومن أين أتيت؟ ولماذا وإلى أين النهاية !! ومن تكون تلك المرآة التي تستنكر لشكلي ولا تعرفني ؟ حتى طريقة مشيي في الشارع منذ يومين وهي غريبة عني وليست طريقتي فأنا أمشي على حسب علمي دون أن أقع على الأرض مرتين وثلاثة في طريق عودتي من السوق إلى البيت فلماذا أمشي وأقع؟ والمحبة لا تقبل الكذب فلماذا نقبله نحن ؟ولماذا شكلي في الآونة الأخيرة أصبح مقرفاً جدا وكاذباً جدا وطريقة مشيي ليست الطريقة التي أعرفها حتى الناس يسألونني كثيرا عن سبب تأرجحي في الشارع فأقول : متعبٌ بعض الشيء ..والمحبة لا تعرف المرض , ولماذا نحن مرضى؟ولماذا قلبي مريض!! أجيبوني؟ أغيثوني هذا القلب ليس قلبي وأشعرُ بأنني أريد أن أنتزعه لأطعمه للقطة الجائعة ,وهذا العقل ليس عقلي وهذا الرأس الذي أحمله أشعرُ بأنه رأسُ حمارٍ كبير إنه متسعٌ مثل براري روسيا الخضراء بلا سبب وكبير وطويل وعريض بعرض الربع الخالي دونما فائدة فلماذا لا أقوم مثلاً بتصليحه أو بتصغير حجمه ليتناسب مع طبيعة المناخ والدولة والمؤسسات الفاسدة لو كان معي (مصاري) لأجريت لنفسي عملية تجميل أستبدلُ فيها أذني ومخي وقلبي الذي ليس له مكان في مجتمعات لا تعرف الحب ولا المحبة ولا الرومانسية ولأتيتُ بقلب يكره ولا يحب لكي يتغير شكلي ولوني في كل الأوقات لأصبح كباقي الناس مع الشيوخ والمصلين شيخا ومصلياً ومع الداعرين داعرا ومع الاشتراكيين اشتراكيا ومع الليبراليين أدعي بأنني ليبرالي متطرف إلى حد الجنون , لماذا لا أغير شكلي ولا أقبل بأن يغيره لي أحد ؟..والمحبة تباركني وتبارككم وتحافظ على أشكالنا وتأبى أن تبتعد أو أن تسافر من قلوب المحبين ولكن لماذا يلعنوني ويلعنوكم!!ولا يعرفون بأن ذلك الشكلُ البريء كان شكلي قبل أن أتغير وبأن كل الذين يشبهونني قد ماتوا أو غادروا أو هاجروا من عندي ولم يبقى أحد غيري ولم يبقى من أصنافي أي صنف أو من أنواعي أي نوع فأنا كما يقولون (موديلي ضايع) ..وإذا كانت المحبة تقاوم الفساد والكراهية فلماذا يفسد الذين يدعون بأنهم جاءوا برسالة المحبة والسلام!..والمحبة هي الخلاص من الشرور وهي وحدها القادرة على حفظ نوعي وشكلي كما هو, فلماذا لا تُخلصني المحبة من شكلي ومن أشكال بعض الناس؟.. فأحبوني لأني أحبكم وباركوني لأني أبارككم وأدعو لي بالمغفرة وبالمحبة لأنني أشعرُ بروحي تخرج من عنقي من شدة حبي لكم...المحبة تطاوعني وتطاوع عقلي وقلبي والمحبة تطير بي إلى الأعالي والمحبة تجعلني أشعر بوجودي معكم والمحبة تغسلني وتعمدني والمحبة تنقصني وتنقصكم والمحبة ها هي قريبة مني ومنكم فلنأخذها ولنوزعها على بعضنا لنحافظ على أشكالنا الطبيعية فالمحبة سهرتي هذه الليلة معكم والمحبة رسالتي لكم والمحبة قصيدتي والمحبة أعجوبتي والمحبة معجزتي وكانت شكلي الجميل وكانت لغتي الجميلة وكانت إبداعي وكل إبداعاتي أبدعتها باسم المحبة, فلماذا اليومَ هي تتنكرُ لي ولشكلي؟ لم يعد هذا الجسم الذي أحمله يشبهني أو يعرفني ...والمحبة تؤنس وحدتي وتبدد ظلام الليل وتهزم أعدائي والمحبة تسكرني ولا تسكرني خموركم,فلماذا لا تنتشون مثلي؟ولماذا شكلكم يختلفُ عن شكلي ألأنتي أصبحت منتشيا؟ً والمحبة تداعبني وتداعب قلوبكم والمحبة تخلق الشوق في داخلي لأشتاق إلى محبتكم أكثر وأكثر ..والمحبة صلاتي وصيامي وقيامي وطوافي وحجي وعمري وحياتي والمحبة تقودني إلى خلاصي والمحبة تطارحني كافة أشكال الحياة, فلماذا شكل حياتكم يختلفُ عن شكل حياتي ؟ونوع محبتكم لي يختلف عن نوع محبتي لكم؟ إن المحبة لا تتعدد أشكالها كما تتعدد وتتنوع أشكالنا فشكل المحبة واحد ولون المحبة واحد وطعم المحبة واحد وقلب المحبة واحد... والمحبة زهرتي الوحيدة وبستاني الكبير, ولِما لا يوجد خلف بيوتكم بستانٌ مثل بستاني ولماذا لا تعيش في قلوبكم حبيبة مثل حبيبتي؟ جربوا يا أصحابي أن تعشقوا امرأة مثل التي في حياتي لتجدوا أن طعم الحياة سوف يتغير وبأن قلوبكم ستكبر وسيزداد حجمها وجربوا يا أصحابي أن تغسلوا وجوهكم أمام صورتها الصباحية وأنت تشربون الماء والشاي والقهوة وصدقوني بأني لا أغشكم وبأن حياتكم سيصبح لها طعم ومذاق ولون آخر.
والمحبة هي وجه حبيبتي الذي تطلع منه الشمس كل صباح لتغيب بين خصلات شعرها والمحبة نخلتي الطويلة وشجرة الزيتون التي خلف بيتي والمحبة حاجتي إليكم والمحبة فرحي والمحبة تطرد الأحزان والأرواح الشريرة والمحبة صندوق مجوهراتي ومحبتكم في قلبي مثل صندوق حكاياتي والمحبة خاتمي السحري الذي تطلع منه ومن مصباحي الملائكة والمحبة أنشودتي الوطنية وشعاري إلى الحرية, فلماذا لا يوجد بلدٌ مثل بلدي ولماذا لا يوجد وطنٌ مثل وطني؟؟.. والمحبة صبري وكفاحي والمحبة مجدافي الذي أجدف به وقارب نجاتي إلى الشاطئ.. والمحبة أوكسجيني والمحبة طريقي فأنا لا أجترُ الطعامَ اجترارا إلا منذ فقدت المحبة... والمحبة عنواني وبالمحبة أعرفكم وتعرفوني فلماذا أنا في هذا العالم مجهولٌ؟ لا يعرفني أحد حتى أنا بدأت أجهلُ شكلي وطريقة نومي وطريقة شربي منذ بدأتُ أشعر بنقصٍ عام في فيتامين المحبة فهذه الطريقة في النوم ليست طريقتي وهذه الطريقة في الأكل ليست طريقتي ومنذ متى أتقلبُ في فراشي أكثر من خمس ساعات حتى أنام!فهذه الوسادة التي أضع رأسي عليها ليست وسادتي فمنذ متى وأنا أنامُ على وسادة خفيفة هذه ليست وسادتي وهذه الغرفة ليست غرفتي وهذا القميص ليس قميصي وهذا الشكلُ ليس شكلي أنا من فقري إلى المحبة أصبحت أجهل عنواني ولا أعرف منذ متى غزا الشيبُ رأسي, وهذا البيت ليس بيتي وهذه الخزانة ليست لي وهذه المرآة اللعينة التي وقفت أمامها أُمشطُ شعري وأحلق ذقني أكثر من عشرين عام جاء اليوم لتظهر حقارتها فهي تستنكرُ اليومً لشكلي وتتجاهلني وكأنها لم تشاهدنِ في حياتها فكم جرحتُ وجهي أمامها وكم لطمتُ على خدي أمامها وكم بكيت أمامها وكم بحثت عن الشُعيرات البيض في وجهي أمامها وكم سألتها وسألتني وكم حاورتها وحاورتني وكم كتبتُ بها وكم شكتني إلى الجيران الذين يزورونني في البيت حين يقفون عليها وهم يحاولون تقليد شكلي ..وسألتها أكثر من 100 مرة من هذا الذي يقفُ أمامك؟ وأعيت أن تجاوبني وسألتها 100 مرة من هذا الشخص الذي يحلق وجهه أمامك؟ ولكنها لم تجاوبني ونصحتها باسم المحبة أن تتذكرني وسألتها باسم المحبة أن تعيد لي شكلي ومنظري وطفولتي أنا اليوم أصبحت عانس.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟