طارق قديس
الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 12:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما لو تسنى لمحمد بو عزيزي الشاب التونسي البالغ 26 ربيعاً الذي أشعل النار في نفسه ليشغل بعدها الثورة في تونس، لتمنى لو فعلها منذ زمن، ولانفرجت أساريره مما حدث، وهو يرى رمزاً من رموز الديكتاتورية يسقط عن عرشه، والمعتقلين السياسيين يفرج عنهم ويعودون إلى الوطن من المنافي بعد أن كتمهم النظام البائد لعدة سنوات، وقد تعامل معهم وكأنهم قطيع يسير في خط واحد مستقيم.
والحقيقة أن زيارة الرئيس السابق زين العابدين بن علي لبوعزيزي في المستشفى قبل وفاته لم تشفع له كي يظل رئيساً مدى الحياة على تونس كما كان يطمح، بل ظلت شعلة الجسد المحروق تمتد من أرض إلى أرض في تونس حتى حسب الرئيس أن النار ستطاله أيضاً، ففضل أن ينفذ بجلده على الموت بيد الشعب التونسي العظيم.
إن أجمل ما حدث هو العفوية في ما حصل، فلم يكن مترتباً لحرق بو عزيزي، ولم يكن مرتباً للثورة في تونس، والأجمل من ذلك أن الثورة لم يقدها رأس معين، فالشعب كان الرأس والمحرك في آن واحد، إذ لم يكن الرئيس يواجه شخصاً معارضاً ، أو حزباً محظوراً ، أو تنظيماً سرياً بل كان يواجه الشارع التونسي بأكمله.
وتبعاً لما حصل في تونس أصبحنا نرى مشاهد مكررة لمأساة بو عزيزي في أماكن أخرى من الوطن العربي، ولأسباب مختلفة. أصبحنا نرى أشخاصاً يحرقون أنفسهم في مصر، والجزائر، والسودان، حتى وصل الأمر إلى السعودية. وقد امتد الأمر حتى وصل إلى إسبانيا حيث هدد عدد من مشجعي ريال مدريد بإحراق أنفسهم إن تم الاستغناء عن خدمات المدرب البرتغالي مورينيو !
وأمام هذه المفارقات المتباينة أصبح بإمكاننا أن نسأل: هل استنساخ تجربة بوعزيزي يمكن أن تحدث تغييراً في البلدان العربية كما في تونس؟
إن الجواب : لا. لأن ما حدث في تونس كان عفوياً، وجاء في وقت مناسب تقاطع مع طموحات الشعب بالتغيير الذي كان بحاجة إلى شرارة فقط للاشتعال، وعليه فإن السلطات العربية قد تنبهت إلى تجربة بو عزيزي، فأصبحت تحاول تنفيس غضب الشارع كل واحدة على طريقتها.
لذا نحن لم نعد بحاجة لتكرار ما فعله بو عزيزي، وإنما قراءة الواقع المحلي لكي نتمكن من تغييره ، والبحث عن طرق أخرى للتغيير، كي نتمكن من إبقاء شعلة محمد بو عزيزي حية ترزق مدى الحياة.
#طارق_قديس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟