|
كبار الأدباء يولون قصائد الشاعر الدكتور جبار جمال الدين العمودية اهتماما خاصا بترجمتها الى لغات عديدة
شموئيل (سامي) موريه
الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 10:06
المحور:
الادب والفن
احتل الشعر الحر من المدرسة العراقية مكانة خاصة في الشعر العربي الحديث، وهي مدرسة تتيح الحرية للتجربة الشعرية بإملاء عدد التفاعيل في كل شطر بتكرار التدوير بين الأبيات، موظفة الصورة الحركية بدل الوصف الخارجي للتجربة الشعرية وتبيح حرية تتميم المعنى في البيت التالي، وتنوع القافية حسب إملاء الفكرة وتصور التجربة الشعرية في اثناء حدوثها. وكان أول شاعر وضع المثال الناجح لهذه الحركة هو الشاعر المبدع بدر شاكر السياب في قصيدته "في السوق القديم"، ثم تلاه الشاعر الذي مات في المنفى يبكي وطنا اضاعه بعد ان هشم اباريقه، عبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة سليلة الشعراء العراقيين الافذاذ التي وضعت للشعر الحر قوانينها في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" (بيروت، 1962) وذلك منذ النصف الثاني من القرن الماضي. ثم تلته حركة قصيدة النثر التي دعت اليها مدرسة شعر التي تبنت قواعد الشعر الفرنسي لقصيدة النثر، وهي الوحدة العضوية أو الايجاز والاشراق أو التوهج والمجانية، ثم جاءت المدرسة السريالية العربية التي يتزعمها الشاعر الكبير عبد القادر الجنابي، وغيرها من التيارات الشعرية التي ضربت عرض الحائط فنون العروض والقوافي والبلاغة العربية فخر التراث الادبي خلال قرون العصور الذهبية للشعر العربي، ولهذه التيارات الجديدة صعوبة كبرى لانعدام الضوابط الفنية فيها ولأنها تعتمد على موهبة الشاعر الفذة فقط. وفي هذا العصر الحديث، عصر السرعة الذي يخلو من الأيقاع الرتيب في كل شيء، عصر العلوم والتكنولوجيا المتطورة بصورة مذهلة والاتصالات الالكترونية والجوية والسمعية والبصرية وتغيير المسلـّمات والمعتقدات القديمة واستبدالها بالنظريات العلمية والفلسفية في عصر العولمة، في عالم يتغيّر فيه كل شيء سوى الابحاث الدينية وخطب المقلدين الذين يجترون المنقول ولا يكترثون بالمعقول. وهكذا افلحت الحركة الشعرية الجديدة التي تدعو الى التخلي عن الوزن والقافية في التعبير الشعري والمشاركة في الحركات الشعرية العالمية، مكان الصدارة في المجلات الأدبية. فانزوى شعراء القصيدة العربية العمودية التقليدية التي سحرت العرب والشعوب الإسلامية قديما بموسيقاها وايقاعها الخطابي الذي يلهب الجماهير ويتملق السلاطين ويتكسب بقصائد المديح ويستذل المواهب، فلجأ شعراء الشعر العمودي الى صومعتهم خشية هجمات المجددين القاسية، فكادوا يفلحون في إلقائه في زويا الاهمال. فقد سئم المجدون إلتزام وحدة الوزن والقافية ورتابتهما المنومة الناعسة، وتقسيم البيت الى صدر وعجز، بمطلع مصرّع وبراعة الاستهال وحسن التخلص واسلوبها العربي المتين المحافظ على قواعد النحو والصرف والمستمد من إعجاز القرآن، مدعين انه أسلوب يهتم بمفاخر صنعة البلاغة العربية التي هجرها معظم الشعراء الشباب. وشجعوا الاسلوب البسيط والكتابة التلقائية والحدس والتعمية المقصودة في الوعي متجنبين الوضوح والمنطق والتعبير النثري عن الأفكار. وبالغ البعض في التجديد حتى تميز البعض بالسطحية والغموض الشديدين، فاتهمهم المحافظون بعدم تبحر الشعراء الشباب في كنوز التراث العربي الثرّ، "فدقوا عنق البلاغة العربية" كما قال اساتذة مدرسة الديوان المصرية عباس محمود العقاد وابراهيم عبد القادر المازني، من أعداء التجديد في الشعر الحر وقصيدة النثر في القرن الماضي. فلما ظهر الشاعر الدكتور جبار جمال الدين في مدينة الكوفة مهد الفصاحة وفقه اللغة والمنافسة لمدرسة البصرة قديما، أفلح سريعا في إعادة القصيدة العمودية على صفحات الجرائد الالكترونية الحرة، إلى روعتها السابقة. فعمد الى فن رفيع من فنون الشعر التقليدي وهو القصائد الاخوانية التي تعبر عن رقة الشعور لناظمها ودقة ملاحظته وتصويره الجميل الصادق للصفات الحميدة التي يتحلى بها الممدوح أو المرثي، حتى أصبحت على يده شاعرنا صدى لأجواء الحياة الفكرية والوطنية في العراق بعد أن جردها من المبالغات والخيال الامتناعي الى الخيال الإمكاني، فتتمثل أمامنا الشخصية بفضائلها ونشعر بنبض واقع الحياة وفضائل الماضي ومثالياته بصدق وأمانة. وقد سحر بفنه هذا كبار الأدباء والمترجمين من العرب وغيرهم. فكشفت هذه الترجمات الوجه الإنساني والروحي للشعب العراقي وانفتاح هذا الشاعر الجليل على التراث الانساني الخالد وحرصه على تخليد تاريخ بلاده ووحدتها الوطنية عن طريق اهداء قصائده الى شخصيات عراقية تميزت بصفات يجدر بنا التعرف عليها ووضعها مثالا أمام الاجيال الحديثة كأحد معالم الطريق الصحيحة للنهوض بوطنه المنكوب بالكراهية والاحقاد الدينية والمذهبية والتعصب والعنصرية ليقيله من كبواته المتتالية. وخير دليل على ما نقول إن بعض المستشرقين وكبار المثقفين العرب في العالم العربي يهتمون اهتماما بالغا بقصائد شاعرنا الملهم فيقرظون قصائده ويكيلون له المديح والاطراء فيعلقون على قصائده الانسانية الوطنية التي ترى في العراقي المخلص لوطنه ولشعبه المثال الذي يجب على الجيل الجديد من العراقيين الاحتذاء به بغض النظر عن الدين أو المذهب أو القومية، بل أن كبار المثقفين العراقيين شرعوا في ترجمة قصائده الوطنية الى لغات عالمية عديدة منها الروسية والالمانية والفرنسية والعبرية والإيطاليةة وغيرها، وذلك بالرغم من صعوبة ترجمة اسلوبه العربي الصميم برموزه التاريخية وصوره الشعرية التقليدية أو المجددة. نذكر من هذه الترجمات ترجمة الاستاذة ايثار عبد الجليل الطاهر الحاصلة على الماجستير باللغة الفرنسية من جامعة زيوريخ في سويسرا والماجستير في العلوم السياسية من جامعة بغداد، فقامت مشكورة بترجمة قصائد شاعرنا الدكتور جبار جمال الدين المنشورة في جريدة "الأخبار الرئيسية" لمحررها الاستاذ الكبير نوري علي إلى الفرنسية وهي: قصيدة "يا ام سامي" وقصيدة "سنيورة الخير"، وأما قصيدة "في رحاب الخلد" فقد ترجمتها الاستاذة إيثار الى الالمانية والفرنسية والقصائد الثلاث الأخيرة هي في رثاء والدة كاتب هذه السطور، فالى المترجمة المبدعة جزيل الشكر على انسانيتها وتحررها الفكري والعقائدي. كما ترجمت قصيدة "ودعت امي" التي نظمها الشاعر في رثاء والدة الاديبة ليندا عبد العزيز منوحين الى الفرنسية أيضا. واهتمام المترجمة المبدعة الاستاذة إيثار الطاهر بمراثي الأمهات لهو دليل ساطع على وعيها الكبير بوظيفة المرأة في المجتمع واكبارها للأمومة وإدراكها لوظيفة الام في انشاء الاجيال الجديدة وتحرير المرأة في البلاد العربية. اما الاستاذ علاء التميمي الحامل لدرجة ماجستير في اللغة الفرنسية ومن المعجبين بالزعيم العراقي الوطني المغدور عبد الكريم قاسم، فقد ترجم قصيدة "حبيب القلوب"، المهداة إلى الزعيم الراحل الذي لا يزال حيا في قلوب الكثير من العراقيين الوطنيين المخلصين. كما ترجم قصيدة "رواء الربيع" المهداة الى الشاعر المرحوم أنور شاؤل الى الفرنسية، بالإضافة الى ترجمته لقصيدتي "حاييم يا شبل العراق" وقصيدة "سفر الاباء" المهداة لذكرى السيد ابراهيم مير معلم الذي تشبث بتربة العراق المباركة الى ان صادرت الحكومة العراقية أملاكه فاضطر الى مغادرة العراق ولم ينسه حتى أخر لحظة من حياته. وممن شارك أيضا في هذه الحركة الجديدة المباركة للترجمة من اللغة العربية الى لغات عالمية هو الاستاذ القانوني المعروف السيد موسى الياس عباس الذي يحمل شهادة ماجستير في القانون الدولي من جامعة انقرة، فقد ترجم الى التركية قصيدة من "سحر بغداد" وقصيدة "وقفة على شواطئ الطفوف". اما الاستاذ عبد الزهرة الكعبي فقد ترجم الى الانكليزية قصيدة "ساسون حسقيل"، وقصيدة "موريس يالحن الوفاء" وقصيدة "يا باقة الورد"، وقد علمنا من مصادر موثوقة بأن قصيدة "واحر قلباه" في رثاء الصحفي العراقي اليساري الكبير سليم البصون والمهداة الى الاخت نيران سليم البصون ستترجم الى اللغتين الروسية والتركية. وهناك ترجمات عديدة معدة للنشر باللغات الصينية والهندية والكرواتيه. وأخيرا، ستنشر الانسة المستشرقة الإيطالية مارتينا باريتو الباحثة في معهد الاستشراق في فينيسيا والتي تعد اطروحة عن يهود الشام، ترجمة للعديد من قصائد شاعرنا الى الايطالية، الأمر الذي سيزيد عدد القراء في العالم من المعجبين بالشعر العراقي الحديث ووجهته الانسانية الجديدة. وكان من أوائل من انتبه الى مواهب الدكتور جبار وشعره الانساني الوطني، وحبه لجميع أطياف الشعب العراقي العريق، قراء اللغة العربية من اليهود النازحين من العراق في اسرائيل وغيرها من تجمعاتهم في أوربا وأمريكا وأستراليا، فأولوه اهتمامهم وتناقلوا قصائده بينهم والقيت في اجتماعاتهم في نواديهم وفي مراكز ابحاثهم، مترنمين بها باللغة العربية وبترجمتها العبرية. وقد برز من بين قراء اللغة العربية في إسرائيل من المعجبين بشعر الدكتور الشاعر الذين ترجموا قصائده الى اللغة العبرية، الأدباء يوسف دوري ولطيف بار- طوب (أبو الخير) والمترجم الذي يوقع ترجماته بأسم بغدادي. كما ترجم أخرون مقالات الدكتور رشيد الخيون والاستاذ الكبير خالد القشطيني والاستاذ مازن لطيف في موقع باللغة العبرية باسم "تبوز" (برتقال) وغيرها من المواقع التي يشرف عليها كبار المثقفات والمثقفين من يهود العراق في اسرائيل، فينوهون بانفتاح الجرائد الالكترونية الحرة على الفكر العالمي وإخاء الشعوب والديموقراطية لرفع الحواجز المصطنعة بين الأديان والقوميات والأجناس. وهم يعبرون عن اعجابهم بصورة خاصة بجرائد "إيلاف" وزاويتي "ثقافات" و"كتاب اليوم" ، و"جريدة الاخبار" و"الحوار المتمدن" و"المدى" و"مسارات" وغيرها من صحف العراق الحرة، بل تدور ندوات وتكتب الأبحاث الأكاديمية عن مكانة هذه الصحف والصحفيين العرب الاحرار وغيرها من المجلات التي تسقط الحواجز وتكشف الحقائق الناصعة وتفتح المجال للنقاش بين جميع التيارات الفكرية والفلسفية والسياسية والدينية توصلا الى حرية الفكر التي ترمي الى خلق عالم متسامح ومنفتح على الآخر، عالم يسوده السلام والتعاون بين العلماء في توفير عالم سعيد لمستقبل الأنسانية جمعاء، عالم خال من الحروب والاحقاد والدمار وتلويث البيئة، ومن الفقر والمرض والجهل، حقق الله الآمال.
هذه الترجمات لشعر العراق الوطني الانساني الحر تكشف أمام العالم وجه العراق الحقيقي، الوجه المتحرر والديموقراطي والإنساني، وتشير الى أن إعداء العراق الذين يحاولون تشويهه واضعافه بهجمات الاحقاد والانتقام والمتفجرات والقتل العشوائي وتصفية الاقليات الدينية والاثنية، ما هي إلا محنة عابرة استطاع العراق الأبي تجاوز أمثالها مرات عديدة عبر التاريخ.
#شموئيل_(سامي)_موريه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا نور عيني يا عراق!
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|