|
كيفية تجاوز اشكاليات الديموقراطية في منطقتنا
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 14:09
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ان الديموقراطية بعيدا عن كونها نظاما مترامية الاطراف فهي احدث الية للحكم ، و لم تكن نظرية واضحة الشكل و المعالم الا بعد تراكم معطياتها و مدلولاتها طيلة تاريخها، و منذ الحقب الغابرة بعد انبثاقها في الحضارة اليونانية القديمة. و اجريت عليها تغييرات ملحوظة منذ المراحل الاولى و وفق المتغيرات المختلفة التي جرت على الجوانب السياسية الفكرية الثقافية الاجتماعية الاقتصادية في العالم. الهدف الرئيسي و الاسمى لهذا المفهوم المتعدد المهام و الهادف لسعادة الانسان و حريته هو حكم الشعب و حريته في اختيار حكامه و نظام حكمه من حيث المباديء و الفلسفة التي يعتمدها، و من ثم تنفيذ القوانين الوضعية التي يتفق عليها الجميع و ترضى عنها الاكثرية . مرت الديموقراطية بمراحل عديدة و انتقالات كثيرة و لكنها حافظت على اهميتها و لم يحل البديل عنها رغم الاعتراضات و العراقيل التي واجهتها و المعضلات التي برزت امام مسيرتها، و انها اخذت وقتا طويلا لانتشارها، و الاهم ما فيها انها اصبحت طريقا تلتزم بها الجميع من الانظمة و الفلسفات و النظريات و لا يمكن الاستغناء عنها بل لا يمكن لاي فكر او عقيدة او رؤية جديدة تجاوزها مهما عارضتها في قرارة نفسها او في جوهر و مضمون ما تهتم به في اتباع السياسة التي لا تتوافق معها. يمكن للديموقراطية الحقيقية ان تفرض نفسها بسهولة لو توفرت الارضية السليمة لها و لو صقلت بالتجارب المتكررة و اعتاد المجتمع عليها في حياتهم الخاصة و العامة، و هذا ما تسير عليه الدول المتقدمة ذات المستوى العالي من الثقافة و الوعي العام و المستقرة سياسيا و اقتصاديا. على الرغم من مرورها هي، اي الديموقراطية كفكر و تطبيق بعدة اشكاليات في اكثر الاحيان و بشكل مؤقت فقط لاسباب انية و اكثريتها طارئة. اما الدول التي استهلت طريقها حديثا في اتباع هذا النظام و في الدخول في مسيرتها الطويلة و منها خارجة لتو من ربق الدكتاتورية و الانظمة الشاملة فانها ستستمر في وضها القلق و ستصيب ديموقراطيتها اشكاليات مختلفة، و اولاها، هي محاولة الكثيرين على ان تصبح الديموقراطية الة بيد السياسة للتعامل بها و تجبرها على الخضوع لفنونها و حيلها و مستغلة من قبل رعاتها لاغراض و مصالح لا تصب في طريق تجسيد الديموقراطية الحقيقية بشيء، بل تتبنى هذه الانظمة الديموقراطية التي تريدها هي كيفما تكون و تغير من جوهرها و تبقيها مظهرا فقط و باستخدام ابشع الوسائل و الحيل و الخداع و تفرغها من صلبجهرها و دلالاتها و معانيها الصحيحة. هذه المنطقة التي نعيش فيها مفعمة بالعقائد و الافكار المثالية المتوارثة، و تفرض في اكثر الاحيان ما تخص الفرد و حريته الشخصية و ما يحق لها ان يعتنق و يفكر على الفضاء العام للمجتمع ، مما تخلط الامور على الجميع، و في اكثر الاحيان تُستغل الحرية التي تنادي بها الديموقراطية و تدافع عنها من قبل اكثر من جهة و تجري في جو يظهر من يقف ضد هذا المفهوم و يدعي التزامه به على العلن بينما يستغله لاغراض و مصالح هي بذاتها تنفيه بالكامل ان نجحت في تحقيق ما يريد الوصول اليه. لو حددنا الاشكاليات التي يمكن ان نرصدها في منطقة الشرق الاوسط و التي تصيب الديموقراطية، و شخصنا ما يمكن ان يعقٌد الارضية وهي التي تمنع بدورها نجاح هذا المفهوم اعتمادا كنظام و الية، لازحنا العديد من العوائق و المعضلات النظرية و العملية التي تبرز امامها و بجهد و امكانيات اقل قبل فوات الاوان. الاهم هو كيفية التعامل مع القوى المختلفة المؤمنة بالديموقراطية او الرافضة لها و كيفية ازالة سلبيات من يقف ضدها دون الاخلال باهم مباديء الديموقراطية وهو توفير المجال الواسع للتعدية بما فيها من يرفضها في قرارة نفسه و عمله و لم يعترف بذلك على الملا، او يتبجح في حالات و يعلن عما يفكر فيه لللجميع، و هنا يكفينا ان نذكر القوى المتطرفة من اليمين الى اليسار و في اكثر الاحيان نلمس توجهات السلطات الموجودة في فرض الراي الواحد و ان ادعت ايمانها بالحرية و الديموقراطية في خطاباتها، و هذه هي الاشكالية الكبرى التي تعاني منها هذه المنطقة بالذات و تصرف هذه الانظمة من الامكانيات المتوفرة لديها من اجل البقاء على سدة الحكم على حساب الديمنوقراطية و دون ان تتاثر بشكل ما بما تفرضه العصرنة و الحداثة و القيم و المباديء الجديدة بعيدا عن التقديس و الالوهية في الفكر و العقيدة. من جانب اخر، نرى الاختلافات الكبيرة الواضحة في رؤى الدول المختلفة و سمات مجتمعاتها و خصائص انظمتها في هذه المنطقة، و هي ايضا الاشكالية الاخرى كنتيجة للتاثيرات المتبادلة التي تفرض نفسها و تمنع اية جهة في السير بخطى واثقة في هذا المنوال، و هنا لا يمكن عزل الذات و السير وحيدا بعيدا عن الاخرين، اي التوازن و التواكب في عملية اعتماد الديموقراطية و الاستناد على ركائزها من قبل الجهات المختلفة اشكالية اخرى ايضا، و تدخل المصالح و شكل و نوع النظام السائد لاي بلد كعامل حاسم في تطبيق المباديء العامة و عدم التحايل عليها. خلط الامور في ادارة اية دولة و التمظهر بالالتزام بالفلسفات الشرقية و ضرورتها ، و عدم فصل الدين عن الدولة و عدم الايمان بالاستناد على العقلانية في وضع القوانين الوضعية و فرض ما يخص عقيدة الفرد على ما يخص المجتمع، هو اشكالية خاصة بالشرق و تقف حجر عثرة امام الديموقراطية الحقيقية و متطلباتها، فمن الواجب تجاوزها قبل اي خطوة تتخذ بهذا الشان و قبل خلق الازمات في وسط الطريق. من هذا المنطلق نسير بالاتجاه الملائم و نكشف الاشكاليات الاساسية و ما تصاحب اتباع الديموقراطية و الالتزام بهذه العملية الطويلة ، و نشخص الامراض و نعين ما يمكن ان تواجهنا من الازمات المحتملة و ما تبرز على طريقنا من المعضلات، والتي ستكون العديد منها عابرة، و يفترض محاولة ازالة الاخرى و باقل السلبيات. و هنا يجب التفكير العميق و اتخاذ الاجراءات الضرورية لتفادي تلك الاشكاليات المكشوفة او على الاقل التقليل من تاثيراتها و افرازاتها السلبية، و لا يمكن ان نعمل في هذا الاتجاه قبل اتفاق الجميع على التعاون و فرض المطلوب و الضغط على من يرفض، ثم استخدام الوسائل العلمية من البحوث و الدراسات في تسهيل العملية و امكانية ازاحة العرقلات، وقراءة الواقع من جميع الجوانب الاجتماعية الثقافية الاقتصادية و السياسية و قراءة الفروقات و تحديد المرحلة و من ثم اتخاذ المواقف الحازمة من اي توجه يزيد من الصعوبة في اجراء اللازم للتقدم و الانتقال من مرحلة لاخرى، و يجب ان يتم ذلك في فضاء تُحترم فيه مباديء حقوق الانسان و ضمان الحرية للجميع .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق يئن بسبب التشدد و التعصب و ليس تحت ضغط الفدرالية
-
دروس و عبر انتفاضة تونس الخضراء
-
الثروة و دورها في عرقلة اقرار حق تقرير المصير او ترسيخه
-
ترسيخ ثقافة المواطنة في منطقتنا و المعضلات امامها
-
تزامن الاستفتاء لجنوب السودان مع قصف تركيا لكوردستان
-
ايهما الاَولى السلام ام العدالة
-
الحرية بين مدقة السلطة و سندان خطباء الجوامع في كوردستان
-
الازدواجية المقيتة في تعامل امريكا مع القضايا العالمية
-
هل تكميم الصحافة لمصلحة العملية السياسية في كوردستان
-
الاولويات اليسارية في ظل سيطرة الايديولوجية الراسمالية على ا
...
-
الديموقراطية و ضمان تكافؤ الفرص امام الجميع
-
ماوراء عدم اسناد منصب سيادي للمراة في العراق
-
هل يمكن تطبيق الديموقراطية الحقيقية دون اية انتخابات عامة ؟
-
هل المجتمع العراقي يتحفظ عن التجديد حقا؟
-
يجب ان لا يخضع حق تقرير المصير للمزايدات الحزبية
-
الديموقراطية في كوردستان بين ثقافة المجتمع و دور النخبة
-
الفضائية كخطوة اولى لترتيب بيت اليساريين بكافة مشاربهم
-
هل يضطر المالكي لتشكيل حكومة الاغلبية
-
الكورد بين مصالحة التاريخ و مخاصمته
-
مَن تختاره الكتل ليكون وزيرا في الحكومة العراقية
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|