|
التفريق بين قياس الفساد وقياس جهود مكافحته وقياس التقدم في الحرب ضده
رحيم حسن العكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 11:55
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
بعد اعلنت هيئة النزاهة بان ارقام ملاحقات الفساد لديها عام ( 2010 ) بلغت ثلاثة اضعاف ارقام العام الماضي ( 2009 ) ، التي كانت - هي ايضا - اكثر من مما تم انجازه في الخمس سنوات الماضية ( 2004 – 2008 ) مجتمعة، ظن البعض بان ذلك مؤشر على ارتفاع في مستوى الفساد في العراق ، ونسبوا الى الهيئة – خطأ - بانها اعترفت بان الفساد تضاعف ثلاث مرات عن العام الماضي ، وبنوا ذلك على وهم بان ارتفاع عدد المحالين الى المحاكم وزيادة عدد المحكومين وارتفاع عدد المطلوبين عن تهم فساد انما هو مؤشر على ارتفاع الفساد ، وهذا خطأ علمي فادح ، لان ارقام ملاحقات الفساد لا تصلح كطريق ( لقياس الفساد ) ، ولا تصلح مؤشر او كدليل على ( ارتفاع مستوى الفساد ) ، ولكنها تصلح لقياس ( جهود مكافحة الفساد ) ، وهنك فـرق كبير بين ( قياس الفساد ) و( قياس جهود مكافحة الفساد ) . فالفساد يقاس باربع طرق ، اهمها واكثرها واقعية وموثوقية طريقين الاولى هو ( قياس الفساد عن طريق ادراك الناس له ) وهذا ما تعتمده الشفافية الدولية ، ويصدر عنها نتيجة له ( مؤشر مدركات الفساد ) وجدوله الدولي الشهير ، والثاني وهو الطريق الاكثر موثوقية من مؤشر مدركات الفساد ، فانه قياس الفساد عن ( طريق خبرة الناس في التعامل مع ظاهرة الفساد المطلوب قياسها )، وهذا ما تبنت هيئة النزاهة اعتماده في المؤشرات التي تصدر عنها شهريا بناء على استبيان يتضمن سؤال اساسي هو سؤال المتعامل مع الدائرة المعنية فيما اذا كان قد دفع رشوة بمناسبة المعاملة التي انجزها . ومع ذلك فان جميع طرق قياس الفساد الاربعة محل نظر وانتقادات علمية كثيرة ، لذلك دعا الامين العام للامم المتحدة ( بان كيمون ) في كلمته التي القاها في مؤتمر اطلاق الاكاديمية العالمية لمكافحة الفساد في فيينا في ايلول / 2010 الدول الى بذل الجهود للتوصل الى معيار علمي موثوق لقياس الفساد . اما ارقام المحالين الى المحاكم والمحكومين والمطلوبين بتهم الفساد ، والاموال المستعادة فانها لا تصلح مطلقا لقياس الفساد او القول بزيادته او انخفاضه ، وهذا ما تؤكده منظمة الشفافية الدولية في المذكرة التوضيحية التي تلحقها عادة بمؤشر مدركات الفساد الذي تصدره سنويا ، وذلك محل اتفاق عند جميع المعنيين في مكافحة الفساد في العالم . الا ان تلك الارقام ( اي ارقام عدد المحكومين والمحالين والمطلوبين بتهم فساد ) تصلح لقياس ( جهود مكافحة الفساد) ، فكلما ارتفعت ارقام المحالين الى المحاكم وارقام المحكومين والمطلوبين عن تهم الفساد ، فذلك دليل على زيادة وجدية جهود مكافحة الفساد ، وكلما انخفضت كان ذلك دليل على ضعف جهود مكافحة الفساد . وهذا ما تتابعه بدقة واهتمام المنظمات المعنية بمراقبة جهود الدول في مكافحة الفساد وتؤكده عليه وتعتبره المؤشر الاهم في فعالية الدولة في مكافحة الفساد او عدم فعاليتها . ولابد ان نشير هنا – لكي لا يساء فهم ما ذكرناه عن قياس جهود مكافحة الفساد – الى ان مؤشرات تطور او تقدم ( جهود مكافحة الفساد ) لا تصلح – لوحدها - لقياس التقدم او التحسن في معالجة الفساد ، لان هناك فرق بين وجود جهود لمكافحة الفساد - ولو كانت كبيرة او جدية - وبين احتمالات حصول تحسن او تطور في مشكلة الفساد ، فرغم ان المنطقي هو حصول ذلك التحسن مع وجود جهود جدية ، الا ان ذلك ( اي منطقية النتيجة ) شئ وحصول التحسن - فعليا - شئ اخر ، لذلك فان قياس جهود مكافحة الفساد لا تصلح للقول بوجود تحسن في مشكلة الفساد ، كما انها لا تصلح للقول بوجود تراجع في مشكلة الفساد او ارتفاع في مستواه كما ذكرنا انفا . ورغم ان الارقام الدالة على التقدم في ( جهود مكافحة الفساد ) لا تصلح لوحدها كمؤشر للقول بوجود ( تقدم في مكافحة الفساد ) لكنها احدى المؤشرات المهمة التي ترجح وجود التقدم في مكافحة الفساد اذا ما اكدته معايير اخرى صالحة لقياس ذلك التقدم . ولكن تصلح ( طرق قياس الفساد ) كمؤشر لقياس ( التقدم في معالجة مشكلة الفساد ) فكلما اشارت طرق قياس الفساد الى انخفاضه عد ذلك تقدم في معالجة الفساد ، وهذا ما اعمدته هيئة النزاهة في الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة في استبياناتها الشهرية لقياس حجم تعاطي الرشوة في القطاع العام ، فالاستبيان كان طريق لقياس حجم تعاطي الرشوة ( اولا )، وطرق لقياس التقدم او التراجع في معالجة ظاهرة الرشوة ( ثانيا )، وهو وسيلة من وسائل الضغط للعمل ضد الظاهرة من خلال اعلان نتائجه ونشرها اعلاميا ، وقد حقق ذلك نتائج ايجابية الا انها لا زالت تعد – لدينا – تقدم هش وغير راسخ . وهناك مؤشرات اخرى تصلح لقياس ( التقدم في مكافحة الفساد ) كمعيار زيادة الاستثمار الاجنبي ، فكلما زادت حالات الاستثمار الاجنبي ، عد ذلك مؤشر على انخفاض مستوى الفساد ، والعكس يدل على ارتفاع مستوى الفساد ، فالمعروف ان الفساد هو احد العناصر الطاردة للاستثمار الاجنبي . ويقاس التقدم في مكافحة الفساد بقياس مدى تعاون الناس في الاخبار عن الفساد فكلما ارتفع مستوى من يقول بانه يخبر عن الفساد في حالة العلم به دل ذلك على تقدم في الحرب ضد الفساد ، والعكس يؤشر حالة سلبية ، اذا ما عزف الناس عن الاخبار عن الفساد لاسباب تتعلق بالخوف من الانتقام الجسدي او العشائري او الوظيفي وغيرها من الاسباب . وعموما لا يفضل ( قياس الفساد ) ولا قياس ( التحسن في معالجته ) بالاعتماد على طريق او مؤشر او معيار واحد ، بل يتوجب – ما كان ذلك ممكنا – جمع اكبر عدد ممكن من الوسائل والمؤشرات المتوفرة ، فكلما زادت المؤشرات والمعايير والطرق المعتمد عليها في استخلاص النتائج النهائية ، كلما كانت الموثوقية فيها اكبر ، وتقل الموثوقية بالنتائج مع قلة المؤشرات والمعايير المعتمدة .
#رحيم_حسن_العكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق في تقرير الشفافية لعام 3009
المزيد.....
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|