أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم الماصي الحسناوي - تبا للكتابة...المجد للجسد المحترق















المزيد.....


تبا للكتابة...المجد للجسد المحترق


باسم الماصي الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 22:39
المحور: الادب والفن
    


لماذا نخدع أنفسنا دائماً، فنقول لأبنائنا وأخوتنا الصغار انَّ الكتابة عملٌ مقدَّسٌ، أو أنه عملٌ يستحقُّ الإكبار في كلِّ الأحوال، بينما نحن نعلم أكثر من الآخرين جميعاً أنَّ الأمر لا يعدو رغبتنا في أن يكون للكتابة مثل هذه المنزلة، أما الحقيقة الناصعة التي لا مراء فيها فهي أنَّ الكتابة عملٌ لا يجلب على صاحبه إلا الشقاء من ناحيةٍ، وإلا هزء الآخرين ممن يحقِّقون النجاح العمليَّ في مختلف جوانب الحياة من ناحيةٍ ثانية.
من جهتي لن أحرِّض أحداً على الكتابة بعد الآن، إلا إذا كان هذا التحريض جزءاً من عملي، مع أني سأمنح الإشارات المتلاحقة لمن أحرِّضه عليها أني إنما أحرِّضه على الكتابة مضطرّاً، وإلا فإني واثقٌ من أنَّ الخير كلَّه في أن يعتزل المرء هذه اللعنة حتى نهاية الحياة.
يقال إنَّ الكتابة تحقِّق للمرء مكانةً وشهرةً في عالم الإبداع والفكر، وهما نعمةٌ قلَّما تتحقَّق عن طريق أيَّة موهبةٍ أخرى، وأنا أعترض على ذلك بوجوهٍ:
الأوَّل: إنَّ الكاتب الحقيقيَّ لا يهتمُّ بهذه النتيجة مطلقاً، لأنه منغمسٌ في همِّ الكتابة وحزنها حتى النخاع، فليس لديه متَّسعٌ من الفرح ليستمتع بكلِّ ما تتحدَّث عنه هذه الفرضية، ناهيك عن أنَّ شعور الكاتب بالموت الدائم في كلِّ الحالات يلاحقه في كلِّ آن، فلا يجد فرصةً للشعور بلذَّة الشهرة والمكانة بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
الثاني: إنَّ الشهرة والمكانة ليستا حكراً على عالم الكتابة، بل إنهما لا يحصلان عن طريقهما إلا بشقِّ الأنفس كما يقال، وهي مما يحصل على مستوى عددٍ قليلٍ من الكتاب، ولكن مع ذلك، ألا تعتقد معي أيها القارئ الكريم أنَّ لعبة كرة القدم أو الملاكمة أو الكمال الجسمانيّ أو الجمباز يمكن أن تحصل عن طريقها الشهرة والمكانة أكثر، بحيث تبدو موهبة الكتابة قياساً إلى هذه المواهب الممتازة بحكم اللاشيء تقريباً، فيسقط هذا الإفتراض أيضاً من هذه الجهة.
الثالث: حتى لو تحقَّقت الشهرة والمكانة عن طريق الكتابة، فأنا أعتقد أنَّ قلَّةً قليلةً من الناس هم الذين يقرأون أو يفهمون المستويات الراقية من الكتابة، وبالتالي لا يمكن أن يسعد المرء بشهرةٍ تحقَّقت بطريق العدوى، فإنَّ هذا مما لا يسعد به إلا إنسانٌ سطحيٌّ للغاية ليس بمستوى كاتبٍ حقيقيٍّ بطبيعة الحال.
ثمَّ إنَّ الكتابة تطابق الشيزوفرينا بمعنىً من المعاني، فلم أجد كاتباً واحداً استطاع أن يكون على الورق كما هو في الواقع، فهو يلفُّ ويدور كثيراً كثيراً، حتى عندما يقرِّر أن يكتب مذكِّراته بشكلٍ صريحٍ، فإنه يحاول أن يظهر عيوبه بالطريقة التي تجعل منها أماراتٍ للعبقرية، وبناءً على ذلك فإنَّ باسكال أو جان جاك روسو اعترفا فعلاً بالكثير من تصرُّفاتهما مما كان يعدُّ نقصاً في ن الآخرين، وكذلك فعل فرويد أيضاً، إلا أنَّ الثلاثة جميعاً كانوا غير بريئين من تهمة التظاهر بالعبقرية من الناحية الأخلاقية، فهم إذن لم يعترفوا بنقائصهم وتجاوزاتهم على ما هو لائقٌ في نظرهم، بل حاولوا أن يركِّزوا في أذهان المعجبين بهم أنهم أناسٌ استثنائيون طبقاً لكلِّ المقاييس، فلا يصحُّ قياس أقوالهم وتصرُّفاتهم بأقوال وتصرُّفات الآخرين من غير العباقرة على كلِّ حال.
يضحكني همنغواي كثيراً عندما يؤكِّد على نتيجةٍ مفادها أنَّ الكتابة تبدو سهلةً بيد أنها أشقُّ الأعمال في العالم، فأيَّة كتابةٍ كان يقصد هذا الرجل، فهل كان يقصد كتابته القصصية التافهة، فأنا أعتبرها شيئاً كان يجب أن لا يوجد في عالم الكتابة من الأساس، وإن كان يقصد كتابة المؤلَّفات العظيمة من طراز ما يكتبه محمود درويش أو أدونيس أو ما أكتبه أنا على سبيل المثال، فأنا أؤكِّد له أننا لا نعاني مطلقاً في ترتيب العبارات، بل إنها تولد هكذا عفو الخاطر، فأنا أكتب الآن هذا النصَّ مثلاً وأنا مستلقٍ على جنبي أشرب الشاي الساخن الرائع، فأية صعوبةٍ في مثل هذا العمل قياساً إلى ما يقوم به الفلاح أو عامل البناء، ولقد عملت فلاحاً وعامل بناءٍ في المراحل الأولى من حياتي، ولا أتذكَّر أني كنت أحبُّ البشر على الإطلاق ساعة الظهيرة من صيف العراق الحارّ، حتى تركت هذين العملين معاً لأجد نفسي عاشقاً لجميع البشر من الأعماق.
قلت إني أعشق جميع البشر الآن، ولم أقل إني أعشق كلَّ من ينطبق عليه اسم الإنسان، فأنا أعتنق المبدأ القصديّ الذي يفرِّق بين معنى الإنسان والبشر، فالإنسان هو الأعمّ، والبشر هو الأخصّ، فيصحّ أن يقال عن معاوية بن أبي سفيان مثلاً إنه إنسانٌ، لكن لا يصحُّ أن يقال عنه إنه بشرٌ، لأنَّ هذا الإسم الأخير خاصٌّ بالإنسان عندما يرقى إلى مستوى الأولياء، ولهذا فإذا حدَّثتكم عن بغضي لبعض الناس فاعلموا أني أقصد بهم تطبيقات الإنسان وليس تطبيقات البشر، فيجب أن يكون ما أقصده واضحاً في أذهانكم بعد هذا البيان.
هذا أوان الكفر بالكتابة، والإيمان بكلِّ الكلمات التي تقال خلف المنصات ضدَّ الحكومة، أية حكومةٍ في العالم، فأنا أعتبر الحكومات كلَّها جديرةً بالمعارضة، حتى تلك الحكومات التي يقال عنها إنها أنجزت أشياء جيدةً لشعوبها، فلو توفَّرت لي فرصة الظهور على شاشات التلفاز لأريتهم من حالي عجباً، حتى أني ربما تسبَّبت بسقوط حكومات الشرق الأوسط جميعها في غضون أيامٍ بسيطةٍ لا غير، ولا بأس بأن يقوموا باغتيالي بعد ذلك، لأني أكون قد أنجزت مشروعي كاملاً في تلك الساعة، وأعتمد على من تأثروا بأفكاري أن يتموا إنجاز المهمة في إسقاط من يخلفهم في الحكم بعد ذلك.
الكلمات على الورق لا تؤثر مع الأسف، ولم أغسل بعدُ يديَّ بالماء والصابون من الكلمات التي تقال خلف المنصات أو في شاشات التلفاز، فإذا ما بلغت مرحلة اليأس الكامل من المنصّات ومن شاشات التلفاز فسأقرِّر أن أرمي نفسي من شاهقٍ بعدها، لكي يكون محرَّماً على الناس أن يقرأوا على منتحرٍ مثلي سورة الفاتحة.
لا المالكيّ ولا علاوي ولا كلّ جلاوزة الحكومة في العراق بقادرين على أن يجعلوا كلماتي تهدِّئ من روعها قليلاً، فأنا معترضٌ على الإسلاميين والعلمانيين والمستقلين، حتى النجيفيّ ربما رأيت فيه مواطناً صالحاً خلال بعض الجلسات، لكني مع ذلك حانقٌ عليه كثيراً، كونه لا يتحدَّث بكلِّ ما يخدم الطبقات الفقيرة، وكونه ربما مال إلى الشعور الأرستقراطيّ قليلاً، ولهذا فإني لا أستثنيه من قائمة المرفوضين في الحكومة العراقية على هذا الأساس.
تنبيه: هذا النصُّ ليس مقالاً سياسياً، كما أنه ليس نصاً شعرياً ولا أدبياً على الإطلاق، إنه نصٌّ يعبِّر عن حالة اليأس من إصلاح الأوضاع ليس إلا، وغالباً ما تثير حالة اليأس الرغبة لدى الكتاب بأن يفارقوا قليلاً أو كثيراً حالة الإتزان.



#باسم_الماصي_الحسناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الثقافة الصربي يكشف تفاصيل تعرضه اعتداء
- تفاصيل جديدة تكشف سبب وفاة الممثل جين هاكمان وزوجته.. مرض نا ...
- الناقد المغربي سعيد الفلاق: الحضارة الأندلسية فردوس لا تنتهي ...
- مسلسل كويتي يثير الجدل بعد مشهد ساخر من النجم السوري جورج وس ...
- -ظل بجانب جثة زوجته لأسبوع دون أن يدرك-.. كشف سبب وفاة النجم ...
- لماذا تشعر إسرائيل بالتهديد من الفيلم الفائز بالأوسكار؟
- “عامر تورط في كشتة عائـلية” روتانا خليجية شباب البومب 13 الح ...
- لأول مرة.. حسين فهمي يتحدث عن طلاقه من ميرفت أمين وتعدد زيجا ...
- بنك الأهداف.. فيلم للجزيرة يوثق إستراتيجيات حرب الاحتلال بغز ...
- مسلسل -معاوية- يواجه أزمة في دولتين وانتقادات حادة في مصر.. ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم الماصي الحسناوي - تبا للكتابة...المجد للجسد المحترق