|
ثورة يناير بتونس ... دروس وعبر .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17 - 13:48
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
اشعل شباب تونس من سيدي بوسعيد وقود انتفاضة كان البوعزيزي وقودها الأول ، سرعان ما تحولت إلى ثورة عارمة ما كانت في الحسبان ، لأنها ثورة كانت محبوسة في النفوس مُعدة في الأذهان ، تنتظر من يحولها إلى انفجار مدوي يتردد صداه مغاربيا ،ومشرقا عربيا ،وعالميا ، ومن سرعة انتشارها وتجاوب المجتمع بمختلف فئاته في تبنيها ، ُقطفت ثمارها بسرعة ، ما كنا نتوقعها وما كانت ببال الذين استهجنوها بقولهم ( أتحسبون دولة بن علي كارتونية ؟ ) . المهم أن شعب تونس كان ترجمانا صادقا لما أورده الشابي في قصيدته العصماء ( ومن يخاف صعود الجبال ، يعش أبد الدهر بين الحفر) واقتنع متفائلا بأن صعود الجبل لن يكون سهلا ، لكنه صعد و فعل . * ما يبهجنا كمتتبعين لما يحدث -حتى حسبنا أنفسنا تونسيين أكثر منهم - هو أن حالة المغرب الكبير متشابهة من ليبيا إلى الأطلسي بشنقيطه ، فهبة تونس نحسبها منا وإلينا ، فهي العبرة والمثل ، وهي مثال عن غضبة شعب عندما يُهان ، وهي درس نافع للظالمين والمظلومين على حد سواء ، ونعتبرها بداية سقوط أصنام الإستبداد التي حتما ستهوى تباعا برغبتها إما إعتبارا ، أو تكسيرا لأصنامها عنوة ، وهو ما ستنبئُنا به الأيام إن عاجلا أو آجلا . * وخوفنا أشد من الإلتفاف على هذه الثورة من لدن شخصيات كاريزمية ، تبحث لنفسها عن منفذ للتنفذ وتحقيق حلم العمر لها ، وقلقنا يزداد عندما تترآى أوجها تلعب على الحبلين القديم والجديد ، تتبوأ المكانة الأرفع في تعيين الحكومة المؤقتة بحقائب وزارية لمن دفعوا أهل البلد للإنتحار ! في الوقت التي يفترض فيه كنس الدكتاتور بن على وكل نظامه وزبانيته وحتى الحزب الدستوري الحاكم الذي كان المطبل الأول للرئيس المخلوع ، وتكوين ( الجمعية التأسيسية) أكثر من ضرورة ، وهي التي تتولى تعيين الحكومة المؤقتة وتشرف على آليات إعداد دستور تونس الجديدة . •حتى لا تتكرر تجربة الجزائر الفاشلة .... ثورة الجزائر التحريرية المجيدة التي حققها الشعب بتضحية فاقت مليونا ونصف من الشهداء سرقت في بداية الإستقلال ، المجتمع مبتهج ويقيم الأفراح في صائفة 1962 ، وآخرون يخططون للأستيلاء على السلطة ، فكانت جماعة تلمسان بأركانها تعد نفسها لقطف ثمارة ثورة ...، وزحفوا على العاصمة وأسقطوا الحكومة المؤقتة ،بقيادة بن خدة ، وتربع بن بلة رئيسا على البلاد بعد إنشاء ( جمعية تأسيسية صورية) انشق عنها فرحات عباس لما لا حظه من انحراف باتجاه سلطة ممركزة ، وصعد آيت أحمد الجبل لنفس السبب ، فوُضع دستور 1963على المقاس من لدن أجانب وغرباء عن الثورة ، استعملهم بن بلة كمرشدين ومستشارين ، وبتأييد ومباركة من جبهة التحرير الوطني ، كما تم تركيز السلط في شخص الرئيس ، وهما ما ساعد على تغلغل الجيش وهيمنة على دواليب الدولة ، وهما الإرهاصان اللذان سببا نكسة الجزائر في مختلف المراحل والمستويات الأفقية والعمودية إلى يومنا هذا ، فالغروس الماضية نجنيها بمظهري طغيان النظام العسكري الذي انقلب من حام للبلاد إلى حام لنفسه وسلطته وريوعه • جيش تونس حصن منيع لثورتها . إن ما يقوم به الجيش التونسي من ترصد لمواقع بقايا النظام السابق ، في المدن بمعاونة من لجان الأحياء ، أثمر بعودة الأمن والطمئنينة ، وهي خطوات تنبيء بأن المكتسب الثوري لن يضيع ما دام الجيس في حمايته ، فهو الحصن المنيع للثورة ، وهو ما أدركه التوانسة منذ البداية . •أنظمة الجوار ساكتة إلا القذافي .. الحكومات الجاثمة على شعوب المغرب الكبير مصدومة للواقعة ، فهي في حالة ترقب وخوف ، لعل في إقدام بعض شباب الجزائر على حرق نفسه تماهيا لما فعله البوعزيزي رحمه الله ، يشير بوضوح لوحدة الألم والأمل ، وانسياح معوزي ليبيا على مشاريع الإسكان التي استولوا عليها وسط تعتيم إعلامي ليبي سافر ، ما ينذر بأن الأنظمة في حالة ترقب لما ستأتي به الأيام من خفايا وخبايا ، فإما أن تعجل في إصلاح حالها وأحوالها تجاه شعوبها ، أو يلفضها التيار الثوري الجارف . القذافي هو الوحيد الذي هذى ، وهذيانه بليد وازدجر ، فحسب الشعبَ مخطيء وهو المصيب الأوحد ، وظن نفسه قادر على رد عقارب الساعة خلفا بإعادة صنوه إلى حكم تونس منعة له ، واستغرب من سكوت شعب ليبيا عن عظيم إفريقيا الأبله ، الذي يشتري المجد لنفسه بثروات الشعب الليبي السقيق ، أما في الجزائر فإن بوتفليقة لا أثر له في وسائل الإعلام بعد أن كان ساكنا فيها أيام عهدته الأولى ، قد يكون السبب هو تقديره أن ما عاهد عليه شعبه لم يتحقق ، أو أن زبانيته أفهموه ما يمكن أن يفهم في مثل هذه الحالات ؟ . **الغرب ومنطقه البراجماتي في التعامل مع الأحداث .. عندما نسمع أبواق الغرب نحسبه ديمقراطي فوق اللزوم ، غير أن الحقيقة تظهر العكس ، لماذا تأخر( الكيدورسي) عن إعلان موقفه مما يقع في تونس ؟ ولما ذا أحجم ( البيت الأبيض التفاعل مع الحدث إيجابا ؟ لا غرو أن ذلك مقصود ، فمصالحهما لا يمكن التفريط فيها ؟ ما دام أن الأمور لم تتضح فيها لمن الغلبة ؟ أي أنها لم تحسم بعد لصالح من ؟ فهي مع الواقف دائما وأبدا !!، وزين العابدين خادم أمين لسياستهم في إلجام المد الإسلامي الدعوي ، وحجب أوروبا عن السيل الدافق للمهاجرين الأفارقة ، وكم تمنوا بقاؤه واستمراره في الحكم ، فتغيير الأنظمة مكلفٌ لهم يا سادة ، فقد يأتي من يلقم أفواههم حجرا بعد أن تعودوا ملئها ذهبا ؟ لكن ُإرادة الشعوب لا تقهر ...ولا بد من الظهور بالمظهر الذي لا ينفر شعوبهم منهم ، فكان تجميد أرصدة زبانية بن على وحاشيته في فرنسا ؟ ، وكان إعجاب أوباما بثورة شعب تونس ؟ **السعودية والإمارات وأموال تونس المهربة ... تقديرات الأموال التونسية المهربة نحوا الخارج من قبل النظام المعزول وأذياله بلغت الخمسين مليار دولار ؟؟؟ جزء كبير منها رافق ليلى بن علي ذهبا ونقدا باتجاه دبي ، وجزء أكبر مع زين العابدين باتجاه السعودية ؟ فهل ستعيد الأنظمة العربية في البلدين الأموال المسروقة لأصحابها ؟؟ أم أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع حسام الغرب المهند ؟.
مفصل القول أن ثورة تونس الشعبية أحدثت خلخلة بينة في المجتمع (المغاربي والعربي ) ، و فتحت عيون العباد على حجم المفاسد المحجوبة والمسكوت عنها ، وهي أدوات حاسمة تدعوا للإصلاح أو الإنكسار ، فشطحات الأنظمة ووعودها المفبركة الكاذبة أصبحت بلا مصداقية لا يؤتمن جانبها ، وبذلك بدأت شعرة معاوية في التقطع ، لاختفاء الثقة بين الحكام والمحكومين ، الحكام الذين أبانوا بأنهم خدام أنفسهم لا خدام شعوبهم . .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الرحمن اللهبي ، الهلاليون وانتفاضة شعب تونس ... وأشياء أ
...
-
انتفاضة تونس في طريقها إلى التتويج .
-
الشباب الجزائري ..... وظاهرة الهدم الذاتي .
-
الجزائر تحترق ، والشعب يختنق ، وقادتها ساكتون .
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (2/2)
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (1/2)
-
ألفة يوسف .... وحيرة مسلمة .
-
السبي في الإسلام ...رذيلة منكرة ( ردود وحدود).
-
السبي في الإسلام ... رذيلة منكرة .
-
هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .
-
جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) .
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
-
الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|