|
سوريا ولبنان و-قلب العروبة النابض-
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17 - 01:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد حرب أكتوبر 1973 قرر أنور السادات وحافظ الأسد أن حربا نظامية -- جيش مقابل جيش -- مع إسرائيل لم تعد ممكنه لأنه حتى لو استطاعت الدول العربية المجاورة أن تتغلب على الدولة العبرية فإن الولايات المتحدة والغرب سيدعمون إسرائيل إلى أن تسترجع قواها وتتغلب على جيرانها من جديد. وأضحى الزعيمان متيقنين أن دولتيهما لن تستطيعا أن تخوضا حربا مع إسرائيل لأن اقتصاديهما ليسا من القوة بحيث يدعمان ويديمان حربا كهذه، ولأن دول الخليج، التي تستطيع أن تدعم الحرب من الناحية المالية لمدة طويلة، لن تفعل ذلك. وبدأ أنور السادات يعد العدة للتوصل إلى حل يعيد سيناء إلى السيادة المصرية. ولكنه لم يُطلع سوريا والأردن والفلسطينيين عليه خوفا من أن "يفركشوا" خططه بالتعاون مع بعض الدول المزايدة الأخرى. وثبتت صحة توقعات السادات هذه عندما زار القدس وتوصل إلى اتفاق وأعلن من هناك انه "لن تقوم حروب بعد الآن." وانعقدت القمة العربية وأعلنت مقاطعتها لمصر وسحبت ألجامعه العربية من القاهرة وعينت تونسيا أمينا عاما. وظل هذا الوضع بضع سنوات حتى بدأت الأنظمة العربية تعيد علاقاتها مع مصر بدءا بالأردن الذي توسط بعد ذلك بين مصر وسوريا لاستعادة العلاقات بينهما. وفي مدة بسيطة عادت الدول العربية ومصر أحبابا من جديد وكأن شيئا لم يكن وكأن الأخيرة ألغت معاهدتها مع إسرائيل. أما الفلسطينيون فكانوا خاضعين لتكتيكات الدول العربية ومشاعر الرأي العام العربي ولم يغتنموا الفرصة للبدء بحل قضيتهم مع إسرائيل.
هذا ما كان من أمر مصر. أما سوريا بقيادة حافظ الأسد فلم تحاول أن تنهي حالة الحرب مع إسرائيل وتسترجع الجولان لأن ذلك معناه أنها ستفقد الصفة التي أطلقتها على نفسها وهي "قلب العروبة النابض". فهي تريد أن تسترجع الجولان دون تطبيع وتبقى قلب العروبة النابض. ولكنها بدأت تخطط لمحاربة إسرائيل بالنيابة من خلال لبنان ولآخر مواطن لبناني في الجنوب. وكان هذا التكتيك يعطي سوريا شرف المدافع عن القضية الفلسطينية وفي نفس الوقت تقض مضاجع إسرائيل وتفهمها أنها لن تنسى الجولان. واستقطبت سوريا الزعماء الفلسطينيين الراديكاليين لكي يحمسوا الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ويقووا الجبهة السورية الداخلية لأن من يتبنى سياسة مناهضة لإسرائيل سيبقى بطلا قوميا في أعين الشعوب العربية حتى لو لم يحقق شيئا للشعب الفلسطيني.
عندما لجأت المنظمات والفدائيون الفلسطينيون إلى لبنان بعد ما أُطلق عليها حرب أيلول الأسود في الأردن عام 1970، تعاطف معهم اللبنانيون في الجنوب وتعاونوا معهم وبدؤوا يشنون الهجمات على إسرائيل ويشتبكون مع القوات الإسرائيلية. وبدأ عدم الاستقرار في لبنان مصحوبا بهجمات واجتياحات إسرائيلية متكررة على الجنوب اللبناني. وخلقت هذه التطورات وضعا لا يطاق بالنسبة لمجموعة كبيرة من اللبنانيين، وبدأت الحرب الأهلية سنة 1975. ومن الطبيعي أن كل هذا كان امرأ مقلقا لإسرائيل. وخرج الوضع في لبنان عن السيطرة وانقسم الشعب اللبناني بطريقة لم يعد من الممكن عكسها. وبعد الثورة الخمينية في إيران وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية توصلت سوريا وإيران إلى اتفاق تعاون استراتيجي. وكان من نتائج هذا التعاون أن جعل بشكل عملي الشيعة في لبنان جزءا من الجهد الحربي السوري ضد إسرائيل. وفي سنة 1982 تأسس في جنوب لبنان حزب الله الذي كان متأثرا بالفكر الخميني ليحل محل الفدائيين الفلسطينيين بقيادة عرفات والذين غادروا لبنان واتخذوا من تونس مقرا جديدا لهم. أما المسلحون الفلسطينيون الذين بقوا في لبنان فكان معظمهم موالون لسوريا -- ولا يزالون إلى الآن. وهكذا أصبحت لبنان والشعب اللبناني رهينة في يد سوريا.
واستمرت الحرب الأهلية وبلغت الفوضى حدا لا يطاق ولكن تكتيكات دمشق نجحت أيما نجاح. ففي عام 1989 توصل اللبنانيون إلى اتفاق الطائف بمساعدة سعودية. ونص الاتفاق على إنهاء الحرب ونشر الجيش السوري في لبنان، وبموافقة أمريكية، لتهدئة الأوضاع واستعادة الاستقرار بعد تغييرات على صلاحيات الطوائف اللبنانية وتخفيض صلاحيات الرئيس اللبناني المسيحي وتسليم جزء منها لرئيس الوزراء السني. وقد نجح السوريون في استعادة ما يشبه الاستقرار وتوقفت الحرب الأهلية. ولو أن الاتفاقية تنص على أن بقاء الجيش السوري لن يستغرق أكثر من سنتين إلا أنهم لم يخرجوا إلا عام 2005 بعد ضغط محلي ودولي كبير وبعد أن شغٌلوا في لبنان واحد ونصف مليون سوري حوٌلوا كمية هائلة من العملة الصعبة لسوريا لدرجه أن الحكومة السورية سمحت للمواطنين أن يفتحوا حسابات بالعملة الصعبة، الأمر الذي لم يكن مسموحا به من قبل. أما من الناحية السياسية فلم يخسر السوريين شيئا لأن حكمهم للبنان استمر بطريقه أفضل من خلال حزب الله. وتكفلت إيران بتمويل حزب الله وتسليحه وكانت هذه نقطة إضافية لصالح سوريا وجائزة لها.
لقد بدأت سوريا ما يشبه حرب استنزاف ضد إسرائيل منذ السبعينات ولكن وقود هذه الحرب كان اللبنانيون وأموالهم واقتصادهم. انسحبت إسرائيل من لبنان سنة 2000 وعرضت أن تطبق قرار مجلس الأمن 425. وعندما قال اللبنانيون إن مزارع شبعا ارض لبنانيه وأنها يجب أن تتحرر وافق الإسرائيليون ووافق السوريون أيضا ولكنهم لم يوافقوا على ترسيم الحدود وذلك لكي تبقى المشكلة قائمة ويبقى حزب الله وجنوب لبنان يحارب نيابة عن سوريا. وبالرغم من الهجمات الإسرائيلية الجوية العديدة على سوريا إلا أنها لم تثأر لنفسها واكتفت بمضايقة إسرائيل من خلال لبنان. وعقدت سوريا محادثات مع إسرائيل أكثر من مرة بوساطات تركية وأمريكية، ولكنها، هي وأتباعها، حرٌمت على اللبنانيين أن يفعلوا ذلك. والحقيقة أن سوريا كانت، ولا تزال، تحاول تعطيل أي حل بين إسرائيل والفلسطينيين قبل أن تسترجع الجولان. وأخيرا ربحت سوريا نقطة أخرى عندما استطاعت أن تستميل حليف حزب الله الجديد ميشيل عون الذي زار سوريا واستقبل استقبال زعماء الدول لأنه يلعب الدور الذي حددته سوريا لأولئك الذين يحاربون عنها في لبنان، رغم أن أيا من إتباعه لم يقتل في أي اشتباك مع إسرائيل وفي المعارك التي دارت بينها وبين حزب الله. وعون هذا هو نفسه الذي ذهب لواشنطن سنة 2003 وأقنع الكونغرس الأمريكي بسن قانون محاسبة سوريا الذي لم يلغ بعد والذي لا يزال نافذا.
كان التخطيط السوري غاية في الذكاء فكل الأحداث في لبنان تُبين أن الرابح الأول هو سوريا والرابح الثاني هو إيران التي أصبح لها موطئ قدم في لبنان لا يمكن أن تتزحزح. وقد اقتنعت الولايات المتحدة في النهاية بأنه إذا لم تتوصل إسرائيل إلى اتفاق مع سوريا وتنسحب من الجولان فإن الوضع في جنوب لبنان لن يتحسن وستبقى لبنان على برميل من ملح البارود. وهكذا تحسن وضع سوريا السياسي في المنطقة كلها وأصبح مركزها التفاوضي قويا للغاية.
أما اكبر الخاسرين فكان الشعب اللبناني المغلوب على أمره فهو لا يستطيع أن يشكو أو حتى أن يعبر عن ورطته. ومن المستبعد أن يتخلص هذا الشعب من هذه المصيدة في المستقبل المنظور، وهكذا فإننا نستطيع أن نقول أن منارة العالم العربي في طريقها إلى التدمير. ومع اشتداد التخلف والجهل بين شعوب هذه المنطقة فلن يعود لبنان، مركز التقدم والحضارة العربية الحديثة، إلى سابق عهده. أما الخاسر الثاني فهو الشعب الفلسطيني الذي لم يستفد أبدا منذ أن سلم أموره للأنظمة العربية. فمعظم الأنظمة استغلته لتمرير مصالحها وابتزاز بعضها البعض. وكلما شعرت إسرائيل أن أي دولة مجاورة تهددها -- ومن المفيد أن نتذكر في هذا الصدد تهديدات احمدي نجاد لإسرائيل -- تتخذ من هذا التهديد ذريعة لتبطش بالشعب الفلسطيني وتضعف من قوته ومعنوياته وتحاول أن تنشر الانقسامات بين صفوف الفلسطينيين ليسهل طردهم. فما يهم إسرائيل ويخيفها هو الشعب الفلسطيني وبقاؤه على أرضه لأنها تعرف انه صاحب الأرض وأنها اغتصبت هذه الأرض منه وخططت دائما لتطرد ما تبقى من هذه الشعب من ما تبقى له من الأرض. وهي لا تخاف من الشعب السوري ولا من الشعب اللبناني ولا من أي شعب عربي آخر لأن هذه الشعوب لا تعيش معها كما يعيش الفلسطينيون.
وفي سنة 2005 شعر السوريون أن رفيق الحريري يشكل خطرا على وجودهم في لبنان. وكلنا يعرف كيف تم اغتياله. وبدأت عمليات الاغتيال الأخرى التي استهدفت المعارضين للوجود السوري. ووافق اللبنانيون على تشكيل المحكمة الدولية وبدأ القضاة الدوليون تحقيقاتهم. و"انتحر" وزير الداخلية السوري غازي كنعان، الذي شغل منصب المندوب السامي السوري في لبنان لسنين طويلة، وبعض المسئولين السوريين الآخرين. وفي فبراير 2008 تم اغتيال عماد مغنيه، القائد الأمني لحزب الله، في دمشق، واتٌهم حزب الله إسرائيل بالاغتيال. وعندما سُربت تقارير تقول أن المحكمة الدولية ستتهم بعض عناصر من حزب الله بالاغتيال ثارت ثائرة الحزب الذي لم يصبر إلى أن تصدر المحكمة قرارها الظني وخلق مشكلة كبيرة. والحقيقة انه من المنطق القول بأن حزب الله لم يفعلها وانه لم يكن المستفيد الأول من هذه الاغتيالات. إن المستفيد الأول هو الجانب الذي كان لا يرغب في الخروج من لبنان ليحتفظ به كورقة يُبقى من خلالها الضغط على إسرائيل ويحتفظ بمكانته كلاعب مهم في المنطقة. وربما لم تكن قيادة حزب الله تعلم بمخططات الاغتيال، ولم يكن من الضروري أن تعلم، لكن هذا لا يمنع أن عناصر من حزب الله اشتركت بالعملية دون علم قياداتهم. ولكن مشكلة حزب الله انه لا يستطيع أن يتهم حليفه بالجريمة.
هل تستطيع سوريا أن تحرر جولانها بمساعدة إيران وحزب الله ؟ نرجو أن يحصل هذا حتى لو ضحٌى الشعب اللبناني في سبيل ذلك. غير انه ليس من العدل أن يبقى لبنان مدمرا ويموت كل اللبنانيين لتحقيق هدف غير مضمون وليبقى النظام السوري "قلب العروبة النابض."
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يصر العرب على تسليم العراق لإيران؟
-
ردود الفعل على انفجار الإسكندرية -- المقاربة الخاطئة لمعالجة
...
-
فضائية الحوار المتمدن
-
دفاعا عن الحكام العرب!
-
رأيٌ في الحجاب
-
كيف ستؤثر لبرالية الغرب الدينية على المسلمين في عصر الانترنت
...
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|