|
استهداف إمكانية مستقبل آخر وليس المسيحيين.
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 08:23
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لماذا المسيحيون بالذات؟ وهل السؤال فعلا حقيقي؟ من ينظر للوحة الاجرامية والارهابية التي تطال الناس في العالم العربي، بشكل لحظي، يرى أن السؤال ليس في مكانه. في أية ثقافة في العالم وفي أي دين، هنالك بشر متزمتون، بمعنى ما الثقافة المتزمتة، يمكن للعنف أن يجد طريقا لاستخدامها، لماذا.. لأن معيارها لا يقبل القسمة على أحد، سوى على نفسه، بوصفه خيرا مطلقا. لم تمر حتى اللحظة في التاريخ البشري، حضارة اجتاحت العالم، بدون عاملين متداخلين: الأول عن طريق امتلاك قوة عنف ضاربة. والثاني أنها تحمل رسالة ما، أيا كان نوع هذه الرسالة، ربما تسجيل انتصارات لقائد عسكري أو ملك، لكن في النهاية تحمل رسالة تريد من خلالها تعميم معاييرها على العالم. وتحت الرسالة البحث عن دوافع مادية ورمزية مباشرة. لهذا الارهاب والجرائم التي ترتكب يوميا بحق مواطني المنطقة العربية، هي جرائم ذات منبت واحد، ودافع واحد، وهو سحق أية امكانية لمستقبل ما لهذه الشعوب غير هذا الذي هي فيه، ويجب أن تبقى فيه أبدا. في العالم العربي، ثلاث قوى بائسة في سلوكها الشرق أوسطي لها مصلحة في ذلك: قوة الغرب بما فيها إسرائيل أولا، وقوة النظم العربية والشرق أوسطية ثانيا والثروات النفطية وغيرها الموجودة في المنطقة ثالثا، إنها ثروات نهب وأصحابها بلا حد أدنى من الضمير المواطني أو الوطني إن شئتم. والدليل كلما مات قائد خالد أو ملك مفدى يتحدثون، خاصة وسائل الإعلام الغربية، عن أن ثروته تفوق المليارات، من عرق جبينه أو ورثها عن أجداده، هكذا بكل صلافة. أما الثقافة التي تحتضن الإرهاب، فهي متنوعة وليست حكرا على الإسلام. لنلاحظ مثالا صارخا ربما لا يفكر به لا إسلاميو المنطقة ولا علمانيوها، وهو مثال يختصر تجربة الغرب في رؤيته للعالم: عندما رأى الغرب في سياق الحرب الباردة تنمية الدول المحيطة بالصين والاتحاد السوفييتي، خلق ما يمكننا تسميته بالنمور السبعة، ومنها دول إسلامية مثل ماليزيا، وسمح لباكستان بامتلاك النووي وكان يمكنه منع ذلك، تبعا لما يطالب به هذا الغرب إيران اليوم بوقف برنامجها النووي، وها هي تركيا أيضا تشب عن الطوق، أما أفريقيا وبقية دول آسيا وأمريكا اللاتينية، فلم تكن مطروحة تنميتها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لهذا تجد الآن عملاقي أمريكا اللاتينية البرازيل والارجنتين، هنالك أكثرية مدقعة الفقر، وأفريقيا حدث ولا حرج. أليست معظم دول أفريقيا ما خلف الصحراء تدين بالمسيحية، أليس استمرار دعم الغرب لنظام الابارتيد العنصري في جنوب أفريقيا ردحا من الزمن مؤشرا آخر، لا يوجد في هذه الدولة مسلمون، بل جلهم مسيحيون، والباقي اتباع ديانات محلية مسالمة. المكسيك جارة أمريكا وفنزويلا أيضا، لننظر إلى أحوال الشعب المكسيكي، كله مسيحي أيضا وكاثوليكي غالبا. لماذا لا تزال هذه المجتمعات أكثر فقرا ربما من بعض مجتمعاتنا العربية؟ سأضرب مثالا آخر: كنا في رابطة العمل الشيوعي (تنظيم سياسي سوري معارض للنظام وللسوفييت آنذاك)، لولا مساعدة فصائل يسارية فلسطينية لا أريد تسميتها الآن، ما كان لنا أن نطبع أدبياتنا التأسيسية، أو ما تسمى الكراسات، وهي في ذلك الوقت لا تحتاج إلى أكثر من 200 دولار ربما؟ مرة أخرى السؤال الذي يفرض نفسه، من أين لما يسمى الإرهاب الإسلامي كل هذه الأموال؟ وكل هذه القدرة على تهديد حياة الناس؟ هددوا أنهم سيضربون المسيحيين في مصر أثناء تنفيذهم لجريمتهم في كنيسة النجاة في بغداد، ومع ذلك فعلوا وبقوة ضاربة أدت لاستشهاد العشرات من القبط المصريين؟ ولنر الفارق بين الأمثلة التي ذكرتها وما نعيشه اليوم.. قليل من العقل وليس أكثر من هذا ما نحتاجه. نعم المستهدف في هذه المنطقة هو امكانية مستقبل آخر مختلف عما نحن فيه للعيش، يجب أن نبقى تحت حكم نخب فاسدة، ماليا ودينيا وسياسيا وطائفيا وعائليا وأخلاقيا أنى قلبتموها. هذه المحصلة، كل يوم بؤرة توتر، وكل يوم جريمة صادمة، كان خطف الطائرات التي كان يقوم بها يساريو العالم تشكل صدمة للرأي العام الغربي، لم يكن للثقافة الإسلامية وللإسلام كدين أية علاقة بهذا الموضوع. أما الآن فالبشر الذين لهم مصلحة في استمرار ما نحن فيه، من جريمة عامة وحضارية أيضا، هم من يريدون توجيه الدفة نحو عدو وهمي اسمه الدين الإسلامي.. ساركوزي صاحبنا الأكثر تشددا، من أقرب أصدقائه الأمير الوليد بن طلال كمثال... أليس الرجل مسلما؟ لا نريد أن نجلب أمثلة من ملوك ورؤساء من أصدقائه. لماذا الثقافة المسيحية لم تفد أفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ كوننا بتنا نتحدث عن ثقافات دينية حاكمة... الثقافة اليهودية وحدها محمية بحكم القانون الغربي تحت بند معاداة السامية لنخرج من هذه الدائرة، السياسة، النظم الحاكمة والغرب المتكالب إسرائيليا ونفطيا، هي من تقف خلف كل هذا الهول، نحن نحاول أن نستنجد بتيارات غربية نعتقدها أكثر إنسانية وليس أقل طبقية أيضا. العراق خسر مليون عراقي مسلم، ومئات منهم مسيحيون، والباقي مسلمون، لم تحدث لهم كل هذه الضجة ولم يتحدث أحد، انهم أبناء الجارية. لماذا لا تستهدف القاعدة مسؤولي الأنظمة الكافرة كما تدعي، لماذا تستهدف مواطنين أبرياء؟ لماذا لم نجد لها نشاطا واحدا داخل إسرائيل مثلا؟ هذه أسئلة لكي نفهم ما الذي يدور، أنا شخصيا لا أعرف في الواقع من أين تمول جماعات الإرهاب والجريمة المنظمة؟ هل يدلني أحد على مصادر التمويل، تابعت برامج العربية والجزيرة عن صناعة الإرهاب والموت، لم أجد جوابا ولم أجد حتى حديثا عن مصادر تمويل الإرهاب، كله حكايا على طريقة بعض الأشقاء في لبنان في تقديم ما لديهم وتسويقه.. لماذا لا تعلن حكومات الغرب، من أين مصادر تمويل الجماعات الإرهابية؟ ولماذا تمول؟ نحن شعوب كتب علينا أن نبقى بين نظم حاكمة تحدثنا عن مآثرها في ما تقوم به، وبين غرب لا يحمل الود أبدا لغير مصالحه. نأتي الآن للإخوان المسلمين في العالم العربي ومصر خصوصا، باعتبار أن قائد التنظيم الدولي دوما مصري. هكذا خبط لزق عفوا منكم، ولم تطرح حتى أيام الخلافة الراشدية، بات الشعار هو الإسلام هو الحل عجيب.. شعار لا يقبل القسمة إلا على نفسه، لأنه تجسيد لمطلق رؤية للأنا، بكل ما تحمله من إقصاء للآخر. ومع ذلك هم لا يشكلون في النهاية الغربية سوى بعبع يخيف الناس منهم من التغيير القادم، وتستخدمهم أنظمتنا خير استخدام، تتركهم تحت التأسيس أو تحت التهديد، لكن لا دور لهم في القرار السياسي في عالمنا العربي. وهم باتوا يصدقون أنفسهم أنهم قوة بحد ذاتها، وهذا هو الأغرب في الواقع. كانت هذه القوى في السابق تلعب نفس اللعبة مع اليسار، شيوعيا كان أم غير شيوعي، وذلك أثناء الحرب الباردة، الآن تحول اليسار إلى إسلام، من إرهاب أحمر إلى إرهاب إسلامي...هذا العنوان، أيضا هو لقتل أية إمكانية لمستقبل أفضل لشعوبنا، يجب أن نقبل بالجريمة والفقر والوقوف على ابواب سفاراتهم للهجرة إليهم... يجب أن نقبل بملوكنا ورؤسائنا وأمرائنا.. وكل أصحاب ثرواتنا وسارقيها، ويجب أن نقبل بحلهم للمشكلة اليهودية على حساب شعوبنا... وربما إن قبلنا أيضا بذلك لن يتغير مستقبلنا، من يدري؟
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة والحفاظ على السلطة.
-
مجزرة ورأس سنة حزين للإقباط في العالم..
-
بين أركون وأبي زيد.. انحياز المعنى.
-
من الماركسية إلى عفلق مرورا بالناصرية
-
الإخوان المسلمون بين الإرهاب والسلطة. استكمالا للموضوع- رد ع
...
-
المسلمون العرب للتيه والإسلام للإصلاح.
-
مصريون أم عرب مع عدالة النقد.
-
عن الإعلان وأشياء أخرى.
-
إيران والمحكمة الدولية.
-
السلطة فاعلة أم منفعلة؟
-
الإخوان المسلمون والإرهاب والإسلام السياسي.
-
مركزة السلطة انتقاص للحقوق الاقتصادية.
-
إعلان دمشق في مشهد المعارضة السورية.
-
مؤتمر البعث القادم في دمشق.
-
صدام حسين والإسلام فوبيا.
-
السجن السياسي سلعة أم قداسة؟
-
حول ما حدث في مجلس إعلان دمشق في المهجر.الانصاف ميزان النقد.
-
إعلان دمشق في الخارج.
-
المزايدات العقلانية في الإسلاموفوبيا.
-
ضرورة القانون المدني وظاهرة الدعارة في سورية.
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|