نبيل هلال هلال
الحوار المتمدن-العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 00:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحقيقة ليست حكرا على أحد , وليس بوسع أحد ادعاء امتلاكها ,فالله وحده مالكها .أما نحن فلكل منا حظ في الوقوف على بعضها , وفيما يلي تعليقي عما ورد من ملاحظات الزملاء الأفاضل في محفل النقاش بالحوار المتمدن حول موضوع "آية السيف وأسرارها الخفية" بين الفقيه والسلطان :
لقد أصاب من قال (بوجوب فهم العلاقة بين النص والواقع الذي أنتجه) , فذلك فعلا هو السبيل إلى فهم النص على نحو صحيح في ضوء سياقه الزماني والمكاني . كذلك يلزم تفسير القرآن بالقرآن بمعني فهم مدلول اللفظ من واقع النص لا من المدلول التراثي .
وباستعراض القرآن كله يتبين أن المقصود (بالإسلام) هو كل الديانات السماوية , فكل الأنبياء جاءوا بدين سماوي واحد أسماه الله بالإسلام تمييزا له عن الديانات الوضعية . ومن الأدق القول بأن الدين واحد بعث الله به أنبياءه من فجر تاريخ الإنسان منذ آدم حتي محمد مرورا بسلسلة طويلة من الأنبياء لم يذكر الله في القرآن إلا بعضهم فقط .وكانت مضامين هذه النبوات واحدة لكنها تتباين من حيث التبسيط (في البداية ) وانتهاء بتعقيدها في آخر أطوارها (البعثة المحمدية ) وذلك بما يناسب المحصول المعرفي والحضاري للناس . فالوظيفة الأساسية للأديان (أقصد الدين الواحد بمراحله وأطواره عبر التاريخ الإنساني) هي تنظيم العلاقات بين الناس ,وحماية كل الناس من بعض الناس , وكفالة العدل والمساواة . ولو تأملنا الوصايا العشر في المرحلة الموسوية لوجدنا فيها الأساس المنظم لعلاقات الناس " لا تشرك بالرب , لا تصنع له تمثالا , لا تنطق باسم الرب آلهة أخرى , أكرم أباك وأمك , لا تقتل , لا تزني , لا تسرق , لا تشهد شهادة زور, لا تشته امرأة قريبك أو بيته أو حقله " سفر التثنية , الإصحاح الخامس . وكذلك يقول السيد المسيح عليه السلام : " لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد , بالزور ,أكرم أباك وأمك , وأحب قريبك كنفسك" متى الإصحاح التاسع عشر . ومثل ذلك في سورة الأنعام :" قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " الأنعام 151 - 152 . فهي تعاليم واحدة ورب واحد ودين واحد وإن شاب هذا الدين في مراحله الثلاث الأخيرة (الموسوية , والمسيحية ,والمحمدية ) تحريفات تراثية خطيرة ألحقت التشويه بهذا الدين (وللوقوف عما أصاب الإسلام في مرحلته الأخيرة من تشويه يمكن الرجوع إلى كتابنا (الإسلام الحنيف بين التخريف والتحريف ,في مكتبة الموقع قريبا ) , فكلمة إسلام إذن لا تعني فقط المرحلة المحمدية وحدها , وإنما هي مراحل وأطوار هذا الدين كلها كما أسلفنا . ذلك هو فهم الأمر من واقع النص القرآني وليس تأويلا أو اجتهادا .وفيما يلي بعض الآيات القرآنية التي تفيد هذا المعنى:
- شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {13} الشورى
- وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ{84 يونس
- وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{195} وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ{196الشعراء
- إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19) الأعلى ..,وغير ذلك كثير,
وبذا يكون من السهل فهم الخطاب القرآني :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62,فالله يشهد أنهم جميعا مؤمنون لهم أجرهم . وكذلك وهو الأهم أن الله يميز بين هذه الفئات من جهة كطرف مؤمن , وبين المشركين من جهة أخرى كطرف مشرك ,فيقول " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }الحج17 , وذلك التمييز ينفي بصورة قاطعة الخلط بين اليهود والنصارى من جهة وبين المشركين من جهة أخرى . فكلمة مشرك تعني الوثني ومعتنق الدين الوضعي ,ولا تعني أهل الكتاب ( صحف إبراهيم , والزبور,التوراة ,الإنجيل , القرآن).
وقد ورد بالمثل لفظ (الكتاب ) في القرآن بمعنى (القرآن والإنجيل والتوراة ),فهو كتاب من مشكاة واحدة , وهناك آيات كثيرة في القرآن بهذا المعنى , منها على سبيل المثال لا الحصر : هود 17 , العنكبوت 26 , يونس 94 ,الأنعام 91...وغيرها .
- أما عن الجزية فسبق القول في مقال سابق إنها معادل للزكاة التي يدفعها المسلم ,والذمي يدفعها فهو يتمتع بحق المواطنة ,وهي للتقريب كالضريبة التي يدفعها المواطن في بلده الآن. وفعلا كان الأمويون يفرضون الجزية على المسلمين من غير العرب , وذلك مخالفة للدين ,وهو خطأ يُحسب على الأمويين لا الإسلام ,ويجب من البداية التمييز بين الدين وممارسات معتنقيه .
- وانتقدتم الفتوح التي تمت في عهد عمر بن الخطاب ,ومع أنني أراها كانت في سياق الحروب الاستباقية – بلغة العصر- لتأمين دولة الإسلام الوليدة وهو ما تفعله الدول عادة إذا اقتضت مصالحها ذلك , خاصة أن الروم كانوا قد أزمعوا مهاجمة المدينة قبل وفاة النبي فقرر الخروج في حرب استباقية لتأمين الدولة . ولم يأمن عمر جانب القوى الكبرى المعاصرة فشن الحرب عليها , حتى وإن لم يصح ذلك في نظر البعض ورأى أن عمر قد أخطأ – وهو ما لا أراه - يكون الخطأ محسوبا على عمر لا الإسلام . تماما كما لا ينبغي أن نحسب على المسيحية السمحاء ,الحروب الدموية التي شنها الصليبيون على بلاد المسلمين أو الحروب التي شنوها على بعضهم البعض وآخرها مثلا الحربين العالميتين في القرن العشرين وراح ضحيتيهما ما يزيد على خمسين مليونا من القتلى . كما لا يجب حساب سلوكيات الصهاينة الآن على دين بني إسرائيل . والنبي محمد غير مسؤول عن ممارسات المسلمين من بعده .
- أما ماقيل من أن (استقواء المسلمين بعد انتصار بدر نتج عنه تحويل القبلة وبداية معاداة اليهود بعد الأمل في إسلامهم ) فهذا غير صحيح من وجهين ,الأول لأن معاداة اليهود لم تبدأ إلا بعد نقضهم العهود وخيانتهم مما أسقط عنهم حق المواطنة الذي كفلته لهم وثيقة المدينة , والوجه الثاني , هو أن تحويل القبلة كان أسبق من موقعة بدر .
- وشكرا للجميع
- نبيل هلال هلال
#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟