أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - نادر قريط وغسيل السيرة المحمدية















المزيد.....



نادر قريط وغسيل السيرة المحمدية


احمد القاضي

الحوار المتمدن-العدد: 3242 - 2011 / 1 / 10 - 11:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على طريقة ما يعرف بــــ ( غسيل الأموال ) تجري منذ زمن طويل محاولات ( غسيل السيرة المحمدية )... يقوم بها كتّاب مسلمون يخجلون من هذه السيرة ومن صورة نبيهم في ثنايا صفحاتها..ويدخل ضمن هذه المحاولات مقال ( بدايات الإسلام –الطبري ) لنادر قريط المنشور بموقع " الحوار المتمدن "...

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237218

فبعد قوله الخاطئ والمجافي لواقع الحال بـــ ( أن الطبري اشهر طباخ لوليمة التاريخ ) وإيراده لقصة حروب أحد تبابعة اليمن ضد الفرس والروم والاتراك والصين كنموذج لـما اسماه ( كوكتيل اللامعقول ) الذي يشكل مروياته التاريخية ينتهي قريط الى القول بأن هذا المخيال الذي سطر كل هذه الفنتازيا هو (( نفس المخيال الذي سطّر لنا سيرة محمد، إنها صورة تحاكي مبتدأ الإسلام وخبر فتوحاته. وربما يكمن الفرق في أن قصة مكّة والهجرة ويثرب والفتوحات، يُصدّقها الجميع، عقلاء كانوا أو مجانين، أما قصة تُبّع الحميري وفتوحاته فيصدقها المجانين فقط. مع أن الفرق بينهما "شعرة"؟! فحافظوا على شعرة معاوية أعزّكمُ الله )) انتهى...وهذا هو بيت القصيد..والمفتاح الذي يفتح لنا الطريق لفهم ما وراء اكمة هذا المقال البعيد عن الموضوعية والعلمية والمشوه بفظاظة لمنهج عمدة الاخباريين الاسلاميين...فمادام الطبري بائع فنتازيا يتبع ذلك بالضرورة ان ما كتبه عن السيرة المحمدية شبيه بما كتبه عن فتوحات تبع الحميري كما يريد أن يوحي بذلك بإشارة لا لبس فيها...ولاحظوا ما يقوله بان الفرق بين قصة تبع وقباذ والسيرة المحمدية " شعرة "....والكاتب اصلآ، حسب مقال سابق له، من المدرسة التي تقول بضرورة إحترام الرموز العربية الاسلامية!! بالاضافة الى حساسيته الشديدة تجاه كل نقد للاسلام ونبيه.

ليس جديدآ

وفي واقع الامر، إن محاولات ( غسيل السيرة المحمدية ) على انقاض مؤلفات الاخباريين الاسلاميين الأول ليست بالأمر الجديد...فهي تعود الى اوآخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في مسعى لأنسنة السيرة المحمدية لتتواءم مع مفاهيم المدنية الحديثة، ومن جانب آخر لاقناع الإنسان الاوربي بأن محمدآ نبي ذو خلق رفيعة وليس بقاطع طريق وشهواني كما جاء ذكره في دراسات الاورينتاليست (المستشرقين ).......في دراسته ( البحث عن محمد التاريخي )، التي نشرت في مجلة The Muslim World في يناير 1926 أي قبل ثمانين سنة ونيف، يشير المستشرق الاسترالي آرثر جيفري الى الكيفية التي احتفت بها المدارس الاسلامية الحديثة في الهند بما كتبه الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل في كتابه ( الابطال وعبادة الأبطال ) عن محمد في فصل بعنوان ( البطل كنبي ) ويقول انها نشرته على اوسع نطاق معتبرة اياه بمثابة افضل ما كتب عن محمد في انجلترا ولكنها غضت الطرف عن ما كتبه كارليل نفسه عن محمد في مقاله ( البطل كشاعر ) حيث اخذ باليسار ما اعطاه لمحمد باليمين من عبارات جميلة.... يومئ جيفري آرثر هنا الى إعجاب كارليل بمحمد ذلك البدوي الفقير الامي الذي استطاع أن يوحد القبائل العربية ويؤسس دولة مترامية الاطراف بينما ينظر اليه نظرة سلبية في الفصل الثالث من نفس الكتاب، حيث يجري مقارنة تحليلية بينه وبين دانتي وشكسبير ويصف فيه السرد القرآني بالمضجر إذ يقول بالحرف الواحد :( His Koran has become a stupid piece of prolix absurdity; we do not believe, like him, that god wrote that! )...وترجمته (( إن قرآنه قطعة غبية من الإسهاب السخيف. ونحن لا نصدق مثله ان الله قد كتبه )) انتهى...و ما فعلته المدارس الاسلامية الحديثة في الهند قبل قرن من الزمان يفعله القائمون على المواقع الاسلامية الالكترونية اليوم إذ يأتون بالنصوص التي اشاد فيها كارليل بمحمد السياسي ويخفون النصوص التي تتضمن قدحآ في محمد الشاعر النبي مؤلف القرآن....ويمضي جيفري آرثر قائلآ انه كان متوقعآ أن يقوم قادة تلك المدارس الإسلامية الحديثة الذين تلقوا تعليمآ انجليزيآ عصريآ بكتابة سيرة دفاعية تبريرية لمحمد ...وحدث بالفعل ما كان متوقعآ، كما يقول، إذ إنبرى لذلك اثنان من قادة المدرسة الاليجارية ( اليجار مدينة في شمال الهند تقع جنوب العاصمة دلهي، بها اكبر جامعة اسلامية ) هما سيد أحمد خان الذي اصدر في العام 1870 كتابآ بعنوان ( مقالات عن حياة محمد وموضوعات اخرى متعلقة به ) وسيد امير علي الذي ألف بدوره كتابآ في العام 1873 بعنوان ( حياة محمد وتعاليمه ) ثم اصدر فيما بعد الجزء الاول من مؤلفه ( روح الإسلام ) " الطبعة الأخيرة في العام 1923 "..وهنا يورد جيفري آرثر تعليق المستشرق البريطاني الكبير مارجليوث على هذه المدرسة والذي ينطبق بصورة خاصة على اعمال سيد امير علي حيث يقول: ( إن هدف هؤلاء المدافعين هو تكذيب سيرة ابن اسحق التي تصدم القارئ الاوربي، وحين يجدون صعوبة في ذلك يلجأون الى الايحاء بان محمدآ فعل ما فعل من اجل دوافع نبيلة او يفترضون انه كان يرمي الى احتواء أية معارضة قد تقابله من الذين التفوا حوله في ذلك الزمان، ولذا يعللون السماح بتعدد الزوجات بسعيه الى الحد من حالة الكبت القصوى، وعلى هذا النحو أيضآ يبررون موقفه من الرق بالقول انه كان يريد ان يؤدي اسلوبه الى الغائه في نهاية المطاف،.ويضيفون انه عمل من اجل ارساء نظام الزواج الاحادي ولكن النتيجة لم تكن مرضية فنجاح ذلك يتطلب ابداعآ فائقآ ) انتهى.....ولا نذهب بعيدآ إذا قلنا أن هذه المدرسة الدفاعية التبريرية للسيرة المحمدية التي نشأت في الهند على يد ثلة من الكتّاب المسلمين الذين تلقوا تعليمآ اوربيآ عصريآ وكتبوا بلغة انجليزية رصينة أخذت تحدث تأثيرها منذ ذلك الحين وما انفكت تحدثه في العالم الاسلامي وخاصة في البلدان الناطقة بالعربية ووجدت صداها في الكثير من الكتابات ذات التوجه الديني التي جاءت لاحقآ في النصف الاول من القرن العشرين، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، كتاب الدكتور المصري محمد حسين هيكل ( حياة محمد ) والدكتور العرآقي جواد علي ) تاريخ العرب في الإسلام ) والكاتب المصري الاسلامي محمد فريد وجدي ( "السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة" مقالات نشرها في حلقات في مجلة الآزهر ابتداء من 20 فبراير1939 وجمعها وراجعها واصدرها في كتاب د.محمد رجب بيومي في العام 1993 الدار المصرية اللبنانية للنشر- مطبعة الخانجي القاهرة ) والكاتب المصري عباس محمود العقاد ( حقائق الاسلام واباطيل خصومه ) والكاتب المصري محمد قطب ( شبهات حول الاسلام ) ...ومن الكتابات التي صدرت في السنوات القليلة الماضية كتاب الباحث العرآقي محمد بن طاهر البرزنجي ( صحيح الطبري وضعيفه ) في اربعة عشر مجلدآ وفيه يدعو صراحة الى تنقية السيرة المحمدية والتاريخ الاسلامي عمومآ من كل ما يسئ للنبي والصحابة...وهناك كتاب استاذة اللغات الشرقية في جامعة الاسكندرية د. سميرة عبد السلام عاشور ( تاريخ الفرس الأسطوري عند الطبري والفردوسي ) الذي استند اليه قريط في مقاله ..وهو كتاب يرمي الى نسف مصداقية الطبري.

نريدها على الطريقة الغربية!

نتوقف اولآ عند الثلاثي محمد حسين هيكل وجواد علي ومحمد فريد وجدي لنأتي لاحقآ لسميرة عاشور التي اعتمد عليها نادر قريط في مقاله موضوع نقدنا ...فثلاثتهم نهلوا من الثقافة الاوربية الحديثة، بل أن هيكل عاش شطرآ من حياته في باريس وجواد علي في هامبورغ بالمانيا..وثلاثتهم ينتمون الى الجيل الذي بدأ انتاجه الفكري في النصف الاول من القرن العشرين...وثلاثتهم أرادوا كتابة السيرة المحمدية بصورة جديدة تخاطب العقول بعيدآ عن الخرافات والاساطير التي ملأت كتب السيرة التقليدية حسب زعمهم...وثلاثتهم لا يروا أّيّة فضيلة للمستشرقين ودراساتهم النيرة...يتهمونهم بتشويه السيرة النبوية بالتركيز على المثالب..فلا غرو اذا وجدنا أن مضمون المقدمات التي كتبوها لكتبهم متشابهة تمامآ ...يزعم محمد فريد وجدي في مقدمة مقالاته ان الذين انبروا للكتابة عن السيرة المحمدية اعتمدوا على الاساليب الخطابية دون ( اقل عناية بحاجة العقول القوية المجبولة على التشكك والتثبت ) الى الناحية الإقناعية وانجروا بذلك، على حد قوله، الى ما وضعه الخراصون من المبالغات في السيرة المحمدية الزاخرة ( بالاقاصيص الخرافية والروايات الموضوعة والاشعار المصنوعة ) ويقول في نفس المقدمة أن القول الفصل اصبح للعلم وكل قول لا ( يحصل على تأييد هذا العلم او على القليل لا يماشي اسلوبه ويترسم حدوده، لا ينال من العقلية العصرية المكانة التي يراد ان يكون له ) ويدعو الى حماية العقيدة من خطر العلم بالأخذ بنفس الاساليب العلمية ويخلص الى ضرورة ما اسماه بكتابة السيرة المحمدية بطريقة علمية.....ويقول د. جواد علي في مقدمة كتابه " تاريخ العرب في الاسلام " ( ...فالاديان كلها من منبع واحد "..." والاسلام لا يضيره ولا يثيره قول من يقول انه مأخوذ عن يهودية او عن نصرانية او عن أي ديانة اخرى )..ويقول في الفصل الاول ( ودراسة تأريخ الاسلام دراسة تحليلية تستند على النقد والتبصر وعمل الفكر والروية توصلنا ولا جرم الى نتائج قيمة مثمرة ).ويحمل بعد ذلك على المستشرقين الذين حسب زعمه تسرّعوا في ( اصدار الاحكام في تأريخ الاسلام وتأثرهم بعواطفهم لأخذهم بالخبر الضعيف ) ويقول د. محمد حسين هيكل في مقدمة كتابه ( حياة محمد ) " الطبعة الرابعة عشرة دار المعارف القاهرة " ( فقد اضافت اكثر كتب السيرة الى حياة محمد ما لا يصدقه العقل ولا حاجة اليه في ثبوت الرسالة، وما أضيف من ذلك قد اعتمد عليه المستشرقون واعتمد عليه الطاعنون على الاسلام ونبيه ) ثم يقر صراحة بحاجة الشرق اشد ما تكون الحاجة الى ( النهل من ورد الغرب في التفكير والادب والفن ) ويدعو الى الأخذ ( بأحدث صور التفكير في العالم ) من اجل معالجة قضايا التراث الاسلامي وكتابة السيرة المحمدية بالطريقة الغربية....وهكذا نجد أن هذا الثلاثي قد تأثروا بوضوح بسيد امير علي وسيد احمد خان قادة المدرسة الاليجارية الهندية الاسلامية الحديثة التي اشار اليها المستشرق آرثر جيفري، فشرعوا في الترويج لكتابة السيرة المحمدية بطريقة تماشي المفاهيم الغربية وتلغي عمليآ سير ابن اسحق وابن هشام والواقدي وابن سعد والطبري وغيرها...وسنجد هذا التأثر جلي بلا التباس في كتاب د. محمد حسين هيكل ( حياة محمد )....فاذا ذهبنا الى ثبت المراجع الاجنبية في كتابه سنلاحظ ان اول كتاب فيه هو كتاب سيد امير علي ( روح الاسلام ) The Spirit of Islam by Sayed Ameer Aly وأكثر من هذا، فإن عنوان كتابه ( حياة محمد ) هو نفس عنوان الكتاب الاول لسيد امير علي ( حياة محمد وتعاليمه ) ...وقد أشار هيكل في مقدمة كتابه الى سيد امير علي ( صفحة 37 ) حيث يقول ( بدأت اراجع تاريخ محمد، واعيد النظر في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد ومغازي الواقدي وعدت الى كتاب سيد امير علي " روح الاسلام " ثم حرصت على أن اقرأ ما كتب بعض المستشرقين...) ويشيد بالطلائع الحديثة المتسلحة بالعلم التي ظهرت في اوربا ووضعت البذرة الصحيحة لكتابة السيرة المحمدية بصورة علمية....ويتعين الا تفوتنا ملاحظة ان سيد امير علي وسيد أحمد خان كتبا باللغة الانجليزية وكانا يخاطبان القارئ الاوربي بينما استهدف هؤلاء بكتبهم شباب العالم الاسلامي الذي ازور عن الاسلام بسبب الخرافات والروايات اللامعقولة التي تملأ كتب السيرة المحمدية وانساقوا لاباطيل المستشرقين على حد زعمهم....ولا عجب ان دعا هذا الثلاثي الى تحري السيرة المحمدية في القرآن وحده دون كتب السيرة المعروفة، ويتعين أن نشير هنا الى أن جيفري آرثر قد تساءل في دراسته ( البحث عن محمد التاريخي ) عما اذا كان من الممكن معرفة سيرة محمد من القرآن فحسب، ثم اشار الى كتاب المستشرق الانجليزي ادوارد كانون سل ( التطور التاريخي للقرآن ) كعمل ريادي في هذا النهج....فهل سوف تتحسن صورة محمد اذا ما تم الاعتماد على القرآن وحده كمصدر لسيرته...فالنص يتحدث عن صاحبه..وصورة محمد في القرآن ليس أفضل مما هي عليه في سيرة ابن سحق والطبري.

تزوير شهادة الميلاد

وإذا كان ذلك الجيل قد حاول غسيل السيرة المحمدية بالقفز فوق كتب السيرة النبوية المعروفة وتكذيبها من أجل عصرنة تلك السيرة وتحديثها، فإن جيلآ آخر، كما يبدو، قد ظهر في ايامنا هذه لا يتورع من الإجتراء على التاريخ وتزويره في رابعة النهار....ففي مسعى لتزوير شهادة ميلاد ام المؤمنين عائشة لتبدو أن محمدآ قد تزوجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها وليست الطفلة الغريرة المعتدى على براءتها نشر الكاتب المصري جمال البنا، وهو شقيق مؤسس الحركة الاخوانية المصرية حسن البنا، في صحيفة ( المصري اليوم ) بعددها الصادر بتاريخ 13 أغسطس 2008 مقالآ بعنوان (( صحفي شــاب يصحح للأئمــة الأعــلام خطـأ ألـف عـام )) http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=117098&IssueID=1131 يمدح فيه شابأ اسمه كما اورده {( هو الأستاذ «إسلام بحيري»، وجاء بحثه في العدد زيرو ( أي قبل الأول ) ص ٢١ من جريدة «اليوم السابع» الذي صدر في ١٥/٧/ ٢٠٠٨ )} زاعمآ أنه تمكن بعمليات حسابية ومعتمدآ على نفس امهات المراجع الاسلامية مثل ( الكامل ــ تاريخ دمشق ــ سير أعلام النبلاء ــ تاريخ الطبري ــ تاريخ بغداد ــ وفيات الأعيان ) من إثبات أن عائشة كانت في الثامنة عشرة عندما تزوجها محمد ...ولما كان الشيوخ الكلاسيكيون يرفضون أي مساس بمصداقية تلك الكتب على اعتبار انها تتضمن صحيح السيرة النبوية ( الطاهرة ) وسنته ( الشريفة ) فقد انبرى الشيخ الازهري الدكتور محمد عمارة مفندآ ورافضآ لفزلكلات الصحفي الشاب ومهاجمآ لجمال البنا لتشجيعه للبدع والاختلاقات والكذب على حد قوله...ولعل هذا يبين أن محاولات غسيل السيرة المحمدية وإعادة كتابتها وشطب ابن اسحاق وابن هشام وابن سعد والطبري لا تقف عند حد او حدود وتزداد سعارآ كلما اصطدمت هذه السيرة بمفاهيم الاستنارة وخفت عندها موازين محمد.

بعيدآ عن الأسطرة

ينتمي الطبري إلى جيل القرن الثالث الهجري من الإخباريين المسلمين، فقد سبقه عدد كبير من الاخباريين المغمورين في المدينة وبغداد، وبطبيعة الحال الى جانب الكبار الذين أرخوا للسيرة النبوية، ابن اسحق وابن هشام والواقدي وابن سعد..... ومحمد بن اسحق هو اول إخباري جمع وتحرى ودون السيرة النبوية وضاع كتابه الا ان تلميذه عبد الملك هشام المشهور بـ ( ابن هشام ) أعاد انتاجه في كتابه ( السيرة النبوية ) المعروف بـــ ( سيرة ابن هشام ) وهناك الواقدي صاحب ( المغازي ) الذي تخصص في تدوين الغزوات المحمدية ثم يجئ بعد ذلك محمد بن سعد تلميذ الواقدي وكاتبه وصاحب ( الطبقات الكبرى ) الكتاب الذي يطلق عليه اختصارآ ( طبقات ابن سعد )…. غير ان الطبري يتميز على سابقيه ولاحقيه بالموسوعية وحسن التنظيم، وحسب تقييم المؤرخ البريطاني الفرد بتلر Alfred Butler له في كتابه ( فتح العرب لمصر ) الذي نشره في العام 1902 ( يتميز الطبري بدقة اخباره والعناية الفائقة بها واهتمامه بالتفاصيل الى درجة وافيه ومشبعة ومجلية لملابسات الاحداث )....ولهذا يعتبر عند المسلمين وكذلك عند المستشرقين عمدة الاخباريين المسلمين بلا منازع....وسجل هؤلاء الاخباريون الاول كل المرويات بإسناداتها عن سيرة محمد بعد التحري ..ولذا نجد انفسنا امام صورة تاريخية واقعية لمحمد، بكل نزواته....أي لا نجد أدنى اثر للانسان الكامل كما يريده المسلمون المعاصرون.....يقول المستشرق جيفري آرثر ان اسطرة محمد كإنسان كامل جاءت في زمن متأخر نسبيآ ويشير الى كتاب ( حياة القلوب ) وبردة الامام البوصيري المولود في مصر عام 1213 ميلادية كنموذجين ساطعين لهذه الاسطرة...والملاحظ بالفعل انه كلما تقادم الزمن كلما زاد الهوس لاسطرة محمد كإنسان كامل كما نشهد في زماننا هذا، فتمثيله ممنوع ورسمه ممنوع لانه لا مثيل له ونور يستضاء به بينما تسمح جميع الاديان الاخرى برسم انبيائهم.... ومحاولات غسيل السيرة المحمدية وتكذيب ابن اسحق وابن سعد والطبري تصب في اتجاه الاسطرة رغم أن اول من قاموا بذلك تلقوا تعليمآ اوربيآ عصريآ وزعموا انهم يريدون نهجآ علميآ عقلانيآ لكتابة السيرة المحمدية!

مزاعم قريط!

لا شك أن دعوة قريط لنا بعدم تصديق الطبري فيما سطره عن سيرة محمد تصب أيضآ في اتجاه اسطرته...ومن اجل الوصول الى هذا الهدف زعم فيما زعم ان الطبري كان ( أحد أشهر طبّاخي وليمة التاريخ ) وكي يلبس هذا الزعم ثوب الحقيقة أتى بشواهد غير دقيقة واخرى غيرصحيحة :...:اولآ::في تناقض ملحوظ، تارة يقول اعتمادآ على المستشرق هورست ان الطبري لم يلتزم بفتوى الشافعي بضرورة دعم الحديث بسلسلة من الاسانيد مرفوعة الى محمد، وتارة اخرى يزعم ان الطبري نهل من مدرسة القياس والرأي للشافعي ( والنتيجة أن الطبري حرر نفسه من وجوب إسناد الرواية ومن التوجه الحنبلي، وإختار خطاً مقبولا من الفرق المختلفة ) انتهى...ومعنى هذا انه يظهر الشافعي مرة كمتشدد في رواية الحديث بسلسلة من الاسانيد ويظهره مرة اخرى كمتساهل.. ولا ندري ايهما نأخذ ...وفي كل الاحوال، يكاد يجمع المؤرخون والمشتغلون بالدراسات التاريخية بأن الطبري كان مستقلآ يقف على مسافة واحدة بين جميع المذاهب رغم ان الشافعية اعتبروه واحدآ منهم في طبقاتهم..ورغم أن الحنابلة لعنوه ورموه بالتشيع والالحاد والزندقة ....ويذهب بعض المؤرخين الى حد القول بأنه صنع مذهبآ خاصآ لنفسه بثه في كتبه العديدة......ومن جهة اخرى يكشف الدكتور نصر حامد ابوزيد في كتابه ( الامام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية ) ان الشافعي اشتهر خطأ بأنه من اهل الرأي والوسطية بينما هو في حقيقة الامر من غلاة اهل النقل وانه في الصراع بين اهل الرأي وبين اهل الحديث آنذاك اصطف عمليآ الى جانب اهل الحديث وتمسك بالنصوص ووضع معايير قاسية لصحة الإسناد وهو القائل ( حديث ضعيف افضل من القياس )...ثانيأ: يزعم قريط ان تحرير الطبري لنفسه من ( وجوب اسناد الرواية ) قد ( ترك صداه في أعماله، التي زخرت بروايات متضاربة ومتنوّعة ) انتهى الامر على عكس ما يقول، فالطبري كان دقيقآ في ذكر مصادره سواء أكانت من االمدونات او المرويات، الامر الذي اتاح وسهل للنقاد والدارسين امكانية مضاهاة مروياته بما سبقها من مرويات كتب السير السابقة له كما يقول البرزنجي في كتابه ( صحيح الطبري وضعيفه )......ويقول الكاتب السوري الراحل والباحث في التأريخ الاسلامي الدكتور شاكر مصطفى في كتابه ( التأريخ العربي والمؤرخون ) " دار العلم للملايين، بيروت،الطبعة الثالثة 1983 " ( ومصادر الطبري في كتابه واضحه لانه سجلها في اسناد اخباره ) ويشير الى اهم تلك المصادر مستندآ الى المقال المهم الذي نشره الدكتور جواد علي في مجلة المجمع العلمي العرآقي في اوئل الخمسينات عن المصادر التي اعتمد عليها الطبري في تاريخه بعنوان ( موارد تأريخ الطبري )...ويضيف الدكتور شاكر ( إن المادة التاريخية التي اتى بها الطبري في تاريخه تعتبر من أوثق المادة لانه،كمحدث دقيق، حاول انتقاءها وتنخلها جهد طاقته، وأوردها دومآ بالنصوص عن أصحابها الرواة الاولين ) انتهى....وفي تأكيد لقوة الإسناد عند الطبري يقول الدكتور شاكر ( ان شدة ارتباط الطبري بالمصادر والإسناد حرمه من النظر في احوال عصره )...ثالثآ: يأخذ قريط على الطبري ما اسماه بإختلاط مراجعه حيث كتب ( وقارئ تاريخه يكتشف إختلاط مراجعه، فعندما ينقل أخبار آباء التوارة وملوك الفرس والروم تراه يستخدم كرونولوجيا لتعاقب الملوك والأنبياء كما كانت متداولة في عصره، يفتتحها ب (قالت الفرس، أو قال أهل الكتاب أو حدثنا فلان .إلخ ) في حين إعتمد نظام الحوّليات ( حسب سنيّ الهجرة ) لسرد الحدث الإسلامي معتمدا مصادر مكتوبة أو شفهية ) ..نعود الى كتاب الدكتور شاكر حيث نجد الرد على هذا المأخذ في قوله انه لم يكن بالامكان إتباع التسلسل الزمني ( الحولي ) في الفترات الغامضة التي سبقت الاسلام بينما كان ذلك ممكنآ للحقبة الاسلامية..ويضيف د.شاكر ( انه ذكر في تاريخ الفرس كثيرآ من الحقائق التي لا نجدها عند غيره ) و( انه كان دقيقآ في تاريخ الروم دقة تدعو الى العجب، مع قلة المصادر حوله في هذا الموضوع "..." ويدهش الباحث من صحة المعلومات التي اوردها من دقتها وترتيبها.واذا تجاوزنا عن أخطاء طفيفة قد تكون من فعل النساخ والرواة فمن الواضح ان الطبري أخذ معلوماته هذه عن مصادر او جماعات تستند الى وثائق صحيحة ) انتهى.....رابعآ:: يتبنى قريط مزاعم الدكتورة سميرة عاشور في كتابها ( تاريخ الفرس الأسطوري عند الطبري والفردوسي ) بأن الطبري فيما يتعلق بتاريخ الفرس كان ينحاز لرأي المؤرخين الفرس ( اذا ما تعارض مع روايات غيرهم من العلماء ) وتورد الدكتورة مثالآ لذلك هو ما تسميه بانحياز الطبري الى رواية المؤرخين الفرس عن زمن ملك اوشهنج حيث يقولون انه بعد وفاة آدم بمائتي سنة بينما يقول هشام بن محمد الكلبي، الذي لم يأخذ الطبري بروايته، انه كان بعد طوفان نوح بمائتي سنة لان الطوفان قطع تعاقب ملوك الفرس بعد أن اغرق الارض جميعها...وتحمل سميره عاشور على الطبري لعدم اخذه برواية الكلبي رغم انها تستند الى القرآن في قصة الطوفان وتبدي استغرابها لقول الطبري ( "إن المجوس لا يعرفون الطوفان ولو كانوا عرفوه لكان نسبهم قد إنقطع وملكهم قد إضمحل" ).......وبدوره يبدي نادر قريط استغرابه مما قاله الطبري ويقول ( وفي هذا جرأة أدبية لأن القرآن يعتبر الطوفان فناءً لكلّ البشر ما عدا نوح وأهله ) انتهى ...هذا وبالرغم من ان كل هذا الجدل يدور حول خرافة الطوفان التي ربما آمن بها الطبري مثله مثل بقية المسلمين ..وبالرغم من ان محاولته توأمة ازمان ملوك الفرس مع أزمان الانبياء قد اورده موارد الاساطير إلا أن قوله بأن الفرس لم يعرفوا الطوفان يعني أنه فهم قصة الطوفان كما جاء في القرآن فهمآ صحيحآ... فالقرآن لم يشر اطلاقآ الى ان الطوفان كان فناء لكل البشر وغرقآ للارض جميعها...التوراة هي التي قالت ذلك صراحة في الاصحاح السادس من سفر التكوين ( فحزن الرب أنه عمل الانسان في الارض.* وتأسف في قلبه.* فقال الرب أمحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته.* الانسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء ) اما القرآن فقد قال بصريح العبارة ان الذين غرقوا هم قوم نوح، أي الذين كذبوه من قومه ولم ينج الا الذين صدقوه...وقوم نوح ليسوا هم العالم كله.....ويجدر بنا ان نشير هنا الى ان ابن خلدون أيضآ يقول في الجزء الثاني من كتاب العبر (( واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل )) انتهى... ولعل هذا يبين انها اسطورة سامية لم تعرفها الشعوب الآرية وغيرها.

منهج الطبري

يزعم قريط ان أعمال الطبري ( زخرت بروايات متضاربة ومتنوّعة، أثارت إهتمام الباحثين وبوأته مكانا مرموقا وأولية في الترجمة وقارئ تاريخه يكتشف إختلاط مراجعه ).ويضيف (هذه إذن أجواء الطبري أحد العقول النابغة، التي خلطت زمنه بأزمنة سبقته، وأسقطت وعي عصره على عصور دارسة لم يصله عنها إلا فتات الحكايا. وسواء علم بزيف الرواية أو لم يعلم، فهو ينقلها للموعظة والتسلية، وإلهاب خيال السامع بالمدهش الرائع )...وتقول سميرة عبد السلام عاشور في كتابها ( الاساطيرالفارسية بين الطبري والفردوسي ) الذي اتخذه قريط مرجعآ له في مقاله ان مرويات الطبري عن تاريخ الفرس خليط من الحقائق والخرافات واستشهدت بنقد ابن خلدون له بنقله بعض المرويات الخرافية بدون تفحص...ولعل من المثير للسخرية ان يتهم إخباريآ بحجم الطبري انه كان يكتب للتسلية وإلهاب الخيال...والامر في نهاية المطاف لا يتعلق بتسلية او مداعبة خيال، بل بمنهج تأريخي اختاره الطبري يتلخص في انه يورد حول الخبر الواحد او الحادثة الواحدة مختلف الروايات التي تواترت عنها ...فعلى سبيل المثال يورد تسع عشرة رواية حول سنة ميلاد محمد ورضاعته وكلها تثبت انه ولد في عام الفيل، مع اننا نجد مثلآ، اختلافات في سنة ميلاده في كتاب ( تاريخ الاسلام ) للامام الذهبي... وكان الطبري يقف محايدآ امام المادة التاريخية التي امامه سواء أكانت من المرويات او المدونات وإن اختلفت....ولم يكن يتدخل الا في القليل النادر لازالة إلتباس بقوله " والصحيح عندنا "...وقد تعرض هذا المنهج للنقد من قبل بعض الأقدمين والمحدثين..فقد انتقد الدكتور شاكر في كتابه ( التأريخ العربي والمؤرخون ) حيادية الطبري وعدم تدخله بالنقد لبعض المرويات الخرافية او الكاذبة على حد قوله وفي نفس الوقت يراها من جهة اخرى دليلآ على امانته.....ولكن اقدم من انتقد الطبري وطائفة من المؤرخين مثل المسعودي والجرجاني هو ابن خلدون في الجزء الاول من كتاب العبر لما اوردوه من روايات غير معقوله حسب قوله...انتقد فيما انتقد رواية ان تبع اليمني وصل بجيوشه حتى الصين بعد ان اخضع الفرس والترك والروم وقال انها خرافة بينة...وانتقد رواية ان نكبة البرامكة كان سببها العلاقة الآثمة التي قامت بين العباسة وبين جعفر بن يحيى البرمكي من وراء ظهر الرشيد، كما ينتقد قولهم بأن الرشيد كان يشرب خمرآ مسكرة...ولكن تدخل ابن خلدون للتصحيح لا يحسم امرآ ويجعلنا نفضل حيادية الطبري فهو يؤكد أن سبب نكبتهم هو انهم اصبحوا ذوي سطوة ونفوذ واستبدوا واخذوا يقاسمون الرشيد السلطة ..وهذا معقول جدآ ولكن ما الذي يمنع ان تكون الرواية الاخرى، أي علاقة العباسة بيحيى، صحيحة ايضآ وبمثابة القشة التي قصمت ظهر البرامكة وحفزت الرشيد ليضع حدآ لتغولهم على سلطاته...كما ان تكذيب ابن خلدون للطبري وغيره في ما اوردوه من خبر عن معاقرة الرشيد للخمر المسكرة تكذيب لا يقوم على أي دليل تأريخي حيث لم يملك ابن خلدون غير الاشادة بمناقب الرشيد وبما اسماه طهره وتديّنه وانتسابه الى أرومة عرفت بتجنب المذمومات في دينهم ودنياهم وزاعمآ انه كان ينتبذ له نبيذ التمر غير المسكر!! .....وابن خلدون الذي انتقد الخرافات واللامعقول في كتب الطبري والمسعودي والجرجاني وغيرهم لم يسلم بدوره من الخرافات فعلى سبيل المثال يتحدث في كتابه العبر عن اسلاف ابراهيم كما وردت في التوراة ويزعم بصحة أن نسب موسى وبني اسرائيل والاسباط ينتهي بنوح ويقول انه لم يبق الا تحري النسخ الصحيحة والنقل المعتبر! ........والطبري وهو يختط هذا المنهج كان مدركآ بحسه التاريخي أن بعض مروياته لن يجد القبول لعدم معقوليته ولذا استبق ناقديه وقال في مقدمة كتابه انه اعتمد على المرويات التي رويت له وانه لم يعمل خياله لاستنباط أية قصة لان اخبار الاقدمين لا يمكن ان تدرك الا بالمخبرين والناقلين وقام بتحذير القارئ في نفس المقدمة بقوله انه اذا كان في كتابه ما يستنكره من مرويات ويستشنعها بسبب لا معقوليتها فالذنب ذنب الرواة والمحدثين وليس ذنبه (( فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، او يستشنعه سامعه، من أجل انه لم يعرف له وجهآ في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وانما أتيي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إلينا. )) انتهى...ومنهج الطبري فائدته في انه يعطينا مشهدآ بنوراميآ عن اهم المرويات التي قيلت عن هذه الحادثة اوتلك في ذلك الزمان مما يتيح تجميع اجزاء صورة الحدث بدلآ من رواية الرجل الواحد.


أين هي الخرافات في تاريخ الطبري؟

الملاحظ في الخرافات التي وردت في تاريخ الطبري انها نوعان...النوع الاول: خرافات لا لبس فيها وليس فيها حظ من الحقيقة و المعقولية وهي التي وردت حصرآ في الجزء الاول ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( القول في ابتداء الخلق ما كان اوله ) و( القول فيما خلق الله في كل يوم من الايام السنة التي ذكر الله في كتابه انه خلق فيهن السموات والارض.....) و( ذكر الاخبار الواردة بأن ابليس كان له ملك السماء الدنيا والارض ما بين ذلك ) و( ذكر الوقت الذي خلق فيه آدم عليه السلام من يوم الجمعة والوقت الذي أهبط فيه الى الارض ) وما الى ذلك.....وهذه الخرافات الواضحة مصدرها القرأن والتوراة واحاديث محمد التي رواها ابن عمه الملقب بترجمان القرأن ابن عباس بالاضافة الى مرويات وهب بن منبه الخبير بالقصص التوراتية...اذن هذه الخرافات مسنودة الى القرآن ورواة احاديث نبوية وعلى رأسهم ابن عباس.. الم يتحدث القرآن عن خلق آدام ورفض ابليس السجود له متحديآ أمر الله ثم أكله من الشجرة المحرمة بإغواء من ابليس وطرده من الجنة في السماء لمخالفته أمر الله....ألم يقل القرآن في سورة ( الحجر ) ان الله خلق الجن من نار السموم...الم تسمى سورة في القرآن بسورة ( الجن ) يروي فيها محمد كيف انه اوحي اليه أن نفرآ من الجن إستمعوا اليه وهو يتلو القرأن وآمنوا به ..وكيف ان الجن يصعدون الى السماء لاسترقاق السمع فيرميهم الله بشهب صاعقة..ثم تأتي احاديث محمد لتكمل من قصص الجن واخبارهم تفاصيل لم يذكرها القرآن وهي احاديث مسندة تنتهي عنعنتها غالبآ كما أسلفنا بـــ ابن عباس أكبر راو لاحاديث ابن عمه...فالطبري إذن لم يخترع شيئآ من هذه الاساطير والخرافات وانما نظم الخرافات القرآنية والحديثية في شكل سرديات تاريخية...جمعها ونظمها وبوبها وأكمل ما يستوجب الاستكمال من التوراة الام التي رضع منها القرآن...والجدير بالملاحظة أن لا أحد من منتقدي الطبري يقترب من حقل هذه الخرافات، التي يؤمن المتدينون بصحتها، لانها خرافات مقدسة تتطلب موقفآ من الدين...وكل الذي يقدرون عليه هو انتقاد ما يسمى بالاسرائيليات التي يزعمون أن الطبري قد جلبها في كتابه كما فعلت سميرة عاشور في كتابها الذي اعتمد عليه قريط في مقاله...والاسرائيليات هي أي مروية مأخوذة من التوراة مباشرة دون نسختها المعدلة في القرآن....وهذا امر يدعو الى السخرية لان القرآن في حد ذاته هو نسخة معدلة من التوراة أختار مؤلفه أن يروي فيه قصص بني إسرائيل باسلوب شعري على طريقة هوميروس في الياذته....وماذا يتبقى من القرآن لو محونا منه القصص التوراتية وأخبار بني إسرائيل؟! .....والنوع الثاني من الخرافات او اللامعقول الذي جاء في كتاب الطبري هو مبالغات شابت وقائع تاريخية حقيقية وتحديدآ تاريخ تبابعة اليمن وما رويي انهم احتلوا بلاد الفرس والترك والصين ويرى ابن خلدون انها محض خرافة وان الحرب بين التبابعة والفرس قد دارت على حدود بلاد فارس مع العرآق وليس أبعد.....ومثل هذه المبالغات ليست مستبعدة في تلك الازمان حيث كان يتم تأليه الملوك وقادة الحروب وابطالها ...فكان من الطبيعي ان تنسب اليهم الخوارق وان تضخم انتصاراتهم وتخفى هزائمهم او تحوّر الى انتصارات.....وما من كتاب قديم من كتب التاريخ الا وتضمن مثل تلك الخرافات، حتى ابو التأريخ هيرودت يبدأ كتابه ( التواريخ ) باسطورة يزعم انها السبب في إندلاع الحروب المتلاحقة بين الفرس والاغريق...وكتابه خليط من التأريخ والجغرافيا والانثروبولجي ولم ينج من الخرافات والاساطير والغرائب كقوله ان المرأة المصرية تبول وهي واقفة! ويعاني كتابه في بعض المواضع من تداخل الازمان وعدم تسلسلها حتى ان بعض النقاد الاوربيين المحدثين شككوا في سفره الى مصر ومنهم من قال انه لم يغادر اليونان قط الى أي بلد آخر، ولكن كل ذلك لا يقلل من القيمة التاريخية لكتاب ( التواريخ )....ومثال آخر هو كتاب المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي ( شبه ) المعاصر للاحتلال العربي الاسلامي لمصر وعنوانه ( تاريخ العالم القديم ) يبدأه من يوم خلق آدم وينتهي بالغزو العربي الاسلامي لمصر، فلا غرو ان تشوبه الخرافات والاساطير....وهناك كتاب ( كتاب التيجان في ملوك حمير ) وجامع مروياته هو وهب بن منبه عن ( رواية ابي محمد عبد الملك بن هشام عن أسد بن موسى عن ادريس بن سنان عن جده لأمه وهب بن منبه رضي الله عنهم ) وقد ولد وهب بن منبه الذي يعتبر من التابعين في عام 34 هجرية 654 ميلادية في زمن خلافة عثمان...ويبدأ مروياته حسب العنوان بــــ ( احوال خلق العالم ) أي يبدأ بخلق آدم وأخبار بعض الانبياء كنوح وهود ثم اخبار تبابعة حمير وحروبه ضد الفرس والروم والترك والصين وشرق افريقيا واحتلال ابرهة الحبشي لليمن وما الى ذلك..ويعد كتابه هذا اقدم كتاب تاريخ عربي معروف حتى الآن وتمتزج فيه باسلوبه القصصي الحقائق بالخرافات والاساطير...وقد اعتمد الاخباريون المسلمون على مرويات وهب بن منبه هذه، ابتداء من ابن اسحاق كمصدر للاخبار المرتبطة باليمن وحروب تبابعة حمير في جنوب الجزيرة العربية والساحل الشرقي لافريقيا المواجه لليمن وضد الفرس وغيرهم......بقي أن نقف عند الجزء الاسلامي من تاريخ الطبري.. فأولآ:: لم يكن قد مضى على هذا التاريخ منذ بدء الدعوة المحمدية وحتى ميلاد الطبري سوى مائتي سنة ونيف فقط ... وقد سبقه كما اسلفنا عدد لايستهان به من الإخباريين المشهورين والمغمورين مما يعني انه جاء والسيرة النبوية قد استقرت على حال وليس من جديد تحت الشمس، غير أن مأثرة الطبري كما يرى الدكتور مصطفي شاكر في كتابه ( التأريخ العربي والمؤرخون ) هو أنه قام بما ( قام به البخاري ومسلم في الحديث، أي اختيار المادة الصحيحة أو المتفق على صحتها من مجموع المادة التي تراكمت حتى عهده. ) انتهى...وتأكيده ان الطبري لم يمل ( مع أيّ هوى في إيراد ألأخبار التأريخية الاسلامية، وكان حياده في الغالب عن ورع ودقة علمية ) انتهى ...والمقصود هنا واضح وهو انه لم ينحاز لأيّ من التيارات المذهبية التي كانت تتصارع آنذاك.

أيهم طبخ التاريخ الطبري أم محمد ؟

من جملة ما ذكرنا نستخلص أن الطبري لم يكن سوى ناقل امين لاحداثيات التاريخ التي وصلته عن طريق الرواة او المدونات...واذا كان ثمة طباخون لوليمة التاريخ فأن محمدآ هو اولهم ...وهذه عينات من طبيخه التاريخي....فمن المعروف ان دولة التبابعة الحميريين في اليمن نهضت في عام 115 قبل الميلاد ودخلت في حروب مع الفرس والحبشة وسيطرت على جنوب الجزيرة العربية واجزاء من الساحل الافريقي الشرقي ولم تنهار الا في عام 525 ميلادية اثر إحتلال الاحباش لليمن، أي قبل ميلاد محمد بخمسين سنة فقط، ومع ذلك لم يتورع محمد من الزعم في سورتي ( الدخان ) و ( ق ) بأن الله اهلك قوم تبع لانهم كذبوا الرسل...تصوروا زعم بهلاك الحميريين وهم يعيشون معه في نفس الزمان وفي نفس الجزيرة على بعد أميال... وفي سورة ( القصص ) يجعل محمد هامان وزيرآ او مساعدآ او شئ من هذا القبيل لفرعون مصر بينما هو حسب ( معجم الحضارات السامية ) صفحة 880 طبعة 1991 بيروت ( أحد شخصيات سفر استير. كان وزيرآ للملك الفارسي احشويرس. اراد فناء اليهود وكاد ان ينجح في مسعاه لولا تدخل استير التي انقذت شعبها وتسببت بأعدام هامان ) انتهى ... واحشويرس الاول وبالفارسية خشایارشا الاول هو ابن داريوس الاول من سلالة الاسرة الاخمينية حكم ما بين 485-465 قبل الميلاد...وفي نفس السورة المذكورة نرى ان فرعون يطلب من هامان المزعوم ان يحرق الطين ليبني له صرحآ من الطوب الاحمر حتى يتمكن من رؤية اله موسى، فمن الثابت ان مصر الفرعونية لم تعرف الصروح المبنية بالطوب الاحمر فقد بناها المصريون آنذاك من الحجارة بينما بنوا بيوت سكناهم من الطوب اللبن…وهذا غيض من فيض طباخة التاريخ على الطريقة المحمدية.والتي لم تفت على المؤرخين والمستشرقين.

تهشيم المرآة

إن المدافعين عن الإسلام الذين ادركوا النص المستتر لمقالة قريط، أي ما يعرف في اللغة الانجليزية بـــ Sub-text كتبوا في تعليقاتهم على مقاله : إذن فليكف العلمانيون عن الاستشهاد بالطبري ما دامت مروياته خليط من التاريخ والخرافات...وهذه هي الرسالة التي اراد الكاتب ايصالها حين قال في ختام مقاله : ( وهو نفس المخيال الذي سطّر لنا سيرة محمد ) وان الفرق بين الذي كتب عن هجرة محمد وفتوحاته وبين الذي كتب عن فتوحات تبع الحميري ((( شعرة ))) .... فالطبري ومن سبقوه من الاخباريين، ابن اسحاق وابن هشام وابن سعد والواقدي ، لم يكونوا من طباخي وليمة التاريخ ،بل كانوا المرآة التي عكست ما كان يروى عن محمد على لسان التابعين وتابعي التابعين فقدموا لنا صورة تاريخية واقعية لشخصيته بعيدة كل البعد عن التجريد والأسطرة كأنسان كامل ذي خلق عظيم.... وتغضب هذه الصورة البعض ممن يريد إظهار الاسلام كدين انساني حضاري فيعمل ما وسعه من أجل تهشيم المرآة وتكذيب اولئك الاخباريين وغسل السيرة المحمدية ورسم صورة جديدة رومانسية لنبي الاسلام لا صلة لها بالواقع وحسبها انها تتناغم مع مفاهيم الحضارة الانسانية المعاصرة...ولكن السيف المحمدي أصدق انباء من كتب هؤلاء الذين يريدون تزييف حقيقته.



#احمد_القاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تديين كارل ماركس!
- توطين الماركسية بالخرافات الاسلامية !
- زوبعة دكتور حجي....يا قلبي لا تحزن !
- الآية التي سطا عليها محمد !
- متنكر في ثياب التنويريين....او اركلجة الخرافة
- المثقف المكي الذي هزم محمد
- محمد يحرق النخيل وعلي يجز الرؤوس !!
- ابن تيمية ام الضحوك القتّال !
- اولوية نقد الدين
- بائع الافيون الفلسطيني
- هل تراجع د. طه حسين عن اطروحاته في كتاب ( في الشعر الجاهلي ) ...
- ادونيس...اودكتور جيكل ومستر هايد !
- الشعر الجاهلي ام القرآن الجاهلي
- اول صوت في صندوق عمر البشير الانتخابي
- الكوميديا الالهية علي الطريقة المحمدية
- البيدوفيل واعتساف عائشة
- نبي يضاجع في الخلاء !
- سويسرا افضل حالآ دون مآذن
- لا شئ تم في الخفاء ايها الحالم بعرش اليونسكو
- عودة الي الدكتور القمني


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - نادر قريط وغسيل السيرة المحمدية