|
الهجوم ليس على النوادي والبارات، انه الوجه الجانبي للمعركة
فلاح علوان
الحوار المتمدن-العدد: 3242 - 2011 / 1 / 10 - 06:24
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
"الى تلك الجذوة المتوقدة في ضمير الشعب ابداَ، وبها يحيى واحيا" غائب طعمة فرمان. لا ادري بالضبط، عن محتوى او مضمون اي جذوة تحدث الروائي الراحل، ولكنه بلا شك كان يقصد تمثله لجوهر قيمي انساني، يراه في ضمير الانسان والمجتمع، ويتبناه او يتماهى معه اذا جاز القول. قبل ثلاثة اشهر او اكثر جرت انتخابات الاتحاد العام للادباء في العراق، لاختيار هيأة جديدة. شارك فيها مرشحون عدة. عدا عن الفريق القائم على الاتحاد، كان ثمة مرشحون عن الاحزاب الحاكمة الرئيسية، بينهم ممثلين عن الاحزاب الاسلامية الشيعية الحاكمة. اسفرت الانتخابات عن فوز الفريق القديم وعدم ترشح اي من المرشحين القادمين من الاحزاب الحاكمة. ان الفريق القائم في الاتحاد، ينتمي كلية تقريبا الى اليسار سواء من اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي او من شيوعيين غير مرتبطين بحزب، او ممن هم خارج التنظيمات، وغيره. ان كون اتحاد الادباء، كمؤسسة ثقافية، بغض النظر عن تقييمنا لها، حافظت على طابعها اليساري، وما زالت تسم الثقافة او الادب، بسمة يسارية في العراق، رغم عهود من القمع والاستبداد وتعاقب الحكومات الفاشية، هو مسالة غير روتينية، ولها اثرها ليس المعرفي والادبي فقط. انها دلالة على تجذر ملامح فكرية لها اسسها وتقاليدها. وقابليتها للتطور والتوسع وربما التحول الى صبغة فكرية واطار معرفي اصيل واسع. لم يكن عبثا ان يصرح صدام حسين شخصيا وبلسانه عام 2002 وعلى شاشة تلفزيون العراق اثناء لقاء مجموعة من الفنانين والشعراء والمثقفين، " الفنانين يساريين، اليوم نحجي يساري" فضجت القاعة باصوات استحسان اعقبها تصفيق. فما معنى هذا؟ ما معنى ان يعترف بيسارية الفنانين، رئيس الدولة والحكومة والقائد الحزبي لحزب دأب على قمع الثقافة اليسارية واليساريين طيلة عقود؟ باختصار يعني انه لم ينجح القمع ومحاولات تغيير الطابع الثقافي والمعرفي في البلاد، في فرض القالب الفكري للقوى السائدة، رغم كونها في سدة الحكم، وتملك المال والجيوش والاعلام الرسمي والحكومة والقضاء والسجون والسياط والمشانق. لم يكن الادب والثقافة في العراق تاريخيا، حكرا على الطبقات الارستقراطية والانتلجنسيا المتعالية، وبالتالي لم يصبح طابعه ارستقراطيا او اقطاعيا او ادب صالونات، بل ان جذوره ومنطلقه طبقيان بوضوح. لقد نجح المثقفون اليساريون في طبع الثقافة والادب بطابع "شعبي" طبقي، واول رواية عراقية وهي " جلال خالد" للكاتب محمود احمد السيد رغم ما فيها من اشارة قومية وطنية اثناء غربة البطل في الهند، الا ان البطل هو طالب كادح فقير. لقد كان الاديب محمود احمد السيد مع حسين الرحال، اول من شكل الحلقات الماركسية السرية في جامع الحيدرخانة في العشرينيات، كتب يقول في مقالة نشرها في جريدة العامل بعنوان" اتحاد جمعيات العمال" .. واول ندائي، الى كل عامل وفلاح في بلادنا، الى كل مرهق معذب مظلوم، الى جنود الانسانية الاباة الذين سيظاهر بعضهم بعضا حين الجهاد الاعظم في سبيل حقوق الطبقة العاملة وحرياتها ومثلها الاعلى، هو النداء الذي نطق، وما يزال ينطق به زعماؤهم وقادتهم منذ عشرات السنين: ( ياعمال العالم اتحدوا). من كتاب. كمال مظهر – الطبقة العاملة العراقية التكون وبدايات التحرك. دار الرشيد للنشر. بغداد. 1981. ص ص 161. كما القى خطابا في حفل عمالي اقامته " جمعية المطابع العراقية" في الاول من اب عام 1930 قال فيها" ان المستقبل للطبقات العاملة التي يتالف منها الشعب كالعمال والفلاحين واصحاب المهن الحرة والصناعات" . نفس المصدر ص 237. كانت هذه البواكير الاولى للادب الروائي الحديث في العراق، التي تؤشر بل تبرهن على عمق جذوره الطبقية، التي طبعت الادب بطابعها، بل طبعت البدايات المبكرة للحلقات الشيوعية بالطابع العمالي الطبقي، الذي تراجع او هزم بعد سيطرة الخط الستاليني كحزب تماما على الشيوعية في العراق. هناك شواهد عديدة على الادباء الذين ينطلقون من التصور الطبقي للعلاقات الاجتماعية وللمجتمع، لقد تبلور هذا التوجه في كتابات الادباء الرواد مثل ادمون صبري وفي روايات غائب طعمة فرمان، وفي شعر الجواهري كذلك والسياب ونازك الملائكة والبياتي .... اي باختصار اصبح سمة غالبة في الادب والثقافة في العراق، والذي شكل رافعة بيد قوى اليسار للتاثير في عدة اوساط جماهيرية خلال حقب عديدة. وبالمناسبة هناك شعراء مثل الرصافي رغم قصائده عن الفقر والفقراء الا ان موقفه من قضايا العمال وحق التنظيم وصراعم مع ارباب العمل عندما كان عضوا في البرلمان، كانت في منتهى الخراقة والانحياز لارباب العمل، وقد ذكرني بموقف لامارتين في الجمعية التاسيسية الفرنسية حيث تحدث عن " سوء التفاهم بين الطبقات" والذي ذكره ماركس في كتاباته. لا اريد الخوض في بحث ادبي وانما اتركه للمختصين، وانما اوردت هذه الامثلة للبرهنة على تجذر الحس الطبقي وتناول الادب والشعر من قبل الطبقات الكادحة وطبعها الادب في العراق، عموما، بطابع طبقي. ان استمرار هذه الصبغة، يمكن ان يصبح منصة للفكر التحرري وتحول مجموع الافكار والمساهمات التاريخية الى هوية راسخة ليس للادب فقط بل لتعريف الفكر الانساني انطلاقا من مفهوم الطبقة والصراع الطبقي. وبهذا الشكل ستتراجع لامحالة الافكار والتصورات التي تنطلق من القومية والدين والسلفيات والاعراق، لتعريف هوية البشر. ان هذا في حساب القوى السياسية البرجوازية، وومثليها من مختلف التيارات، والساعية لادامة هيمنتها، هو مادة سياسية خالصة، بل انها مسالة عقائدية جوهرية لا تهادن فيها، وخاصة بالنسبة للاحزاب الاسلامية، بل انها تشكل مصدر قلق وتهديد لها. لا اقصد هنا كون المؤسسة الادبية القائمة الان تلعب هذا الدور، فلدي ملاحظات عميقة وانتقادات واسعة وجدية على ادائها، وخاصة بالنسبة لاتحاد الادباء، ولكن المهم هو حفاظه، وباي درجة كانت، على طابع يساري للادب والثقافة، رغم القصف الاعلامي والهجمة اليمينية العالمية والمحلية على الثقافة والادب الانساني ذي التوجهات اليسارية والتحررية. مالذي دفع الاحزاب الحاكمة لانتهاج الاسلوب الديمقراطي- الانتخابي- وزج ممثلين عنها في انتخابات اتحاد الادباء؟ في حين لم تستطع استقطاب او "انجاب" شعراء ومثقفين الى تصوراتها ومنهجها، يضعهم الشعب والمجتمع في موقعهم التاريخي كممثلين لضميره وحسه ومعبرين عن وجدانه، واهواءه وميوله بل عن نبضه وتطلعاته وهمومه؟ ان الشاعر هو نائب الوجدان الانساني العام، او هكذا يتعين ان يكون، وهي وظيفة تتكشف في مسار تاريخي ومعرفي وتترسخ وتصبح جزءا من وجدان واحساس الجمهور، لا نريد الخوض في تجلياتها ومصائرها. لا اريد الجزم بان اتحاد الادباء الحالي يقوم بهذه المهام ولا اريد حتى الدفاع عن نشاطات الاتحاد، ان ما اريد قوله، باختصار، ان سعيا للهيمنة على موقع او معقل ثقافي، ليس جزءا من المناخ السياسي الثقافي المراد فرضه، هو ما دفع باتجاه اسلامي، الى زج ممثلين لم يستطيعوا ازاحة منافسيهم، ولم ينجحوا بالتالي في فرض سماتهم الفكرية واتجاهاتهم على الادب والشعر وعموم الثقافة، عبر ممثليهم السياسيين. ان استمرار الاتحاد العام للادباء بصورته الحالية، شكل تهديدا معرفيا وثقافيا للقوى السياسية التي تسعى لفرض طابعها الثقافي. وقد خسروا المعركة، ولكنهم كانوا سياسيين محترفين، اذ نجحوا في تحويل الانظار الى معركة جانبية، مستغلين اجواء محرم وعاشوراء، اذ اغلقوا النادي الترفيهي للاتحاد، ومعه عدة نوادي ترفيهية، ومخازن المشروبات وهم امر يقومون به سنويا في ايام شهر محرم. لقد مضوا ابعد، فقد اغلقوا قسم الموسيقى والمسرح في الفنون الجميلة، في غمار هذه الهجمة على المدنية. لقد اثارت هذه الاجراءات ردود افعال واعتراضات واسعة من قبل اوساط واسعة. ان الهجوم على الموسيقى والمسرح هو هجوم سياسي بامتياز، انه يستهدف اقامة نظام سياسي يمنع الموسيقى والغناء والرسم والنحت، اي نظام على غرار نظام الجهورية الاسلامية في ايران او طالبان افغانستان. ومعنى هذا ان المستهدف لن يكون الفن والموسيقى والنحت فقط، انه حلقة في مسلسل سيطال، اذا ما نجح، كل الحريات، نعم كل الحريات، الصحافة، حرية التعبير، حق التجمع، حق التنظيم، حق الملبس. لقد قاموا بتاليب العديد، من مؤسسات " ثقافية" وبعض منظمات المجتمع الـ"مدني" تابعة لهم ومرتبطة بهم سياسيا وفكريا، لنشر اللافتات التي تشهر وتسيء للادباء، ووصفهم بالفاظ نابية مثل الفسوق والفجور كما بادرت عدة تيارات ومنظمات دينية اسلامية الى اشهار لافتات مهينة لاتحاد الادباء بالاسم، صورت الادباء كمجرد مدافعين عن الخمور، رغم ان هذا هو حق شخصي، وان منعه قسريا هو عمل قمعي وتطاول على الحريات العامة. لقد بدا الامر وكانهم ابعدوا الانظار عن خسارتهم ووجهوا الاساءة الى اتحاد الادباء. كما نجح اصحاب القرار في جر العديد من الكتاب والسياسيين الى هذه المعركة، وهي اظهار الامر وكانه احتجاج على غلق البارات والنوادي وصدرت بيانات ومقالات بهذا الخصوص. ولكن ما لبث ان اعلن احد مرشحيهم ممن لم يفز في انتخابات اتحاد الادباء، او الاحرى اعترف بعد هذه الحملة صراحة وعلنا بضرورة اسلمة الثقافة في العراق. هذا هو المغزى اذن، وهذا هو فحوى الهجمة، وان هذه الاحداث المتفرقة ان هي الا اشكال التعبير عن مضمون الهجمة. ليس واضحا تماما الان مدى فاعلية او تاثيرالاتحاد والمثقفين بالمناخ المعرفي والثقافي والحسي للمجتمع او لجمهور معين، وخاصة في بلد يعرف تاريخيا بالاثر النوعي وبثقل الطابع الحسي لثقافة جمهور الانتلجنسيا وعموم الجمهور. ولكن تعميق الثقافة التحررية والاستفادة من خبرتها التاريخية وتجذير ملامحها اليسارية وانفتاحها على الثقافة العالمية الانسانية، هو حفاظ على مكتسب تاريخي، ووسيلة واقعية لحفظ تراث المدنية في المجتمع عبر مكون راسخ وتقليد ثقافي اصيل، ليس هذا فحسب بل المضي ابعد في تحويل المعرفة المكتسبة الى وسيلة لتعميق مفاهيم وقيم التحرر والتقدم. ان تاريخ هذا النمط الانساني من الثقافة لم يات عرضا او رغبة من مجموعة مصلحين او مثقفين، انه حصيلة تاريخ نضالي شائك وعسير، جاء ممهورا بالسجون والمعتقلات والسياط والمشانق والزنازين. انه ديباجة تاريخ من الصراع بين انصار حرية الانسان وكرامته وقيمه واعداء الحرية، لقد لعب الشعراء في مراحل معينة دورا تعبويا وتحريضيا بالغ الاهمية، وخاصة في الانتفاضات والمراحل الثورية، وما زالت هذه الامكانية قائمة. ان الرد الامثل على سلوك السلطات واحزابها وقواها السياسية، هو كشف وتعرية المحتوى الحقيقي للهجمة على المدنية، والاغراض السياسية الكامنة وراءها، ومواجهتها بحزم والعمل على احباطها. الرد هو في ترسيخ وتعميق الطابع الطبقي للثقافة والادب والفنون، وتوسيع مدى تاثيرهما الاجتماعي، وتحويلها الى اداة للتعبير عن تطلعات الانسان في التحرر، حينها لن يجدي لا اغلاق البارات ولا شتم اتحاد الادباء ولا فرض مرشحين ولا قمع ولا سجون.
#فلاح_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشية الذكرى السابعة لتاسيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية
...
-
تأخر تشكيل حكومة أم تنافر أقطاب؟!
-
الهجمة الأخيرة ضد النقابات، إلى متى والى أين؟
-
حول مقاطعة الانتخابات
-
عقود التراخيص مع شركات النفط وسيلة للنهب المنظم
-
عشية الذكرى السادسة للاحتلال هل الإضراب العمالي الواسع عالمي
...
-
العمال ليسوا تلاميذا بحاجة الى واعظ .. ردا على نادية محمود
-
الاتحادات النقابية توافق على سياسة البنك الدولي واتحاد المجا
...
-
في الذكرى الأربعين لإضراب الزيوت وإخماده الدموي... الطبقة ال
...
-
الى الاتحاد العام لعمال الكويت ...الى كل عمال الكويت
-
الى الاخ سلمان حسن حول رسالتك .. من المسؤول
-
نحو مؤتمر عمالي عام في العراق
-
1 أيار يوم العمال العالمي، يوم البشرية المتمدنة
-
أطلقوا سراح رشيد إسماعيل فورا
-
حول إضراب المعلمين الشامل في العراق
-
وزارة النفط تبعث ممثليها لقمع الحريات في قطاع النفط
-
كلمة فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في الع
...
-
النفط في العراق، من ايدي الفاشيين الى ايدي مصاصي الدم، اصحاب
...
-
حول رسالة الرفيق ريبوار احمد الى اتحاد المجالس والنقابات الع
...
-
اطلقنا حملة اسقاط مشروع قانون النفط... ما هو ضمان الانتصار؟
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|