|
الشباب الجزائري ..... وظاهرة الهدم الذاتي .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3241 - 2011 / 1 / 9 - 16:26
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في المجتماعات الواعية التي لها حس مدني تتحسس وتتوجس في نفسها كل التبدلات الإيجابية و السلبية التي يفرزها الاختلاط والتماهي مع الغير ، فيدق ناقوس الخطر كلما برز للعيان شؤم ، أو ظاهرة غريبة تحتاج إلى المعالجة والتعديل بانتهاج أساليب شتى ، فيتضافر الجهد الاجتماعي لطرد النحس والشذوذ الداخل لإعادة المجتمع لوضعه السوي . المواطن العادي قد يجهل خفايا المجتمع وشذوذاته ، فالمجتمع في حقيقته مكون من خلايا ( تجمعات نفعية ) متباينة ، فالتجار لهم منهجهم العملي الحياتي ، واستراتيجيتهم التعاملية النفعية ، والصناع كذلك ، أم الطبقة المثقفة فلها مسارها ونهجها الحياتي الذي قد يختلف عن الآخرين ... وهكذا . ، ولا يمكن التعرف عن خبايا الشيء إلا بالتقرب منه وإيلاج أبوابه عن حيطة وحذر تدبرا وتحليلا وموازنة ونقدا ليترآى مبلغ الضرر والصواب والخطأ في ذلك الشيء بعد وزنه وتقييمه . ظاهرة الهدم الذاتي لمقدراتنا التي قد نشهدها في أعمال الشغب الشبانية على المباشر لأنها تترآى للعيان للقاصي والداني ، سبقها في حقيقة الأمر هدم مركب من أعلى السلطة لأدناها و في مختلف النواحي الحياتية السياسية منها والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ( لا يتسع المقام هنا لسردها ) ، وكلما تقدمت السنون إلا وتبدلت القيم التي كنا نعض عليها بالبنان ، بعد انفلات أمر التربية من أصحابها ( بفعل الأرحام التي تدفع بغير ترشيد ) وتوجيه الكثير من التلاميذ بعبارة ( يُحال على الحياة العملية ) التي لا شك وأنها فلتة تُعرض الشباب للإنحراف بتبني الشارع لها بتلونه وشذوذه ، هذا الشارع الذي غدا حقل تجارب لكل ما تنفثه وسائل الإعلام المرئية والسمعية بعددها وتعدادها، والتي أصبحت شبحا مخيفا لكل الأمم المحافظة التي وقفت مشدوهة لا تدري ما تفعله حفاظا على خصوصياتها المتميزة .... إنه تسونامي العولمة في وجهها السلبي لا الإيجابي .
** هدم الذات ....ظاهرة غير صحية ....ومقلقة . ما نشهده حاليا في وطننا الحبيب من خراب وتدمير لا يعبر في حقيقة الأمر عن سجايا شعبنا ووعيه العام الذي كثيرا ما أظهره وأبان عليه في كثير من المواقف ، وإنما هو فعل فئة صغيرة على هامش المجتمع ، ولكل مجتمع مصلحوه ومفسدوه بتعدد الأمكنة والأزمنة . الظاهرة الفاجعة التي تكررت لمرات عندنا في الجزائر ( 1980، 1988، 1992 وما بعدها ، 2011، ظاهرة في حاجة إلى تحليل وتدبر لمعرفة الأسباب والمسببات والآثار الناجمة عن الفعل ، وهو ما يحتاج إلى تجنيد ترسانة من علماء الإجتماع وعلم النفس لتقصي الأمر، واقتراح الحلول الأنجع لبتر الإخفاق الذي لازمنا لسنوات ، فتصفيرات الشباب المغترب على نشيد (لامارسييز ) بستاد دو فرانس أثناء مقابلة فرنسا الجزائر ، أقلق عموم فرنسا ، وظاهرة الإحتجاج في الضواحي أخذت حيزا واسعا من التحليل والمناقشة لوزن الأسباب والدواعي ، فقد يكون للظواهر أمراض خفية مستترة تحتاج إلى أطباء بارعين لاكتشافها وعزلها ، ثم استئصالها حتى لا تؤثر سلبا على باقي الأعضاء ، من هنا تقديرا لا يجب الحكم على ظاهرة ( التهراس والتكسار التي كثيرا ما رافقت الثورات والإنتفاضات والهزات الإجتماعية ) إلا بمعرفة الخلفيات والمسببات التي أوصلت شبابنا إلى اقتراف جرائم أساءت لنا جميعا بمختلف توجهاتنا ،وهي لا تعبر في حقيقتها عن إرادة العموم ، بقدر ما تعبر عن إرادة خاصة ومصالح ذاتية. **بين الدولة .... والشعب شنآن . أنا في حقيقة الأمر - وإن كنت ناقما على السياسات المتبعة في التسيير لأمورنا وقضايانا - شديد الإعتزاز بتعامل قوات الأمن مع المحتجين ، ولعل في التجارب الماضية ما أفاد ، ( فلم يقتل سوى 3 من الشبان ) وأن الأضرار في صفوف قوات الأمن أكبر مما هي عليه عند المشاغبين ، لعل في ذلك شعور بأن هؤلاء من أولئك ، غير أن ترك الساحة فارغة دون حماية تذكر يجعل الخطأ خطأين في سلة الدولة ، فالدولة مسؤولة عن حماية الأملاك العامة والخاصة ، وهي الرادعة الأنسب لكل فعل يُخل بالنظام العام ، فكيف تمنع مسيرة سلمية ويفرق ناسها بالهراوات ، في حين تسكت عن شغب ظاهرهُ احتجاج ، وخفية سرقة و تكسير وحرق لما يعجزون عن حمله ، إنه قانون الغاب بأسمى تجلياته شاركت الدولة في ايجاد التربة الخصبة لنموه ويفعانه ، هذه الدولة التي لا يجب التنكر للوجهها الجميل وتسامحها المفرط في بعض القضايا المصيرية التي ابانتها كشريك في الأفعال المتردية . يفترض عمليا أن يكون في الأمة من يدع إلى الخير ، ويحارب الشرور ، ومادمنا مسلمين فإن ركنا هاما من الإسلام غيب عن الحياة العامة وهو ( الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) ، فما تفسير الموقف السلبي للخييرين من هذا الوطن ؟ هل تحركوا وقاومُوا التردي و الفساد ؟ هل غيَّرُوا المنكر الظاهر أمامهم ؟ لماذا بقينا متفرجين كأن الأمر لا يعنينا ؟ ما قيمة الجمعيات والأحزاب و الجماعات الفاعلة التي يُصرف عليها بسخاء ، وهي عاجزة عن تجنيد المنخرطين فيها للصالح العام ؟. تساؤلات عديدة قد نختلف في الإجابة عنها ، لكننا سنتفق في تقدير حجم الأضرار المادية والمعنوية ، والتي ستبرز في الأيام القادمة كاشفة عن نفسها ، يمكن أن تتجلى في الصعوبات التموينية التي سيلاقيها المواطن الذي سيستفيق بعد ( وقوع الفاس على الراس ) ، ناهيك عن عراقيل التعامل مع المؤسسات الإجتماعية والمالية والإقتصادية التي طالها التخريب والنهب . وكثير منا قد يرى بأن الفعل خصام سياسي وهو لا تهمه السياسة فيتراجع القهقرى فاسحا المجال للمتهورين من المجتمع، ومنهم من هو مصاب بسوء التقدير بأن الأملاك التي طالها التخريب ليست له وإنما هي للدولة ؟ ، ومنهم من يرى بأن التخريب للمتلكات العامة هو السبيل الأنجح لتقويض ركائز النظام ؟ وفيهم من يتوجس الفرصة للظهور سياسيا ، وفيهم المعدم الذي لا يرجوا من هذه البلاد خيرا مادام لم يستفد منها شيئا يقيه حر الصيف وبرودة الشتاء ، ومنهم من يتشفى من إحراق البلدية لأنها لم تنصفه ، وآخر يقطر حقدا على مصالح الضرائب لأنها ارهقته تعسفا بمطالب ضريبية لا تنتهي حتى بعد الممات ،وآخرون عرقلتهم البنوك في التعامل فتلك فرصة للإنتقام منها ، وآخر ظلم مرات ومرات من قبل أعوان الأمن تعسفا في تطبيق قانون المرور ، وسحبا لرخصة سياقته وما ينجر عنها من تعطل لمصالحه ، متبوعة بجناية تستوجب الوقوف أمام المحاكم وما يتبعها من تغريم نقدي مبالغ فيه ، أو أنه يجبر عل تقديم الرشوة جبرا للضرر ، وآخرون يستنكرون الفعل لكن بقلوبهم لا بأيديهم وألسنتهم لما في ذلك أضعاف الإيمان ..... الخ .، وإن كنت أرى بأن التضييق في تنظيم المسيرات الإحتجاجية التي هي السبيل الديموقراطي الأمثل لإيصال الإنشغالات للجهات المعنية تحت طائل تطبيق قانون الطواريء هو السبب الأساس في ظاهرة الإنفجار ، فعندما يمنع المارد من الخروج من قمقمه فقد يكسر الأبواب جميعها طلبا للحرية . ومهما كانت الأسباب وجيهة أو مفتعلة فهي ليست تبريرا مقبولا لما وقع من هدم لمقدراتنا ، فالفاعلون إما أنهم تحت تأثير هوس انتقامي ، أو مرض نفسي ، أو شذوذ بمخدر قوي المفعول ، وهم لا يعلمون بأنهم يخربون بيوتهم بأيديهم ، وقد يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه .
ما وقع قد وقع ، فالمهم أن تتجند وسائل الإعلام والجمعيات بمختلف تنوعها لردأ الصدع سريعا ، وايقاف النزيف على المدى القصير ، ثم تأسيس خلية تفكير من خبراء يمكنهم توضيح خصوصيات الشباب الجزائري وكيفية معالجة هذا الشذوذ الذي تكرر وأضر بالجميع ، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود العدالة والمَثل الأعلى الذي يسترشد به الشباب ، مع رسم استراتيجية متكاملة تولي العناية الأكبر للمورد البشري على أنه الأساس في كل تنمية وتطور .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزائر تحترق ، والشعب يختنق ، وقادتها ساكتون .
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (2/2)
-
العروبة والإسلام ...تكامل أم تنافر ؟ (1/2)
-
ألفة يوسف .... وحيرة مسلمة .
-
السبي في الإسلام ...رذيلة منكرة ( ردود وحدود).
-
السبي في الإسلام ... رذيلة منكرة .
-
هوية الأمازيغ ،التأصيل والتشريق .
-
جودا ، أكبر (الإستهجان والإستحسان).
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) .
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
-
الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
-
آية السيف ، بين التفعيل و التعطيل .
-
المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .
-
أي عروبة لابن باديس في الجزائر ؟؟؟
المزيد.....
-
السعودية ترحّب بالتوصل لاتفاق هدنة في لبنان معبرة عن أملها ب
...
-
المعارضة الألبانية تغلق شوارع العاصمة وتطالب بحكومة مؤقتة حت
...
-
قائد الحرس الثوري الإيراني يبعث رسالة إلى الأمين العام لـ-حز
...
-
صحيفة أمريكية: -أوريشنيك- أبعد صاروخ استخدم في أوروبا
-
-معاريف-: أعضاء في الحكومة الإسرائيلية يحاولون استخدام اتفاق
...
-
طاقم توجيه مسيرات جوية أوكرانية يستسلم طوعا مع معداته للجيش
...
-
كشف المزيد من -الأثر الأوكراني- في المقابر الأمريكية (صور)
-
-سوبرمان- و-التعقيم الجنسي- وجها لوجه في الولايات المتحدة!
-
هواوي تعلن عن أفضل حواسبها اللوحية
-
الجيش الأوكراني يصدر إنذارا جويا بعد إطلاق صواريخ بالستية رو
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|