أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة















المزيد.....

التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 19:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتب العديد من الكتاب الأفاضل هذه الأيام، مقالات ينتقدون فيها بشدة ما يسمى بالديمقراطية التوافقية. والمقصود بالتوافقية، اتفاق الزعماء السياسيين الذين فازت كتلهم على مقاعد برلمانية، ولها ثقل عددي في البرلمان، وقدرة على دعم السلطة، أو عرقلة عملها إذا شاءت، على تشكيل حكومة إئتلافية توافقية وفق برنامج سياسي معين، بمثابة القاسم المشترك الأعظم لجميع الكتل.

لا شك أن هدف كل إنسان وطني غيور على وطنه، ومثقف ذي عقل سليم وضمير حي، يتمنى أفضل أنظمة الحكم لشعبه وبلاده، وبالتأكيد ليس هناك أفضل نظام حكم من النظام الديمقراطي الناضج، الذي يقوم على أساس التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، فتكون هناك أحزاب تحكم، وأخرى في المعارضة تراقب السلطة وتحاسبها على أخطائها وتكشف هفواتها وهناتها، تماماً كما هو جار في أرقى البلدان الديمقراطية الناضجة في أوربا الغربية وغيرها. ولكن المشكلة الكبرى، وكما قال شاعر عربي:
ما كل ما يتمناه المرء يدركه..... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

فإذا ما وضعنا في نظر الاعتبار تعقيدات الوضع العراقي، وتعددية مكوناته: القومية والدينية والمذهبية، وكياناته السياسية المتصارعة فيما بينها، والمتنافسة بشراسة على السلطة، وإذا ما أدركنا أن هناك على الأقل أربع تحالفات كبيرة، يضم كل منها عشرات الكيانات السياسية، متنافسة فيما بينها، وكل منها يريد حصته من كعكة السلطة، كما لم يستطع أي تحالف الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلقة، أقول إذا ما وضعنا كل هذه الأمور المعقدة في الحسبان، لأدركنا حجم الصعوبات التي تقصم ظهر البعير، والتي يواجهها هؤلاء الزعماء للوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، ولذلك فلا عجب أن يتعطل تشكيل الحكومة نحو ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية.

ولكن رغم هذه التعقيدات والصعوبات، يطالب البعض بديمقراطية على غرار أرقى دولة في العالم. فالديمقراطية، وكما بينا في مقالات سابقة، لا تولد ناضجة بل هي عملية تراكمية، تبدأ بمخاض عسير، وبحقوق بسيطة، ثم تنمو وتتطور مع النمو الحضاري للشعب، وصولاً إلى المراحل المتقدمة من الحضارة، يتمكن فيه الشعب من إدارة أموره بنفسه، ومن خلال منظمات المجتمع المدني، وبأرقى تنظيم، ويتقلص دور الحكومة إلى حماية أمن المواطنين، وجمع الضرائب لدفع تكاليف الخدمات. وهذا الذي يحدث الآن في الديمقراطيات الناضجة.

ولكن هل بالإمكان تحقيق هذه القفزة الواسعة من نظام حكم البعث الفاشي الجائر لخمس وثلاثين سنة إلى ديمقراطية ناضجة بين يوم وليلة، لا بل وحتى بعد سبع سنوات؟ الجواب: كلا. ومن هنا نعرف أن هناك فرق كبير ومسافة شاسعة بين طموحات النخب المثقفة من جهة وبين الممكن تحقيقه في ظروف معينة من جهة أخرى. إذ يجب التوازن بين الممكن واللاممكن، والقائد السياسي هنا أشبه ببطل السيرك الذي يمشي على حبل مشدود، ماسكاً بعصا التوازن ليحمي نفسه من السقوط. فالسياسة فن الممكن، وفي هذه الحالة، من الحكمة أن نقبل بالممكن وفق شروط المرحلة، ودون أن ننسى الطموح. ومن يصر على سياسة (كل شيء أو لا شيء)، ينتهي دائماً بلا شيء، تلك السياسة التي أصر عليها قادة القوى الوطنية والنخب الثقافية، منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الآن، وكانت النتيجة، ليست فقط لا شيء، بل من كارثة إلى كارثة أسوأ من السابقة.

وكثيراً ما أسمعَنا قادة "العراقية"، أن غرضهم من المشاركة في السلطة ليس المناصب والامتيازات المادية والمعنوية، بل بدوافع الوطنية وخدمة الشعب. ولكنهم في نفس الوقت أصروا على حصة الأسد في المناصب الوزارية وغيرها، كما وقرأنا أن أحد شروط الدكتور أياد علاوي للقبول بالمالكي رئيساً للحكومة، هو أن يكون راتبه معادلاً لراتب رئيس الوزراء... فإذنْ، كل هذه المعركة كانت من أجل المنافع الشخصية والفئوية وبغطاء الوطنية.

إن الظروف الموضوعية القاسية التي يمر بها العراق الجديد هي التي فرضت الديمقراطية التوافقية لأن كل كتلة تصر على المشاركة في السلطة، ويا ليت هناك كتلة تقبل بأن تقود المعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية الناضجة. ولكن المشكلة أن في حالة عدم مشاركة كتلة ما في السلطة، فستقوم هذه الكتلة بتخريب العملية السياسية برمتها، يعني بالعراقي الفصيح (لو ألعب لو أخرب الملعب).

ولذلك، فعندما فشل الدكتور أياد علاوي في تشكيل تحالف مع أية كتلة أخرى ليكوِّن أكبر تحالف برلماني يمكنه من تشكيل الحكومة، راح يهدد بالحرب الطائفية، ويلوِّح بتصاعد موجة الإرهاب. وفعلاً حصلت عمليات إرهابية فضيعة بعد الانتخابات، راحت ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء. وهذا يدل على أن بإمكان أية كتلة غير مشاركة في السلطة، تخريب الملعب وأن تحيل الحياة إلى جحيم على الشعب والسلطة.

عامل آخر يفرض التوافقية، وهو أن كل تحالف سياسي يمثل منطقة جغرافية من العراق تسكنها مكونة من مكونات الشعب، فالتحالف الوطني (دولة القانون+ الإئتلاف الوطني) يمثل مناطق من بغداد وجميع المحافظات الوسط والجنوب (ذات الغالبية الشيعية). وكتلة "العراقية" تمثل المحافظات الشمالية الغربية (العربية السنية)، والتحالف الكردستاني يمثل كردستان العراق أي الشمال الشرقي. وبما أنه لم يحصل أي تحالف على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان، فلا بد من حكومة المشاركة الوطنية بالتوافق مع التحالفات الأخرى، إضافة إلى العامل الجغرافي والكيان السياسي.

وعليه، فالحكومة حتى ولو تشكلت من تحالفات تضم الأغلبية البرلمانية المطلقة، ليست لها شرعية على أية منطقة أو مكونة من الشعب ما لم تكن تلك المكونة والمنطقة ممثلة في الحكومة. وهذا متبع في أرقى الدول الديمقراطية، وعلى سبيل المثال، عندما حصل حزب المحافظين البريطاني على أعلى نسبة من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية في العام الماضي، ولكن دون الغالبية المطلقة، كما ولم يحصل الحزب المذكور غير مقعد واحد فقط في سكوتلاندا، صرح زعيم الحزب القومي السكوتلندي، ألكساندر سامون، أن حزب المحافظين إذا ما شكل الحكومة لوحده فلا يمتلك أية شرعية لحكم اسكوتلاندا، ونحن في حل من قرارات الحكومة المركزية في لندن. ولم تنحل المعضلة إلا بعد أن تشكلت الحكومة الإئتلافية بين المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار الذي كان يتمتع بعدد غير قليل من نواب اسكوتلانديين، وتم اختيار وزراء منهم في الحكومة الائتلافية. هذه حالة بريطانيا العظمى، موطن الديمقراطية الحديثة، فكيف بحالتنا العراقية؟ ولذلك نقول في النظام الديمقراطي، لا شرعية للحكومة العراقية على أي إقليم في العراق ما لم يكن ذلك الإقليم ممثلاً في الحكومة.

ولهذه الأسباب، وغيرها كثير، ففي هذه المرحلة التاريخية العاصفة الراهنة، حيث الديمقراطية مازالت ناشئة، لا بد من تبني الديمقراطية التوافق، فهي شر لا بد منه في هذه المرحلة العصيبة، ولكنها أفضل من تخريب الملعب، والعراق محكوم عليه بالاستمرار على هذه الحالة إلى أن يخرج من هذه الإرهاصات، وتتحول الكتل السياسية إلى أحزاب كبيرة ناضجة تضم في صفوفها أعضاء من مختلف المناطق ومكونات الشعب، وتصبح الديمقراطية تقليداً وجزءً لا يتجزأ من ثقافة الشعب العراقي، عندئذ فقط يمكن التخلص من التوافقية، وتشكيل الحكومة من قبل تحالفات أو أحزاب متجانسة، وأحزاب أخرى تقود المعارضة. والعراق مازال بعيداً عن هذه المرحلة في الوقت الراهن.
ـــــــــــــــــــــــ
العنوان الإلكتروني للكاتب: [email protected]
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com/



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية حكم ولاية الفقيه
- الطائفية في عهد حكم البعث
- الطائفية في العهد الجمهوري، القاسمي والعارفي
- في مواجهة ثقافة التدمير
- خطاب مفتوح إلى دولة رئيس الوزراء
- لا لإغلاق النوادي الليلية في بغداد
- التشكيك في إسلام الشيعة
- التشكيك في عروبة شيعة العراق
- تهنئة للحوار المتمدن بمناسبة منحها جائزة ابن رشد
- لا تصنعوا من طارق عزيز شهيداً
- المؤامرة البعثية - السعودية لتدويل القضية العراقية
- وأخيراً انتصرت الإرادة العراقية
- في مواجهة تحديات بناء الدولة الديمقراطية*
- محنة المسيحيين في الشرق الأوسط
- ويكيليكس في خدمة الإرهاب
- محاولات لمعالجة الطائفية في العهد الملكي (الطائفية السياسية- ...
- الطائفية في العهد الملكي (الطائفية السياسية، الفصل التاسع)
- رأي في النكات العنصرية
- من أساليب البعث الخبيثة (صورة وتعليق)
- دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة