ختام الدراجي
الحوار المتمدن-العدد: 3237 - 2011 / 1 / 5 - 14:32
المحور:
كتابات ساخرة
مع حلول العام الجديد شعرت بأنه لزاما ًعلي أن أتقدم بالتهنئة للشعب العراقي الكريم الصابر المحتسب , بكافة أطيافه وقومياته , وخصوصا ً أخوتنا المسيحين منهم , بمناسبة أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة .
وأيضاً , وهذا هو الأهم , فأن جموحنا في أحلامنا وآمالنا لم يذهب أدراج الرياح بل أتى بثماره , وعلى أكمل وأحسن وجه , والفضل بذلك يعود لله ولسادتنا المسئولين الكرام , فالشوارع اليوم أصبحت وبشهادة العدو قبل الصديق , تشبه إن لم نقل هي أجمل من شارع الشانزليزيه , إضافة إلى خلوها التام من كل مظهر غير حضاري متمثلا بالأزبال أو المطبات . الشوارع اليوم أصبحت مصقولة لدرجةٍ أراها أحيانا ً وكأنها صارت مطلية بالذهب أو الفضة , لم نعد نرى حتى عقب سيكارة واحدة في أي شارع من شوارع بغداد والعراق , وهذه مظاهر أصبحت اليوم ظاهرة لافتة لان أمانة بغداد , وبكل دوائرها البلدية أصبحت تحاسب وبشدة كل من تسول له نفسه بأن يرمي عود ثقاب في الشارع , هذا لأن الأمانة ودوائرها أستوعبت اليوم حقيقة دورها المهم في بناء العراق الجديد , وإنها الدائرة الأكثر تحملا ً للمسؤولية في هذا البناء , وان العراق هو في الواقـع أروع وأكثر ثقافة وتحضرا ً من أي بلد عربي من دول الجوار , حيث يتمتع أبناؤه بشوارع تجـد في بهائها وأناقتها خير دليل على احترام المسئولين لشعبهم , إضافة إلى كثرة الحدائق العامة التي تبعث في النفس الراحة والطمأنينة , ولم نعد نرى في الشارع شباب حلوين في مقتبل العمر يبيعون الصحف أو الشاي أو الكعك الذي يحملونه في صواني على رؤوسهم الطاهرة الشريفة فهذا أيضا أصبح من أحاديث الماضي , أما المتسولين فهم أيضا أصبحوا الآن في خبر كان لأسباب سأذكرها فيما بعد .
وبالنسبة للأمطار فهي الآن أصبحت مصدر آخر لغسل الشوارع فأصبحنا كلما أمطرت هللنا وفرحنا لأن الفيضانات أيضا أصبحت في خبر كان فشبكات مياه الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار , لا تسمح بقطرة ماء تتبختر على الشارع .
والنواب المحترمين شرعوا قوانين كلها تصب في مصلحة الوطن والمواطن , فالآن هناك قانون عقوبات على أي عامل نظافة يتخلف عن واجبه , وهذا القانون لا يسمح حتى بوجود عود ثقاب في الشارع , والعقوبات تشمل كل مواطن يتخلف عن واجبه في تسليم القمامة إلى عمال النظافة وعدم رميها بالساحات والأراضي الخالية خصوصا ً وأن عمال النظافة صار مرورهم يومي , إضافة إلى أن واجباتهم أصبحت ليلية , حيث صاروا يؤدون واجبهم ونحن نيام خشية إزعاجنا بضجيجهم أثناء ذلك , ويتم العمال تنظيف الشوارع وغسلها ليلاً , ففي كل صباح ونحن متجهين كل إلى عمله , نرى بالملموس جمال العراق بأم أعيننا متجسدا ً في نظافة الشوارع و الجزرات الوسطيه التي فيها من الزهور , أصناف عديدة زاهية تسر الناظرين , فقد أصبحت الحفر والمطبات والجزرات المتهدمة بسبب الإهمال في خبر كان .
شيء آخر كنا نعاني منه بأستمرار والآن هو الآخر صار من أحاديث الأيام الخوالي , ألا وهو أن المسئولين الكرام عندما تتنقل مواكبهم في الشوارع لم يكن يهمهم أحد آخر وكأنما العراق أصبح خالياً إلا منهم , لذلك كنا نرى أحياناً تلك المواكب تسير عكس السير ويستخدم سائقيها المنبه بطريقة متواصلة توحي لمن يسمعها ويسمع أصوات منبهات سيارات الشرطة المرافقة لهم والدراجات النارية إن هناك زلزال سيضرب البلد وعلينا أن لا نسير في الشوارع إنما نطير , كل هذا مثلما قلت أصبح من أساطير الأولين. لأنهم الآن يسيرون حالهم حال العراقيين من البشر, خصوصاً وكما ذكرت وتعرفون جميعاً أن حركة المرور في الشوارع تسير اليوم بانتظام ليس له مثيل في أي مكان من الكوكب.
والمياه التي نشربها الآن مطمئنين جداً على إنها ضمن المواصفات لأن المسئولين حريصين على شعبهم بنفس درجة حرصهم على أرواحهم , لذلك فهم ليس كسابقيهم الذين كانوا يشربون قناني المياه المعدنية والمعقمة بالأوزون ويتركون باقي الناس يشربون ماءً ملوثاً كونه المتوفر لوحده كسبيل لإرواء عطشهم , فضل هذا كله والحمد لله والشكر يرجع للسادة المسئولين , وما كان الناس يعانون منه من أمراض معدية تنتقل عن طريق ذلك الماء , أصبح في خبر كان .
أما موضوع البطالة فهذا شيء محوناه من الوجود والذاكرة معاً لدرجة إنني أحيانا ألوم الشباب على تبطرهم على الوظائف المتوفرة وبكثرة ولم نكن حتى نحلم بها والكل الآن عرفوا قيمة دراستهم لان كل واحد الآن يحصل على تعيين في الوزارات الحكومية على أساس الشهادة دون الحاجة إلى واسطة أو رشوة , إذن فقد وضعنا موضوع البطالة والرشوة والمحسوبية أيضا في خبر كان .
ونتحدث الآن على موضوع آخر وهو البطاقة التموينية التي أصبحت الآن تضم أكثر من 50 مادة ولازال المسئولين يبحثون وبشغف عن مواد أخرى كي يضموها إلى تلك البطاقة رغم إني لا أرى سبباً موجبا ً لهذا الحب والحرص الأكثر من اللازم , فحتى بطاقات شحن الهواتف الجوالة بالرصيد أصبحت من ضمن مفردات البطاقة , وزمن البطاقة التي تضم مادة واحدة ( ومع هذا كان المواطن يدفع سعر المواد كاملا لها) صار في خبر كان , حالها حال كثير من المظاهر السيئة التي عفا عليها الزمن , فهل هناك كرم أكبر من هـذا ؟؟؟ !!
أما موضوع السكن فحدث ولا حرج , فاليوم بيوت الطين المسقفة بالخشب وحصران القصب , والمنازل المبنية من الصفيح والتي يسقفها الصفيح المضلع , والخيم الموجودة في عراق ما قبل 2011 , هي أيضاً صارت في خبر كان , فقد تم بناء مجمعات سكنية لكل العراقيين اللذين عاشوا زمناً طويلاً في سكن لا يرتضيه أي شريف لأبناء بلده , أن يعيشوا بمثله .
ولكل موظف الآن سكن يعيش هو وأسرته فيه بأمان لذلك لم يعد أي منهم بحاجة لأن يرتشي أو يتلاعب بالأوراق الرسمية , لأن الوظيفة وفرت له الأمان له ولعائلته , ولم يعد بإمكانه أن يتحجج بالإيجار وغير الإيجار فقد أصبح هذا الموضوع أيضا ً في خبر كان .
الكل أصبح اليوم همه الأوحد هو كيفية الارتقاء بالمجتمع وبالوطن , وأصبح الكل يشعر بأنه وسط سباق مع بقية الدول ليصل بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة قبل غيره , لا بل إن الكل يسعون لأن يتجاوز تلك الدول في معايير التقدم وعلى راس الكل مسؤولينا العظام.
الآن أصبح لكل فرد وحتى المواليد الجدد ومن أول يوم لولادتهم حصة من خيرات العراق التي لا تعد ولا تحصى , رغم إن العراقيون ( ومن باب إن القناعة كنز لا يفنى ) باتوا مكتفين بما يصيبهم من خيرات النفط , والجميل هنا أن الدولة لا ترى إن ما تمنحه للمواطن هبه , إنما هو واجب عليها .
إضافة إلى الجهد الرائع في بناء الأنفاق والجسور حيث لا تخلوا الآن أي منطقة في بغداد من جسرين ونفقين لذلك فأن أزمة الزحام هي أيضا أصبحت من مخلفات الماضي وخبراً أخر لكان .
أما بالنسبة للكهرباء فهذا موضوع يحتاج لقصائد شعر فالآن نعيش في جنة وربيع دائم يشمل كل الفصول , فالدولة سعت وبجد لأن يكون في العراق نظام تكييف مركزي عام يشمل كل أجوائه لذلك لم نعد بحاجة لمبردة الهواء في الصيف و ما عادت مشكلتنا معها في كونها ( فرغت من الماء وصار الهوا حار وروح إمليها ) تشكل هما ً لنا .. ولا للمدافيء النفطية في الشتاء بما فيها من ضرر صحي وخطر و ( إملي الصوبة وفرغت الصوبة ) فهذا كله أصبح في خبر كان .
أما بعد وبعد كل هذه النعم التي حصلنا وتنعمنا بها بفضل الله والمسئولين ... هل نستكثر على السيد كامل الزيدي وأعضاء مجلس محافظة بغداد أن يشرعوا قوانين ما أنزل الله والدين الإسلامي الحق بها من سلطان , على كل المواطنين العراقيين من المسلمين والمسيحيين والصابئة على حد سواء ؟ هل نلومه بعد كل النعم التي أنعم بها علينا لأنه أغلق محال الشرب ؟ أو لأن أقرانه في محافظة بابل ألغوا مهرجان بابل ومنعوا الفرق من تقديم عروضها ؟
أو لأنه وحلفائه في مديريات التربية و وزارتها يفكرون بإلغاء قسم الموسيقى والمسرح في معهد الفنون الجميلة ؟ أو لأنهم بعد كل ذلك سيفكرون بسن قانون يلزم النساء بارتداء الحجاب والنقاب حتى على من تنتمي إلى دين أو طائفة أخرى ؟.
لا فهذا كله سيصبح استخفاف من قبل حضرتنا بكل الانجازات والفضائل التي قدموها لنا وما زالوا يقدمونها .
ملاحظات .....
- إن كنتم تريدون تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها لدرجة إنكم الآن تسيرون بقانون لا يعرف غير مبدأ الإغلاق والمنع ونسيتم إن العراق أصلا ً هو بلد للفنون الجميلة ومنذ الأزل , لكن إن كانت الشريعة الإسلامية هي منهجكم وليست الخلافات السياسية هي التي تسيركم فعليكم إذن أن تقطعوا أيديكم الاثنتين لأن سرقاتكم والفساد الإداري المستشري بينكم كالسرطان , نحن وانتم على علم به .
- العراق كان و ما زال رغم تهافتكم على تبديل هويته , بلد علماني يحترم كل الأديان وكل عاداتها وطقوسها ولم ولن يتغير هذا الحال على أيدي مجموعة من المسئولين الغير عارفين بمسؤولياتهم الحقيقية . وسوف لن يكون هناك أحد يفرض رأيه أو معتقداته على الآخر وخصوصا من كان جاهلاً بتاريخ العراق ومكانته مثلكم .
- إن الدين الإسلامي تشوهت سمعته حتى بين المسلمين بفضل ممارساتكم , فإما أن تكونوا جهلة بما تفعلوه , وإما أن تكونوا متعمدين لتشويه صورته لسبب أو لآخر , وبالحالتين أقول اخجلوا يا من لا تعرفون للخجل معنى .
- لا اتصور ان مشاكل العراق والشعب سببها محال الشرب او قسم الموسيقى والمسرح او التماثيل .
- كل ما كتبته حلم داخل حلم إن لم تستطيعوا تحقيق شيء منه فسنجبركم على ترك مناصبكم الغير جديرين بها وبأسرع مما تتصورون وبالتالي ستكونون انتم .... وانتم فقط
في خبر كان
#ختام_الدراجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟